ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب المجلد 2

اشارة

سرشناسه : تبریزی، جواد، 1305 - 1385.

عنوان قراردادی : المکاسب.شرح

عنوان و نام پديدآور : ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب / تالیف جواد التبریزی.

مشخصات نشر : قم : دارالصدیقه الشهیده ، 14ق. - = 13 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : دوره، چاپ چهارم 964-8438-20-X : ؛ 20000 ریال : ج. 1، چاپ چهارم 964-8438-19-6 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد دوم.

يادداشت : کتاب حاضر شرحی برکتاب "المکاسب" تالیف انصاری است.

يادداشت : ج. 1 (چاپ چهارم: 1425 ق.= 1383).

يادداشت : ج. 2 و 3 (چاپ چهارم: 1384).

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1214-1281ق . المکاسب -- نقدو تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

شناسه افزوده : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1214-1281ق . المکاسب . شرح

رده بندی کنگره : BP190/1 ی/الف8م702128 1300

رده بندی دیویی : 297/372

شماره کتابشناسی ملی :

كتاب البيع

[تعريف البيع]

و هو في الأصل كما عن المصباح مبادلة مال بمال (1).

______________________________

(1) حكى (ره) عن المصباح ان البيع لغة مبادلة مال بمال، و ذكر ان المتبادر من استعمالات لفظ البيع اختصاص المعوض المعبر عنه بالمبيع، بالعين، و لو قال بعث عينا، لكان ذكر العين تأكيدا كما انه لو قال بعت داري أو عبائى، يكون الذكر لتعيين العين التي يستفاد من البيع تمليكها بعوض.

و الحاصل لا يطلق البيع على مبادلة غير الأعيان إلا تسامحا كما في بعض الاخبار و بعض كلمات الفقهاء كالتي ذكر فيها بيع خدمة العبد المدبر، و بيع سكنى الدار التي لا يعلم صاحبها، و بيع الأرض الخراجية، فإن بيع خدمة العبد لا يكون الا بمعنى تمليك عمله، و بيع سكنى الدار بمعنى تمليك منفعتها اى قابليتها للسكنى و كذا بيع الأراضي الخراجية، فإن نفس تلك الأراضي لا يجوز بيعها كما مر فيكون

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 2، ص: 4

..........

______________________________

المراد المعاملة على منفعتها فإطلاق البيع على تمليك المنفعة في مثل هذه الموارد كإطلاق الإجارة على تمليك العين في غيرها مجازي.

و في صحيحة الحلبي قال تقبل الثمار إذا تبين لك بعض حملها سنة و ان شئت أكثر. و ان لم يتبين لك ثمرها فلا تستأجر «1».

و المراد بالاستيجار الابتياع لأن إجارة الشجر قبل ظهور الثمرة صحيحة، فالنهي باعتبار شراء الثمرة قبل حصولها، و لذا نقل في الوسائل الرواية في باب البيع، و ليس المراد افتراق الإجارة عن البيع في المتعلق، و انه يكون متعلق الإجارة المنفعة و متعلق البيع العين ليقال بأنه لا فرق بينهما في هذه الجهة حيث ان الإجارة أيضا تتعلق بالعين، و يقال آجرت الدار سنة بكذا بل المراد افتراق التمليك في البيع، عن التمليك في الإجارة. في ناحية المتعلق، حيث ان متعلقة في الإجارة المنفعة، و في البيع نفس العين.

و بعبارة أخرى تعلق التمليك في الإجارة بالمنفعة مقتضى نفس الإجارة، فإن معناها تمليك المنفعة نظير ما يقال ان الأمر يتعلق بالطبيعة دون الوجود و ان الوجود يستفاد من نفس الأمر، حيث انه طلب الإيجاد، و المراد بالعين مقابل المنفعة، و الحقوق، لا خصوص العين الخارجية فعلا، بل ما لو حصل في الخارج لكان عينا لا منفعة، و لا حقا، فيعم التعريف بيع الدين و نحوه.

ثم انه يبقى في البين ان عنوان البيع ينطبق عرفا على نقل بعض الحقوق الى الغير بالعوض كما إذا ترك له حق سبقه الى السوق أو الى بعض الخانات أو المسجد و نحوها، و دعوى المسامحة في الإطلاق لا تخلو عن المجازفة، حيث لا ترى فيه اى مسامحة أو تجوز، فالمنع عن

جريان الأحكام المختصة بالبيع

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب بيع الثمار حديث: 4.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 5

..........

______________________________

على ذلك النقل، بان لا يكون فيه خيار المجلس، و التلف قبل القبض، و نحوهما مشكل جدا.

نعم لا يطلق البيع على تمليك المنفعة بل قوله ملكت منفعة الدار سنة بكذا بمنزلة قوله آجرتها بذلك العوض، و لو قال بعت منفعتها سنة بكذا يجرى عليه أحكام الإجارة بناء على ما هو الأظهر من صحة الإجارة و نحوها بما إذا كان إنشائها بالكناية أو المجاز الظاهرين.

و يبقى ايضا ان البيع بحسب الظهور العرفي فعل البائع، و ان يكون صدقه عليه موقوفا على تحقق القبول من المشترى، و لكن الشراء لا يكون بيعا، و المبادلة من باب المفاعلة يصدق على فعل كل من البائع و المشترى، فلا يكون تعريف المصباح الا من باب المسامحة و التعريف اللفظي المعتبر فيه تبديل لفظ بلفظ آخر يكون أوضح في الدلالة من دون اعتبار التساوي في الصدق.

نعم ربما يستعمل لفظ البيع بمعنى الشراء، و لذا يقال ان لفظ البيع و الشراء يستعمل كل منهما في فعل البائع و المشترى الا انه عند الإطلاق ينصرف الأول إلى فعل البائع، و الثاني إلى فعل المشترى، لا من فعل الاثنين أو انصراف الكلي الى بعض افراده بل من انصراف اللفظ المشترك الى بعض معانيه.

و بما ان تعريف البيع بالمبادلة غير صحيح كما مر، فعرفه بعضهم بتبديل المال الذي يكون عينا بعوض، و هذا التبديل في الإضافة بأن يكون العوض قائما مقام العين في كونه طرفا في الإضافة الحاصلة بينها و بين مالكها كما انه كان المضاف الى زيد النوب و بعد بيعه من

عمر و يكون العوض قائما مقام الثوب في تلك الإضافة، و يكون في باب الإرث التغيير في المضاف إليه بأن كانت ما في الخارج من الأموال مضافة الى زيد و بعد موته تكون إضافتها إلى ورثته.

و بعبارة اخرى كان البائع ببيعه يفك علقته بالمتاع، و يشدها بالثمن، كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 6

..........

______________________________

يفك علقة المشترى بالثمن، و يجعل مكانه المتاع، و هذا بخلاف باب الإرث فإنه يكون المضاف إليه في الإضافة الحاصلة في الأموال هو الوارث بعد مورثه.

و فيه انه قد لا يكون في البيع تبديل مال بآخر بالمعنى المزبور، كما في بيع الكلى على الذمة، فإن ذلك الكلى ما لم يقع عليه المعاملة لا يكون ملكا و مضافا الى أحد، نعم بالمعاملة يتملكه المشترى على البائع، و يكون مالا له فلا يتصور فيه فك ملك و عقد علقة الملكية بمال آخر حتى يتحقق التبديل في الإضافة.

و لو قيل بان البيع عبارة عن تمليك المال الذي لا تكون منفعة بعوض لا يبعد شموله للكلي على الذمة، فإن الكلى و ان لا يكون مضافا لأحد ما لم يتم المعاملة عليه، الا انه يكون في نفسه مالا حيث يبذل بإزائه مال.

و الحاصل الكلى المزبور قبل المعاملة لا يكون مالا للبائع، بأن يكون ملكاله، فيقال انه ذو مال، الا انه في نفسه مال حيث يرغب العقلاء الى بذل العوض له، و نظير ذلك ما نذكر في عمل الحر، فان عمله مال حيث يرغب الى بذل العوض له بالاستيجار و نحوه، و لكن ما دام لم يجر عليه المعاملة لا يكون مالا و ملكا لأحد، و الإجارة أيضا تمليك مال بعوض الا ان المال

الذي يكون متعلق التمليك في الإجارة هي المنفعة كما تقدم، و المراد بالعوض ما يكون موجبا لخروج العين عند تمليكها عن المجانية.

ثم ان المعاوضة اما بين عرضين، كما إذا عاوض كتابه بعباء الغير، و اما بين ثمنين، كما إذا عاوض دراهمه بدنانير، و اما بين عرض و ما هو من الأثمان، و هل يطلق البيع على كل من الأقسام الثلاثة، أو يختص بالأخير.

فصل السيد الخوئي (طال بقاه) و ذكر في القسم الأول انه تارة لا يكون لأحدهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 7

و اما العوض فلا اشكال (1)

______________________________

غرض في خصوص العرض الذي يأخذه، بل غرضه من أخذه الإمساك بمالية المتاع الذي يملكه للآخر، و لذا لو كان الآخر يعطيه من الأثمان أخذه بإزاء متاعه، و لكن يكون للآخر غرض في خصوص المتاع الذي يأخذه، و يتفق ذلك غالبا في الأمتعة التي تباع في القرى لأهلها، حيث يعطى حامل القماش إياهم القماش، و يأخذ بدل الدراهم و الدنانير الحنطة و الشعير و نحوهما، باعتبار ان المشترى لا يتيسر له الدراهم و الدنانير، ففي هذه الصورة من يبذل المتاع الذي للآخر في خصوصيته غرض بايع، و الآخر مشتر، و أخرى يكون لكل منهما غرض في خصوص متاع صاحبه، فهذه معاوضة، لا بيع، و المعاوضة أعم و يعمها مثل قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

و اما القسم الثاني و هي المعاوضة بين الأثمان فلو كان الثمنان رائجين عند المتعاملين، كمن عاوض الدينار العراقي بالدراهم العراقية، فلا تكون المعاوضة بيعا كما تقدم، بخلاف ما إذا كان أحدهما رائجا عند هما، كمن عاوض في العراق الاسكناس بالدينار العراقي، فان عمل صاحب الاسكناس بيع، و عمل الثاني شراء.

أقول تمييز

البائع من المشترى بما ذكر مبنى على الالتزام بان البيع هي المبادلة بين المالين، و بما ان المبادلة فعل الاثنين، فيحتاج في تشخيص البائع و المشترى الى أمر آخر، و اما بناء على ما ذكرنا من كون البيع هو تمليك المال بعوض، و التمليك أمر إنشائي فكل من أنشأه فهو البائع، كما ان الشراء هو التملك بعوض، فكل من إنشاء التملك أو الرضا بالتملك فهو المشترى، سواء كان الإنشاء بالقول أو الفعل، و في الاخبار الواردة في السلم، و بيع المتجانسين، و الصرف، و الرجوع الى العرف، شهادة على ما ذكرنا فلاحظ.

(1) ذكر قده جواز كون العوض في المبادلة منفعة، بلا خلاف، نعم نسب إلى البهبهاني (ره) الخلاف في ذلك، و لعل منشأ خلافه ما يذكر في كلام الفقهاء من كون البيع لنقل الأعيان، و لكن هذا الكلام كقولهم الإجارة لنقل المنافع، ناظر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 8

..........

______________________________

الى بيان حال المعوض.

ثم ان عدم الإشكال في جعل المنفعة عوضا انما هو فيما إذا كانت المنفعة مالا كمنافع العبد، و الحر بعد تعلق الإجارة بعمله، فان عمله بها يكون مالا للمستأجر، إذا كان العوض عمله قبل وقوع الإجارة به كما إذا بادل كتابا بخياطة الآخر ثوبه، ففي كونها بيعا إشكال، فإن عمل الحر بعد هذه المبادلة و لو يكون مالا لصاحب الكتاب، الا ان المعتبر في كونها بيعا كون العوض مالا قبلها، عما هو ظاهر تعريف المصباح.

أقول لازم الإشكال في جعل عمل الحر عوضا في البيع، الإشكال في جواز بيع الكلى على الذمة فإن ما ذكره في وجهه من لزوم كرن العوضين مالين قبل المعاوضة جار فيه ايضا، و لا احتمل الالتزام

منه (ره) أو من غيره ببطلان بيع السلم، و غيره مما يكون المبيع من الكلى على الذمة، و عليه فلا إشكال في جعل عمل الحر عوضا في البيع، بل كما ذكرنا عمل الحر كالكلي على الذمة في نفسه مال، حيث يبذل بإزائه المال، بالاستيجار، و نحوه، غاية الأمر لا يضاف الى أحد قبل المعاوضة بأن يقال انه ذو مال.

و قد يستدل على عدم كون عمل الحر قبل المعاوضة مالا بوجهين: الأول عدم كونه محققا للاستطاعة في الحج فإذا كان متمكنا على عمل في طريق الحج، بحيث تكون أجرته وافية لمصارف الحج، لا يجب عليه الخروج الى الحج، و لو كان العمل كما ذكر مالا لتمت الاستطاعة المعتبرة في وجوبه، و فيه ان عمل الحر قبل المعاوضة عليه مال حيث يبذل بإزائه المال بالاستيجار، و نحوه، و لكن قبلها لا يضاف الى أحد، حتى الى فاعله، بان يقال انه ذو مال، و العمل ملك و مال له، و المعتبر في وجوب الحج كون المكلف ذا مال، بان يكون عنده ما يحج به.

الثاني ان الحر إذا لم يكن أجيرا و حبسه الجائر لا يضمن له ما يفوته بذلك،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 9

و اما الحقوق (1).

______________________________

من اعماله، و لو كانت اعماله أموالا لضمنها، كما في إتلاف غيرها من الأموال.

و الجواب ان عمل الحر و إن كان مالا الا انه لا يضاف قبل المعاملة عليه الى العامل، أو غيره، و الموضوع للضمان، إتلاف مال الغير و بهذا يظهر انه لا فرق بين كون الحر كسوبا أو غيره، فاحتمال الضمان في الكسوب كما عن السيد اليزدي (ره) و الجزم به كما عن السيد الخوئي (طال

بقاه) ضعيف، كما ظهر مما تقدم ضعف ما عن الإيرواني (ره) من ان الأصل في إضافة الأموال إلى الأشخاص هي الحيازة، فإن بها تضاف الأموال إلى الأشخاص، و باقي المملكات تكون مملكة بعدها، و وجه ظهور ضعفه ان العقد على عمل الحر أو الكلي على الذمة مملك، و موجب لاضافتهما إلى المشترى، و هذه الإضافة حادثة، و ليست مسبوقة بإضافة أخرى، حاصلة بالحيازة أو غيرها.

هذا مع ان الحيازة لا تكون مملكة في غير المنقولات بل الموجب لدخول الأرض الميتة في الملك هو الأحياء كما ذكرنا ذلك عند التكلم في أقسام الأراضي من المكاسب المحرمة.

(1) تعرض (ره) لكون العوض في المبادلة من الحقوق، و ذكر أنها على أقسام ثلاثة:

قسم منها لا يقبل الاسقاط مطلقا، بلا عوض أو مع الفرض، كحقي الولاية و الحضانة، و هذا هو المراد من قوله لا يقبل المعاوضة بالمال.

و قسم منها قابل للإسقاط مجانا أو مع العوض، و لكن لا يمكن تمليكه للآخر بحيث يكون ملكا للمنقول اليه، كالخيار و الشفعة، و في هذين القسمين لا يصح جعل الحق عوضا في البيع، فان قوام البيع بتملك صاحب المعوض العوض بإزاء ما يخرج من ملكه و المفروض في مورد الكلام انه غير قابل لتملك صاحب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 10

..........

______________________________

المعوض.

و الوجه في عدم كونه قابلا لتملكه في القسم الأول ظاهر، و اما في القسم الثاني فلان الحق فيه إضافة خاصة و سلطنة مخصوصة قائمة بذي الحق و من عليه الحق فذو الحق يكون مسلطا على من عليه ذلك الحق فبتمليكه للآخر يكون ذلك الآخر مسلطا على نفسه و تسلط الإنسان على نفسه غير معقول.

و عن صاحب الجواهر (ره)

قياس بيع الحق ممن عليه ببيع الدين ممن عليه و هذا القياس فاسد، فإنه يفترق بيع الحق عن بيع الدين بأنه يمكن للإنسان تملك ما على ذمته فيكون نتيجة التملك سقوطه حيث ان الملكية إضافة خاصة بين المالك و المال و من عليه المال لا يكون طرف الإضافة بأن يكون دخيلا في تحقق الملكية ليكون تملكه الدين موجبا لاتحاد طرفي الإضافة، و الشاهد لا مكان تملك الإنسان ما على ذمته، ما عن الشهيد (ره) في قواعده من جعل الإبراء مرددا بين إسقاط الدين عن ذمة المديون ابتداء أو تمليكه إياه، و نتيجة التمليك السقوط و هذا بخلاف الحق كما مر، فإنها اضافة مخصوصة، يكون طرفاها ذا الحق و من عليه الحق، فيكون تمليكه ممن عليه، موجبا لاتحاد طرفي الإضافة.

و ذكره (ره) القسم الثالث من الحق و هو ما يكون قابلا لنقله الى الغير، بان يملكه الغير كحقي التحجير و السبق، فان الحق في هذا القسم تكون سلطنة خاصة قائمة بين العين و الشخص، و لا يكون المنقول اليه طرف الإضافة، كما في القسم السابق الا ان في وقوع هذا القسم من الحق عوضا في البيع اشكالا باعتبار ان الحق لا يكون مالا، و يعتبر في صدق البيع على المعاملة كون العوض مالا، كما هو ظاهر تعريف المصباح و ظاهر كلمات الفقهاء عند تعرضهم لشرائط العوضين في البيع، و تعرضهم لشرائط الأجرة في الإجارة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 11

..........

______________________________

(أقول) ما ذكره (ره) في القسم الثاني كحقي الخيار و الشفعة يرد عليه أن الخيار أو الشفعة لا يتعلق بالمال، و لا بالمالك، بل يكون متعلقهما نفس العقد على ما ذكر توضيحه في بحث

الخيارات، و عليه فلا يلازم من نقلهما الى الغير اتحاد طرفي الإضافة و كيف لا يكون الخيار أو الشفعة قابلا للانتقال الى الغير مع انهما عنده يورثان كما ذكر (ره) في أحكام الخيارات و لو سلم كون مثلهما حقا كما ذكر فلازمه عدم جواز تمليكه ممن عليه الحق لا من الغير الأجنبي لعدم محذور اتحاد طرفي الإضافة في الثاني.

و اما ما ذكره في القسم الثالث من ان في وقوعه عوضا في البيع اشكالا، لعدم كونه مالا.

ففيه أولا انه لا شهادة في تعريف المصباح على اعتبار المالية في العوض، فإنه من التعريف اللغوي، و لا اعتبار ايضا بظاهر كلمات الفقهاء مع فرض صدق البيع عرفا في مورد جعل الحق عوضا، فان ظاهر كلماتهم في المقام لا يزيد على ظواهر هم في عدم كون المعاطاة بيعا حيث مع احتمال وجه الاتفاق أو إحرازه و عدم تماميته، لا يرفع اليد عن أدلة جواز البيع و لزومه.

و ثانيا الحق في هذا القسم مال حيث يبذل بإزائه المال كسائر الأعيان و المنافع التي يكون اعتبار المالية فيهما ببذل العوض في مقابلهما عند المعاملة و اما القسم الأول المذكور في كلامه فالصحيح انه نفس الحكم الشرعي و ليس من الحق في شي ء فان الحق يطلق على سلطنة الشخص باعتبار ان سقوطها و ثبوتها بيده و إذا لم يكن السقوط و الثبوت بيده يكون كسائر الأحكام المجعولة لآحاد المكلفين في ثبوتها لموضوعاتها ما دام الموضوع فلا فرق بين ولاية الأب أو الجد على الطفل أو ماله و بين جواز تصرفاتهما في مال نفسهما في كون كل منهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 12

..........

______________________________

حكما مجعولا لها من قبل الشارع

و بما ان الحكم لا يتعدى عن موضوعه فلا يعقل جعله عوضا في البيع و نحوه.

و ذكر السيد الخوئي (طال بقاه) عدم جواز جعل الحق عوضا لا لما ذكره المصنف (ره) فإنه غير تام كما مر بل من جهة ان الحق على إطلاقه حكم شرعي غاية الأمر يكون قابلا للإسقاط و بالإسقاط ينتهى أمده.

و بعبارة أخرى لا فرق بين جواز فسخ الهبة و الرجوع فيها و بين جواز فسخ العقد بالخيار و كذا لا فرق بين جواز قتل الكافر الحربي و بين جواز قتل ولى المقتول القاتل و ان الجواز في هذه الموارد سنخ واحد غاية الأمر يكون في موارد إطلاق الحق قابلا للإسقاط بخلاف غير موارد إطلاقه و هذا لا يخرجه عن كونه جوازا أو لزوما شرعيا و الحكم الشرعي بنفسه غير قابل لجعله عوضا عن المبيع.

نعم يمكن جعل إسقاطه المفروض كونه عملا عوضا في البيع و نحوه و لكنه خارج عن الكلام في المقام، فان الكلام في نقل الحق إلى الغير لا إسقاط من له الحق حقه، كما ان مثل الأرض التي تكون مورد حق السبق أو التحجير لا يكون جعلها عوضا مورد الكلام بل مورده جعل نفس الحق، هذا مع انه لا معنى لنقل مثل حق الشفعة إلى الغير فإنه تمليك حق الشفعة لمشتري الحصة فهو غير معقول فإنه من اللغو لتملكه الحصة بالشراء و ان كان تمليكه للآخر الأجنبي فهو من قبيل تعدية الحكم من موضوعه الى غيره، فان الموضوع لحق الشفعة هو الشريك.

ثم لو قلنا بأن الحق مرتبة ضعيفة من السلطنة حيث ان الملكية عموم السلطنة و الحق خصوصها، فلا يمكن ايضا جعله عوضا في البيع فان البيع هي المبادلة

في متعلق الملكية أي المالين فلا يعم مبادلة نفس الملكية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 13

..........

______________________________

(أقول) لم (يذكر أطال اللّه بقاءه) شاهدا على ان الحق عبارة عن الجواز أو اللزوم الشرعيين، غاية الأمر يكونان قابلين للإسقاط، فإن ثبوت الحق في موارد عدم ثبوت الجواز أو اللزوم، آية كونه غيرهما، كما إذا باع داره ببيع الخيار، ثم عرض له السفه، فإنه يقوم وليه مقامه، و كذا كان شريك مالك الحصة المبيعة سفيها لا يصح له الأخذ بالشفعة، فإنه يقوم مقامه وليه، مع ان الخيار كان مجعولا للبائع، و الشفعة مجعولة للمولى عليه، فإنه الشريك لا وليه، و مثل حق التحجير أو السبق، أولوية معتبرة للشخص بالإضافة إلى الأرض أو غيرها، و هذه الأولوية في نفسها قابلة للنقل، بجعلها للآخر عوضا أو مجانا، لما هو مقتضى أدلة حل البيع، و نفوذ الصلح و غيرهما، و لذا يورث حق التحجير و حق قصاص الأعضاء، كما إذا مات من له حق القصاص قبل الاستيفاء، و لا يكون هذا من التعدي من موضوع الحكم الى غيره.

و الحاصل ان الحق في جميع هذه الموارد أمر اعتباري، و نحو من الأولوية، و لا منافاة بين كون الموضوع لحق الشفعة مثلا هو الشريك، و بين تمليكها للأجنبي، فإن ثبوتها للأجنبي بالمعاملة نتيجة العمل بخطاب حق الشفعة، و خطاب حل المعاملات من البيع و غيره، نظير الحبوة حيث انها للولد الأكبر، و لا ينافي تملك الغير إياها بالمعاملة مع الولد الأكبر.

و ثانيا لا بأس بتعلق البيع أو غيره بالحق حتى مع الالتزام بأنه جواز أو لزوم شرعي قابل للإسقاط، حيث لا بعد في اعتبار العقلاء المالية في اللزوم أو الجواز الإمضائي

التأسيسي، و بذلك يصح وقوعهما مورد المعاملة، و البيع كما تقدم هو التمليك بالعوض، و لو لم يكن الحق صالحا للنقل و التمليك، فلا ينبغي الريب في صحة جعله عوضا في التمليك، حيث يخرج به التمليك عن المجانية، و بتعبير آخر يكون سقوطه في تمليك الشي ء عوضا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 14

الا ان الفقهاء قد اختلفوا في تعريفه (1).

______________________________

و قد يقال انه عند الشك في قابلية الحق للنقل شرعا لا يمكن التمسك بأحل اللّه البيع و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالعقود و الصلح جائز بين المسلمين، و انما يصح التمسك بها بعد إحراز قابلية الشي ء للنقل و الشك في أسباب النقل، بان يحتمل ان لنقله سبب خاص، و لا يتحقق بتلك المعاملات، كما لا يصح التمسك بها عند الشك في حلية فعل، و حرمته، مما يقع مورد المعاملة أيضا، كالغناء في كلام صحيح، فإنه لا يمكن التمسك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و إثبات صحة المعاملة عليه، و استكشاف حليته با الملازمة.

و لكن لا يخفى ما فيه، فان الموضوع في العمومات و المطلقات هو البيع و العقد و الصلح و غيرها في اعتبار العرف. و بعد إحراز قابلية الشي ء للنقل في اعتبارهم، و صدق عنوان البيع أو الصلح و العقد بحسب أنظارهم، يكون عدم شمول العمومات و المطلقات لاحتمال التخصيص، أو التقييد، فيؤخذ بهما ما دام لم يحرز التخصيص أو التقييد و لا يقاس بما إذا شك في حلية فعل في نفسه حيث قد يقال العمومات و المطلقات في المعاملات لم ترد لبيان الحكم التكليفي للافعال بعناوينها الأولية، و لا يجوز التمسك بالعموم الوارد لبيان الحكم للفعل بعنوانه الثانوي لرفع الإجمال عن الخطاب الوارد في

بيان حكم ذلك الفعل بعنوانه الاولى، فالصحيح جواز هذا التمسك في مثل المقام مما لا يؤخذ في موضوع الحكم بعنوانه الثانوي، ثبوت الحكم الأول.

(1) ثم انه إذا لم يكن لفظ البيع حقيقة شرعية و لا متشرعة يكون التعاريف الواردة في كلمات الفقهاء بيانا لمعناه العرفي الذي تعلق به الأحكام في الخطابات الشرعية.

و عن المبسوط و التذكرة و غيرهما ان البيع انتقال عين من شخص الى آخر بعوض مقدر، و لكن المسامحة في هذا التعريف واضحة، لأن الانتقال اثر البيع،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 15

..........

______________________________

لا انه عينه، و اعتبار التقدير في العوض لا وجه له، فان تعيين الثمن من شرط صحة البيع شرعا، لا لصدقه عرفا.

و عن جماعة انه الإيجاب و القبول الدالان على الانتقال.

و هذا ايضا غير صحيح، فان البيع من الأمور الإنشائية التي يكون الدلالة عليه بالإيجاب و القبول، و ليس هو نفس الدال، كما هو ظاهر التعريف، و الا لم يمكن إنشائه باللفظ، فان القابل له هو المعنى، لا اللفظ.

و عن جامع المقاصد تعريفه بنقل العين بالصيغة المخصوصة، و أورد المصنف (ره) على تعريفه بأمور ثلاثة.

الأول ان نقل العين لا يكون مرادفا للفظ البيع، حتى يصح تعريفه به، و لذا يكون ارادة البيع من لفظ النقل، بطور الكناية، كما صرح به في التذكرة.

أقول هذا لو أريد من النقل النقل الخارجي الذي يكون بتبديل مكان الشي ء، و رفعه عن محله الأولى، فإن هذا كناية عن البيع، و اما إذا كان المراد منه النقل الاعتباري، فهو عين البيع، اللهم الا ان يقال لا يصدق النقل الاعتباري في مثل بيع الكلى على الذمة، أو تمليك عمل الحر، فإنهما لا يكونان قبل المعاملة

ذات اضافة، حتى يصدق النقل.

الثاني ان المعاطاة عند جامع المقاصد بيع، و لكن لا يعمها التعريف، باعتبار عدم كون المعاطاة باللفظ.

الأمر الثالث ان النقل بالصيغة أيضا غير قابل للإنشاء، بل القابل له نفس النقل.

(لا يقال) نقل العين سنخان أحدهما اعتباري و ثانيهما خارجي، فليس ذكر قوله بالصيغة لتقييد النقل بها، ليكون معنى لفظ البيع، هو النقل بالصيغة، بل هو عنوان مشير و للإشارة إلى كون البيع ذلك السنخ الذي يكون في نفسه اعتباريا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 16

الاولى تعريفه (1).

______________________________

فتوجد بالصيغة، و نحوها.

فإنه يقال يبقى في التعريف المزبور، اشكال آخر، و هو انه ان أريد بالصيغة خصوص صيغة بعت، لزم الدور، فإنه مقتضى أخذ مادة البيع، في تعريفه، و ان أريد الأعم، بحيث يشمل ملكت ايضا، فلازمه الاقتصار في إنشاء البيع بلفظي نقلت و ملكت.

أقول إشكال الدور أو لزوم الاقتصار في إنشاء البيع بصيغتي نقلت و ملكت مندفع بإمكان كون المراد بالصيغة المخصوصية اللفظ الصالح لإنشاء ذلك السنخ من النقل، فلم يؤخذ في التعريف مادة البيع، حتى يلزم الدور، و لا خصوص الصيغتان، حتى يلزم الاقتصار، مع ان أخذ مادة البيع في تعريفه كما إذا قيل بان البيع نقل العين بلفظ بعت، لا يوجب دورا، فان المراد به في المعروف بالكسر، لفظه، و في المعرف بالفتح، معناه المرتكز عند الأذهان، المطلوب بالتعريف، معرفة حدود ذلك المعنى المرتكز من جهة سعته و ضيقه، بان يعلم انه لا يعم نقل غير العين، و لا نقلها المنشأ بغير ذلك اللفظ.

و الحاصل يمكن معرفة المعنى من جهة ضيقه و سعته بالتعريف المزبور بلا محذور.

(1) قد عرف (ره) البيع بأنه إنشاء تمليك عين بمال و

لكن يرد عليه ان البيع، ليس إنشاء التمليك المزبور، بل نفس التمليك، و يكون الإنشاء إيجادا للبيع، و الا فلو كان الإنشاء مأخوذا في معنى البيع لم يكن قابلا للإنشاء، كما مر في التكلم في تعريف جامع المقاصد.

ثم انه (ره) تعرض لما يمكن الإيراد به على تعريف الذي ذكره.

الأول انه إذا كانت حقيقة البيع تمليك العين بمال، لصح إنشائه بصيغة ملكت،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 17

..........

______________________________

كما هو مقتضى الترادف بين التمليك و البيع، و أجاب بصحة الإنشاء.

الثاني انه يصح بيع الدين على من هو عليه، مع انه لا يكون فيه تمليك عين بعوض، فإنه لا يصح للإنسان تملك المال على نفسه، و أجاب (ره) بصحة كون الإنسان مالكا لما عليه، فتكون نتيجة ذلك، سقوط الدين عنه، و لو لم يمكن كونه مالكا كذلك لم يصح بيع الدين منه، لانه لا معنى للبيع الا التمليك.

الثالث ان التعريف شامل للمعاطاة، مع انهم ذكروا عدم كونها بيعا.

و الجواب انها بيع عند الكل، و مراد النافين انها ليست بيعا صحيحا كما سيأتي.

الرابع ان البيع فعل البائع على ما مر سابقا و لو يكون صدقه عليه مشروطا بقبول المشترى، و لكن التعريف المزبور يعم الشراء فإن المشتري أيضا يكون منه تمليك ماله بإزاء المبيع.

و الجواب ان البيع في نفسه تمليك العين بمال، و الشراء لا يكون كذلك، بل الشراء إنشاء تملك مال الغير بإزاء الثمن، نعم يكون هذا الإنشاء متضمنا لتمليك الثمن بإزاء المبيع و بتعبير آخر ما هو فعل البائع هو إنشاء ملكية المبيع لصاحب الثمن بإزاء الثمن، و يكون لازم ذلك، تملك الثمن بإزاء المبيع، الا ان هذا التملك لم ينشأ إلا تبعا، كما

ان فعل المشترى ابتداء تملك المبيع بإزاء الثمن، و لازم إنشائه تمليك الثمن لصاحب المبيع بإزاء المبيع، فيكون هذا التمليك ضمنيا يعنى لازما للمدلول المطابقي لإنشائه، و لذا لا يصدق عنوان الشراء على قوله ملكتك الثمن بمتاعك، سواء تأخر عن الإيجاب أو تقدم، بخلاف قوله تملكت متاعك بهذا الثمن، فإنه شراء كما لا يخفى.

و مما ذكرنا يظهر الحال في استيجار عين بعين، و ان قبول المستأجر لا يكون في نفسه إنشاء تمليك العين بإزاء المنفعة، بل قبوله إنشاء تملك المنفعة، بإزاء العين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 18

..........

______________________________

الخامس ان التعريف المزبور يعم الصلح عن عين بمال كما يعم و الهبة المعوضة المتعلقة بالعين.

و الجواب ان الصلح عن عين بمال، لا يكون تمليك تلك العين بذلك المال، بل هذا التمليك نتيجة الصلح المزبور. و بيان ذلك ان الصلح من الأمور الاعتبارية حيث انه عقد و مدلول ذلك العقد و المتحقق به هو التسالم، يعنى التسالم الاعتباري الذي يكون أمرا إنشائيا، و يعبر عنه في لغة الفرس ب (سازش) و هذا التسالم لا بد من كونه في أمر، و ذلك الأمر، يكون ملكية العين، أو المنفعة أو الانتفاع بالعين، أو سقوط حق، أو ثبوت قرار بين شخصين، أو أكثر، كقرار الشريكين في كون الخسران أو النفع في معاملة على أحدهما، و هكذا، فيكون نتيجة تمامية الصلح في الأول تمليك العين، و في الثاني تمليك المنفعة، و في الثالث تمليك الانتفاع، و في الرابع سقوط الحق، و في الخامس ثبوت القرار.

فهذه الأمور من متعلقات الصلح، لا ان الصلح في نفسه عبارة عن هذه الأمور، و الا لزم كون لفظ الصلح مشتركا لفظيا، لعدم تحقق التمليك

في جميع ما ذكر من موارده، فالصلح عن العين بمال يتضمن تمليكها بذلك المال، فيكون التمليك المزبور فائدته.

و هذا هو الوجه فيما ذكروا من ان طلب أحد الخصمين من الآخر الصلح على العين المتنازع في ملكها، لا يكون إقرارا للآخر بالمالكية، بخلاف طلب بيعها، فإنه اعتراف بمالكية الآخر، و لو كان الصلح على عين بعوض بنفسه تمليكها بعوض، لما كان بين الصورتين فرق. و اما الهبة المعوضة فالمراد الهبة التي يشترط التعويض فيها، و اما الهبة التي عوض عنها من غير كون التعويض شرطا فلا وجه لتوهم شمول تعريف البيع له، و لذا ذكر المصنف (ره) و المراد بها هنا (يعني في الاعتراض على تعريف البيع) و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 19

بقي القرض داخلا (1)

______________________________

حاصل دفعه الاعتراض ان الهبة المعوضة ليست في حقيقتها المقابلة بين المالين، كالبيع، بل يكون تمليك المال فيها مجانا و العوض المشروط فيها عوض لنفس الهبة، لا عن المال الموهوب، و لذا لا يتملك الواهب ذلك العوض بمجرد هبة ماله للآخر.

و بتعبير آخر التعويض في الهبة المشروطة، كالتعويض في غير المشروطة في كون تملك المال من الآخر بتمليك جديد، و هذا التمليك الجديد يذكر شرطا في الهبة المشرطة. ثم قال (ره) غاية الأمر انه لو لم يعمل الآخر بالشرط لكان للواهب الرجوع في هبته.

(أقول) ظاهر الشرطية اختصاص جواز رجوع الواهب في هبته بصورة عدم وفاء الآخر بالشرط، و لكن ليس الأمر كذلك، فإنه يجوز للواهب الرجوع في هبته ما لم يتحقق التعويض، سواء اشترط التعويض أولا، و مع التعويض يسقط جواز الرجوع اشترط أولا، على ما يستفاد ذلك من مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام قال إذا عوض صاحب الهبة فليس له ان يرجع «1».

(1) هذا هو الاعتراض الأخير في كلامه على التعريف المزبور، و حاصله ان تمليك عين بعوض صادق على القرض ايضا، فلا يكون تعريف البيع به مانعا.

و أجاب (ره) عن الاعتراض بان القرض في حقيقته، تمليك عين على وجه الضمان، يعنى تمليك مع التضمين.

و ذكر الإيرواني (ره) في تعليقته ما حاصله ان الاعتراض لا يدفع بالجواب المزبور، فإنه ان كانت للعين المفروضة في مورد القرض بدل من المثل أو

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (9) من أبواب أحكام الهبات الحديث (1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 20

و يظهر من بعض من قارب عصرنا استعماله (1).

______________________________

القيمة، فيكون تمليكها بالبدل، و العوض، و هذا هو البيع على ظاهر التعريف، و ان لم يكن للعين بدل و عوض بان يكون تمليكها مجانا، فتكون هبة، فأين تمليك العين الذي لا يكون بيعا، أو هبة.

(أقول) الصحيح ما ذكره المصنف (ره) فان تمليك العين و تضمينها أمران مختلفان، و ربما يكون تمليك العين من دون تضمين، كما في الهبة بلا عوض، و قد يكون تضمين بلا تمليك، كما في شرط ضمان العين في إجارتها، و إعارتها، بل قد يحصل التضمين بالفعل كما في وضع اليد على مال الغير، و القرض في حقيقته جمع بين تمليك العين و تضمينها، و لذا ذكرنا انه تمليك العين مع التضمين.

و ان أراد الإيرواني (ره) من العوض و البدل، العوض المعاملي الحاصل بإنشائه عوضا، فلا عوض كذلك في موارد القرض، بل يختص هذا بمورد البيع، و ان أراد العوض الواقعي في مورد الضمان، فهذا القسم من البدل موجود في مورد

القرض، و لكنه لم يكن بإنشاء المعاوضة.

(1) تعرض (قده) لما يقال من استعمال لفظ البيع في معان أخر عير تمليك العين بعوض.

منها تمليك عين بعوض بشرط تملك المشترى، بل هذا هو المعنى العرفي للبيع عند بعض المشايخ لا معنى آخر، فان البيع عند العرف ليس الا تمليك العين بعوض بشرط قبول المشترى، و الشاهد لذلك تبادره في الاستعمالات، و صحة سلب معناه العرفي عن التمليك الذي لا يترتب عليه قبول من المشترى.

و منها الانتقال الحاصل بإنشاء البيع إيجابا و قبولا.

و منها العقد المركب من الإيجاب و القبول، كما هو ظاهر كل من يذكر العقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 21

..........

______________________________

في تعريف البيع، بل ظاهر الفقهاء هو استعمال عناوين المعاملات في أبواب الفقه، في هذا المعنى، فمرادهم من البيع في قولهم كتاب البيع عقده، و كذا النكاح، و حتى الإجارة و شبهها مما لا يكون في اللغة اسما لأحد طرفي العقد، فان البيع في الأصل فعل البائع، و النكاح فعل الزوج، بخلاف الإجارة، فإنها بمعنى الجزاء و الأجر، و ليست اسما لفعل الموجر، بل الموضوع لفعله لغة و عرفا، هو الإيجار، و لكن المصنف (ره) أنكر كون البيع عبارة عن تمليك العين بعوض بشرط تملك المشترى كما عليه بعض المشايخ، فضلا عن كونه معنى آخر كما ذكره بعض من قارب عصره، بل البيع يستعمل دائما في تمليك العين بعوض كما هو معناه المصطلح، غاية الأمر ان لهذا التمليك فردين أحدهما ما إذا تعقب بتمليك المشترى بقبوله البيع، و ثانيهما عدم ترتب ذلك لعدم قبوله، و بما ان الفرد الثاني وجوده كعدمه في عدم ترتب اثر عليه، فمثل قول القائل بعت داري بقرينة

كونه في مقام الاخبار عن الإيجاب المثمر يكون ظاهرا في الإيجاب المتعقب للقبول، بل في الجامع لجميع الشرائط المعتبرة في ترتب الأثر عليه.

و الحاصل ان قيد كون الإيجاب مثمرا مستفاد من الخارج و لم يؤخذ في المستعمل فيه، و يقرب ذلك تبادر هذا القيد حتى من مثل قول القائل نقلت داري الى زيد، أو ملكتها إياه، أو أبدلتها بكذا، مع ان التمليك و الأبدال و النقل هو مجرد الإيجاب قطعا، و لم يلتزم أحد بدخالة قبول الآخر في صدقها على الإيجاب.

و ان شئت قلت الأثر الحاصل بالإيجاب- و هو ملكية المبيع مثلا للمشتري بإزاء الثمن- يكون بنظر الموجب و اعتباره، كما يكون في اعتبار العقلاء و الشرع و ما يتوقف على قبول المشتري، هي الملكية في نظر العقلاء، و الشرع، لا في اعتبار الموجب، فإنه يعتبرها و ينشأها بمجرد الإيجاب، فملكية العين بعوض في اعتبار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 22

..........

______________________________

العقلاء و الشرع بالإضافة إلى إيجاب البائع من قبيل الوجوب و الإيجاب، لا من الكسر و الانكسار، فإنه يمتنع تحقق الكسر بلا تحقق الانكسار، و لكن لا يمتنع تحقق الإيجاب من الأمر، مع عدم تحقق وجوب الفعل في اعتبار العقلاء.

(أقول) ما ذهب اليه بعض المشايخ، من كون المعنى المصطلح للبيع عرفا هو تمليك العين بعوض بشرط قبول المشترى هو الصحيح، و ذلك فان الموجب لا ينشأ ملكية العين لصاحب الثمن مطلقا و لو على تقدير عدم قبوله للإيجاب، بل المكية معلقة و مقيدة بالقبول في ظرفه، و إذا تحقق في ذلك الظرف تكون المكية المنشأة بيعا و الا فلا، و كذا الأمر في الشراء، فإنه لا ينطبق على إنشاء التملك الأعلى

تقدير تحقق الإيجاب في موطنه، و لا يحصل مع عدم قبول المشتري ملكية العين له، لا في نظر الموجب، و لا في اعتبار العقلاء.

و يشهد لما ذكرنا صحة سلب البيع حقيقة عن التمليك الذي لا يتحقق في مورده قبول المشترى، و لو كان البيع حقيقة في الجامع لما صح سلبه عن التمليك المزبور الا ادعاء، هذا مع ان اشتراط القبول مقتضى كون البيع من العقود، لا من الإيقاعات حتى في اعتبار الموجب فضلا عن العقلاء و الشرع، بلا يمكن دعوى ذلك في مثل لفظ النقل المراد به النقل المعاملي كما لا يخفى.

و كذا أنكر (ره) المعنى الثاني و انه لم يستعمل لفظ البيع لا لغة و لا عرفا في الانتقال الذي هو من قبيل الحكم المترتب على البيع، بل ذكره جماعة في تعريف البيع تبعا للمبسوط الذي عرف به البيع.

و قد يوجه التعريف بان البيع الواقع في تعريفه انتقال العين، هو العنوان الانتزاعي للمبيع يعنى المبيعة، حيث انها عبارة أخرى عن انتقال الشي ء الى الآخر بالعوض، و تعرض للمعنى الثالث و نسب الى الشهيد الثاني ان إطلاق البيع و استعمال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 23

..........

______________________________

لفظه في العقد مجاز، بعلاقة السببية و المسببية، و قال فليكن مراد الشهيد (ره) من المسبب هو المعنى الاسم المصدري المتحقق بالإيجاب و القبول معا، و اما المسبب عند الموجب فهو يتحقق بالإيجاب فقط، كما مر.

و قوله (ره) (و الى هذا نظر جميع ما ورد) إشارة إلى المعنى الاسم المصدري و ان جميع ما ورد في النصوص و الفتاوى من لزوم البيع و وجوبه، أو انه لا بيع بينهما، أو أقال البيع، و نحو ذلك يستعمل

لفظ البيع فيها في المعنى الاسم المصدري المتحقق في نظر العرف و الشرع بالإيجاب و القبول معا، و اضافة العقد الى البيع بهذا المعنى ليست بيانية بل بمعنى اللام، ضرورة ان المعنى الاسم المصدري لا يكون عين الإيجاب و القبول، و لذا يصح ان يقال انعقد البيع أولا ينعقد، و لا يصح ان يقال انعقد الإيجاب و القبول، أو لا ينعقد.

(أقول) مقتضى مجموع كلامه ان البيع يستعمل في معنيين آخرين، غير معناه المصطلح الذي من قبيل المصدر، أحدهما العقد يعنى مجموع الإيجاب و القبول و الثاني المعنى الاسم المصدري الحاصل بالعقد و ان استعماله في المعنى الأول مجاز، بعلاقة المسببية و المسببية و كذا استعماله في المعنى الثاني يعني المعنى الاسم المصدري غاية الأمر استعماله في الاسم المصدري مجاز عن الحقيقة و استعماله في العقد يعني الإيجاب و القبول معا من قبيل سبك المجاز عن المجاز لان المسبب و هو المعنى الاسم المصدري لم يوضع له لفظ البيع.

ان قلت ما الفرق بين المعنى الثاني من المعاني الثلاثة المتقدمة الذي ذكر (ره) ان استعمال لفظ البيع لم يوجد فيه لافى اللغة، و لا في العرف بل وقع تعريف البيع به في كلام جماعة تبعا للمبسوط و بين المسبب عن العقد الذي ذكر (ره) وقوع استعمال لفظه فيه في النصوص و الفتاوى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 24

و من ثم حمل الإقرار به (1).

______________________________

قلت المراد بالأثر في المعنى الثاني هو الانتقال الذي يكون أثرا لتمام البيع شرعا و حكما له، و مقتضى مغايرة الموضوع و حكمه ان يكون البيع غير الانتقال و تعريف البيع بالانتقال كتعريف اى موضوع بحكمه غير صحيح و مراده بالمسبب

في المعنى الثالث هو البيع بمعناه الاسم المصدري يعني ما يحصل بالإيجاب و القبول معا و الذي يترتب عليه حكم الشارع بانتقال المالين هذا.

و لكن لا يمكن المساعدة على ما ذكر من استعمال لفظ البيع في عقده يعني في صيغتي الإيجاب و القبول، فإنه لم يحرز هذا الاستعمال حتى في كلمات الأصحاب في عناوين المعاملات الا ترى انه لا يصح ان يقال مرادهم بكتاب البيع مثلا كتاب صيغتي الإيجاب و القبول و اما المعنى الاسم المصدري فهو صحيح يقع استعمال لفظ البيع فيه كثيرا في كلمات الأصحاب و الروايات الا ان اسم المصدر لا يختلف عن المصدر بحسب الخارج بل ما تحقق خارجا بلحاظ جهة الصدور مصدر و بلحاظ نفسه و كونه معاملة في حيال سائر المعاملات معنى اسم المصدر و البحث في كون استعمال لفظ المصدر في المعنى الاسم المصدري مجازا أو حقيقة غير مهم.

و كيف كان فقد ظهر مما ذكرنا ان تحقق البيع بمعناه المصطلح لا يكون بمجرد الإيجاب بل لا بد من تحقق القبول في موطنه و أن المتحقق خارجا بلحاظ نفسه و كونها معاملة حيال سائر المعاملات هو المعنى الاسم المصدري و يتعلق به إمضاء الشارع و حكمه باللزوم أو الجواز أو غير ذلك من الأحكام المناسبة للمعنى المزبور.

(1) لا يخفى ان حمل الإقرار بالبيع مثلا على الصحيح لا يدل عدم وضعه للقدر المشترك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 25

قال الشهيد الأول (1) و يشكل ما ذكراه (2).

______________________________

بين الصحيح و الفاسد فان في عدم سماع التفسير بالفاسد مقتضى حمل المعاملة الثابتة بالإقرار بها على الصحيحة كما هو الحال في أصالة الصحة الجارية في عمل الغير عقدا كان

أو إيقاعا.

(1) مراده (ره) ان أسامي الماهيات الجعلية كالصلاة و الصوم و أسامي سائر العقود لا يطلق حقيقة على الفاسد الا الحج لوجوب المضي فيه و يرد عليه انه لا وجه لاستثناء الحج فان وجوب المضي فيه بعد فساده لا يدل على ان إطلاق لفظ الحج على الفاسد حقيقة كما في الصوم فإنه يجب مع إفساده بالإفطار الإمساك بقية النهار مع ان ذلك لا يوجب كون إطلاق الصوم عليه حقيقة.

و أضعف اليه ان فساد الحج بالجماع بعد الإحرام غير ظاهر، بل الأظهر عدم فساده غاية الأمر يجب على المكلف اعادة حجه في السنة القادمة عقوبة على عمله و لكن الواجب يعني حجة الإسلام هو الأول و تفصيل ذلك موكول الى كتاب الحج.

(2) في المقام اشكال على القول بأن أسامي المعاملات موضوعة للصحيحة فعلى الشهيدين و غيرهما ممن يلتزم بكونها موضوعة للصحيحة الجواب عنهما.

الأول ان عدم شمول المعنى الموضوع له للافراد الفاسدة يتوقف على أخذ قيد الصحة الشرعية أو ما يرادفها في معنى المعاملات و هذا التزام بالحقيقة الشرعية و كون معانيها مخترعات للشارع كالعبادات مع انه غير ممكن.

و الثاني ان لازم كون ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيحة عدم جواز التمسك بخطاب المعاملات في دفع احتمال اعتبار شي ء شرعا في المعاملة فإن لازم القول بكونها أسامي للصحيحة هو إجمالها.

و تعرض المصنف (ره) للإشكال الثاني صراحة و للإشكال الأول في ضمن الجواب بقوله (نعم يمكن ان يقال) و توضيح الجواب عن الأول ان العناوين يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 26

..........

______________________________

انطباقها على مصاديقها بالقصد و الاعتبار تارة كعنوان أداء الدين فإنه لا ينطبق على مجرد إعطاء المال للدائن بل لا بد من قصد كون

الإعطاء بعنوان الوفاء بدينه و كذا عنوان التعظيم فإنه لا ينطبق على مجرد القيام أو غيره من الأفعال بل لا بد من كونها برعاية عظمة الغير، و قصد احترامه و هذا بخلاف العناوين الحقيقية التي يكون انطباقها على مصاديقها قهريا كعنوان القتل فإنه ينطبق على القضاء بحياة انسان قصدا أو بلا قصد.

ثم ان في القسم الأول يعني العناوين الاعتبارية يمكن ان يكون شي ء مصداقا للعنوان في اعتبار شخص و لا يكون مصدقا لذلك العنوان في اعتبار شخص آخر من غير كون أحدهما مصيبا و الآخر مخطئا مثلا كشف الإنسان رأسه عند ملاقاته للغير يكون تعظيما لذلك الغير عند قوم و لا يعتبره تعظيما قوم آخر.

و السر في هذا الاختلاف بعد كون انطباق التعظيم على عمل موقوفا على القصد و الاعتبار واضح حيث لا يعتبر الانطباق قوم و يعتبره الآخرون و ذلك لا يوجب تعدد المفهوم بل يوجب تعدد المصداق و على ذلك فالبيع و لو بمعناه المصدري من العناوين القصدية، فيمكن ان يكون المستعمل فيه امرا واحدا عند الشرع و العرف و هو ما يترتب عليه الأثر المترقب فإن الأثر المترقب في البيع انتقال المالين، فيكون المستعمل فيه اعتبار الملكية التي يترتب عليها انتقال المالين فالمعنى مبهم من حيث الذات و القيود و مبين من حيث الأثر و إذا كان المعاطاة مثلا امرا يترتب عليه انتقال المالين في اعتبار العرف و الشرع، تكون بيعا عندهما، و لو لم يترتب عليها الانتقال شرعا، فهي لا تكون بيعا عند الشارع.

و بالجملة يمكن ان لا يكون خلاف بين الشرع و العرف في المعنى المصدري، أو الاسم المصدري، و يصح القول بأن ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيحة، فلا تطلق على

الفاسدة إلا بطور المجاز.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 27

و اما وجه تمسك العلماء (1)

[الكلام في المعاطاة]

اشارة

أن يقع النقل من غير قصد (2).

الثاني ان يقصد الملك المطلق (3)

______________________________

(1) و هذا دفع للإشكال الثاني من الإشكالين المتقدمين و حاصل الدفع ان البيع في مثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ مستعمل اما في معناه المصدري، كما إذا أريد منه الحلية التكليفية أو الاسم المصدري كما إذا أريد منه الحلية وضعا، و على كل تقدير فيحمل إطلاق الخطاب على إمضاء المصاديق العرفية، فإن بيان جعل الحكم التكليفي أو الوضعي على المصاديق التي عند الشارع لغو واضح، و بتعبير أخر مثل هذا خطاب انحلالي فيعم الحكم جميع المصاديق العرفية، لأن الخطاب مع حمله على المصاديق الشرعية يصبح لغوا خصوصا فيما إذا كان المراد بالحلية، الحلية الوضعية كما هو ظاهر الآية.

(2) المراد بالنقل النقل الخارجي و الإعطاء لا النقل الاعتباري، الذي عبارة عن التمليك و الحاصل المال الذي يصل الى الآخر و لا يقصد صاحبه خصوص تمليكه و لا إباحته له و هذا الوجه أبطله (ره) بقوله بامتناع خلو الدافع، يعنى ان العاقل في مقام المعاملة مع التفاته الى خصوصياتها التي لا يتحقق المعاملة إلا بإحداها يختار أحدها، لا محالة.

(3) المراد بالمطلق عدم قصد خصوص عنوان البيع، بل يجعل ماله ملكا للطرف بإزاء ما يتملكه من الآخر و هذا الوجه يرد بما تقدم في تعريف البيع من ان التمليك بالعوض على وجه المبادلة هو البيع لا غير و لكن يظهر من بعض العلماء في مسألة تمليك لبن الشاة مدة بعوض معين أن ذلك تمليك عين و ليس بيعا و ان التمليك بالعوض أعم من البيع.

ثم انه يظهر من

ملاحظة كلمات الأصحاب ان النزاع بينهم في صورة قصد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 28

..........

______________________________

المتعاطيين التمليك، و انه في هذه الصورة لا يحصل الملك لهما عند المشهور و لكن يباح لكل منهما التصرف في مال الآخر و حمل الإباحة في كلامهم على الملك المتزلزل كما عن المحقق الثاني أو الالتزام بان محل الخلاف بينهم صورة قصد المتعاطيين الإباحة كما عن صاحب الجواهر (ره) خلاف ظاهرهم.

ثم لا يخفى ان المعنى الأول من المعاني الأربعة و هي الإباحة لا تكون أمرا إنشائيا حيث ان المراد منها الإباحة المالكية، في مقابل الإباحة الحكمية، فإن التي تحصل بقصد المالك و رضاه الإباحة المالكية و اما الحكمية فهي تابع الحكم الشارع و تجويزه التصرف في مال الغير كاباحته للمار أكل الثمرة من طريقه و الإباحة المالكية لا تحتاج الى غير رضا المالك بتصرف الآخر في ماله و لذا يجوز للآخر التصرف مع علمه برضاه و لو كان العلم بشاهد الحال. و الحاصل يخرج التصرف مع العلم برضا المالك عن عنوان التعدي و موضوع عدم حل مال الغير الا بطيب نفسه.

و اما المعنى الثاني للمعاطاة و هي إعطاء المال بقصد تمليكه للآخر بالعوض فهي عبارة أخرى عن إنشاء البيع بالفعل نظير إنشائه بالقول.

و توضيح ذلك ان البيع من العناوين التي لا يتحقق بمجرد اعتبار ملكية المال للآخر بعوض، بل لا بد من إبراز هذا الاعتبار قولا أو فعلا كما لا يكون عنوان الاذن للغير في بيع ماله بمجرد علم الغير برضاه بالبيع بل اللازم ان يبرز المالك رضاه ببيعه قولا أو فعلا حتى يحصل عنوان الاذن.

و الحاصل البيع و غيره من عناوين المعاملات يحصل بالإبراز و لذا

يصح للبائع ان يقصد بقوله بعت مالي بكذا إيجاد البيع بالتلفظ المزبور و لا يرد على ذلك ما تكرر في كلمات السيد الخوئي (طال بقاه) من أنه لا معنى للإيجاد باللفظ حيث ان الملكية التي يعتبرها الموجب لا تحتاج الى غير اعتبار النفس و الملكية التي في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 29

كما يظهر ايضا من بعض كتب الحنيفة (1) من غير ان يكون ملكه أو دخل (2) و لما ذكرنا نهى (ص) عن بيع المنابذة (3)

______________________________

حقيقتها إمضاء للبيع من العقلاء فعل للعقلاء لا الموجب و كذا الحال في الملكية الشرعية فإنها حكم الشارع لا فعل الموجب فأين الإيجاد و الحاصل لا يكون الإنشاء إيجادا بل إبراز للاعتبار القائم بالنفس.

و فيه انه إذا كان الإبراز في مثل هذه الموارد مقوما للعناوين كما هو الفرض يكون الموجود بالألفاظ تلك العناوين فيكون قصد البائع من قوله بعت مالي بكذا إيجاد البيع بهذا اللفظ صحيحا، فالذي يحصل بالتلفظ ليست الملكية التي اعتبرها العاقد، ليقال أنها لا تحتاج الى غير اعتبار النفس و لا الملكية التي يعتبرها العقلاء.

أو الشرع ليقال أنها لا تكون من فعل العاقد بل الحاصل هو عنوان البيع.

ثم ان هذا العنوان كما يحصل بإبراز الملكية باللفظ، كذلك يحصل بإبرازها بالفعل أى بإعطاء المالك العين للآخر فالإعطاء و الأخذ في هذه الصورة، بيع حقيقة و يقع الكلام في حكمه الشرعي.

(1) يعني يظهر كون محل الكلام صورة قصد المتعاطيين التمليك من بعض كتب الحنيفة حيث جعل فيها التعاطي نظير الإيجاب و القبول من أسباب البيع.

(2) و لعل مراده بالمعطوف عدم كون المال ملكا للآخر زمان الإعطاء نظير زمان الإقباض في البيع المنشأ بالإيجاب و

القبول و مراده بالمعطوف عدم دخوله في ملك ذلك الآخر بعد أخذه.

(3) و مراده بالتأويل الآخر ما ذكره بقوله (و معنى ذلك) أي التأويل الآخر أن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 30

و لا ينافي ذلك (1) و منها ظهور أدلته الثلاثة في ذلك (2)

______________________________

يجعل اللمس بشي ء و النبذ له، و إلقاء الحصاة بيعا موجبا أى بمنزلة إيجاب البيع و مراده بالتأويل الأول في كلامه ان يجعل اللمس بشي ء أو النبذ له أو رمى الحصاة تعيينا للمبيع بان يقع البيع على شي ء بثمن مهملا ثم يعين ذلك الشي ء باللمس و النبذ و الرمي و هذا من أوضح أنحاء بيع الغرر بل أشبه بالقمار.

(1) إشارة إلى دفع الوهم في كلام السرائر و حاصل الوهم ان حمل كلام السرائر على صورة قصد المتعاطيين الملك ينافي قوله و ليس هذا من العقود الفاسدة بل قوله هذا يناسب ما إذا كان الإعطاء بقصد الإباحة لأن قصد التمليك بالإعطاء مع عدم حصول الملك يوجب كون الإعطاء من البيع الفاسد حيث لا معنى لفساد البيع الا عدم ترتب اثر الملك عليه و ظاهر قوله و ليس هذا من العقود الفاسدة أن الإعطاء صحيح و ليس من البيع الفاسد و لا يمكن اتصافه بالصحة إلا إذا كان بقصد الإباحة، إذ حصول الإباحة خارجا يوجب اتصافه بالصحة التي هي في المعاملات بمعنى ترتب الأثر.

و اما الدفع فان مراد السرائر من العقد الفاسد هو الذي لا يترتب عليه الملك و لا يحصل به حتى جواز التصرف و حكمه في المعاطاة بعدم حصول الملك و ترتب اباحة التصرف مقتضاه ان لا تكون المعاطاة من ذلك العقد الفاسد و على ذلك فلا ينافي

قوله (ره) و ليس هذا من العقود الفاسدة لظاهر صدر كلامه من فرضه إعطاء القطعة الى البقلي أو الشارب بقصد الملك و ان شئت قلت ان الإعطاء المزبور لا يكون عند السرائر عقدا أصلا لا أنه عقد صحيح.

(2) المراد بالأدلة الثلاثة الإجماع و القدر المتيقن و النهى الوارد عن بيع الملامسة و المنابذة و الحصاة و وجه ظهورها في كون المفروض في المعاطاة صورة قصد الملك هو ان الدلالة المزبورة ذكرت لاعتبار الإيجاب و القبول في البيع و لعدم انعقاده بالاستدعاء و الإيجاب أو المعاطاة، فلو تمت هذه الأدلة كان مقتضاها اعتبار الإيجاب و القبول في صورة قصد تمليك العين بعوض.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 31

مع ان الواقع في أيدي الناس (1) و قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (2) قوله (ره) و عليه يتفرع النماء و جواز و طي الجارية (3) و الذي يقوى في النفس (4).

______________________________

كان مقتضاها اعتبار الإيجاب و القبول في صورة قصد تمليك العين بعوض.

(1) و هذا يوجب كون حمل كلام الأصحاب على صورة قصد الإباحة كما عن صاحب الجواهر (ره) أبعد فإنه يبعد جدا بل لا يحتمل عادة أن الأصحاب قد تركوا التعرض لما يبتلى به عامة الناس و ما هو الدارج بينهم من صورة التعاطي بقصد التمليك و تعرضوا لمعاملة لم تقع في الخارج إلى الآن و هي المعاطاة بقصد اباحة كل منهما ماله للآخر.

(2) يعنى ان قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ يتناول المعاطاة.

(3) يعنى على ملك الرقبة يتفرع ملك النماء فيكون النماء ملكا لمن تملك العين و كذا جواز و طي الجارية المأخوذة بالمعاطاة، فإنه يترتب على تملكها و

من منع من حصول ملك العين بالمعاطاة فقد أغرب.

(4) و حاصله انه يؤخذ بظاهر كلمات الأصحاب في كون المفروض في المعاطاة صورة قصد التمليك و أنها تفيد الإباحة لا الملك و لا يرد عليهم غير ما ذكره المحقق الثاني (ره) و حاصل الإيراد أنه إذا كان مقصود المتعاطيين الملك فلا وجه لعدم حصوله و حصول الإباحة فإن الإباحة المالكية لا يمكن تحققها إذ رضا كل من المالكين على تقدير كون ماله ملكا لصاحبه كما في سائر البيع و المفروض عدم حصول الملك، و اما الإباحة الشرعية، فليس عليها دليل، كما انه ليس في كلمات الأصحاب اشعار الى اعتمادهم فيها الى النص مع ان الإباحة الشرعية في نفسها بعيدة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 32

ثم ان المعروف بين المتأخرين (1)

______________________________

فإنه يبعد إلغاء الشارع ما عليه سيرة العقلاء و بنائهم من ترتب الملك على المعاطاة و الحكم تعبدا بجواز تصرف كل منهما في مال صاحبه.

و يؤيد كون مرادهم بالإباحة هو الملك أن مقتضى ظاهر كلماتهم جواز تصرف كل من المتعاطيين فيما يصل اليه حتى التصرفات الموقوفة على الملك و احتمال التزامهم بحصول الملك قبل هذه التصرفات آنا ما كما ذكروا في تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه، أو تصرف الواهب في العين الموهوبة قبل تلفها بعيد جدا بل عن بعض الأساطين ان الالتزام بحصول الملك قبل هذه التصرفات آنا ما مستلزم لتأسيس قواعد جديدة في الفقه هذا.

و لكن القول بالتزامهم حدوث الملك آنا ما قبل التصرف أهون من حمل الإباحة في كلماتهم على الملك المتزلزل، و الشاهد على كون مراد هم هي الإباحة المجردة عن الملك هو تصريح الشيخ (ره) في مبسوطه و

الحلي في سرائره بعدم حصول الملك بإهداء الهدية بدون الإيجاب و القبول مع كون الإهداء كذلك موجبا لجواز التصرف.

و يظهر ذلك ايضا من العلامة في قواعده و وجه الشهادة انه لا يمكن حمل الإباحة في هذا الكلام على الملك الجائز فإن الهبة مع الإيجاب و القبول هبة مجانية لا تفيد الا الملك الجائز فعدم ثبوته فيها مع عدم الإيجاب و القبول و ثبوت الإباحة فقط صريح في عدم ارادة الملك من الإباحة في المعاطاة.

(1) المعروف بين المتأخرين ان المعاطاة على مسلك القائلين فادتها الإباحة ليست بيعا و هذا الحمل مع حمل كلمات هؤلاء القائلين على الملك غير اللازم في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 33

اما الأول (1) اللزوم مطلقا (2). نعم ربما يوهمه ظاهر عبارة التحرير (3)

______________________________

طرفي الإفراط و التفريط و يدفع حمل المحقق و يزيفه أمران.

الأول- ما عن بعض القائلين في المعاطاة بالإباحة، من ان شرط لزوم البيع منحصر في مسقطات الخيار، بمعنى ان كل بيع لم يكن فيه خيار يكون بيعا لازما و مقتضى هذا الكلام ان لا تكون المعاطاة بيعا لأنه ليس فيها لزوم و لا خيار و تزلزل الملك فيها على تقديره ليس من قبيل الخيار كما مر.

و الثاني تصريح غير واحد بأن الإيجاب و القبول من شرائط انعقاد البيع، فإنه لو كانت المعاطاة بيعا مفيدا للملك المتزلزل لزم ان يذكروا الإيجاب و القبول من من شرائط لزوم البيع لا من شرط انعقاده.

(1) المراد الحمل الأول و هو عدم كون المعاطاة على القبول بالإباحة بيعا أصلا.

(2) أي سواء كانت القرينة على ارادة البيع و تراضى المتعاطيين لفظا أو غيره و يكفي في وجود القائل به قول العلامة

في التذكرة الأشهر عندنا أنه لا بد من الصيغة فإنه لا يعبر باسم التفضيل في مسألة إلا مع الخلاف المعتد به فيها.

(3) يعنى يوهم عبارة التحرير الملك المتزلزل حيث قال فيه الأقوى ان المعاطاة غير لازمة بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية فان تلفت لزمت و ظاهر المعاوضة حصول الملك بالمعاطاة و لذا نسب في المسالك القول بالملك في المعاطاة إلى التحرير و لكن ذكر فيه بعد العبارة و لا يحرم على كل منهما الانتفاع بما قبضه بخلاف البيع الفاسد.

و هذه قرينة على ان مراده بتلك العبارة حصول مجرد الإباحة إذ لا معنى لذكر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 34

و لا يخلو عن قوة (1)

______________________________

ذلك بعد فرض حصول الملك فيكون إطلاق المعاوضة على المعاطاة المفروض فيها حصول مجرد الإباحة باعتبار أن المعاوضة من قصد المتعاطيين و كذا إطلاق الفسخ على الرد و اللزوم مع التلف.

(1) لا يخفى ان الأصل يعني مقتضى الاستصحاب في المعاطاة على تقدير عدم قيام الدليل على حكمها هو الفساد و عدم ترتب الأثر عليها لا الملك و لا اباحة التصرف و اما الإباحة المالكية فهي تابعة لرضا كل منهما بتصرف الآخر في ماله مع الإغماض عن المعاملة المعاطاتية و فرض بقاء المال في ملكه فان هذا يكون موجبا لجواز تصرف الآخر فيما وصل الى يده تصرفا لا يتوقف جوازه على الملك و لكن يدل على حكمها و عدم الفرق بينها و بين سائر البيوع في كون الحاصل منها الملك اللازم (قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) فان ظاهره صحة البيع و نفوذه و ذلك فإن الحلية و لو تكون ظاهرة في الإباحة تكليفا الا ان

هذا فيما إذا تعلقت بالفعل الخارجي و اما مع تعلقها بالاعتباري عقدا أو إيقاعا فظاهرها نفوذه و صحته.

و هذا مراد من يذكر ان الآية دالة على صحة البيع و نفوذه بالدلالة المطابقية.

و اما ما ذكره المصنف (ره) من تقدير الأفعال الخارجية المرتبة على الملك و الالتزام بتعلق الحلية بها و جواز تلك الأفعال تكليفا يلازم صحة البيع و نفوذه فتكون الآية دالة على الصحة و النفوذ بالدلالة الالتزامية فلا يمكن المساعدة عليه فان الداعي له (ره) الى تقدير الأفعال و الالتزام بتعلق الحلية بها هو عدم احتمال تعلق الحلية تكليفا بالبيع بمعناه المصدري من غير دلالة على صحته و نفوذه.

و قد ذكرنا أن ظاهر تعلق الحلية بالأمر الاعتباري هو النفوذ و الإمضاء و لو كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 35

..........

______________________________

الموجب لالتزامه عدم قابلية الملكية للجعل استقلالا لأنها من الحكم الوضعي المنتزع عن التكليف فقد ذكرنا في محله ان مثل الملكية قابلة للجعل بنفسها من غير حاجة الى جعل التكليف بل قد لا يثبت في مورده تكليف، حتى يتوهم انتزاعه منه و لكن قد يقال انه لا إطلاق في الآية حتى يتمسك بها لصحة بيع المعاطاة و نفوذه، لان الظاهر من صدر الآية و ذيلها أنها واردة في مقام بيان حكم آخر و هو نفى التسوية بين الربا و البيع.

هذا مع ان الحكم بحل البيع و حرمة الربا قد ثبت في الشرع من قبل و اعترض عليه بأنه لا فرق بينهما و ان البيع مثل الربا فهذه الآية في مقام نفى التسوية و إثبات الفرق بينهما، بان اللّه أحل أحدهما و حرم الآخر فلا بد من ملاحظة الإطلاق و التقييد في

ذلك التحليل أو التحريم الصادرين من قبل و لو بقول رسول اللّه (ص).

ثم وجه هذا القائل الجليل التمسك بالإطلاق بدعوى ان الاعتراض كان بنحو العموم يعني مماثلة مطلق البيع لمطلق الربا حيث لو كان الاعتراض بان بعض البيوع أو البيع بقيد خاص مثل الربا لكان اللازم الحكاية بمثل ما قالوا لتخرج الحكاية عن الكذب و إذا كان مقتضى الحكاية هي دعواهم مماثلة جميع البيع فبيان الفرق بذكر الحل له و الحرمة للربا بمنزلة إثبات الحكم لجميع أفرادهما.

(أقول) لو كانت الآية واردة لنفى التسوية على ما ذكر و سلم ان الاعتراض كان بنحو العموم بمعنى مماثلة جميع البيع لجميع الربا، لكان اللازم ان يكون هذا الإطلاق مرادا من قوله (قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا) لا من قوله (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا) بالإضافة إلى حكم الحل فإنه لو كانت الحلية ثابتة للبيع بقيد لما كان ايضا بين البيع و الربا تسوية، و المفروض ان الآية ليست في مقام البيان من جهتها، و لكن أصل المناقشة ضعيفة، فإنه لا دلالة في الآية على صدور خطاب التحريم أو التحليل من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 36

..........

______________________________

قبل، كما لا دلالة فيها على ورودها للتعرض للتسوية الموهومة بعد صدور خطاب تحليل البيع و تحريم الربا، فان نقل قولهم انما البيع مثل الربا حكاية عن معتقدهم، و الداعي إلى ارتكابهم لا عن لفظهم بعد صدور ذلك الخطاب و الأصل في قوله وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا كما هو ظاهر كل خطاب متضمن للحكم و موضوعه وروده في بيان الحلية و موضوعها، غاية الأمر يستفاد منه ايضا فساد اعتقادهم.

و قوله سبحانه (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰا.) حكاية

عن الجزاء على آكل الربا بعد تمام الحجة عليه، حتى لو كان تمامها بوصول هذه الآية المباركة و أكله لزعم التسوية أو عدم زعمها، و ليست اخبارا عن الجزاء على من كان آكلا قبل نزولها كما لا يخفى.

و مما ذكرنا يظهر الحال في التمسك لصحة المعاطاة و نفوذها كسائر البيوع اللازمة بقوله سبحانه (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) فإن التجارة هو البيع و الشراء بقصد تحصيل الربح، فتعم المعاطاة فتكون جائزة وضعا، لان الاستثناء عن النهى عن أكل المال بالباطل و لو يكون بنحو الانقطاع، ضرورة عدم دخولها في المستثنى منه الا ان النهى في ناحية المستثنى منه قرينه على ان الترخيص في ناحية المستثنى وضعي لأن الأكل في الآية بمعنى التملك و الاستيلاء، حيث ان التعبير عنهما بالأكل متعارف بل هذا ظاهر الأكل المضاف الى المال كما تقدم.

و يمكن الاستدلال على حكم المعاطاة و كونها كسائر البيوع اللازمة بقوله عز من قائل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فإنه و ان يناقش في شمول العقد لها الا انه لا مجال للمناقشة بعد ورود النص الصحيح «1» على كون المراد بها العهود حيث ان العهد يعم المعاطاة جزما سواء قيل بان العقد مطلق العهد، أو العهد بين الاثنين و المشدود كما ان المراد

______________________________

(1) تفسير برهان سورة مائدة حديث: 8

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 37

و اما قوله الناس مسلطون على أموالهم (1).

______________________________

بالوفاء هو إتمام العهد و عدم نقضه بعدم العمل له ابتداء و استدامة، و الرجوع نقض للعهد بقاء كما لا يخفى.

و على ذلك ففي الآية كفاية و لو قيل بان الآيتين المتقدمتين لا دلالة لهما على لزوم الملك، بل مدلولهما مجرد الصحة و

الإمضاء، بدعوى أن آية الحل مدلولها إمضاء نفس البيع، لا إمضائه بماله من الأحكام عند العقلاء و لزومه و عدم انفساخه برجوع أحد المتبايعين من أحكام البيع عندهم، لا من مقومات صدقه.

و ان شئت قلت كما أن في مثل قوله عليه السّلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا يراد بالبيع نفس البيع مع الإغماض عن حكمه عند العقلاء كذلك في قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و الآية الثانية مدلولها، الترخيص في التمليك بالتجارة، و اما كون التملك جائزا أو لازما، فلا دلالة لها على ذلك.

هذا و لكن يمكن الاستدلال بالآية الثانية على اللزوم حيث ان إطلاق الترخيص في التمليك بالتجارة، يعم ما إذا ندم أحد المتعاملين و رجع عن معاملته، بل بالآية الأولى أيضا باعتبار ان إطلاق الحل و الإمضاء، يعم ما إذا رجع أحدهما عن البيع فتأمل.

(1) هذه المرسلة لضعفها لا يمكن الاعتماد عليها و لم تذكر إلا في كتب المتأخرين و قيل إنها مروية في البحار ايضا و وجه الاستدلال بها دلالتها على ثبوت الولاية للمالك بالإضافة الى جميع التصرفات المتعلقة بماله، لأن السلطنة على المال يراد بها السلطنة على التصرف فيه، و حيث لم يذكر تصرف خاص فيكون المراد جميعها و يدخل فيها المعاطاة حتى بناء على عدم كونها بيعا بل تصرفا مستقلا.

و المصنف (ره) لم يرتض بهذا الاستدلال و ذلك، فان السلطة على المال و ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 38

..........

______________________________

يراد بها السلطنة على التصرف فيها، الا ان التعبير بالسلطة، فيه دلالة على كون المراد بالتصرف هو الإنشائي و التصرفات الاعتبارية على ما تقدم بنفسها أنواع، كالبيع و الهبة و الصلح و القرض الى غير ذلك، و

بما ان هذه كلها أمور إنشائية تحتاج في إنشائها إلى قول أو فعل من كتابة أو إشارة أو غيرها، فان حصل الشك في النوع بان لم يعلم ان نوع معاملة يتعلق بالمال ممضاة شرعا أولا، فيمكن التمسك بالحديث في إثبات صحتها و سلطان المالك على إنشائها، و اما إذا شك في فرد ذلك النوع بمعنى ان النوع الفلاني من المعاملة يحصل بإنشائه كذلك أو لا يحصل به، مثلا تمليك العين بالعوض يحصل بالمعاطاة أولا، فلا يمكن التمسك بها لعدم نظرها إلى أفراد المعاملة و أسبابها، و من هنا لا يمكن التمسك بها في اعتبار بعض الأمور المحتمل دخلها في صيغتي الإيجاب و القبول من البيع و غيره.

أقول الصحيح عدم نظرها الا الى أنواع التصرفات و لا إلى إفرادها و أسبابها و الا لكان التفصيل بين الأنواع و الأشخاص مجرد الدعوى، بل هي ناظرة إلى ولاية المالك على التصرفات المالية التي أمضاها الشرع بأنواعها و أسبابها، و ان تلك التصرفات لا تكون نافذة فيما إذا لم تصدر عن المالك، و على ذلك فلو شك في ولاية المالك على التصرف الجائز كما إذا شك في ان المرأة محجورة عن التصرف في مالها بالتصدق به بلا رضا زوجها، فيمكن الأخذ بالحديث في إثبات سلطنتها، و عدم كونها محجورة.

فقد تحصل الى هنا دلالة الإطلاق و العموم من الكتاب العزيز على صحة المعاطاة و نفوذها أضف الى ذلك السيرة الجارية من العقلاء المتدينين منهم و غيرهم في المعاطاة و معاملتهم معها معاملة اللازم و ما ذكر المصنف (ره) من ان مثل هذه السيرة كسائر سيرهم الناشئة عن التسامح في الدين و قلة مبالاتهم به كما ترى، فإنه ليس المراد

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 39

اللهم الا ان يقال (1)

______________________________

التمسك بسيرة معظم المتشرعة التي نراها الان من المعاملة مع المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك، إذ لا يمكن لنا إحراز استمرارها الى زمان المعصومين عليهم السلام مع فتوى كبار العلماء من قديم الزمان بعدم إفادتها الملك و تقليد الناس منهم بل المراد الأخذ بسيرة العقلاء كافة المتدينين منهم و غيرهم نظير السيرة الجارية على الاعتناء باخبار الثقات التي ذكر في الأصول ان الردع من مثلها يحتاج الى دليل خاص، و لا يكفى وجود العمومات على خلافها، فضلا عما وافقها العمومات كما في المقام، فلا وجه للقول بان توريث المأخوذ بالمعاطاة قبل التصرف الموجب لصيرورته ملكا ناش عن قلة المبالاة بالدين.

(1) و هذا منع منه (ره) لدلالة الآيتين على حصول الملك بمجرد المعاطاة، و تقريره ان دلالة الآيتين على حصول الملك انما هي بالدلالة الالتزامية الناشئة عن الملازمة بين اباحة جميع التصرفات و بين حصوله، و هذه الملازمة ثابتة في غير المعاطاة بالإجماع، و الا فالملازمة حقيقة انما هي بين تحقق و طي الأمة حلالا و بين ملكيتها، لا بين مجرد الحكم بإباحة الوطي و بين ملكيتها فان هذه الإباحة لا تلازم ملكيتها إلا بالإجماع الثابت في غير المعاطاة، و اما فيها فيلتزم بحصول الملك آنا ما قبل الوطي جمعا بين دليل جوازه و دليل توقف جوازه على الملك و بين عدم حصول الملك من الأول و لو بمقتضى الأصل.

(أقول) التزامه (ره) بأن إباحة جميع التصرفات لا تلازم بنفسها الملكية و لو يكون صحيحا الا انه ينافي ما بنى عليه (ره) انتزاع الحكم الوضعي و منه الملكية من الحكم التكليفي، حيث ان نفى الملازمة بين

اباحة جميع التصرفات و بين الملكية معناه عدم انتزاع الثاني من الأول كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 40

و دعوى انه لم يعلم من القائل بالإباحة (1) هذا مع إمكان إثبات حصة المعاطاة في الهبة و الإجارة (2)

______________________________

(1) هذه الدعوى تقريب لإمكان التمسك بالآيتين في إثبات الملك بالمعاطاة، و بيانه ان القائل بإباحة التصرف بالمعاطاة لم يظهر منه اباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك، فإنه يحكى عن الشهيد (ره) في حواشيه على القواعد انه لا يجوز إخراج زكاة ماله أو خمسه بأداء مال آخر مأخوذ بالمعاطاة و كذا لا يجوز أداء ثمن الهدى الواجب عليه في حجه من مال مأخوذ بها، فإن إخراج الزكاة أو الخمس من مال آخر موقوف على كون المودى مالكا لذلك المال و كذا في أداء ثمن الهدى أو وطي الجارية، فإنها لا يجوز بغير ملك و إذا أخذ بظهور الآيتين في إباحة جميع هذه التصرفات بحصول المعاطاة فيثبت الملك بالملازمة بين إباحتها و ثبوته.

و لكن ناقش (ره) في الدعوى بأن الملازمة بين إباحتها و حصول الملك غير ثابتة في المعاطاة بمعنى انه لم يثبت ان كل من قال بإباحة جميع التصرفات قال بالملك من الأول ليكون في البين إجماع مركب.

(2) يمكن ان يريد (ره) وجود الرواية في الهبة و الإجارة بحيث يكون مفادها ابتداء الحكم الوضعي يعنى انتقال المال، و إطلاقها يعم ما إذ كانت الإجارة بنحو المعاطاة و في صحيحة على بن يقطين قال سئلت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقل قال عليه السّلام الكراء لازم له الى الوقت الذي

تكارى اليه و الخيار في أخذ الكراء الى ربها ان شاء أخذ و ان شاء ترك «1» فان مفادها صحة الإجارة و لزومها كما ان إطلاقها يعني عدم الاستفصال في الجواب يعم المعاطاة.

______________________________

(1)- الوسائل- الجزء 13 الباب (7) من أبواب الإجارة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 41

و لذا ذكر بعض الأساطين في شرحه على القواعد (1).

______________________________

و من هذا القبيل صحيحة حفص البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال الصلح جائز بين المسلمين «1» و لكن من قال بعدم لزوم المعاطاة كالمصنف (ره) لا يمكن له التشبث بهما فان ظاهر هما اللزوم و عدم جواز الفسخ كما لا يخفى.

و اما الهبة فلا يبعد ان يكون المراد بالوارد فيها صحيحة محمد بن مسلم قال أبو جعفر عليه السّلام فيها و لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى وجه اللّه و قال الهبة و النحلة يرجع فيها إنشاء حيزت أو لم تحز إلا لذي رحم فإنه لا يرجع فيه «2» فان هذه بإطلاقها تعم الصدقة و الهبة بالمعاطاة و القائل بعدم الفرق بين أفرادهما في الحكم حتى فيما إذا كانتا بالمعاطاة يعتمد على مثلها.

(1) أراد بعض الأساطين ان حصول الإباحة بالمعاطاة دون الملك يلازم محاذير يكون ملازمتها كافية للجزم ببطلان القول بها و المحاذير أمور.

الأول- الالتزام بإمكان تخلف العقود و ما يقوم مقامها عن قصد العاقد، فان المفروض في المقام قصد المتعاطيين الملك و هو غير حاصل، و الحاصل هي الإباحة غير مقصودة، فإنه قد مر ان رضا كل منهما بتصرف صاحبه في المال منوط بحصول الملك، لا انه يرضى بتصرفه مع عدم حصول الملك له.

و أجاب ره عن هذا المحذور أولا بأن تبعية العقود

و ما يقوم مقامها للقصد انما هي مع صحتها، فإنه لا يعقل صحة العقد المفروض كونه أمرا إنشائيا و يكون قوامه بالقصد، بلا حصول مدلوله و مقتضاه، و المعاطاة على القول بالإباحة، ليست من العقود الصحيحة و ما يقوم مقامها، بل الإباحة الحاصلة حكم شرعي، و ليست من الإباحة المالكية التي

______________________________

(1)- الوسائل- الجزء 13 الباب (3) من أحكام الصلح.

(2)- الوسائل- الجزء 13 الباب (3) من أحكام الهبات الحديث (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 42

..........

______________________________

لا يمكن تحققها بلا قصد.

(أقول) الالتزام بالإباحة الحكمية مناف لما تقدم منه (ره) سابقا من كون الإباحة مالكية حاصلة من تسليط المالك صاحبه بماله، مع ان الإباحة الحكمية تعبد يحتاج إلى الإثبات، و التمسك لها بالسيرة كما ترى، فإنها من العقلاء جارية على الملك اللازم و من بعض المتشرعة ناشئة عن فتوى جملة من كبار العلماء بالإباحة فلا اعتبار بها مع عدم إحراز استمرارها الى زمان المعصوم عليه السّلام.

و ثانيا انه قد وقع تخلف العقد عن القصد في موارد، و ليكن المعاطاة منها، و تلك الموارد كما تلي: الأول- ذكروا ان الفاسد من العقد تابع لصحيحة في الضمان، و لكن الضمان في صحيح البيع مثلا بالثمن المسمى، و هذا مع فساد العقد غير حاصل، و الحاصل و هو ضمانه بالمثل أو القيمة غير مقصود.

(أقول) عدم إمكان تخلف العقد عن القصد معناه عدم إمكان حصول مدلول العقد و مفاده المفروض كونه إنشائيا، بلا قصد أو تحققه مع قصد الخلاف و الضمان بالعوض المسمى عبارة عن تحقق ملكية ماله للآخر بالعوض، و هذا أمر إنشائي جعلي الا ان الضمان مع فساد العقد بالمثل أو القيمة ليس امرا جعليا للمتعاقدين،

بل هو حكم شرعي إمضائي تابع لموضوعه و هو الاستيلاء على مال الغير بلا استيمان، و ما في كلام المصنف (ره) من ان الموجب للضمان هو اقدام المتعاقدين عليه على ما هو مفاد العقد، لا يمكن المساعدة عليه كما سيأتي توضيحه عن قريب.

الثاني- ذكروا ان الشرط الفاسد غير مفسد، و معنى ذلك ان مدلول العقد يتحقق مطلقا من غير تقييد بالشرط المزبور مع ان المقصود تحقق مدلوله مقيدا به، فالمقيد المقصود غير موجود، و الإطلاق الموجود غير مقصود.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 43

..........

______________________________

و الجواب ان الشرط في المعاملات كما سيأتي في محله إنشاء اللّه تعالى ليس من قبيل الشرط في الجملة الشرطية حتى يكون مفاد العقد معلقا عليه، بل الشرط عبارة عن جعل الحق لأحد المتعاقدين أو كليهما و يكون إنشاء العقد معلقا على التزام الآخر بذلك الحق، لا على نفس الحق فلا يكون حصول الحق كما هو معنى صحة الشرط، أو عدمه كما هو معنى فساده دخيلا في إنشاء العقد أو عدمه، و توضيح ذلك في بحث الشروط إنشاء اللّه تعالى.

الثالث- ذكروا ان بيع شي ء قابل للملك و آخر غير قابل له بصفقة واحدة صحيح عندنا بالإضافة إلى القابل له بحصة من الثمن، مع ان المقصود هي المعاوضة بين مجموعهما و مجموع الثمن، و هذا غير متحقق، و المتحقق و هي المعاوضة بين خصوص القابل و الحصة من الثمن غير مقصود.

و الجواب ما سيأتي إنشاء اللّه تعالى من انحلال البيع بالإضافة الى كل من الأمرين المفروضين في مقصود المتبايعين و إمضاء الشارع أحد البيعين دون الآخر لا يوجب الا التفكيك في الإمضاء، و لا محذور فيه نعم يكون في البين

خيار تبعض الصفقة، لأنه يرجع الجمع بين الشيئين في عقد واحد الى اشتراط الخيار على تقدير التبعيض.

الرابع- قيل و القائل كثير ان بيع الغاصب مال الغير لنفسه يقع لذلك الغير مع أجازته، فالواقع و هو البيع للمالك مع أجازته غير مقصود للعاقد، و المقصود له، و هو العقد لنفسه غير حاصل.

و الجواب- ان المعاوضة على عين خارجية و تمليكها بعوض لا يتوقف على تعيين صاحبها في القصد، لان مقتضى كون الثمن عوضا عنها دخوله في ملك من يخرج تلك العين عن ملكه، و قصد دخوله في ملكه أو غيره لا دخل له في تحقق البيع.

الخامس- ذكر جماعة ان ترك ذكر الأجل في النكاح المقصود انقطاعه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 44

..........

______________________________

يجعله مطلقا يعني دائما، و هذا من تخلف العقد عن القصد، فإن الزوجية المطلقة، أمر إنشائي فقد حصلت بلا قصد.

(أقول) في المسئلة ثلاثة أقوال.

الأول- الانقلاب الى الدوام مطلقا.

الثاني- البطلان انقطاعا و دواما.

الثالث- التفصيل بين إنشاء العقد بلفظ أنكحت و زوجت و بين إنشائه بلفظ متعت فالانقلاب في الأولين لظهورهما في الدوام، و البطلان في الأخير، و لكن الأصح هو القول بالبطلان مطلقا و ذلك لان كلا من الانقطاع و الدوام يحتاج الى القصد كما يتوقف الانقطاع على ذكر الأجل أيضا، و الزوجية الدائمة المحققة إن كانت بالإنشاء فالمفروض عدمه إذ الإنشاء لا يكون بلا قصد و ان كانت من قبيل الحكم الشرعي على العقد المقصود به الانقطاع كالإباحة الحكمية المترتبة على المعاطاة، فليس عليها دليل.

نعم في موثقة ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ان سمى الأجل فهو متعة و ان لم يسم الأجل فهو نكاح بات «1» و

لكنها في مقام بيان الفرق بين الدوام و الانقطاع من جهة العقد، و ان الدوام لا يذكر فيه الأجل، و الانقطاع يذكر فيه الأجل لا ان الدوام لا يحتاج الى القصد و الا كان مقتضاها تحقق الانقطاع بلا قصد، كما إذا ذكر الأجل اشتباها.

و الحاصل اشتراط عقد المتعة بذكر الأجل فيه كما هو ظاهر غير واحد من الروايات التي منها هذه الموثقة، مقتضاه الحكم ببطلانها في صورة نسيان ذكره فيه و انه لا يترتب عليه لا المتعة و لا الدوام.

______________________________

(1)- الوسائل الجزء (14) الباب (20) من أبواب المتعة الحديث (1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 45

و منها ان يكون ارادة التصرف من المملكات (1).

و منها ان الأخماس و الزكوات (2).

______________________________

نعم في البين بعض الروايات التي يمكن استظهار الانقلاب الى الدوام منها، و لكنها لضعف إسنادها لا يمكن الاعتماد عليها.

(1) و هذا هو المحذور الثاني في كلام بعض الأساطين، و حاصله كون ارادة تصرف غير المالك ملكا كما إذا حصل ملك المال بإرادة تصرفه فيه أو مع تصرفه، و هذا التصرف المملك في مال الغير يحتاج الى الاذن من مالكه مع انه لم يأذن فيه، بل و ربما لا يخطر بباله التصرف المزبور ليأذن فيه، فإنه انما يعطى المال بقصد تمليكه و بقصد انه ينتهى سلطانه على المال المزبور بإعطائه، فيفترق المقام عمن يقول للآخر أعتق عبدك عني فإنه توكيل في تمليك عبده إياه أولا ثم عتقه، كما ان قوله للآخر تصدق بمالي عنك اذن للغير في تملك ماله، ثم التصرف فيه بالتصدق.

(أقول) يمكن الالتزام بحصول اباحة التصرف بالمعاطاة قبل وقوع التصرف و هذه الإباحة حكمية لا تحتاج إلى اذن المالك و رخصته،

و التصرف الموقوف على الملك دخيل شرعا في حصول الملكية المنشأة بالمعاطاة نظير قبض الثمن في المجلس في بيع السلم، فتتم الملكية الشرعية مقارنة للتصرف.

(2) و ذكر بعض الأساطين على القول بالإباحة محذورا ثالثا و هو انه يجب ترتيب الآثار المترتبة شرعا على الملك، على المأخوذ بالمعاطاة مع فرض عدم كونه ملكا كوجوب الخمس في المأخوذ بالمعاطاة مع عدم صيرورته ملكا، كما إذا اشترى التاجر في أواخر سنة ربحه متاعا بألف دينار، ثم زادت قيمته السوقية فباعه قبل تمام سنة الربح بألفين بالمعاطاة ثم نزلت القيمة السوقية إلى ألف فيجب عليه خمس الالف مع عدم صيرورته ملكا له بتصرف أو تصرف المشترى في المتاع المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 46

..........

______________________________

(أقول) لا بأس للقائل بالإباحة بالالتزام بعدم وجوب الخمس في الألف قبل صيرورته ملكا و بعد ذلك يكون من أرباح السنة الاتية، كما إذا تصرف فيه أو تصرف الآخر في المتاع و من تلك الآثار وجوب إخراج الزكاة من المال الزكوي كالذهب فيما إذا أخذه بالمعاطاة و حال عليه الحول من غير ان يتصرف فيه أو يتصرف الآخر في بدله.

(أقول) يمكن للقائل المزبور الالتزام بعدم وجوب زكاته على الأخذ قبل حولان الحول عليه في ملكه، بل يجب زكاته على بايعه، لفرض كونه مالكا قبل حصول الملك للآخر.

و من تلك الآثار الاستطاعة فإنه إذا فرض هبة مال له بالمعاطاة يكفي ذلك المال لمصارف حجه زائدا على مؤنته و مؤنة عياله و لم يتصرف في ذلك المال ليصير ملكا له، فلا بد من الالتزام بحصول الاستطاعة للحج بدون الملك.

و فيه انه لا بأس بذلك الالتزام فإن الاستطاعة الموضوع لوجوب الحج غير موقوفة على ملك

المال، بل يكفى فيه ملك التصرف، و البحث موكول الى كتاب الحج و نظيره وجوب أداء الدين على المديون، أو وجوب الإنفاق على العيال، فان الوجوب في الموردين كما في وجوب الحج غير موقوف على ملك المال و قد يؤدى معظم أهل العلم ديونهم من سهم الامام عليه السّلام مع عدم كون السهم المبارك ملكا لهم، كما ينفقون على عيالهم من ذلك السهم، و جواز أداء المديون دينه بمال الغير، يلازم جواز إجباره عليه مع امتناعه.

و من تلك الآثار تعلق حق الشفعة، و المقاصة، بالمأخوذ بالمعاطاة، فإنه يجوز له المقاصة من ذلك المال و لو قبل صيرورته ملكا للجاحد، و هذا معنى تعلق المقاصة بما ليس ملك الجاهد، و كما إذا باع أحد الشريكين في الأرض حصته المشاعة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 47

..........

______________________________

من ثالث بالمعاطاة فيجوز للشريك الآخر استرداد الحصة المبيعة بأخذه بحق الشفعة و هذا فرض لتعلقها بغير الملك.

(أقول) للقائل بعدم الملك في المعاطاة الالتزام بعدم جواز المقاصة من المأخوذ بالمعاطاة قبل صيرورته ملكا للجاحد، كما لا يجوز في الصحة المباعة بها الأخذ بالشفعة قبل صيرورتها ملكا للمشتري، لأن الموضوع لجواز المقاصة أو الأخذ بالشفعة كون المال ملكا للجاحد، و الحصة ملكا للمشتري، و من تلك الآثار إرث المال المأخوذ بالمعاطاة فيما إذا وقع الموت قبل التصرف في ذلك المال.

و الجواب ان للقائل المزبور الالتزام بعدم دخوله في الميراث، بل الداخل فيه المال الآخر الموجود في يد الطرف الآخر، و لكن يجوز للورثة التصرف فيما كان بيد مورثهم عوضا عن تصرف الآخر في مالهم كما هو مقتضى رضاهما ببقاء المعاطاة، و مع حصول التصرف المملك يحصل الملك للطرفين، و

بهذا يظهر الحال في الموهوب بالمعاطاة.

و هذا بناء على عدم كون الموت من ملزمات المعاطاة، و اما بناء عليه فالمأخوذ بها كسائر أموال الميت داخل في تركته.

و من تلك الآثار تعلق الربا بالمعاوضة بنحو المعاطاة، كما إذا بادل الف كيلو من الأرز العنبر بألفين من الأرز العادي، فلا يمكن الحكم بجواز هذه المعاطاة الربوية و صحتها، مع ان حرمة الربا و فساد المعاوضة لا يكونان الا مع التمليك.

أقول قد مر ان المعاطاة بناء على المشهور تمليك و لكن الشارع لم يمضها الا بعد وقوع التصرف المملك، و ان التصرف المزبور، كالقبض في المجلس في معاملة الصرف شرط شرعي، و كل من حرمة الربا، و فساد المعاوضة الربوية يعم ما إذا كان في المعاملة شرط شرعي آخر و قد مر ايضا ان اباحة التصرف الثابتة قبل الملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 48

و منها كون التصرف من جانب مملكا للجانب الآخر (1) و منها جعل التلف السماوي من جانب (2)

______________________________

اباحة حكمية فلا ينافي ثبوتها مع كون المعاطاة معاوضة في الملك. و من تلك الآثار جواز الوصية بالمأخوذ بالمعاطاة حتى مع عدم التصرف فيه قبل الموت.

(أقول) بناء على ان موت أحد المتعاطيين من ملزمات المعاطاة فلا بأس بالوصية.

و من تلك الآثار ان الواهب لجميع أمواله للغير بالمعاطاة يجوز له أخذ الزكاة باعتبار فقره بعد الهبة المزبورة، مع ان تلك الأموال لا تخرج عن ملكه بالمعاطاة على الفرض. و كذا يحكم بعدم جواز أخذ الزكاة للمتهب بها باعتبار غناه مع عدم انتقال تلك الأموال إلى ملكه.

و فيه ان وصف الغنى الموجب لعدم جواز أخذ الزكاة أو الفقر الموجب لجوازه غير موقوف على حصول الملك

و عدمه، كما ذكر تفصيل ذلك في البحث في أوصاف المستحقين في كتاب الزكاة.

(1) و هذا المحذور الرابع في كلام بعض الأساطين كالاعادة للمحذور الثاني.

و قد تقدم مع جوابه.

(2) قد أدرج في هذا المحذور أمور أربعة.

الأول- الالتزام بان تلف أحد المالين في يد أحدهما بأمر غير اختياري موجب لتملك الآخر ما بيده من المال.

الثاني- الالتزام بان تلف كلا المالين بتفريط من المتعاطيين موجب لضمان كل منهما ملك الآخر بالعوض المسمى، كما لو أخذ متاعا بدينار بالمعاطاة و تلف المتاع و الدينار في يدهما فيكون تلفهما موجبا لتملك كل منهما ما تلف في يده، مع ان مقتضى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 49

..........

______________________________

القاعدة يعني قاعدة اليد كون ضمان المتاع بقيمة المثل لا بالقيمة المسماة، فإن اختلف القيمتان بان كانت قيمة المثل أقل فيرجع الى مالك المتاع بالتفاوت بينهما.

الثالث عدم إمكان الالتزام بحصول الملك أو عدم حصوله في صورة وقوع المال بيد الغاصب أو تلفه في يده فان القول باستحقاق المأخوذ منه المطالبة بالمال من الغاصب لانه تملكه بالغصب أو بالتلف في يد الغاصب غريب و القول بأنه لم يملك و لا يكون له استحقاق المطالبة، بل يكون الاستحقاق للمبيح بعيد جدا.

الرابع انه لا يمكن الالتزام بحصول الملك عند تلفه في يده قهرا كما لا يمكن الالتزام بعدم حصول ملكه فإنه ان كان حصول ملكه قبل تلفه فهو بلا وجه و ان كان حصوله مقارنا للتلف فهو بعيد لان المال في زمان تلفه غير قابل لحدوث ملكه و ان كان حصوله بعد تلفه فهو من ملك المعدوم، و ان لم يحصل الملك أصلا كان ملك الآخر بلا عوض و الالتزام بأن الآخر أيضا

لا يملك المال الآخر الموجود في يده مخالف للسيرة و بناء المتعاطيين.

«أقول» كل ذلك و ما يذكره بعد ذلك ينتهى بما ذكرنا آنفا من أن المنشأ بالمعاطاة الملكية غاية الأمر بناء على القول بالإباحة جعل الشارع للملكية شرطا كجعل القبض في المجلس شرطا في بيع الصرف و الشرط المعتبر أحد الملزومات التي سيأتي ذكرها.

و من تلك الملزمات تلف المال قهرا أو تفريطا أو وقوعه في يد الغاصب الى غير ذلك فإنه لا وجه لرفع اليد عن حل البيع أو لزوم العقد الشامل للمعاطاة إلا في مورد اليقين، و هو مورد عدم حدوث شي ء من تلك الملزمات.

و أجاب المصنف ره عن هذا المحذور المتضمن للأمور الأربعة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 50

..........

______________________________

بما حاصله.

ان مقتضى الإجماع عدم ضمان تلف المال قهرا أو تفريطا، بالمثل أو القيمة و على ذلك فالأمر يدور بين القول ببقاء المال المزبور على ملك مالكه الأول و لا ضمان فيه بان يخصص عموم حديث على اليد حيث ان مدلوله ثبوت الضمان في كل مورد يضع انسان يده على مال الغير بلا استيمان فيقال ان في مورد المعاطاة لا ضمان على من يتلف مال الغير في يده و بين إبقاء الحديث على عمومه و يقال بأن المأخوذ في المعاطاة يصير ملكا لمن يتلف في يده كما ان المال الآخر يصير ملكا للآخر و هذا مقتضى التحفظ على عموم الحديث مع ملاحظة الإجماع المزبور.

ثم ان في هذا الفرض أى فرض حصول الملك مقتضى أصالة عدم حدوث الملك قبل التلف حدوثه مقارنا له فيكون المقام نظير تلف المبيع في يد بايعه حيث ان مقتضى عدم ضمان المبيع بالمثل أو القيمة مع ملاحظة

الرواية الواردة في ان تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه هو الالتزام بدخول المبيع قبل تلفه في ملك بايعه و مقتضى المعاوضة انتقال الثمن ايضا الى ملك المشترى و لذا يقال ضمان البائع قبل القبض، معناه انحلال البيع بالتلف قبل القبض.

أقول: يرد على المصنف أولا انه لا مجال للأخذ بحديث على اليد مع العلم بعدم شموله للمورد تخصيصا أو تخصصا كما قرر في الأصول لأن الضمان المستفاد منه لا يعم الضمان بالمسمى، فان ظاهره أداء نفس المال و لو بماليته و ثانيا أنه لو صح الأخذ بالإجماع في أمثال المقام، فالظاهر قيامه على ملك المال بالتلف فلا حاجة الى حديث على اليد أصلا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 51

و الجاني عليه و المتلف له (1) و شمول الاذن له خفي (2) و منها قصر التملك على التصرف (3) أن لكل منهما المطالبة ما دام باقيا (4) يحتمل ان يحدث النماء في ملكه (5) و بالجملة فالخروج عن أصالة عدم الملك (6).

______________________________

(1) أي الجاني على المأخوذ بالمعاطاة و المتلف لذلك المأخوذ.

(2) يعنى شمول اذن مالك الأصل للتصرف في نمائه خفي.

(3) و حاصله ان القول بعدم حصول الملك في المعاطاة من الأول بل حدوثه عند التصرف يبتنى على ان اذن المالك فيه اذن في التمليك ايضا فيتعين الالتزام بان المتصرف يكون بتصرفه مملكا و متملكا المال الذي بيده و هذا معنى اتحاد الموجب و القابل و لو صح كون التصرف تمليكا و تملكا لجرى ذلك في قبض المال من مالكه، فيكون قبضه إيجابا و قبولا، بل قبضه اولى بما ذكر فإنه تصرف من مالكه بقصد الملك.

أقول قد تقدم ان التصرف شرط لحصول الملكية

نظير القبض في الهبة، و لا يكون إيجابا و لا قبولا و جواز التصرف قبل حصول الملك من قبيل الإباحة الحكمية لا الإباحة بإذن المالك، و لا يجري شي ء من ذلك في قبض المال.

(4) يعنى لكل من المبيح و المأخوذ منه حق الرجوع الى الغاصب.

(5) يعني في ملك الأخذ بمجرد اباحة الأصل له.

(6) لا يخفى ان مقتضى الأصل العملي في المقام و ان كان الفساد و عدم حصول الملك بالمعاطاة كما مر سابقا الا ان الأصل العملي لا اعتبار به في مقابل إطلاق دليل حل البيع و الهبة و غيرهما فلا وجه لجعل العدول عن الأصل مشكلا و الشهرة في كلام القدماء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 52

بناء على أصالة اللزوم في الملك (1)

______________________________

قد عرف وجهها، و الإجماع المنقول في كلام الغنية غير ثابت و يكفي في ذلك ملاحظة الوجه الثاني الذي ذكره لعدم اعتبار الاستدعاء و الإيجاب و المعاطاة، فإنه لو كان عدم حصول الملك في المعاطاة إجماعيا لذكر ان البيع مع حصول الإيجاب و القبول مجمع على صحته و حصول الملك به و مع عدمهما مجمع على فساده و عدم حصول الملك، مع انه ذكر ان البيع معهما مجمع على صحته و لا دليل على صحته بغيرهما.

اللهم الا ان يقال ان تعبيره بذلك لئلا يرجع الوجه الثاني إلى الوجه الأول.

(1) و حاصل كلامه انه بناء على حصول الملك في المعاطاة و دوران كونه ملكا جائزا أو لازما يحكم باللزوم و يقتضيه وجوه: الأول- استصحاب الملك الحاصل بالمعاطاة و عدم زواله برجوع أحد المتعاطيين بلا رضا صاحبه و ربما يورد على هذا الاستصحاب بكونه من قبيل استصحاب الكلي فإنه بعد

رجوع أحد المتعاطيين يعلم بعدم الملك الجائز و الملك اللازم حدوثه من الأول مشكوك.

و أجاب ره عن ذلك بان استصحاب الملك في المقام على تقدير كونه من قبيل استصحاب الكلى فهو من القسم الثاني منه الذي يتردده فيه الكلى الحادث بين كونه في ضمن فرده الطويل أو القصير، و في مثله لا بأس باستصحاب الكلى لترتيب آثار بقائه.

هذا أولا و ثانيا فلان الاستصحاب في المقام من قبيل استصحاب الشخص لا الكلى، و المستصحب شخص الملك المحتمل بقائه بعد رجوع أحد المتعاطيين، و ذلك فان اللزوم أو الجواز من الحكم للملك الحادث، كسائر الأحكام المترتبة عليه، و يختلف الحكم باعتبار اختلاف أسباب حصوله من كونه بالهبة أو الصلح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 53

..........

______________________________

أو البيع بالإيجاب و القبول لفظا أو بالمعاطاة و غيرها، و يشهد لكونهما من الحكم لا من الفصل المميز لأحد النوعين عن الآخر، عدم الفرق في المنشأ في الهبة اللازمة أو الجائزة و ايضا لو كان كل منهما فصلا مميزا فان كانا بفعل المتعاقدين و إنشائهما، فاللازم كونهما تابعين لقصدهما، و ان كانا بجعل الشارع نوع الملك الذي أمر إنشائي بلا قصد العاقد، فهذا فرض لتخلف العقد عن القصد، و الكلام الجاري في دوران الأمر بين كون الملك هو اللازم أو الجائز لا يختصص بالمعاطاة حتى يعتذر عن تخلفها عن القصد بما تقدم سابقا من عدم لزوم تحقق المعاملات الفعلية على طبق قصد المتعاطيين.

و ذكر ايضا انه يكفى في جريان الاستصحاب الشك في ان اللزوم من خصوصيات الملك أو من لوازم السبب المملك.

أقول لا وجه لهذا الكلام أصلا فإنه بناء على جريان الاستصحاب في القسم الثاني كما هو الحق،

فالاستصحاب في بقاء الملك صحيح حتى مع الجزم بان اللزوم من خصوصيات الملك. و بناء على عدم جريانه فيه و كون القسم الثاني كالثالث منه في عدم الجريان، فالشك في ان اللزوم من خصوصيات الملك يوجب عدم جريان الاستصحاب، و ذلك فان المقام يكون من قبيل الأخذ بالعام في شبهة المصداقية، لا من قبيل الأخذ به في الشك في مصداق المخصص ليقال باعتبار العام معه، كما عن بعض.

و ان شئت قلت عدم جريان الاستصحاب في ناحية الكلي في القسمين ليس لورود المخصص العقلي أو النقلي على عموم خطاب الاستصحاب، بل باعتبار عدم تحقق نقض اليقين بالشك فيهما، و قد ذكر في محله ان خطاب العام كسائر الخطابات لا يتكفل لإثبات موضوعه و حصوله في الخارج، بل مدلوله الحكم للموضوع على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 54

فلا إشكال في أصالة اللزوم (1)

______________________________

تقدير حصوله، و مع دوران أمر الملك بين اللزوم و الجواز و الشك في كونهما من خصوصيات الملك أو من أحكام السبب المملك لا يحرز موضوع اعتباره و كون رفع اليد عن الملك بعد رجوع أحد المتعاطيين من نقض اليقين بالشك.

اللهم الا ان يقال الوجه في عدم جريان الاستصحاب في ناحية الكلي في القسم الثاني ليس ان الكلى لا حصول له بنفسه، و ان الحاصل هو الفرد، و بما ان الفرد مردد بين القصير و الطويل، و بالإضافة إلى القصير لا يحتمل البقاء، و بالإضافة إلى الطويل لا علم بالحدوث، فيختل أركان الاستصحاب و مع احتمال كون الملك اللازم و الجائز من هذا القبيل يكون التمسك بخطاب الاستصحاب من الأخذ به في شبهته المصداقية بل الوجه في عدم جريانه حكومة استصحاب

عدم حدوث الفرد الطويل عليه، لان الشك في بقاء الكلى مسبب عن احتمال حدوثه، و إذا أحرز عدم حدوثه فلا مجال لاحتمال بقاء الكلي ليجري فيه الاستصحاب، و فيما إذا لم يحرز كون استصحاب الملك بعد رجوع أحد المتعاطيين من قبيل الشخص أو الكلي فيجري الاستصحاب في ناحيته لعدم إحراز الأصل الحاكم عليه، و هذا معنى كفاية الشك.

و مما ذكرنا يظهر الحال في استصحاب علقة المالك الأول. و وجه الظهور ان جواز الرجوع على تقديره لا تكون علقة في المال، بل هو حكم حادث، و العلقة الحاصلة سابقا للمالك الأول و هي الملك قد زالت جزما، بل لو كان جواز الرجوع من قبيل العلقة في المال فهو مسبوق بالنفي، لا بالثبوت و احتمال حدوثه بعد ارتفاع الملك يدخل المقام في القسم الثالث من استصحاب الكلى، و قد ذكر في محله عدم اعتباره فيه.

(1) لا فرق في جريان استصحاب الملك عند الشك في لزومه و جوازه بين كون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 55

..........

______________________________

الشبهة حكمية كما في المعاطاة أو موضوعية كما إذا تردد ما في الخارج من العقد بين كونها هبة أو صلحا بلا عوض، فان الملك في الأول جائز و في الثاني لازم، و مقتضى بقاء الملك بعد الرجوع، لزومه.

و احتمل المصنف (ره) التحالف عند التداعي، و لكن لم يظهر له وجه صحيح، فإن الأثر الخاص في المقام و هو جواز الرجوع مترتب على الهبة و مقتضى الأصل عدمها و اما عدم جواز الرجوع فلا يحتاج إلى إثبات وقوع الصلح، بل هو مقتضى ثبوت الملك و لو بالاستصحاب فالمورد من موارد الدعوى و الإنكار لا من موارد التداعي.

ثم لا يخفى ان

استصحاب الملك في موارد الشبهة الحكمية من قبيل استصحاب الشخص لما عرفت من ان اللزوم و الجواز من أحكام الملك، فيستصحب بعد رجوع أحد المتعاطيين نفس ذلك الشخص، بخلاف استصحاب الملك في الشبهة الخارجية فإنه يكون من استصحاب الكلى لا محالة، فإن المنشأ في الهبة فرد من الملك و في الصلح فرد آخر نعم الفردان متحدان في الحقيقة كما تقدم.

و ايضا لا يكون. الشك في بقاء الملك بعد فسخ أحد المتعاطيين من الشك في المقتضى حتى بناء على كون الملك الجائز و الملك اللازم سنخين من الملك، و ذلك فان الشك في المقتضى على ما يظهر من كلمات الشيخ (ره) ما يكون انتفاء الحادث بمجرد انقضاء الزمان كانقضاء وجوب الصوم بانقضاء النهار لا بحدوث زماني آخر، و بما ان الفسخ أمر زماني يكون ارتفاع الملك معه من الارتفاع بالرافع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 56

و يدل على اللزوم مضافا الى ما ذكر (1).

______________________________

(1) الوجه الثاني في لزوم الملك الحاصل بالمعاطاة العموم في رواية (الناس مسلطون على أموالهم) حيث ان مقتضى ذلك العموم ان يكون سلطنة المال المأخوذ بالمعاطاة لمن يملكه بها و لازم ذلك ان لا يكون لصاحبه سلطنة التصرف فيه بإرجاعه إلى ملكه برجوعه في المعاطاة.

و بهذا يظهر فساد التوهم بان التمسك بالحديث لبطلان فسخ الآخر من التمسك بالعام في شبهته المصداقية، حيث ان بعد فسخه لا يحرز كون المال ملكا لمن بيده حتى يثبت بسلطانه عليه و بجواز تصرفاته فيه بطلان فسخ الآخر و وجه الظهور ان التمسك بالحديث ليس باعتبار شموله للتصرفات المتعلقة بالمال و إثبات السلطنة عليه بعد فسخ الآخر ليقال انه لم يحرز بعد فسخه كونه مالا

لمن بيده بل التمسك به باعتبار شمول الحديث للمال المأخوذ بالمعاطاة قبل فسخ الآخر و ان مقتضاه بطلان ذلك الفسخ، حيث ان مدلوله ان السلطنة على ذلك المال بالإضافة الى جميع التصرفات فيه و منها إبقائه على الملك أو الإخراج عنه بيد مالكه، فلا يمكن للغير إخراجه عن ملكه قهرا عليه، و هذا معنى بطلان الفسخ.

و لكن لم يرتض بهذا الظهور الإيرواني (ره) فذكران السلطنة على المال و ان يراد منها السلطنة على التصرفات فيه الا ان التصرفات تختص بالمتفرعة على كون الشي ء مالا له، و اما ان الشي ء ماله، أولا أو انه بفسخ الآخر يسقط عن كونه مالا له أم لا فلا يثبت بالحديث كما لا يثبت به عدم سقوط الخل مثلا عن كونه مالا له بصيرورته خمرا، و ان كنت في ريب مما ذكرنا فلاحظ دليل ولاية الأب على الصغير فان له الولاية عليه متفرعا على صغره و ليس له الولاية على إبقائه صغيرا.

(أقول) السلطنة و ان كانت متفرعة على كون شي ء مالا لشخص الا ان التصرف في ذلك الشي ء بنحو يوجب خروجه عن ملكه فسلطانه ايضا بيد مالكه، فإن الإخراج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 57

و منه يظهر جواز التمسك بقوله لا يحل مال امرء الا عن طيب نفسه (1).

______________________________

عن الملك من التصرف المعهود المتعارف المتعلق بالمال، و هذه السلطنة لا تجتمع مع نفوذ فسخ الآخر و رجوعه في المعاطاة، حيث ان معنى نفوذه سلطنة الآخر على الإخراج، و قصور يد مالكه، و لا يقاس ذلك بولاية الأب على الصغير فإن إخراج الولد عن صغره ليس من فعل الأب.

و لكن مع ذلك لا نظر للحديث إلى إمضاء الإنشاءات

و لا إلى أنواع التصرفات المفروض تعلقها بالمال كما ذكرنا تفصيل ذلك سابقا، بل مدلولها ان للمالك الولاية على التصرفات المشروعة، و انه غير محجور عليه بالإضافة إليها و من الظاهر ان الشك في المقام ليس في ولاية المالك على تلك التصرفات بل الشك في مشروعية فسخ غير المالك و رجوعه في المعاطاة.

و الحاصل ان مشروعية هذا الرجوع و عدمها خارجة عن مدلوله، بل ما نحن فيه نظير ما إذا شك في مشروعية تصرف ككون الاعراض موجبا لخروج الشي ء عن ملك الشخص حيث لا يصح التمسك بالحديث لإثبات صحته. هذا كله مع الإغماض عن ضعف السند و كونها مرسلة كما لا يخفى.

(1) كان وجه الاستدلال ان اضافة الحلية أو عدمها الى المال، كاضافتها إلى سائر الأعيان مقتضاها حلية جميع التصرفات المتعارفة المتعلقة به سواء كانت اعتبارية أو حقيقية، غاية الأمر تكون الحلية أو عدمها بالإضافة إلى الاعتباريات ظاهرة في الوضع، و بالإضافة إلى التصرفات الحقيقية ظاهرة في التكليف، و على ذلك فلا يصح رجوع أحد المتعاطيين في المال المملوك لصاحبه بالمعاطاة إلا برضاه حيث ان الرجوع تملك و تصرف في مال الغير بلا رضاه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 58

و يمكن الاستدلال ايضا بقوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ (1).

______________________________

و مما ذكرنا يظهر ضعف ما عن السيد الخوئي (طال بقاه) من ان مدلول الحديث الحكم التكليفي فقط و لا يحتمل الحرمة التكليفية في فسخ الطرف الآخر حتى يتمسك به في إثباتها.

و وجه الضعف ما ذكرنا من ان الظاهر من اضافة عدم الحل الى المال الذي من قبيل الأعيان تعلقه بالتصرفات المتعارف تعلقها به سواء كانت حقيقية أو اعتبارية و مقتضى عدم الحل

في الاعتباريات هو الوضع كما ظهر وجه فساد التوهم بان الاستدلال بالرواية على عدم نفوذ رجوع أحد المتعاطيين بلا رضا الآخر، من التمسك بالعام في شبهته المصداقية، بدعوى ان الحكم بعدم الحل في تصرفات الفاسخ في المال بعد رجوعه و ان لا يكون الا مع بطلان رجوعه الا انه لم يعلم ان المال بعد رجوعه ملك الآخر حتى لا يحل للفاسخ التصرف فيه.

(1) وجه الاستدلال أمران: الأول- الحصر المستفاد من الاستثناء المذكور بعد النهى بدعوى انه يستفاد من الآية ان الموجب لأكل مال الغير يعنى تملكه منحصر بالتجارة و التراضي، و ان التملك بغيرهما من التملك بالباطل، فلا يكون جائزا، و من الظاهر ان الرجوع في المعاطاة و تملك مال الآخر به ليس بتجارة و لا عن تراض.

و الثاني- ان المراد بالأكل بالباطل في الجملة المستثنى منها هو التملك بالوجه الباطل عرفا و في بناء العقلاء، و ان التملك كذلك باطل في الشرع ايضا، كما هو مقتضى النهى، و لو كان متعلق النهى هو الأكل بالباطل شرعا كان الكلام لغوا، و الرجوع في المعاطاة في بناء العقلاء تملك لمال الغير بلا حق، فإن المعاطاة كما ذكرنا معاملة لازمة عندهم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 59

و التوهم المتقدم في السابق غير جار هنا (1).

______________________________

نعم لو فرض في مورد الاذن من الشارع في تملك مال الغير بلا رضاه كما في موارد الخيارات الشرعية يكون الدليل المتضمن للاذن المزبور حاكما على النهى المزبور، لا مخصصا حيث ان التملك المزبور لا يكون باطلا مع التعبد المزبور كما في سائر موارد الحكومة.

(أقول) الوجه الثاني من التمسك بالآية صحيح، و الوجه الأول غير صحيح و ذلك فان الاستثناء

في الآية من قبيل الاستثناء المنقطع فلا يفيد حصرا، حيث ان التجارة عبارة عن البيع و الشراء بقصد تحصيل الربح كما هو حال التجار في الأسواق، و التجارة بهذا المعنى لا تكون داخلة في عنوان الأكل بالباطل حتى يعمها النهى لو لا ذكر الاستثناء.

و بالجملة الآية متضمنة لحكم التملك بالباطل و انه فاسد في الشرع و لحكم التملك بالتجارة و التراضي و انه جائز، و اما سائر المملكات التي لا تدخل في عنوان الأكل بالباطل بحسب بناء العقلاء كالهبة و الإجارة و الصلح و البيع و الشراء لا بقصد تحصيل الربح الى غير ذلك فليست للاية دلالة عليها، و على ذلك فعدم كون الرجوع من التجارة و لا من التراضي لا يوجب الحكم بفساده.

(1) و وجه عدم الجريان انه كان التوهم مبنيا على ان إثبات عدم الحل لتصرفات الفاسخ في المال الذي بيد الآخر الملازم لبطلان فسخه من التمسك بالعام في شبهته المصداقية حيث لا يحرز ان تصرفاته فيه بعد فسخه تصرف في مال الغير حتى لا يحل و كذا الحال في سلطنة من أخذ المال بالمعاطاة فإنها و ان تلازم بطلان فسخ الآخر الا ان إثبات هذه السلطنة بعد فسخ الآخر بقوله صلّى اللّه عليه و آله الناس مسلطون على أموالهم من التمسك بالعام في شبهته المصداقية حيث لا يعلم بعد الفسخ انه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 60

و قد يستدل ايضا بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء على ان المراد بالعقد مطلق العهد (1).

______________________________

ماله حتى يثبت له سلطنة التصرف فيه.

و الحاصل مبنى التوهم هو ان بطلان الفسخ مدلول التزامي للروايتين و متفرع على جواز التمسك بالعام في شبهته المصداقية و هذا

بخلاف الآية فان المراد بالأكل فيها تملك المال فيكون متعلقة مال الغير لو لا التملك و هذا العنوان ينطبق على نفس الفسخ فيكون بطلانه داخلا في المدلول المطابقي لها كما لا يخفى.

(1) لو كان المراد هو العهد فعمومه للمعاطاة ظاهر الا ان استفادة اللزوم مبنى على كون المراد بالوفاء إتمام العهد و إبقاء العقد ليكون الأمر به ظاهرا في الإرشاد إلى لزومه كما هو ظاهر تعلق الطلب بالفعل الاعتباري فإنه كما يكون الأمر بإيجاد العقد ظاهرا في صحته كذلك يكون الأمر بإبقائه ظاهرا في لزومه.

و اما إذا كان المراد من الوفاء العمل على طبق العقد و العهد نظير الوفاء بالنذر و اليمين فالأمر به لا يكون ظاهرا إلا في الحكم التكليفي، حيث ان الوفاء بالعقد نظير الوفاء بالنذر و اليمين فعل حقيقي و وجوبه لا يلازم لزوم الملك.

اللهم الا ان يقال بقاء وجوب العمل على العقد حتى بعد فسخ أحد المتعاقدين يلازم لزوم الملك، أو يقال بان الأمر بالعمل على طبق العقد بتسليم المثمن و الثمن و غير ذلك و ان يكون تكليفا الا ان الوفاء بالعقد يعم عدم نقصه بالفسخ، و الأمر بالإضافة إلى ترك نقضه إرشاد إلى فساده و قد تقدم إمكان كون الأمر بالإضافة الى بعض الأفعال تكليفيا و بالإضافة إلى الآخر وضعيا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 61

و كذلك المؤمنون عند شروطهم (1).

لا يقدح في الإجماع على طريق القدماء (2).

و يظهر ذلك من غير واحد من الاخبار (3) بقي الكلام في الخبر الذي تمسك به (4).

______________________________

(1) صدق الشرط و ظهوره فيما يعم الالتزام الابتدائي غير محرز كما ذكر ذلك المصنف ره أيضا في باب الشروط و عليه فلا

يمكن التمسك به في المقام حتى مع عدم اعتبار الإنشاء اللفظي في صدقه.

(2) فان على طريقهم يكون اتفاق علماء العصر الواحد كافيا في إحراز قول الامام (ع) و لو بقاعدة اللطف بخلاف طريق المتأخرين، فإنه لا بد من كون الاتفاق بحيث يكون بينه و بين قوله عليه السّلام ملازمة عادية أو اتفاقية و لا يكون هذا مع الاختلاف في المسألة بنحو ما ذكر من ذهاب بعضهم إلى انها ليست بيعا و لا مفيدا للملك، و بعضهم إلى انها بيع مفيد لملك غير لازم.

(3) يعنى يظهر اعتبار الإنشاء باللفظ في لزوم البيع من غير واحد من الاخبار، و يأتي التعرض لها في كلامه (ره) بعد ذلك.

(4) و رواه في الوسائل عن الشيخ و الكليني قدس سرهما و على كلا النقلين سنده ضعيف فإن الراوي عن الامام عليه السّلام و هو خالد بن الحجاج لم يوثق نعم اخوه يحيى بن الحجاج موثق و ما في نسخة الكافي ابن نجيح بدل ابن الحجاج اشتباه بقرينة محمد بن ابى عمير الراوي عن يحيى فلاحظ.

و لا يخفى ان في البين مسئلتين إحداهما بيع العين الخارجي مع عدم كونه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 62

..........

______________________________

عند البيع مالكا لها بان يبيع تلك العين من شخص ثم يشتريها من مالكها و يدفعها إلى المشترى، و هذه عند المشهور محكومة بالبطلان و يدل عليه مضافا الى انه مقتضى القاعدة روايات خاصة و منها عند المصنف ره و جماعة أخرى هذا الخبر.

و لا بأس في المسألة بالمقاولة مع المشترى في تلك العين ثم تملكها من مالكها ثم بيعها من ذلك المشتري.

الثانية ان يكون غرض الإنسان تحصيل المال بلا ابتلاء بمحذور الربا

فيبيع شيئا كثوبه من شخص نقدا بمقدار ثم يشترى ذلك الثوب من المشترى المزبور في ذلك المجلس بالأزيد نسيئة، و في هذه الصورة يكون اشتراط بيع الثوب منه ثانيا في البيع الأول موجبا لفساده.

نعم لا بأس بمجرد المقاولة، و ظاهر الخبر و لا أقل من الاحتمال هي المسألة الثانية و انه لو لم يكن البيع الثاني شرطا في الأول بحيث يمكن للبائع شراء ذلك الثوب ثانيا و عدمه فلا بأس، و لعل هذا هو الموجب لذكر الشيخ ره الخبر في باب النقد و النسيئة و كيف كان فلا يضر ذلك بما نحن بصدده من حكاية الاستدلال بقوله عليه السّلام (انما يحلل الكلام و يحرم الكلام).

و قد ذكر المصنف ره في هذه الجملة مع الإغماض عن سائر الرواية وجوها أربعة:

الأول- ان يراد بالكلام معناه اللغوي و هو اللفظ الدال على المعنى، و ان الحلال أو الحرام لا يكون الا باللفظ الدال، فلا يكون شي ء حلالا أو حراما بمجرد القصد أو مع الدلالة عليه بغير اللفظ كالفعل. و هذا الوجه على تقدير تمامه يكون موجبا لعدم الاعتبار بالمعاطاة أصلا، فإن الدال فيها على الملك فعل لا لفظ.

الثاني ان يراد بالكلام اللفظ مع مدلوله فان اللفظ باعتبار مدلوله كما يوصف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 63

..........

______________________________

بالصحة و البطلان كذلك يوصف بكونه محللا و محرما بان يكون الغرض الواحد تحصيله بكلام حلالا و بكلام آخر حراما مثلا حصول حق الاستمتاع من المرأة بكلام يكون مضمونة نكاحا انقطاعا حلال، و بكلام يكون مضمونة إجارة أو نحوها حرام و ان الحصة في المزارعة تعيينها بكلام يكون مضمونة تقسيم الثمرة على البقر و البذر حرام، و بكلام يكون

مضمونه تقسيم الثمرة لصاحب الأرض و الزارع حلال و هكذا.

الثالث- ان يراد بالكلام العقد إيجابا و قبولا، و ان وجوده محلل و عدمه محرم أو بالعكس أو ان تحققه في محل محلل و حصوله في محل آخر محرم مثلا الإيجاب و القبول على المال قبل تملكه محرم، فإنه بيع ما ليس عندك و تحققه بعد تملك المال محلل.

الرابع ان يراد بالكلام المحلل المساومة و المقاولة من غير عقد و الكلام المحرم الإنشاء و العقد فيكون المقاولة على بيع ما ليس عنده محللا و العقد عليه محرما و الاستدلال بالخبر على المعاطاة مبنى على الوجه الأول الذي ضعفه المصنف (ره) بوجهين.

الأول لزوم تخصيص الأكثر، فإن المحللات و المحرمات في الشرع لا تنحصر باللفظ، بل ندرة تحريم اللفظ و تحليله بالإضافة إلى سائر موجبات الحل و الحرمة لا تحتاج الى البيان.

أقول- هذا الأمر غير تام فان دعوى انصراف الخبر الى موجب الحل و الحرمة في المعاملات كما هو مورده قريبة لان المعاملات تكون باللفظ و بالكتابة و الإشارة و القصد المجرد و العقل، و المستفاد من الخبر عدم العبرة بسائر المحققات غير الكلام.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 64

كما يشعر به قوله عليه السّلام في رواية أخرى (1).

______________________________

الثاني ان المعنى في الوجه الأول لا يناسب مورد الرواية و لا الحكم فيها بنفي البأس. و أورد (ره) بذلك على الوجه الثاني و ذكر ان احتماله ايضا لا يناسب موردها فيتعين حمل الجملة الخبرية على أحد الوجهين الآخرين أى الثالث و الرابع و على ذلك فلا دلالة لها على مسألة المعاطاة.

ثم انه (قده) وجه دلالة الخبر على عدم الاعتبار بالمعاطاة باعتبار انه لو كانت المعاطاة كالإيجاب

و القبول اللفظيين لما كان وجه لذكر خصوص الكلام بعد اداة الحصر، بل كان المناسب ان يقال انما يحرم إيجاب البيع كان بالكلام أو بغيره. و لكن ناقش ره في التوجيه بان ذكر الكلام باعتبار ان في مورد الرواية لا يمكن إيجاب البيع بالمعاطاة لأن المبيع كان عند مالكه الأول.

أقول المفروض في الخبر كون المبيع عند من طلب منه الشراء كما هو ظاهر الإشارة في قوله (اشتر هذا الثوب) و ثانيا ان إنشاء البيع بالمعاطاة لا يتوقف على الإعطاء من الجانبين كما يأتي، بل يكفى تحققه من طرف واحد، بان يكون مثلا إيجاب البيع بأخذ الثمن من المشترى و قبوله بإعطائه بقصد الشراء و لعله الى ذلك أشار (ره) بقوله فتأمل.

و الصحيح ان ذكر الكلام باعتبار فرض المقاولة و المساومة في الرواية، و انها ربما تكون متضمنة لإنشاء البيع و الالتزام قبل تملك المتاع، و ربما لا تكون، لا لأن لإنشاء البيع بالكلام خصوصية لا تجري في المعاطاة.

(1) لا يخفى عدم الإشعار في الرواية أصلا فإن قوله عليه السّلام (و لا تواجبه.

البيع قبل ان تستوجبها أو لتشريها) يعم مواجبة البيع بالمعاطاة كما مر ثم ان ظاهر هذه الرواية التي لا بأس بسندها تحقق البيع بالاستيجاب و الإيجاب و القبول، حيث ان ذلك مقتضى عطف الاشتراء على الاستيجاب.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 65

[ينبغي التنبيه على أمور]

[الأول الظاهر ان المعاطاة قبل اللزوم على القول بإفادتها الملك بيع]

الأول الظاهر ان المعاطاة (1)

______________________________

و مما ذكرنا يظهر الحال في صحيحة العلاء فان قوله عليه السّلام فيها (فإذا جمع البيع جملة واحدة) يعم جمع البيع بالمعاطاة.

لا يقال: إنشاء البيع بنحو المرابحة بأن يقول اشتريت هذا بألف و أبيعك في كل عشرة بدوازده و قبول المشترى البيع كذلك مكروه و

لكن لا بأس بنسبة الربح الى رأس المال في المقاولة و إنشاء البيع على نحو المساومة كما هو ظاهر الرواية و من الظاهر ان جعل الثمن مقدارا معينا في البيع مع نسبة الربح الى رأس المال في المقاولة لا يكون الا مع إنشاء البيع بالإيجاب و القبول لفظا، و الا كان البناء على المقدار المعين أيضا في المراوضة، لا في إنشاء البيع.

فإنه يقال يمكن المعاطاة في الفرض، كما إذا قال بعد المقاولة و بيان نسبة الربح إلى أصل المال و عند إنشائه بالمعاطاة الثمن ألفان، هذا مع انه يكفى في المعاطاة الإيجاب لفظا و القبول فعلا. و الحاصل ان هذه الرواية نظير صحيحة عبد اللّه بن سنان لا اشعار فيها على اعتبار اللفظ أصلا، حيث ان الشراء أيضا في الصحيحة يعم المعاطاة كما لا يخفى.

(1) هذا الأمر بيان لاعتبار شرائط البيع في المعاطاة و عدمه أقول قد ظهر مما قدمنا انه مع قصد المتعاطيين الإباحة يجوز للآخر خصوص التصرف الذي لا يكون موقوفا على الملك، بأن يكفي فيه طيب نفس المالك كما هو الحال في الإباحة المالكية في غير المقام، و بناء على قصد الملك لا فرق بين المعاطاة و سائر البيوع من حيث الحكم حتى في اللزوم، و جريان الخيارات، و غير ذلك من الأحكام حيث ان المعاطاة بيع حقيقة، فيترتب عليها ما يترتب على سائر البيوع، و التطويل في المقام بلا طائل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 66

و الأقوى اعتبارها و ان قلنا بالإباحة (1) بالنسبة إلى الرد دون الأرش (2)

[الأمر الثاني: أن المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي فعلا من الطرفين]

و ربما يدعى انعقاد المعاطاة بمجرد إيصال الثمن و أخذ المثمن (3)

______________________________

(1) و ذلك فإن الإباحة على تقديرها اباحة

حكمية، لا مالكية حيث ان المفروض إعطاء كل من المالكين المال بقصد الملك، و بعنوان المعاوضة، و حكم الشارع بالإباحة مع عدم حصول الملك تعبد يقتصر بمورده، و هي صورة اشتمال المعاملة على جميع شرائط البيع غير إنشائه باللفظ.

(2) فان خيار العيب بالإضافة إلى رد العقد لا يختص بالبيع، بخلاف جواز أخذ الأرش، فإنه لا يجري في غير البيع، و التفرقة بينهما بالاختصاص و عدمه باعتبار دليلهما، فإن الأرش تعبد في البيع، بخلاف فسخ العقد بالعيب، فإنه مقتضى اشتراط السلامة، و قاعدة نفى الضرر، فيثبت الفسخ في جميع مواردهما.

(3) لا يخفى ان مختاره (ره) في المعاطاة هو الملك غير اللازم و مختارنا الملك اللازم و مجرد وصول المالين الى المالكين برضاهما لا يكون إنشاء ملك، لا قولا و لا فعلا ليكون الحاصل به ملك لازم أو غير لازم.

نعم إذا كان في البين توكيل من طرف، في إنشاء الآخر، الملك عنه و لو كان ذلك بنحو التوكيل العام، كفى في تحقق المعاطاة، مثلا مالك الخضروات يوكل من يضع فلسا في دخله الموضوع هناك، في تمليك الباقة بإزاء الفلس المزبور، فيكون أخذه الباقة بقصد كونها ملكا له تمليكا، و وضع الفلس تملكا، و على ذلك فيجوز لمن أخذ الباقة ان يبيعه من غيره فيما إذا بدا له ذلك، فإنها ملكه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 67

..........

______________________________

و يمكن فرض هذا النحو من التوكيل في أخذ الماء، و وضع الفلوس في دخل السقاء و دعوى ان البيع على ذلك يكون غرريا باطلا لان من يأخذ الماء لدفع عطشه قد يأخذ قليلا من الماء لعدم حاجته الى الماء الكثير، و قد يأخذ الكثير لشدة عطشه، و هكذا

فلا يكون المبيع معلوما لا يمكن المساعدة عليها أولا فإنه يمكن ان يكون توكيلا عاما بالإضافة إلى المقدار المعين من الكثرة، غاية الأمر يكون بعض الناس لقلة حاجته تاركا لبعض ما يملكه الى السقاء.

و ثانيا المقدار الذي يأخذه المتملك المفروض وكالته، معلوم له و المفروض ان التوكيل العام يعمه، و لا دليل على اعتبار معلوميته مقدار المبيع للموكل ايضا و دليل نفى الغرر لا يجري في التوكيل، فإنه مختص بالبيع.

و بعبارة أخرى كون المبيع معلوما و معينا للوكيل كاف في صحة البيع، و هذا حاصل في مسألة أخذ الماء و وضع الفلوس في دخل السقاء مع غيبته.

و يمكن نظير ذلك في مسألة دخول الحمام و وضع الفلوس في دخل الحمامي مع غيابه، فان وضع الفلوس لا يكون من شراء الماء أو إجارته، فإن الماء باعتبار تلف عينه بالاستعمال غير قابل للإجارة، و شراء ماء الحمام خلاف المرتكز مع ان الجهل بالمقدار المصروف منه حتى لمستعمله، يوجب كون بيعه غرريا، بل الظاهر ان الاغتسال في الحمام يكون كالنوم في الفنادق أو الخانات في ارتكاز العقلاء، و انه من اجارة الحمام بتملك منفعته الخاصة، و جهالة مقدار مكثه في الحمام للاغتسال، لا يوجب بطلان الإجارة فإنه مضافا الى إمكان تعيينه في ناحية الكثرة، نظير تعيين الماء في مسألة أخذه مع غيبة السقاء، ان تعيين الاغتسال بالنحو المتعارف كاف في صحة الإجارة، و لا يحتاج الى التعيين بالزمان، كما في إجارة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 68

و اما على القول بالإباحة فالإشكال المتقدم هنا آكد (1)

[الأمر الثالث: تمييز البائع من المشترى في المعاطاة الفعلية]

تمييز البائع من المشترى في المعاطاة (2)

______________________________

المركب للمسافرة إلى بلد معين، فإنه لا يجب تعيين الزمان الذي يتم

فيه الوصول الى المقصد، و لا يضر جهالته في صحة الإجارة، مع كون متعلقها هو السفر بالنحو المتعارف.

(1) و الوجه فيه ان ما قيل في إثبات الإباحة المزبورة من جريان السيرة على تصرف المتعاطيين غير جار في المقاولة الخالية من الإعطاء و الإيصال و الفاقدة لما يعتبر في صحة البيع من الإنشاء بنحو خاص على الفرض.

(2) ذكر (ره) في المقام ثلاث صور.

الاولى- ما إذا كان أحد المالين من النقود المتعارف جعلها ثمنا كالدرهم و الدينار و الآخر متاعا و اعطى كل منهما ماله عوضا عن مال الطرف الآخر فيكون معطي الدرهم مشتريا و معطي المتاع بايعا و لو فرض في هذه الصورة إعطاء مالك الدرهم أو الدينار بقصد التمليك بإزاء متاع صاحبه و كان قصد مالك المتاع تملك الدرهم و الدينار بإزاء المتاع، بان يكون قصد تمليك الدرهم و الدينار من مالكهما أصليا، و قصد تملك المتاع تبعيا عكس قصد مالك المتاع فيكون صاحب المتاع مشتريا و معطي الدرهم و الدينار بايعا.

و بهذا يظهر دخل القصد في ذلك، و لا يعتبر خصوص التصريح كما هو ظاهر المصنف (ره).

الصورة الثانية ان يكون كل من المالين متاعا و لكن كان أخذ أحد المتاعين بدلا من النقود و أخذ المال الآخر بما هو كما في بيع القماش في بعض القرى للفلاحين، فان الفلاح قد يعطى بدل الدرهم أو الدينار الحنطة للبائع، و يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 69

..........

______________________________

أخذ بايع القماش الحنطة باعتبار ان الفلاح لا يجد النقد، بخلاف أخذ الفلاح القماش، فان غرضه تملك القماش بعنوانه و على ذلك يكون معطي القماش بايعا و معطي الحنطة مشتريا، و الموجب لذلك هو بناء العقلاء

و نظرهم.

و ليس المراد ان الواقع عوضا في تمليك القماش هو الدرهم أو الدينار ليكون أخذ الحنطة عوضا عنهما، و مبادلة أخرى بينها و بين الدرهم أو الدينار، و يكون بايع القماش بايعا بالإضافة إلى تمليك القماش، و مشتريا بالإضافة إلى تملك الحنطة، بل المراد كون مالك القماش بايعا باعتبار انه لا غرض له في الحنطة، بل يكون أخذها باعتبار الإمساك على مالية القماش، و لذا لو اعطى الفلاح الدرهم أو الدينار، لأخذه بإزاء القماش، بخلاف الفلاح، فان غرضه يتعلق بخصوص القماش لدفع اضطراره.

أقول يأتي تمام الكلام في ذلك.

الصورة الثالثة ما إذا كان إعطاء كل من المالين بإزاء الآخر بما هو أو إعطاء كل منهما بدلا عن الدرهم أو الدينار كما إذا احتاج مالك القماش إلى الحنطة و مالك الحنطة إلى القماش أو اعطى كل منهما متاعه مقوما له بالدرهم أو الدينار، كما إذا اعطى عشرة امتار من القماش بإزاء عشر كيلوات من الحنطة باعتبار ان كل متر من القماش يساوى الكيلو من الحنطة في القيمة و ذكر (ره) في هذه الصورة وجوها أربعة.

الأول كون كل من مالك القماش و مالك الحنطة بائعا و مشتريا باعتبارين، فإنه يصدق تعريف البائع و المشترى على كل منهما حيث ان كلا منهما يترك ماله للآخر بإزاء مال الآخر، و هذا معنى الشراء كما ان كلا منهما يبادل ماله بمال الآخر،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 70

..........

______________________________

كما هو معنى البيع.

الوجه الثاني ان الدافع أولا المال بقصد كونه ملكا للآخر بالعوض بايع و أخذ ذلك الآخر اشتراء، فالدفع ثانيا وفاء لما تم من المعاملة بالدفع السابق.

الوجه الثالث ان يكون إعطاء المالين كما ذكر من المصالحة على مبادلة

المالين، كما في قول أحد الشريكين للآخر لك ما عندك من مالي و لي ما عندي من مالك.

الوجه الرابع- ان يكون اعطائهما مبادلة مستقلة و يعمها مثل قوله سبحانه إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ.

و لكن الوجه الأول غير صحيح، فإنه ليس في معاوضة القماش بالحنطة مثلا حتى فيما لوحظ كل منهما كونه بدلا عن الدرهم و الدينار مبادلتان كما مر ليكون مالك القماش في إحديهما بائعا و في الأخرى مشتريا و تعريف البائع و المشترى بما ذكر الموجب لانطباق كلا العنوانين على كل من المالكين في مبادلة واحدة غير صحيح فإنه ليس تمام الملاك في البيع و الشراء ما ورد في التعريف المزبور و إلا لزم صدق عنواني البائع و المشترى على كل من طرفي المعاملة في كل بيع كما لا يخفى.

و الوجه الثاني صحيح فيما إذا كان الإعطاء من الدافع بقصد التمليك و أخذ الطرف الآخر بقصد التملك، فيكون إعطاء المال الآخر بعنوان الوفاء بالمعاملة الحاصلة من قبل. و لو كان الإعطاء من الدافع أولا بقصد التملك فينعكس الأمر، و يكون الدافع المزبور مشتريا، و آخذ المال بايعا.

و الوجه الثالث- غير صحيح. فإنه قد مر في المناقشة على تعريف البيع ان الصلح ليس هو التسالم و التراضي الباطني، لأن هذا التسالم موجود في كل معاملة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 71

..........

______________________________

بل عبارة عن التسالم الإنشائي، فيكون المنشأ فيه هو التسالم، و من الظاهر ان المنشأ في الإعطاء و الأخذ في المقام، هو الملك، لا التسالم.

و بهذا يظهر الحال في قول أحد الشريكين للآخر لك ما عندك من مالي ولي ما عندي من مالك.

و اما الوجه الرابع فلا مناص عنه

في الموارد التي لا يكون من أحدهما تمليك بالأصالة، و من الآخر تملك كذلك، كما إذا كان من قصد كل منهما تمليك ماله بإزاء مال الآخر.

و ذكر الإيرواني (ره) في المائز بين البائع و المشترى ان التتبع يقضى بان بان المعيار في الاشتراء النظر إلى خصوصية المال الذي يأخذه من الطرف الآخر و ان المعيار في البيع عدم النظر إلى خصوصية المال الذي يأخذه من الطرف الآخر فيكون غرض البائع من أخذ الثمن التحفظ على مالية المبيع و الإمساك بها، كما ان غرض المشترى هو تمكنه من خصوصية المال الآخر و الأخذ بها، نظير ما تقدم في الصورة الثانية، و عليه فان تحقق هذا الميزان، فيمتاز به البائع عن المشترى، فيدخل المعاطاة في البيع، و الا فهي معاوضة مستقلة، محكومة بالصحة، لعموم قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و لا يجرى عليها الأحكام المترتبة على خصوص البيع و الشراء.

و فيه ان قضاء التتبع ليس كما ذكر، فإنه إذا كان عليه دنانير و باع الحنطة بالدينار لسد دينه يكون في الفرض غرض المشتري الحنطة المبيعة لكن لا بخصوصيتها بل بما هي حنطة، و كذلك للبائع نظر في الثمن المفروض كونها دنانير بما هي دنانير و صدق البيع في الفرض على تمليك الحنطة بالدنانير، و صدق الشراء على تملكها بها لا يحتاج الى التوضيح.

و نظير ذلك ما إذا كان عنده دنانير مسكوكة و عند الآخر أيضا دنانير مسكوكة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 72

..........

______________________________

بقدرها و أرادا فرارا عن تعلق الزكاة بمالهما بيع الصرف قبل تمام الحول، فإنه لا إشكال في صدق البائع على من ينشأ التمليك، و المشترى على من ينشأ التملك من انه لا

نظر لكل منهما إلى خصوصية مال الآخر أصلا.

و قد يقال فيما إذا اعطى كل من المالكين متاعه بقصد تمليكه للآخر بعوض من غير ان يكون قصد الآخر بالأخذ أو بالإعطاء تملكه بعوض ان المعاطاة بيع يترتب عليها الأحكام المترتبة في الأدلة على عنوان البيع و لكن لا يكون أحد المتعاطيين بايعا و الآخر مشتريا، فلا يجرى عليهما ما جرى في الخطابات على عنواني البائع و المشترى، و ذلك فان البيع له اطلاقان فقد يطلق و يراد منه مقابل الشراء، و قد يقال و يراد منه مقابل سائر المعاملات، و ما يراد منه في الإطلاق الثاني هو المعنى المسببي و حقيقته المبادلة بين المالين، و هذا المعنى المسببي يحصل بالإيجاب و القبول، و يحصل بإيجابين كما إذا قال كل من المالكين ملكتك مالي بمالك، و قد يحصل بالإيجاب الواحد، كما إذا قال الوكيل من المالكين بادلت مالهما، فإنه لا يحتاج في الفرض البيع المسببي إلى القبول أصلا فإن القبول لإظهار الرضا بفعل الموجب و مع معلومية الرضا به لا حاجة اليه.

و الحاصل فيما إذا حصل في البين الإيجاب و القبول يكون أحدهما بائعا و الآخر مشتريا، و فيما إذا كانت المبادلة بإيجابين قولا أو فعلا أو بإيجاب واحد كما ذكر فيحصل البيع بالمعنى المسببي من غير ان يكون في البين بايع و مشتر.

أقول- لا يمكن المساعدة على ما ذكر اما أولا فلان لازم ما ذكر عدم الحاجة الى القبول فيما إذا علم من حال المالك الآخر أنه راض بالإيجاب كما إذا ملكه متاعه الفاخر بثمن قليل جدا لغرض عقلائي، فإنه إذا قال بادلت هذا المتاع بذلك يتم البيع المسببي، و لا يحتاج الى القبول، باعتبار ان

القبول لإظهار الرضا بالإيجاب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 73

..........

______________________________

و رضا الآخر بالإيجاب معلوم بشاهد الحال على الفرض، بل قد لا يحتاج البيع المسببي إلى الإيجاب أيضا كما إذا طاب نفس الوكيل من المالكين بملكية كل منهما مال الآخر بإزاء ماله تم البيع بلا حاجة الى الإنشاء قولا أو فعلا، لأن الإيجاب لإظهار الرضا بملكية الآخر لماله بالعوض.

و ثانيا انه قد تقدم ان البيع كالشراء و كسائر المعاملات من العناوين التي يكون الإنشاء أي الإبراز مقوما له و إذا اعتبر متاعه ملكا للآخر بعوض و ابرز الاعتبار يكون الإبراز بيعا و الحاجة الى الإبراز لا للكشف عن رضاه بالملكية فقط، ليستغني عنه في مورد العلم به مع الخارج، بل له موضوعيته في حصول عنوان البيع، و كذا الحال في ناحية الشراء و القبول حيث ان اعتبار تملكه مال الآخر بإزاء ماله مع إبرازه، يكون شراء و قبولا للإيجاب، و لا أظن خفاء ذلك على من لاحظ الأمور الإنشائية عقدا كان أو إيقاعا.

ثم انه يقع الكلام في المراد من البيع المسببي فإنه ان أريد به المعنى الاسم المصدري في مقابل المصدري فمن الظاهر انه لا فرق بين المعنى الاسم المصدري و المعنى المصدري إلا بالاعتبار حيث ان المبدء ملاحظته من حيث حصوله من الفاعل معنى حدثي يعبر عنه بالمصدر و ملاحظته من حيث هو هو معنى اسم مصدري و عليه فكيف يعقل ان يحصل البيع المسببي و لا يكون في البين معنى مصدري يعبر عن فاعله بالبائع، و بما ان فعل الآخر يعني تملك المشترى دخيل في حصول العنوان المصدري كما ذكرنا سابقا فيعبر عن ذلك الآخر بالمشتري، و عن فعله بالاشتراء.

هذا

مع ان المبادلة ليست باسم مصدر، بل مصدر من باب المفاعلة، و كيف يكون مرادفا للبيع بالمعنى الاسم المصدري مع أنه لا يتحقق عنوان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 74

[الرابع: ان أصل المعاطاة و هو إعطاء كل منهما الآخر ماله]

ان أصل المعاطاة (1)

______________________________

المبادلة في جميع موارد حصول البيع كما ذكرنا ذلك عند التعرض لتعريف البيع، و ان أريد بالمعنى المسببي اعتبار العقلاء بمعنى ان المالك إذا اعتبر ملكية ماله للآخر بالعوض و أبرزه فتارة يعتبر العقلاء الملكية المعتبرة مع إبرازها امرا حاصلا و أخرى لا يعتبرونها.

و قد ذكرنا سابقا ان البيع بهذا المعنى بالإضافة إلى إنشائه من الإيجاب و الوجوب لا الكسر و الانكسار فمن الظاهر ان موضوع اعتبار العقلاء و هو البيع الذي يكون بإنشاء البائع و قبول المشترى على ما تقدم من كون قبوله شرطا في صدق عنوان البيع على فعل البائع.

و الحاصل انه إذا كان في البين إنشاء المعاوضة من الطرفين بالأصالة فالعقلاء و ان يعتبرونها مبادلة و هي محكومة شرعا بالصحة كما هو مقتضى عموم قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الا انها ليست بيعا حتى يكون كل منهما بايعا من غير ان يكون في البين.

اشتراء، أو ان يحصل البيع من غير ان يكون أحد المالكين بائعا أو مشتريا.

(1) ذكر في هذا الأمر أربع صور للمعاطاة يكون تقسيمها إليها باعتبار قصد المتعاطيين الاولى- ما إذا قصد كل من المتعاطيين بإعطائه تمليك ماله للطرف بالعوض و بأخذه المال من الطرف تملك مال الغير بالعوض، و إذا كان إعطاء المالين و أخذهما تدريجيا يتحقق البيع بإعطاء أحد المالين و أخذه، و يكون إعطاء المال الآخر و أخذه بعد ذلك وفاء للبيع الحاصل من قبل حتى فيما إذا قصد بإعطائه التمليك

بالعوض كما هو الفرض، و اما إذا كان الإعطاء و الأخذ من الطرفين دفعة واحدة فيمكن ان يكونا معاوضة قد حصلت بتمليكين منشأين بإعطائين كما ذكرنا في التعليقة المتقدمة أو بيعان و شرائان قد حصلا دفعة واحدة باعتبار عدم تنافيهما فيترتب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 75

..........

______________________________

على كل من المتعاطيين ما نرتب في الخطابات على عنواني البائع و المشترى كما لا يخفى.

ثم انه كما يمكن تحقق القبول و التملك بأخذ المال من الطرف، كذلك يمكن حصول ذلك بدفع المال الآخر، بأن يكون أخذ المال المدفوع أولا بعنوان كونه ملك الدافع و لان يحصل له الجزم بإيجابه، و لو مات في هذا الفرض قبل دفع المال الآخر يكون موته بين الإيجاب و القبول بخلاف ما كان أخذه المال المدفوع أولا بعنوان القبول، فإنه موت بعد تمام المعاملة، و كان على المصنف (ره) التعرض لذلك.

و كيف كان فقد ظهر حصول البيع بدفع أحد المالين و أخذه و إطلاق المعاطاة على هذا النحو من البيع باعتبار إنشائه بالإعطاء دون اللفظ لا باعتبار تحقق الإعطاء من الطرفين نظير إطلاق المواجرة و المصالحة و المزارعة و المساقاة و غيرها، مع ان الإيجار و هو تمليك المنفعة بالعوض أو إنشاء الصلح أو إعطاء الأرض للزرع أو البستان للسقي يكون من أحد الطرفين، و على ذلك فيمكن تحقق المعاطاة في المعاملات التي يكون الإعطاء فيها من طرف واحد كما في الهبة و القرض و الرهن و نحوها.

و الحاصل ان المعاطاة في هذه الصورة بكلا فرضيها داخلة في إطلاقات حل البيع و نفوذه و ربما يقال بحصول المعاطاة بالفعل من دون إعطاء كما في أخذ البقل أو الماء مع

غيبة البقال و السقاء و وضع الفلوس في دخلهما و قد تقدم الكلام على الكبرى و الصغرى في الأمر الثاني فلا نعيد.

الصورة الثانية ما إذا كان التمليك بإزاء التمليك بان يكون المقابلة و المعاوضة بين الفعلين اى التمليكين لا المالين كما في الصورة السابقة، و ذكر ره ان في هذه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 76

..........

______________________________

الصورة لو مات أحد الطرفين قبل تمليك ماله تتم المعاملة، و ان هذه المعاملة ليست بيعا، بل شبيهة بالهبة المعوضة، و الظاهر ان وجه شباهتها انه كما لا يكون في الهبة المعوضة المعاوضة بين المالين، كذلك في الفرض، و بما ان عدم التعويض في الهبة لا يوجب عدم تمامية الهبة بخلاف المقام، فيفترق المقام عن الهبة المزبورة فتكون شبيهة بها، لا عينها.

نعم إذا كان تمليك أحد الطرفين المال الآخر بعد ذلك داعيا الى تمليك ماله فعلا مجانا فيتم الملك من أحد الطرفين و لو بدون تمليك الآخر.

أقول- كما يمكن ان يكون تمليك الطرف الآخر داعيا له الى التمليك فعلا كذلك يمكن كونه شرطا في التمليك فعلا فيكون من الهبة المشروطة، كما ان الفرض الأول من الهبة مجانا كما لا يخفى.

و اما المعاوضة و المقابلة بين التمليكين فتارة يجعل العوض التمليك الشخصي الخارجي و أخرى يجعل العوض تمليك المال الآخر بنحو ثبوت العمل على الذمة كموارد الإجارة و غيرها بان يكون الدافع ماله أولا، مالكا للعمل على ذمة الآخر، و ذلك العمل تمليك الآخر ماله، و هذا يوجب تمامية الملك من أحد الطرفين حتى مع موت الآخر قبل إفراغ ذمته، بخلاف جعل العوض التمليك الشخصي.

هذا مع انه لا معنى معقول لمعاوضة التمليكين، فإن المعاوضة بين الأمرين تكون

في الملكية و نحوها و التمليكان لا يقبلان عرفا الملكية حتى يتعاوضا و الحاصل ان التمليك في هذه الصورة اما من الهبة المجانية كما إذا كان التمليك الآخر داعيا أو من المشروطة كما إذا كان شرطا في التمليك الأول، و لا تكون من المصالحة، لما تقدم من ان المنشأ في موارد الصلح لا بد من ان يكون هو التسالم على شي ء لا التمليك كما هو الفرض في هذه الصورة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 77

فكيف كان فالإشكال في حكم القسمين الأخيرين (1).

______________________________

(1) ينبغي الكلام في أمرين: الأول- نفوذ اذن المالك للغير في التصرف في ماله مطلقا و لو كان التصرف موقوفا على الملك بلا فرق بين كون إنشاء الرضا بالتصرف بالفعل أو القول.

و الثاني- هل يجوز أخذ العوض على اذنه و لو كان أخذه على الاذن بالإضافة إلى التصرفات غير الموقوفة على الملك.

اما الأول- فلا ينبغي الإشكال في عدم نفوذ اذنه بالإضافة إلى التصرف الموقوف على الملك، فان اذن المالك لا يكون مشرعا كما تقدم بيان ذلك في البحث في رواية السلطنة.

و الحاصل ان اى تصرف في مال الغير يكون عدم جوازه وضعا أو تكليفا لأجل عدم طيب نفس مالكه و عدم اذنه فيجوز ذلك التصرف باذن المالك و رضاه، و اما كل تصرف كان عدم جوازه لأجل عدم كون المتصرف مالكا فاذن المالك أو رضاه لا يوجب جوازه، لبقاء عدم الجواز ببقاء عدم موضوعه و هو عدم الملك، مثلا بيع مال الغير لنفسه بان يخرج المبيع عن ملك المبيح و يدخل الثمن في ملك المباح له غير جائز بل غير ممكن عقلا حيث ان البيع هو التمليك بالعوض، و مقتضى المعاوضة

ان يدخل الثمن في ملك من يخرج المبيع عن ملكه، و الا كان في البين تمليكان مجانيان، و إذا كان ما ذكر غير جائز فكيف يصح باذن المالك فيه، بل اللازم في دخول الثمن في المباح له هو ثبوت أحد الأمرين، الأول- ان يكون اباحة كل تصرف في معنى توكيل المباح له في تملك الثمن بعد البيع، أو كان بمعنى توكيله في تملك المال عنه، حتى يكون البيع للمباح له، أو كان اباحة التصرف بالإضافة إلى الموقوف على الملك تمليكا للمال إياه، و شروع المباح له في ذلك التصرف قبولا فعليا للتمليك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 78

..........

______________________________

أقول لم يظهر وجه كون الشروع في ذلك التصرف قبولا للتمليك، و لم يكن أخذه قبولا له، الا ان يقال وجهه ان الصادر من المبيح في الفرض أمران أحدهما الاذن للمخاطب في التصرف في ماله.

و ثانيهما تمليكه إياه، و التمليك كما ذكرنا سابقا لا إطلاق فيه بل على تقدير القبول و لو فيما بعد، و على ذلك فلا يكون في مجرد أخذ المال دلالة على قبول الملك، لا مكان أخذه للتصرف فيه بما لا يتوقف على الملك، و انما تكون الدلالة عليه بشروعه في التصرف الموقوف على الملك و لا يبعد تحقق التوكيل أو التمليك الضمني في قول مالك العبد للآخر، أعتق عبدي عنك بناء على ارادة كون المخاطب معتقا بالأصالة لا كونه معتقا بالنيابة، فإنه يكون في الأول وكيلا في تملك العبد المزبور ابتداء كما يمكن ان يكون تمليكا للعبد من المخاطب ضمنا و شروع المخاطب بالعتق قبولا لهذا التمليك، و إذا كان المراد وكالة المخاطب في عتق العبد فقط و ان يجعل المخاطب

نفسه معتقا عنه، نظير وكالة الشخص في أداء دين نفسه بمال الموكل فلا يكون في البين تمليك و تملك، و كون الشخص معتقا عنه غير موقوف على كونه مالكا بخلاف كونه معتقا بالأصالة بالكسر.

و مما ذكرنا يظهر الحال في قول من عليه الكفارة لمالك العبد أعتق عبدك عنى و انه يكون توكيلا في تمليك العبد من المستدعي أولا و توكيلا في العتق بعد ذلك بناء على كون المستدعى معتقا بالكسر لا ارادة جعله معتقا عنه فقط، كما يمكن كونه تمليكا للعبد أولا و عتق المخاطب عنه تمليكا ضمنيا على ما تقدم، و على الجملة فليست الإباحة في هذه الصورة متضمنة للتوكيل و التمليك ليجوز للمباح له التصرف الموقوف على الملك.

و لكن ذكر الإيرواني (ره) عدم الفرق بين قوله أعتق عبدي عنك و بين قوله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 79

..........

______________________________

أبحت لك وقف مالي أو بيعه لنفسك، فإنه كما ان قوله أعتق عبدي عنك توكيل في تملك عبده، كذلك قوله أبحت لك وقف مالي عنك توكيل في تملك المال، و بما انه لا فرق ايضا بين التصريح بإباحة تصرف يتوقف جوازه على الملك، و بين اباحة جميع التصرفات التي يدخل فيها ذلك التصرف كقوله أبحت لك مالي فيكون قوله أبحت لك مالي متضمنا للتوكيل في التملك كتضمن قوله أعتق عبدي عنك.

و لكن لا يخفى ما فيه، فان المطلوب في قوله أعتق عنك صدور العتق الصحيح عن المخاطب بالأصالة، و هذا الصحيح موقوف على تملك العبد أولا، ثم عتقه ثانيا، فالتوكيل في التملك حاصل و مقصود و لو إجمالا و المراد بالإجمال انه لو التفت الطالب الى توقف العتق الصحيح على تملك المخاطب

لإذن فيه، و نظيره أبحت لك وقف مالي عنك أو بيعه لك أو نحو ذلك بخلاف ما إذا قال أبحت لك مالي حيث لا يمكن استفادة التوكيل في التملك، بل يقتصر في الجواز بالتصرفات التي لا تتوقف على الملك، حيث لا ظهور للكلام المزبور في الاذن فيه بل في خصوص التصرفات غير الموقوفة عليه، و استفادته من إطلاق الإباحة دوري حيث يتوقف الإطلاق على التوكيل، و ثبوت التوكيل موقوف على إطلاق الإباحة، نعم لو صرح بالعموم لكان مثل قوله أعتق عبدي.

و الحاصل انما يعتبر اذن المالك و رضاه بالإضافة إلى التصرف غير الموقوف على الملك، و لا قيمة له في التصرف الموقوف على الملك، و على ذلك فظاهر قوله أبحت لك كل التصرف في ماله اباحة ما يعتبر في جوازه اذنه و هي التصرفات غير الموقوفة على الملك، غاية الأمر من تلك التصرفات تمليك المال لنفسه عن مالكه و إذا كان العموم في قوله أبحت لك كل التصرف في مالي ثابتا حتى بالإضافة إلى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 80

فيكون هذا بيعا ضمنيا لا يحتاج الى الشروط (1) ان يدل دليل شرعي على حصول الملكية للمباح له بمجرد الإباحة (2)

______________________________

التصرف الاعتباري يكون التوكيل في التمليك المزبور مدلولا تضمنيا لعموم الإباحة لا مدلولا التزاميا كما في ظاهر كلام الإيرواني.

(1) كان وجه عدم اعتبار شروط البيع في الضمني هو ان تلك الشروط معتبرة بين إيجاب البيع و قبوله، فلا يعتبر إلا في عقده، لا في البيع الضمني و هكذا بالإضافة إلى غيرها من الشروط.

(2) بان يكون مدلول ذلك الدليل كون المال ملكا للمباح له بمجرد الإباحة اى و لو من غير قصد المبيح

التمليك، و على ذلك فيقع البيع من المباح له على ما هو ملكه، أو يكون مدلول ذلك الدليل انه يكون الثمن بعد البيع للمباح له، و حيث ان مقتضى البيع دخول العوض في ملك من يخرج عنه المعوض و المفروض على تقدير الثاني خروج المعوض عن ملك المبيح فيلتزم بدخول الثمن في ملك المبيح آنا ما بعد الشراء قضاء لحكم الشراء ثم انتقاله الى المباح له، نظير انتقال العمودين إلى المشتري آنا ما بعد الشراء، ثم الانعتاق، و نظير ملك الميت الدية، فإنه لا يكون ملك دية القتل الا بحصول الموت، و حيث ان الدليل قام على ان الدية برثها من يرث المال فلا بد من فرض دخولها في ملك الميت، لتنتقل الى الوارث إرثا.

و الحاصل ان الملك التقديري لا بد من كونه مدلول دليل أو مقتضى الجمع بين الأدلة، و المفروض عدم قيام دليل عليه في المقام، كما انه ليس مقتضى الجمع بين الأدلة لأن ما دل على توقف البيع أو العتق على الملك كقوله لا بيع إلا في ملك أو لا عتق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 81

..........

______________________________

إلا في ملك حاكم على قوله الناس مسلطون على أموالهم فإن المالك المبيح مسلط على التصرف المشروع في ماله.

و قوله لا عتق أو لا بيع إلا في ملك يثبت عدم مشروعية البيع أو العتق من غير ملك فلا يفيد فيهما اذن المالك.

ثم ان ما ذكره (ره) من ان الملك الحاصل للمشتري في شراء أحد عموديه ملك تقديري، و في بيع الواهب العين الموهوبة أو ذي الخيار المبيع من آخر حقيقي، صحيح، فإنه لو ظهر فساد بيعهما يكون المال باقيا في ملك الواهب

أو ذي الخيار، لان ذلك مقتضى انفساخ الهبة أو البيع الأول مع فرض بطلان الثاني، و اما لو أراد المشتري أو وكيله في شراء أحد عموديه ان يتصرف في العبد في الان المقارن لتمام الشراء لم يصح، بل لا يقبل ذلك الملك الا انعتاق المبيع و لو كان ملك المشترى في ذلك الان حقيقيا لكان التصرف المزبور نافذا.

و الشاهد على ان مع اباحة التصرفات للآخر لا يكون بيع ذلك الآخر المال موجبا لدخوله في ملك المباح له قبل البيع كما كان موجبا لدخوله في ملك الواهب أو ذي الخيار ان بيع الواهب أو ذي الخيار يكشف عن فسخ الهبة أو البيع الأول و فسخهما يوجب عود ملك العين إليهما ثانيا، بخلاف مسألة بيع المباح له مال الغير، فإنه ليس فيه سبب لدخول المال المزبور في ملكه قبل البيع، و لو آنا ما.

و الحق المصنف (ره) ملك الميت الدية بملك أحد العمودين في كونه في كل منها تقديريا و لكن لقائل أن يقول ان الملك في الدية حقيقي يترتب عليها ما يترتب على سائر أموال الميت من إخراج ديونه منها و نفوذ وصيته في ثلثها و انتقالها الى الوارث كانتقال سائر أمواله إليهم، و اما ملك الميت دية الجناية عليه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 82

..........

______________________________

بعد موته فلم يرد رواية معتبرة في تعيين ديته أو دية الجناية على أعضائه و مستحقيها.

نعم ورد في بعض الروايات ان ديته بمقدار دية الجنين، و دية أعضائه، بحسابها و ان الدية يملكها الميت بعد موته فتصرف في وجوه البر و في بعض الروايات ان دية الجناية عليه للإمام عليه السّلام قال في الشرائع في قطع رأس

الميت المسلم الحر مائة دينار و في قطع أعضائه بحساب ديته و كذا في شجاجه و جراحه و لا يرث منها شيئا، بل تصرف في وجوه القرب عملا بالرواية.

و قال علم الهدى يكون لبيت المال انتهى.

و لكن الا ظهر ان يقال ان دية الجناية عليه دية الجنين و دية أعضائه و شجاجه بحسابها، لأن صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1» دالة على ثبوت الدية في قطع رأس الميت، و بما ان مقدار دية الجنين و دية الأعضاء بحسابها متيقن فيكتفى بها، و يؤيد ذلك ما أشرنا إليه من بعض الروايات و تكون هذه الدية من تركة الميت فيرثها الورثة كما هو مقتضى إطلاق صحيحته الأخرى.

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام قضى أمير المؤمنين عليه السّلام ان الدية يرثها الورثة الحديث «2» فان مقتضاها عدم الفرق بين كونها ثابتة بالقتل أو بالجناية عليه بعد موته و على ذلك فيجري على هذه الدية ما يجرى على سائر تركة الميت و أمواله و ما دل على صرف دية الجناية على الميت في وجوه القرب و هي رواية حسين بن خالد «3» كما ذكرنا ضعيفة سندا و ان عبر عنها في المسالك بحسنة حسين بن خالد، و هذا منه (ره) اشتباه حيث ان سليمان بن خالد ممدوح، لا الحسين، و الحسين لا موثق و لا ممدوح فراجع

______________________________

(1) وسائل باب (34) من أبواب دية الأعضاء.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 2، ص: 82

(2) وسائل باب (10) من أبواب موانع الإرث.

(3) وسائل باب

(24) من أبواب دية الأعضاء.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 83

و لكن الذي يظهر من جماعة (1).

و اما الكلام في صحة الإباحة بالعوض (2)

______________________________

(1) كان مراده ان الذي يظهر من جماعة يخالف ما تقدم من أن مع الاذن للغير في جميع التصرف، لا يجوز للغير بيع المال لنفسه، و وجه المخالفة ان دفع الثمن الغاصب مع العلم بأنه غاصب بمنزلة تسليطه و الاذن له في التصرف في ذلك الثمن مع انهم ذكروا انه لو اشترى الغاصب بذلك الثمن أمة يجوز له وطيها و ظاهر ذلك، جواز البيع لنفسه مع ذلك الاذن.

و لكن لا يخفى ان الالتزام بهذا الحكم على تقديره أجنبي عن المقام أى جواز البيع و صحته بمجرد اذن المالك و إباحته جميع التصرفات التي يكون منها بيع ماله، و ذلك فان مع علم المشتري بأن بايع المال غاصب يبيع مال الغير عدوانا يكون دفع الثمن اليه تسليطا و تمليكا مجانيا، فيكون المسمى بالثمن ملكا للغاصب هبة لا بيعا، و يترتب على ذلك تملك الغاصب العين اشتراها بالثمن المزبور، و المفروض في المقام قصد الإباحة دون التمليك.

و لعله (ره) أشار الى ذلك في آخر كلامه بأمره بالتأمل.

(2) الظاهر ان الإباحة أي اذن المالك للغير في التصرف في ماله بعوض عبارة عن المبادلة بين أمرين أحدهما اذن المالك للآخر في التصرف في ماله و ثانيهما مال ذلك الآخر فيكون بهذه المعاوضة، الاذن مملوكا للطرف في مقابل ملك ماله للمبيح، و هذه المعاملة لا بأس بها، و يعمها قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، فيحكم بلزومها و لو رجع المبيح عن اذنه فلا يكون رجوعه نافذا فان رجوعه نظير رجوع الموكل عن شرط الوكالة في

العقد اللازم غير صحيح، و انما يكون الاذن أو التوكيل جائزا فيما إذا كان ابتدائيا لا شرطا أو ركنا في عقد لازم، إذ مقتضى لزوم ذلك العقد لزوم ركنه أو الشرط المذكور فيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 84

..........

______________________________

نعم لو تصرف المبيح في الفرض في ماله تصرفا مخرجا له عن ملكه يحكم بنفوذه، لان المفروض انه مالك للمال المزبور، فيعمه قوله سبحانه إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و كذا قوله الناس مسلطون على أموالهم، و لكن يثبت للمباح له خيار الفسخ باعتبار ان جعل الاذن في التصرف عوضا متضمن لاشتراط إبقاء المال و عدم نقله الى شخص آخر، و اما التمسك في إثبات مشروعية الإباحة بالعوض بعموم المؤمنون عند شروطهم أو الناس مسلطون على أموالهم كما عن المصنف (ره) فغير صحيح، فإن الأول لا يعم الالتزامات الابتدائية التي تكون منها نفس المعاملة كما مرت إليه الإشارة، و يأتي تفصيله في باب الشروط إنشاء اللّه تعالى.

و اما الثاني فإن الكلام في المقام في مشروعية هذه المعاملة بأن يكون الاذن في التصرف ركنا و المال الآخر ركنا آخر لا في ولاية المالك على هذه المعاملة المشروعية في نفسها كما لا يخفى.

و ايضا ما ذكره (ره) من احتمال كون هذه المعاملة صلحا غير صحيح، لما تقدم من الصلح ليس التراضي الواقعي الموجود في جميع المعاملات و الا كان كل المعاملات صلحا، بل الصلح ما يكون المنشأ فيها هو التراضي و التسالم سواء كان كان متعلقا بالمال أو بغيره و ليس المنشأ في المقام هو عنوان التراضي بل المعاوضة بين الإباحة و المال.

و مما ذكرنا يظهر الحال في قول أحد الشريكين للآخر لك ما عندك

و لي ما عندي و انهما إذا أراد إنشاء التراضي على المبادلة بين ماليهما يكون ذلك صلحا و الا فلا.

و كذا ما ورد في معاملة الزوجين على المهر كصحيحة الفضيل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة بألف درهم فأعطاها عبد اللّه آبقا و بردا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 85

لأصالة التسلط (1)

[الخامس: في حكم جريان المعاطاة في غير البيع من العقود و عدمه]

إذا آمره بعمل على عوض معين فعمله استحق الأجرة (2)

______________________________

حبرة بألف درهم التي أصدقها قال إذا رضيت بالعبد و كانت عرفته فلا بأس إذا هي قبضت الثوب و رضيت بالعبد قلت فان طلقها قبل ان يدخل بها قال لا مهر لها و ترد عليه خمسمائة درهم و يكون العبد لها «1» و مما ذكرنا يظهر الحال في الإباحة بالإباحة و انها مبادلة بين الأذنين فيعمها قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(1) هذا تعليل لجواز المعاملة بدعوى ان أصالة بقاء سلطنة كل من المالكين على ماله، مقتضاها جوازها. و فيه ان بقاء سلطنتهما على مالهما لا ينافي لزوم المعاملة أي لزوم المبادلة بين الأذنين، بل مقتضى بقاء السلطنة نفوذ تصرف كل منهما في ماله لا في المعاملة المزبورة.

نعم لو تصرف أحدهما في ماله تصرفا لا يبقى معه مجال لتصرف المباح له، يثبت له خيار الفسخ، باعتبار تخلف شرط بقاء العين كما مر.

(2) أقول لم يظهر من هذا الكلام كون المراد من الأجرة الأجرة المسماة ليكون استحقاقها دليلا على جريان المعاطاة عندهم في الإجارة، و الا كان الأنسب ان يقال (فعمله استحق العوض) كما لا يخفى.

و لو كان المراد اجرة المثل فلا يكون في الكلام المزبور دلالة على جريان المعاطاة في الإجارة أصلا فإنه يجوز للعامل العمل و

لو بالتصرف في مال المستأجر مع بطلان الإجارة، لأن اذن المالك المستفاد من الإجارة الفاسدة كاف في جواز تصرف الأجير.

______________________________

(1) وسائل الجزء (15) باب 24 من أبواب المهر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 86

و اما مسئلة الهبة (1).

______________________________

لا يقال كيف جاز للأجير مع فساد الإجارة التصرف في مال الغير مع انهم ذكروا ان المأخوذ بالعقد الفاسد كالمغصوب في عدم جواز التصرف فيه.

فإنه يقال ذلك فيهما إذا كان التصرف في المأخوذ بالعقد الفاسد بعنوان انه ملكه، و بما ان الملك غير حاصل لفساد العقد فلا يجوز التصرف، و اما فيما إذا كان التصرف فيه بعنوان انه مال الغير و قد اذن فيه كما في أخذ الأجير ثوب الآخر لصبغه مثلا فلا بأس بأخذه و صبغه حتى مع فساد الإجارة، لتحقق الاذن اللازم في الأخذ و التصرف و لو مع فسادها، غاية الأمر لفساد المعاملة يستحق اجرة المثل على عمله لا الأجرة المسماة.

(1) و حاصله انه إذا قيل في المعاطاة بالإباحة لا الملك، يكون حكمهم بجواز إتلاف العين الموهوبة دليلا على جريان المعاطاة في الهبة أيضا باعتباران الهبة المعاطاتية موجبة لإباحة التصرف كالمعاطاة الجارية في البيع، و اما إذا قيل في المعاطاة بالملك غير اللازم فلا تكون اباحة التصرف دليلا على جريانها في الهبة، فإن جريانها في الهبة عند هذا المحقق يكون بالالتزام بحصول الملك مع انهم لا يلتزمون به لتصريح الشيخ و الحلي و العلامة بأن إعطاء الهدية من دون الصيغة يفيد الإباحة لا الملك، و لا يمكن حمل نفى الملك، على نفى الملك اللازم لأن الهبة اللفظية لا تفيد الملك اللازم ليكون مرادهم نفيه في الهبة المعاطاتية.

أقول الصحيح الالتزام بجريان المعاطاة في

سائر المعاملات عقودا أو إيقاعا أخذا بإطلاق صحتها و نفوذها، نعم لا تجري في عقد أو إيقاع قام الدليل على اعتبار اللفظ في إنشائه، كما في النكاح و الطلاق، حيث ان مطلق اللفظ غير كاف في إنشائهما فضلا عن الإنشاء بمجرد الفعل.

و أيضا فإن قلنا بعدم اللزوم في المعاطاة، فلا تجري في المعاملة التي تكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 87

[الأمر السادس: في ملزمات المعاطاة على كل من القول بالملك و القول بالإباحة]

اعلم ان الأصل على القول بالملك اللزوم (2).

______________________________

اللزوم مقتضى حقيقتها أو من لوازمها شرعا، الأول- كما في الرهن فان لزومه من قبل الراهن مقتضى حقيقته حيث مع جوازه من طرفه لا يتحقق عنوان الوثيقة على الدين، و الثاني- كما في الوقف فان المال الموقوف محكوم بأنه لا يباع و لا يوهب و لو جرى المعاطاة فيه لجاز بيعه و هبته، هذا.

و لكن قد مر عدم تمام دليل على جوازها في البيع فضلا عن غيره، و مقتضى إطلاق دليل لزوم المعاملات عدم الفرق بين إنشائها بالقول أو الفعل، و عليه فلا بأس بالوقف أو الرهن معاطاة.

(2) و حاصله انه بناء على حصول الملك بالمعاطاة يكون لزومها مقتضى الوجوه الثمانية المتقدمة، و تلك الوجوه كما تلي الأول- استصحاب بقاء الملك.

الثاني- قوله عليه السلام الناس مسلطون على أموالهم. الثالث- قوله عليه السّلام لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفسه. الرابع الحصر المستفاد من قوله سبحانه لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ الخامس- الجملة المستثنى منها يعنى قوله عز من قائل لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ السادس- قوله عليه السّلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع. السابع- قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. الثامن- قوله عليه السّلام

المسلمون عند شروطهم.

و اما بناء على الإباحة في مورد قصد الملك، فمقتضى قاعدة سلطنة الملك على ماله و أصالة بقاء هذه السلطنة حتى بعد حصول اباحة التصرف للآخر، هو الجواز و هذا الأصل حاكم على استصحاب بقاء الإباحة الثابتة قبل رجوع المالك.

أقول ان أريد من الإباحة المالكية فقاعدة سلطنة المالك أو استصحابها و ان تكون حاكمة عليها حيث ان معنى سلطنته عليها نفوذ رجوعه و عدم رضاه بتصرف الآخرين في ماله، الا ان الإباحة المالكية خارجة عن مفاد المعاطاة كما تقدم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 88

..........

______________________________

و ان أريد بها الإباحة الحكمية التي قيل بها باعتبار استمرار سيرة المتشرعة على التصرف في المأخوذ بها. فلا ينبغي الريب في انه، لا مجال لاستصحاب هذه الإباحة، لا لكونه محكوما بالدليل على سلطنة المالك أو باستصحابها، بل لان مقتضى عموم الأمر بالوفاء بالعقد و حلية البيع و التجارة، حصول الملك و لزوم المعاطاة من أول الأمر، غاية الأمر بناء على الإباحة يرفع اليد عن مقتضاها بالالتزام بعدم حصول الملك بها من أول الأمر نظير عدم ثبوت الملك في بيع الصرف بمجرد البيع.

و يكتفى في هذا الرفع و في الالتزام بالإباحة قبل حصول الملك، بالمتيقن، أخذا في غيره بالعموم أو الإطلاق كما ذكرنا ذلك في البحث عن دوران الأمر بين استصحاب حكم المخصص أو الأخذ بعموم العام، فتكون النتيجة ان مقتضى الأصل يعنى الوجوه المتقدمة، لزوم المعاطاة في مورد الشك، و كون الحاصل بها الملك اللازم، قلنا بالملك من أول الأمر أو بالإباحة، غاية الأمر لا يجرى بعض تلك الوجوه كاستصحاب الملك على القول بالإباحة، و لو أغمض عن ذلك و بنى على ما ذكره المصنف

(ره) في مسألة دوران الأمر بين استصحاب حكم الخاص أو الأخذ بعموم العام، من انه لا يجوز الأخذ بالعموم مع عدم كونه استغراقيا من حيث الزمان، لما كان مجال للأخذ بقاعدة سلطنة المالك، أو استصحابها، بل اللازم استصحاب الإباحة.

و الوجه في عدم المجال، ان الإباحة الحكمية على تقدير كونها منافية لقاعدة السلطنة فقد وقع التخصيص و التقييد في عموم سلطنة المالك بحصول المعاطاة، فاللازم استصحاب هذه الإباحة، بل بناء على الملك، فلا يمكن أيضا الأخذ بالوجوه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 89

..........

______________________________

الثمانية المتقدمة فإن هذه الوجوه تنفع فيما إذا شك في كون المعاطاة لازمة من الأول أو جائزة، و اما إذا ثبت جوازها، ثم احتمل طرو الملزم كما في المقام، فاللازم على مسلكه ره استصحاب الجواز، و لا يعارضه استصحاب بقاء الملك الذي هو الوجه الأول من الوجوه الثمانية، لحكومة استصحاب جواز المعاملة عليه، كما لا يخفى.

نعم يمكن على مسلكه (ره) التمسك ببعض الوجوه المتقدمة، كعموم لا يحل مال امرء مسلم الحديث، و قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ الاية حيث ان الفسخ بعد تلف احدى العينين مثلا أكل و تملك لمال الغير، فلا يحل، و لا يصح.

نعم ذكر السيد الخوئي (طال بقاه) ان الثابت بالإجماع في المقام جواز فسخ المعاطاة بفعل خاص و ذلك الفعل تراد العينين، نظير الفسخ المعتبر في بيع الخيار فإنه كما ان الجائز في ذلك البيع هو الفسخ برد الثمن، كذلك المعتبر في المقام هو الفسخ بتراد العينين، و بعد تلفهما أو تلف أحدهما لا يبقى لثبوت الجواز موضوع حتى يستصحب.

و فيه ان المعتبر في المعاطاة هو الفسخ مطلقا لا الفسخ بنحو خاص، الا ترى انه إذا

فسخ أحد المتعاطيين المعاطاة قولا مع بقاء العينين و لم يسلم صاحبه المال اليه بعد الفسخ عصيانا فإنه لا ينبغي الريب في انفساخ المعاطاة، و هذا شاهد قطعي على أن المعتبر هو نفس فسخ المعاطاة، غاية الأمر المتيقن من الإجماع جواز الفسخ حال إمكان تراد العينين، و إذا شك في ثبوته في حالة أخرى كتلف احدى العينين فيستصحب جواز الفسخ، كما في سائر موارد الاستصحاب.

و الحاصل ان استصحاب الجواز في المقام لا بأس به.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 90

مندفع بما سيجي ء (1) و لم يثبت جواز المعاملة على نحو جواز البيع الخياري (2).

و اما بناء على الإباحة فقد استوجه بعض مشايخنا (3)

______________________________

(1) في فرض تلف أحد المالين و فسخ مالك المال الآخر.

(2) أقول قد مر سابقا ان جواز الرجوع في الهبة و جواز تراد العينين في المعاطاة بعينه فسخ عقد الهبة أو المعاطاة، و انه لا فرق بين جواز الفسخ فيهما و جواز الفسخ في موارد الخيارات، غاية الأمر جواز الفسخ فيهما حكمي لا يسقط بالإسقاط، و جواز الفسخ في موارد الخيارات باعتبار كونه حقا قابل للإسقاط.

و بعبارة أخرى ان كان الرجوع في الهبة بمعنى استرداد العين الموهوبة مع إبقاء الهبة على حالها بحيث يكون تصرف الواجب في تلك العين بعد ذلك تصرفا في مال المتهب، فهذا لا يلتزم به أحد، و ان كان مع ازالة الهبة بأن يكون استردادها بقصد إلغاء الهبة فهذا عين الفسخ، و على ذلك فلو كان الموجود في المعاطاة الملك غير اللازم، فمعناه جواز فسخ المعاطاة، فاستصحاب هذا الجواز بعد تلف أحد العينين أو كليهما كاستصحاب الخيار بعد طرو ما يحتمل معه زواله، و هذا يعنى

استصحاب جواز الفسخ مبنى على مسلكه، فإنه عليه لا يكون في المقام مجال للتمسك بعمومات لزوم الملك و مطلقاته لورود التخصيص أو التقييد عليها، و لم يبق في البين من مقتضى اللزوم الا استصحاب بقاء الملك، و من الظاهر ان استصحاب بقاء جواز الفسخ حاكم عليه.

(3) و حاصله ان استصحاب بقاء سلطنة المالك على العين الموجودة مقتضاه عدم لزوم الملك، بل عدم حدوثه، و فيه ان هذا الاستصحاب معارض بأصالة عدم اشتغال ذمة مالك العين الباقية بمثل التالف أو قيمته.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 91

..........

______________________________

لا يقال يمكن إثبات اشتغال ذمته بقاعدة اليد فتكون نتيجة الجمع بين حديث على اليد و أصالة بقاء سلطنته على العين الباقية عدم لزوم الإباحة، و عدم حدوث الملك. فإنه يقال مقتضى قاعدة اليد ضمان مال الغير مطلقا لا معلقا على مشية الضامن و اختياره فسخ المعاملة التي قد جرت بين العين التالفة و بين الباقية كما هو المطلوب في المقام.

ثم أجاب (ره) عن معارضة استصحاب بقاء السلطنة مع أصالة براءة ذمة مالك العين الباقية بوجوه ثلاثة.

الأول- ان استصحاب براءة ذمته محكوم باستصحاب بقاء السلطنة.

الثاني- أصالة برائتها غير جارية في نفسها للعلم الإجمالي بضمانه التالف اما ببدله الواقعي، يعنى المثل أو القيمة أو ببدله الجعلي، يعني العين الباقية و لا يجري الأصل في أطراف العلم الإجمالي.

الثالث- ان ثبوت الضمان بالمثل أو القيمة مقتضى سلطنة الناس على أموالهم فإن مقتضاه سلطنة المالك على ماله الموجود، بأخذه، و على ماله التالف في يد الغير، بأخذ بدله، و استصحاب هذه السلطنة يكون حاكما على أصالة براءة ذمة من تلف مال الغير في يده.

أقول: لا يمكن المساعدة على هذا الوجه اى

الثالث فإن سلطنة المالك على ماله عبارة عن ولايته على التصرف فيه و نفوذ ذلك التصرف و عدم ضمان الآخر بماله لا يكون منافيا لسلطنته.

الا ترى ان الودعي مثلا لا يضمن الوديعة، و لا يكون عدم ضمانه تخصيصا في دليل سلطنة المالك، و الا لزم القول بالضمان و لو مع فرض تلف المالين حتى على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 92

و لو كان أحد العوضين دينا في ذمة (1)

______________________________

الإباحة أخذا بدليل السلطنة في حق كل واحد من المتعاطيين بالإضافة إلى ماله التلف في يد صاحبه و كذا لا يمكن المساعدة على الوجه الأول، و ذلك فان الاستصحاب في سلطنة المالك على العين الموجودة، عبارة أخرى عن استصحاب عدم كون تلك العين عوضا، عن التالف و انه لم يدخل في ملك الطرف الآخر، فالمعارضة بينه و بين استصحاب عدم اشتغال ذمته للطرف الآخر بمثل التالف أو قيمته بحالها.

و ان شئت قلت لا يجري أصالة بقاء السلطنة في حق من كان مالكا للعين الموجودة لعلمه إجمالا بكونه مكلفا اما بدفع تلك العين الى صاحبه، و عدم جواز إمساكها عليه، و اما بدفع البدل الواقعي للتالف الى ذلك الطرف، و أصالة بقاء سلطنته على العين و عدم وجوب دفعها أو عدم حرمة إمساكها، لا يكون حاكما على أصالة برأيه ذمته عن البدل الواقعي، فإن المعيار في الحكومة ان يكون أحد المجريين موضوعا و الآخر حكما له، و بقاء ملكه و سلطانه على العين الموجودة، ليس موضوعا لاشتغال ذمته بالبدل الواقعي للمال التالف.

(1) و الصحيح ان يقال انه إذا كان أحد المالين دينا بذمة أحد المتعاطيين يحكم من الأول بالملك اللازم مطلقا، و لو على

القول بالإباحة، و هذا على القول بالملك ظاهر، لأصالة اللزوم بعد عدم إحراز ما تقدم في وجه جواز الملك، و هو الإجماع في مثل المقام مما يكون نتيجة التمليك بعوض فيه، سقوط ما على العهدة، و لسنا ندعي ان الساقط عن العهدة لا يمكن عوده إليها كما قيل لان عود ما على الذمة إليها في بعض الموارد شاهد قطعي لإمكانه.

كما إذا باع المديون لآخر بعشرة دنانير متاعه منه بألف على شرط إبراء ذمته من العشر و خياطة ثوبه المعين فأخذ المشتري المتاع و سلم الالف و أبرئه عن العشر و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 93

و لو نقل العينان أو أحدهما (1)

______________________________

لكن امتنع عن خياطة الثوب فإنه لا ينبغي الريب في أن للبائع خيار تخلف الشرط و إذا فسخ يعود العشر الى ذمته، و هذا عود بعد السقوط.

و الحاصل انه لا يمكن قياس عود المال إلى الذمة بعود الشي ء الخارجي بعد صيرورته معدوما و يقال بأن الشي ء لو كان عوده بشخصه الأول لزم تخلل العدم في الوجود الواحد، و لو كان بشخص آخر يكون غيره لا الأول.

و الوجه في الفرق ان ثبوت المال على الذمة اعتبار يتعلق بالطبيعي و يمكن اعتباره ثانيا بنحو لا يكون بينه و بين الطبيعي الأول ميز أصلا.

و اما على القول بالإباحة فإن الإباحة تثبت في المعاطاة بالإجماع و السيرة و من الظاهر ان الإباحة في مقابل الملك لا معنى لها في المقام فيكون الإجماع و السيرة في سائر الموارد و يثبت الملك في المورد من الأول كما هو مقتضى حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد.

(1) يعنى ان انتقال كلا المالين أو أحدهما بعقد لازم من طرف

الناقل موجب للزوم المعاطاة و هذا على تقدير بقاء العقد اللازم ظاهر باعتبار عدم إمكان التراد على القول بالملك و انتهاء الإباحة و صيرورة المال ملكا للمتصرف عند العقد اللازم على مسلك الإباحة.

نعم لو عاد المال الى الناقل بفسخ العقد اللازم بالإقالة أو بالفسخ من الطرف الآخر للخيار الثابت له فيمكن الالتزام بجواز التراد أخذا باستصحابه.

لا يقال لا مجال لاستصحابه للقطع بانتفاء جواز التراد قبل فسخ العقد اللازم، و الجواز على تقديره فعلا حكم آخر لم يعلم حدوثه، فإنه يقال المستصحب جواز التراد وضعا أى نفوذ التراد و صحته و عدم إمكان التراد قبل فسخ العقد اللازم لا يوجب ارتفاع هذا الجواز.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 94

و لو كان الناقل عقدا جائزا (1).

______________________________

ثم انه (ره) ناقش في هذا الاستصحاب بأنه لا بد من الاقتصار على المتيقن في جواز التراد و الرجوع في غيره بأصالة اللزوم، لعدم إحراز موضوع جواز التراد ليستصحب و ذكر انه لا يجوز التراد بعد فسخ العقد اللازم حتى على القول بالإباحة و ذلك فان العقد اللازم بحدوثه كاشف عن دخول المال في ملك المباح له و بعد فسخه يرجع المال الى ملكه، لا الى ملك المبيح، و مقتضى دليل السلطنة نفوذ تصرفات المباح له لا المبيح و ليس في هذا الفرض حالة سابقة لجواز التراد ليستصحب بل الثابت سابقا هي الإباحة المنقطعة عند حدوث العقد اللازم.

نعم يتصور جواز التراد على الإباحة بالالتزام بأحد أمرين.

أحدهما القول بأن العقد اللازم الحادث بحدوثه و بقائه كاشف عن حصول الملك للمباح له و بارتفاع العقد اللازم يرجع المال الى ما كان عليه قبل العقد اللازم فيكون ملكا للمبيح و مباحا للمباح

له.

و الأمر الثاني ان يقال العقد اللازم لا يتوقف على حصول الملك للمتصرف لجواز كون الثمن في العقد اللازم ملكا للمتصرف مع خروج المثمن عن ملك المبيح و لكن قد مر عدم إمكان ذلك و انه خلاف مقتضى المعاوضة كما لا يمكن الأمر الأول أيضا فإن العقد اللازم لا يبطل بالفسخ من أصله حتى لا يكون كاشفا عن حصول الملك للمباح له بل الانفساخ يقع من حين الفسخ و صحته الى زمان الفسخ لا تكون الا مع حصول الملك للمباح له قبل العقد و على ذلك فبفسخ العقد فيما بعد يرجع ملك المال اليه لا الى المبيح.

(1) يعنى لو انتقل أحد المالين بنقل جائز تكون المعاطاة لازمة و لا يجوز للمالك الفعلي للعين الموجودة إلزام المتصرف بفسخ النقل الجائز و الوجه في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 95

و لو باع العين ثالث فضولا فأجاز المالك الأول (1)

______________________________

ذلك ان التراد غير متحقق أى غير ممكن ممن يملك العين الباقية فإنه عبارة عن رد المال على مالكه الأصلي و استرجاع ما كان ملكا له منه و المفروض ان المال بعد النقل الجائز غير باق في ملك صاحبه حتى يسترجع منه نعم لصاحبه فسخ النقل الجائز و بفسخه يتمكن مالك العين الباقية على التراد و لكن تمكينه من ذلك غير واجب على صاحبه.

هذا بناء على الملك في المعاطاة و اما بناء على الإباحة فالنقل الجائز ملزم لها من الجانبين لان النقل الجائز كاشف عن انتهاء ملك المبيح و حصوله للمباح له قبل تصرفه في المال بالنقل الجائز.

نعم لو كان النقل الجائز من الهبة مجانا بان لا تكون معاوضة فيمكن القول بان تصرف المباح له

لا يوجب حصول الملك له بل تصرفه أي الهبة تقع عن المبيح فهو الواهب حقيقة فيثبت في حقه جواز الرجوع في الهبة و جواز التراد في المعاطاة على تقدير بقاء المال الآخر في يده أو رجوعه الى يده من غير صيرورته ملكا له في زمان فإنه لو صار ملكا له في زمان فلازمه انتهاء ملكه و سلطانه على المال الآخر كانتهاء ملك صاحبه على المال الذي بيده.

(2) فان اجازة المالك الأول كبيعه المال مباشرة في كونها فسخا للمعاطاة فيكون المقام نظير بيع ذي الخيار ما انتقل عنه في الالتزام بحصول الملك له آنا ما قبل البيع الثاني و لو أجاز المالك الثاني الذي انتقل المال إليه بالمعاطاة تكون أجازته كبيعه مباشرة ملزمة نافذة بلا اشكال، باعتبار كون المال ملكه.

و اما إجازة المباح له ففيها اشكال الالتزام بالملك آنا ما قبل أجازته فتكون الإجازة على مسلك الإباحة في جهتي الاشكال و عدمه عكس مسلك الملك المتزلزل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 96

و لكل منهما رده قبل إجازة الآخر (1) و لو امتزجت العينان إلخ (2)

______________________________

(1) فلا بد من كون رد المالك الأول بناء على مسلك الملك في المعاطاة بقصد الرجوع فيها و حينئذ يكون رده نافذ أو مبطلا للمعاطاة أيضا فلا يبقى مجال لإجازة الثاني الا بناء على كون الإجازة كاشفة عن انتقال المال إلى المشترى من الفضولي و ان رجوع المالك الأول واقعا كان بعد هذا الانتقال.

و لكن الصحيح فساد هذه الإجازة لأن شرط صحة الإجازة و نفوذها كون المجيز مالكا للمال مع قطع النظر عن أجازته و ليس هنا كذلك لرجوع المال الى مالكه الأول لو لا أجازته.

(2) على تقدير الملك

في المعاطاة يحكم بلزومها بالامتزاج بناء على عدم جريان الاستصحاب في جواز التراد، في مقابل أصالة اللزوم في الملك كما تقدم و بناء على مسلك الإباحة يجري استصحاب بقاء المال على ملك مالكه الأول و بهذا يحرز موضوع الشركة و هو حصول الامتزاج بين مالين من مالكين مع عدم إمكان تمييزهما عرفا.

نعم لو كان الامتزاج موجبا لصدق التلف كما في خلط العسل القليل باللبن، فيدخل الفرض في تلف المال حتى على مسلك الإباحة.

أقول: الصحيح عدم الفرق بين المسلكين و ان الامتزاج موجب للزوم المعاطاة، حتى على القول بالإباحة، أخذا بأصالة نفوذ البيع و لزومه إلا في المقدار المتيقن و هو المال قبل الامتزاج، كما ان مقتضاها عدم الفرق في ذلك بين الامتزاج و التصرف المغير للصورة.

ثم انه قد ظهر مما ذكرنا انه لا مجال للمناقشة في لزوم المعاطاة بموت أحد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 97

[السابع ان الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف أو معاوضة مستقلة]

السابع ان الشهيد الثاني ذكر في المسالك إلخ (1)

______________________________

المتعاطيين، فإنه لا دليل لرفع اليد عن صحة البيع و لزومه إلا في المقدار المتيقن سواء على القول بالملك أو الإباحة، و لكن ظاهر كلام المصنف ره هو التفصيل بين القولين. و انها تلزم على القول بالملك، حيث ان جواز الرجوع الثابت للمتعاطيين حكمي، نظير جواز الرجوع في الهبة، و لذا لا تلزم المعاطاة من الابتداء باشتراط لزومها.

و الحاصل ان الجواز الحقي كالخيار يمكن القول فيه بالإرث لأنه من الحق الذي يتركه الميت لا الجواز الحكمي فإنه تابع لثبوت موضوعه فقط، و لكن المال على القول بالإباحة ينتقل إلى الورثة، فيكون رجوع الورثة في المعاطاة باعتبار ان المال ملكهم، فيكون رجوعهم، نظير رجوع من قدم الطعام الى

الغير، في كون بقاء الإباحة له دائرا مدار بقاء رضاه.

أقول قد تقدم ان الإباحة على القول بها اباحة حكمية، لا المالكية، و الإباحة الحكمية، تدور مدار بقاء موضوعها فقط، و ذكرنا ان الثابت منها في مقابل العموم أو الإطلاق المقتضي لحصول الملك اللازم بالمعاطاة، مقدار اليقين، و هو ما لم يقع موت أحد المتعاطيين كما لا يخفى.

(1) تعرض الشهيد الثاني ره لكون المعاطاة بعد لزومها بيعا، أو معاوضة مستقلة، و ذكر لكل منهما وجها، فوجه كونها بيعا ان سائر المعاوضات محصورة، و ليست المعاطاة منها، و كون المعاطاة معاوضة مستقلة في مقابل تلك المعاوضات، لا يساعد عليها دليل، فيتعين دخولها في عنوان البيع، و وجه كونها معاوضة مستقلة، ان المعاطاة حين حدوثها لم تكن بيعا، و لا موجب لدخولها في عنوان البيع بعد ذلك.

و قال ره و تظهر ثمرة ذلك في ترتب آثار البيع بعد لزومها، فعلى الوجه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 98

..........

______________________________

الأول تترتب عليها تلك الآثار، كخيار الحيوان حيث ان هذا الخيار، حكم الشراء الحيوان، ثم على تقدير ثبوت هذا الخيار، فهل الثلاثة من حين المعاطاة، أو من حين لزومها، فيه تردد.

و يرد على الأول ان المعاطاة ليست بيعا حين حدوثها، فكيف يثبت خيار الحيوان من ذلك الحين، و على ثبوته بعد لزومها بان التصرف أو التلف لا يكون بيعا اللهم الا ان يلتزم بحدوث خيار الحيوان، من حين التلف، أو التصرف باعتبار ان المعاطاة مع التصرف أو التلف تكون بيعا تاما، فالمعاطاة جزء السبب المملك، لا تمامه.

و ذكر ره في آخر كلامه ان الأقوى عدم ثبوت خيار الحيوان في المعاطاة لا من حينها و لا من حين لزومها،

كخيار المجلس، و نظره (ره) ان أدلة خياري الحيوان و المجلس ظاهرها ثبوتهما في بيع، يكون ذلك البيع مع قطع النظر عن الخيار لازما و المعاطاة ليست كذلك الا على قول المفيد و من تبعه، القائلين بأن المعاطاة كالبيع العقدي لازمة من الأول.

نعم يثبت في المعاطاة خيار العيب و الغبن سواء قلنا بأنها عند لزومها بيع أو معاوضة مستقلة، لأن الدليل على ثبوتها قاعدة نفى الضرر الجارية فيها سواء قيل بأنها عند لزومها بيع أم لا، و لذا يثبتان في سائر المعاوضات.

و ذكر المصنف ره ان هذا الكلام من المسالك اى كون المعاطاة بعد لزومها بيعا أو معاوضة مستقلة، متفرع على القول بالإباحة، و اما بناء على مسلك الملك الجائز، فلا مجال لهذا الكلام فان المحقق الثاني صرح بأن المعاطاة، بيع غير لازم و يكون الملك الحاصل بها لازما، بحدوث أحد الأمور المتقدمة، و على هذا المسلك يترتب على المعاطاة من حين حدوثها جميع الأحكام المترتبة على البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 99

و المحكي عن حواشي الشهيد إلخ (1).

______________________________

غير الأثر الذي يكون مترتبا على البيع اللازم اى على البيع الذي يكون لو لا الخيار لازما، فان هذا الأثر لا يترتب على المعاطاة لأن عدم لزومها، ليست باعتبار كونها بيعا خياريا، بل عدم اللزوم فيها كما في الهبة حكمي.

ثم انه اختار المصنف ره على مسلك الإباحة، الاحتمال الأول، و هو صيرورتها بعد لزومها بيعا و ذكر في وجهه ما تقدم سابقا من كون المعاطاة بيعا عرفا غاية الأمر حصول أحد الملزمات المتقدمة، نظير التقابض في بيع الصرف، شرط لحصول الملك و قبل حصول أحدها يكون مال كل منهما مباحا للآخر بإباحة

حكمية، و على ذلك فيترتب على المعاطاة، أحكام البيع غير الآثار المترتبة على البيع الحادث صحيحا.

أقول لازم توجيه الإباحة و اشتراط حصول الملك، ترتب جميع آثار البيع بعد حصول الملك حتى الآثار المترتبة على البيع الواقع صحيحا، فإن المعاطاة بيع صحيح عند حصول الملك، و لا فرق بينهما و بين بيع الصرف عند حصول التقابض و كما يترتب تلك الآثار على بيع الصرف بعد حصول الملك به كذلك تترتب على المعاطاة بعد لزومها.

و ايضا ظاهر كلامه (ره) كما ذكرنا ان كون شي ء ملزما للمعاطاة على الإباحة مساوق لتمام البيع به، فيترتب عليها أحكام البيع من حين حدوث ذلك الملزم، و لكن قد ذكر فيما تقدم (في صورة تلف العينين) كون الإباحة لازمة بمعنى عدم حدوث ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه و ظاهر ذلك عدم انتقال المالين الى الطرفين بتلفهما فراجع.

(1) يمكن ان يتوهم ان ما ذكر المصنف (ره) من ان المعاطاة على تقدير القول بحصول الملك بها بيع بلا خلاف، و ان الكلام في كونها بيعا أو معاوضة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 100

[الثامن: لا إشكال في تحقق المعاطاة المصطلحة التي هي معركة الآراء بين الخاصة و العامة]

و اما ان يشمل هذا و غيره كما هو ظاهر (1).

و ربما يجمع بين هذا الكلام إلخ (2).

______________________________

مستقلة مبنى على مسلك الإباحة ينافي ما حكى عن الشهيد في حواشيه على القواعد حيث ذكر فيها ان المعاطاة معاوضة مستقلة أو جائزة.

و وجه المنافاة انه لو قيل بلزوم المعاوضة فلا بد من الالتزام بحصول الملك من الأول مع عدم كونها بيعا، و كأنه (ره) دفع الوهم بان كلام الشهيد (ره) مبنى على مسلكه في المعاطاة و هي الالتزام بالإباحة، و المعاوضة في كلامه معاوضة في الإباحة، لا

الملك و لزوم و هذه الإباحة، باعتبار معاوضتها لا يقتضي حدوث الملك.

أقول المعاوضة في الإباحة تلازم حصول الملك بالمعاطاة فإنه لا بد من الالتزام بحصوله عند حدوث أحد الملزمات فان تصرف المباح له في مال صاحبه بما يتوقف على كونه مالكا لا يتم الا بحصول الملك له و إذا قلنا انها لازمة من ابتداء الأمر فلا بد من الالتزام بحصول الملك من الأول و الحاصل فرق بين الإباحة المالكية و الشرعية فإن لزوم الأول من الابتداء لا يلازم الملك بخلاف الثانية كما لا يخفى.

(1) و وجه الظهور عدم تقييد الفاسد في كلامهم بما إذا كان الفساد من جهة اختلال شروط الصيغة.

(2) و حاصل الجمع ان عدم جواز التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد و ضمانه يكون في فرض رضا كل منهما بتصرف صاحبه لصيرورته ملكا له بالعقد، و على ذلك فلا يجوز للآخر التصرف، و يكون ضامنا للمال لان جواز تصرفه اما باعتبار الملك و المفروض عدم حصوله و اما باعتبار رضا الآخر بتصرفه مع عدم كون المال ملكا له و المفروض انتفاء هذا الرضا و اما جواز التصرف و جريان حكم المعاطاة على المقبوض بالعقد الفاسد فيكون في فرضين.

أحدهما ما إذا علما فساد العقد و عدم صيرورة المال ملكا للآخر بالعقد و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 101

..........

______________________________

مع ذلك كان رضاهما بالملك باقيا الى ان حصل القبض.

و الثاني- كون كل منهما من الأول راضيا بتصرف الآخر على كل تقدير كان العقد صحيحا أو فاسدا فيكون تصرف الآخر في فرض صحته بما هو مالك، و في عدم صحته بما هو مأذون و لكن المصنف (ره) لم يرتض بهذا الجمع و ذكر انه

لا يمكن حمل كلام المحقق و الشهيد الثانيين على الفرضين و ذلك فان المفروض في كلامهما حصول إنشاء واحد و تمليك واحد و هو العقد الفاسد و كان تراضى المالكين بذلك العقد و التمليك و إذا فرض عدم حصول الملك و عدم تمام العقد، فلا يبقى الاذن و الرضا المتعلق به و لو فرض رضاهما بالملك مع الإغماض عن ذالك العقد بحيث حصل منهما إنشاء آخر بالقبض و الإقباض، كان خارجا عن كلامهما فان كلامهما في حصول المعاطاة بنفس ذلك العقد.

و كذا لا يصح حمل كلامهما على التراضي الجديد، بان لا يحصل منهما إنشاء آخر بالقبض و الإقباض و لكن يكون منهما الرضا بالتصرف حتى مع الإغماض عن العقد الفاسد و الوجه في عدم الصحة أولا ان التراضي كذلك يكون من العالم بفساد العقد و كلام المحقق و الشهيد الثانيين مطلق و ثانيا انه لو كان الرضا بتصرف الآخر من دون قصد الملك و المعاوضة فلا يكون هذه معاطاة بل إباحة مالكية تبقى ما دام العلم بالرضا و لا يكفى فيها عدم العلم بالرجوع و لا يترتب عليه أثر المعاطاة من حصول الملك بتلف احدى العينين أو جواز التصرف إلى إحراز الرجوع و ان كان الرضا بعنوان المعاوضة بين المالين في الملك فهذا هو الرضا بالملك في العقد السابق و ليس امرا حادثا و المفروض عدم كونه مؤثرا في حصول الملك بمجرده أو مع العقد المزبور.

أقول- التراضي الجديد بمعنى مجرد رضاه بتصرف الآخر في ملكه و ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 102

و هذا ليس ببعيد على القول بالإباحة (1).

[مقدمة في خصوص ألفاظ عقد البيع]

اشارة

قوله مع الإشارة إليه في بعض النصوص (2).

______________________________

لا يكون معاطاة فلا

يجوز به الا التصرف غير الموقوف على الملك لأن التراضي المزبور إباحة مالكية الا انه يكفى في بقائها الاستصحاب و ما ذكره (ره) من ان جواز التصرف يبقى ما دام العلم بالرضا و لا يكفى فيه عدم العلم بالرجوع غير صحيح.

و بتعبير آخر قد لا يحرز تعلق الرضا من الأول بهذا التصرف الذي يريده الآخر ففي مثل ذالك لا مورد للاستصحاب باعتبار كون الرضا بالتصرف انحلاليا و هذا الفرد من التصرف لم يحرز تعلق الرضا به من الأول و قد يعلم انه كان راضيا بهذا التصرف و يحتمل الان حصول البدإ له و رجوعه عن رضاه و هذا مورد الاستصحاب.

(1) أقول الإباحة في المعاطاة ليست مالكية بل هي حكمية و يكون قصد المتعاطيين الملك لا الترخيص للآخر في ماله و الملك المنشأ في المعاطاة بناء على الإباحة لا يكون ممضى الا بعد حصول أحد الملزمات المتقدمة و على ذلك فكيف يمكن تحقق الملك بدون الإنشاء قولا أو فعلا.

و اما مسئلة أخذ الماء و وضع الفلوس في دخل السقاء و أخذ البقل و وضع الفلوس في المكان المعد له فقد ذكرنا فيهما في الأمر الثاني فراجع.

(2) المراد الروايات المتقدمة في المعاطاة التي ذكر (ره) ان فيها ظهورا و إشعارا إلى اعتبار اللفظ في البيع اللازم كرواية إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام.

أقول لازم ما ذكر (ره) في هذا الأمر من عدم جريان حكم المعاطاة على المعاملة المنشأة باللفظ غير المعتبر مع ما سيأتي منه (ره) من اعتبار اللفظ في البيع اللازم و عدم كفاية الكتابة مع التمكن على التلفظ ان يحكم بالفساد فيما إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 103

لان الوجوب

بمعنى الاشتراط كما فيما نحن فيه مقتضى الأصل (1)

______________________________

إنشاء البيع بالكتابة مع التمكن على التلفظ بان لا يحرى عليه حكم المعاطاة أيضا و لا أظن إمكان الالتزام ببطلان المعاملات الدارجة بين العقلاء من المتشرعة و غيرهم التي يكون إنشائها بالكتابة.

(1) يعنى الاشتراط مقتضى استصحاب بقاء الملك بحاله، و عدم حدوث الانتقال و لكن لا يخفى ان هذا الأصل لا تصل النوبة إليه في مقابل إطلاق أدلة المعاملات و عموماتها فان اعتبار اللفظ فيها على تقديره شرط زائد على أصل حصول عناوينها فيكون مع الشك في الاعتبار مقتضى الإطلاق أو العموم عدمه كما مر تفصيل ذلك في بحث المعاطاة و ذكرنا عدم الفرق في صحة هذا التمسك في موارد الشك بين القول بإفادة المعاطاة الملك أو الإباحة فعلى كلا التقديرين يكون القدر المتيقن من التخصص أو التقييد، صورة قدرة المتبايعين على مباشرة اللفظ و اما مع عدمها فلا تخصيص و لا تقييد.

فما يظهر من المصنف (ره) من ان الأخذ بالعموم أو الإطلاق موقوف على القول بإفادة المعاطاة الملك لا يمكن المساعدة عليه.

لا يقال ما وجه افتراق المقام عن موارد دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين حيث ان المقرر هناك جريان البراءة عن كون شي ء شرطا أو جزءا أو مانعا و تكون باعتبار كونها معينة لمتعلق الأمر حاكمة على استصحاب الوجوب، و في المقام يكون أصالة العدم في ناحية اعتبار اللفظ مثلا في حلية البيع و وجوب الوفاء به معينة لكون الموضوع لهما ذات البيع.

و بالجملة لا فرق في جريان البراءة بين مورد الحكم التكليفي و الوضعي و يكون جريانها في ناحية عدم القيدية معينة لموضوع الحكم الوضعي و مع تعينه لا يبقى مجال لاستصحاب الحكم

يعنى عدم حدوث الأثر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 104

..........

______________________________

فإنه يقال لا تجري البراءة في نفى الشرط أو القيد للموضوع أو المتعلق الا فيما إذا كان الحكم المجعول واحدا و دار الأمر بين تعلقه بذات المطلق أو به مقيدا بقيد كما في مسألة دوران الأمر بين الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و اما إذا كان الحكم انحلاليا كما في المقام فلا مورد للبراءة عن القيد لان ثبوت الحكم للأفراد الواجدة للقيد، محرز و الشك في ثبوت حكم آخر للفرد الفاقد و مقتضى الأصل عدم جعل ذلك الحكم له كما لا يخفى.

و ذكر السيد الخوئي (طال بقاه) ان عدم الرجوع الى البراءة باعتبار انه ليست الشرطية أو المانعية غير أخذ الشي ء الوجودي أو العدمي في متعلق الأمر أو موضوع الحكم و ليس أخذ الشي ء الوجودي أو العدمي في نفسه تكليفا لتجري البراءة عنه و ما يكون في موارد الأقل و الأكثر الارتباطيين مجرى البراءة هو الوجوب المتعلق بالأكثر و لا يعارض بالوجوب المتعلق بالأقل، حيث ان أصالة البراءة لا تعم موردا لا يكون جريانها فيه امتنانا و جريانها في ناحية الأقل خلاف التوسعة و لا يكون في رفعه امتنان و من الظاهر انه لا تكليف في المقام بل ثبوت الأثر للمعاطاة الفاقدة للشرط المحتمل غير محرز و الأصل عدمه.

أقول ليس لنا سبيل الى ان مجرى البراءة لا بد من ان يكون تكليفا بل كل ما يكون قابلا للرفع و الوضع فالبراءة يرفعه و أخذ الشي ء في متعلق التكليف فيه كلفة زائدة حيث يترتب عليه حكم العقل بلزوم رعايته في المأتي به فأصالة البراءة تجري في ناحيته و لو مع عدم كونه تكليفا

و الصحيح في توجيه أصالة الفساد في المعاملة ما ذكرنا فتأمل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 105

بل لفحوى ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الأخرس (1).

و المراد بالصريح كما يظهر (2)

______________________________

(1) و تقريره ان الطلاق يعتبر في إنشائه الصيغة الخاصة فلا يكفى فيه مطلق اللفظ فضلا عن غير اللفظ و مع ذلك قد ورد ان إطلاق الأخرس يكون بالإشارة و لا يمكن حمل ذلك على صورة عدم تمكنه على التوكيل فان عدم التمكن عليه فرض نادر لا يمكن حمل الإطلاق عليه، و إذا جاز الإنشاء بالإشارة مع التمكن على التوكيل في الطلاق جاز في غيره قطعا.

أقول لا يمكن استفادة عدم لزوم التوكيل في مطلق غير التمكن على مباشرة اللفظ من رواية طلاق الأخرس بل غاية الأمر ان يقال بجواز إشارة الأخرس في في سائر العقود و الإيقاعات أيضا إلحاقا لها بالطلاق بالفحوى و اما إذا كان عدم التمكن لعدم المعرفة باللغة العربية مثلا فلا يمكن القول بجواز طلاق غير العارف بغير الصيغة المخصوصة ليتعدى منه الى سائر العقود و الإيقاعات بل اللازم التوكيل أخذا بما دل على ان الطلاق لا يكون إلا بالصيغة الخاصة.

(2) و خلاصة ما ذكر ره ان المراد بالصريح التعبير عن المعاملة بلفظ يكون ذلك اللفظ موضوعا لتلك المعاملة لغة و شرعا كما ان المراد بالكناية اللفظ الموضوع لمعنى يكون ذلك المعنى لازما لتلك المعاملة فيكون دلالته على اللازم بالوضع و على الملزوم اى تلك المعاملة بالقرينة كانت تلك القرينة جلية أو خفية و القول باعتبار الصراحة بهذا المعنى في العقود اللازمة و عدم كفاية الكناية كانت القرينة جلية أو خفية لا يساعد عليه الروايات المتفرقة في

أبواب العقود و كلمات الأصحاب الناظرة الى بيان صيغ مطلق البيع أو بعض افراده كبيع السلم و صيغ سائر العقود فان مقتضاهما الاكتفاء في الإنشاء بكل لفظ يكون ظاهرا في المعاملة المقصودة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 106

على انهما من الكنايات (1) و لكن هذا الوجه لا يجرى (2)

______________________________

سواء كان ظهوره فيها بالوضع أو بالقرينة.

و قد اختار ذلك جماعة من المتأخرين و حكوه عن جماعة أخرى و بما أن ملاحظة كلمات الفقهاء في أبواب العقود تقتضي بعدم اعتبار الصراحة بالمعنى المتقدم و مع ذلك اشتهر عنهم بعدم العبرة في المعاملات بالمجازات فقد جمع المحقق الثاني بين الأمرين بحمل المنع على المجازات البعيدة.

ثم ذكر (ره) ان الأحسن من هذا الجمع حمل المنع على ما إذا لم تكن القرينة الدالة على المقصود أو تعيينه لفظا فان مع عدم القرينة اللفظية يخرج المعاملة عن كون إنشائها و الدلالة عليها باللفظ.

(1) اى لا يباع و لا يوهب من الكنايات بالإضافة إلى الوقف فان من لوازم الوقف يعنى أحكامه عدم جواز بيعه و هبته فيكون ذكرهما و ارادة الوقف من الكناية.

(2) أي حمل المنع في كلماتهم على ما إذا لم تكن القرينة لفظية لا يمكن في جميع كلمات الأصحاب فإن العلامة ذكر في التذكرة عدم جواز البيع بمثل قوله أدخلته في ملكك بكذا مع ان كل ذلك من تمليك العين بعوض، و الدلالة عليه، تكون باللفظ، فان قوله جعلته لك، دال على التمليك، و ذكر العوض بقوله بكذا، دال على كون التمليك بعنوان المعاوضة بين المالين، فتم الدال اللفظي على البيع.

أقول- بل الجمع المزبور في نفسه غير صحيح فإن رعاية القرينة الحالية مثلا في الدلالة، لا

تخرج الدلالة على المعاملة و إنشائها عن كونها باللفظ، فلا حظ مثلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 107

دعوى ان العقود أسباب توقيفية (1)

______________________________

من رأى بطلا شجاعا في الحمام و ذكر عند خروجه عنه، أن في الحمام أسدا، فإنه يصح القول بأنه أخبر و ذكر للناس وجود البطل في الحمام و الزائد على هذه الدلالة اللفظية، غير معتبر في إنشاء العقود حيث ان مع القرينة المزبورة، يكون إنشاء الملك و اعتباره بالتلفظ، بخلاف المعاطاة التي تكون فيها اعتبار الملك و إنشائه بالفعل.

نعم لا يكفى ذلك في مثل الطلاق لاعتبار الصيغة الخاصة فيه، لا لكون القرينة حالية، بل لو كانت مقالية أيضا لا تكفى.

و الحاصل ان غاية ما يمكن الالتزام به هو اعتبار إنشاء المعاملة، في العقود اللازمة، باللفظ، و كون اللفظ المزبور دالا على تلك المعاملة بوجه معتبر، بحيث يكون له ظهور عرفي، كان بطور الحقيقة أو المجاز، و الكناية، و كانت القرينة حالية، أو مقالية، و ذلك للزوم الأخذ بالإطلاق أو العموم في أدلة العقود في غير مورد اليقين بالتخصيص و التقييد، و هو ما إذا خلت المعاملة عن اللفظ رأسا بأن كان إنشائها بالفعل أو نحوه.

(1) و ملخص ما ذكر أنه لا ينبغي الريب في عدم جعل الشارع سببا خاصا لكل معاملة يراد بها النقل و الانتقال، كالبيع و الإجارة، ليكون الحكم بكون شي ء سببا لهما محتاجا الى ورود خطاب الشرع عليه.

نعم لا بد من رعاية تعبير الشارع عن المعاملة بلفظ خاص أو ألفاظ مخصوصة، بأن ينشأ تلك المعاملة، بذلك اللفظ، أو بتلك الألفاظ أو ما يرادفها لغة أو عرفا فان تعبير الشارع عنها بتلك الألفاظ مقتضاه ترتب الآثار على

المدلول المنشأ بها، و إذا كان الإنشاء، بغير تلك الألفاظ و غير مرادفها و قصد المعنى الآخر، كلفظ الهبة بأن يكون قصد المرية منها في قولها للرجل وهبتك نفسي معنى التسليط مجانا، فيحكم بالفساد، باعتبار أنه لم يتحقق إنشاء النكاح الذي رتب الشرع عليه الآثار، و ان لم يقصد باللفظ الآخر إلا العنوان المقصود في الألفاظ الواردة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 108

شراه يشريه ملكه بالبيع (1).

و عنه ايضا كل من ترك (2).

______________________________

في خطاب الشرع، ففساده باعتبار دخول الفرض في الكناية التي لا اعتبار بها لخروجها عن الدلالة اللفظية.

أقول يلحق بدعوى ان العقود المؤثرة في النقل و الانتقال أسباب شرعية توقيفية، الالتزام برعاية التعبير عنها بالألفاظ الواردة في خطاب الشرع أو بمراد فاتها من سائر اللغات و ذلك فان اللازم ان يكون الكلام المستعمل دالا على العنوان المترتب عليه الأثر سواء كانت دلالته عليه بنحو تعدد الدال و المدلول أو المجاز أو الكناية و إذا قالت المرأة للرجل وهبتك نفسي و جعلتها منك منزلة الحواء من آدم كفى و لا يحتاج إلى الإتيان بما هو موضوع لعنوان النكاح لغة أو عرفا أو بما ورد التعبير في خطاب الشرع.

و ثانيا ان قول المرأة كما ذكر مع قصدها الزوجية يكون من الكناية التي لا تكون خارجة عن الدلالة اللفظية و هو من قبيل التعبير عن الإجارة بيع المنفعة أو بيع سكنى الدار كما في بعض الروايات و المساواة في الدلالة بين الإجارة و بين البيع المضاف إلى المنفعة في الصراحة و عدمها لا تكون دائرة مدار ورود اللفظ و التعبير في كلام الشارع و عدم ورودهما كما لا يخفى.

(1) بالتخفيف يعنى اشتراه و

قوله باعه يعنى ملكه بالتشديد و مثل الشراء الاشتراء في كونه ايضا بمعنى ملكه بالبيع و باعه و قوله فهما يعنى الشراء و الاشتراء ضدان يستعمل كل منهما في فعل البائع و المشترى و مقتضى ذلك ان يكونا من الألفاظ المشتركة لفظا.

(2) و ظاهر الحكاية كون لفظ الاشتراء مشتركا معنويا بين فعل البائع و المشترى أقول- يحتمل ان يكون لفظ الشراء ايضا كذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 109

و ما قيل من ان التمليك يستعمل في الهبة (1) إذ إرادة خصوص لفظ شريت من هذا بعيد جدا (2).

[فرع لو أوقعا العقد بألفاظ المشتركة بين الإيجاب و القبول]

فرع لو أوقعا العقد (3).

______________________________

(1) و لعل القائل أراد ان لفظ التمليك معناه الحقيقي هي الهبة فيكون استعماله في البيع من إنشائه بالمجاز أو بما لا ظهور له في البيع و الجواب ان التمليك مشترك معنى بين البيع و غيره فان كان في البين ذكر العوض للمال الذي تعلق به التمليك بحيث كانت المعاوضة بين المالين فهو بيع لا غير و ان لم يذكر العوض للمال المزبور فيكون ظاهرا في الهبة و في تمليك المال مجانا سواء كان لنفس التمليك عوض كما في الهبة المعوضة أو لا و لو قال ملكت هذا بكذا و أراد به الهبة المشروطة أو المصالحة كانت صحتها مبتنية على جواز إنشاء العقد بالمجازات حيث ان تمليك العين بالعوض هو البيع لا غير بخلاف ما إذا قال ملكت هذا على ان تملكني كذا فإنه هبة معوضة بلا خلاف حيث ان التمليك الآخر في الهبة المعوضة عوض عن التمليك الأول.

(2) لأنه لو كان المراد خصوص لفظ شريت لكان الأنسب ان يقال إيجاب البيع بعت و ملكت و شريت.

(3) ظاهره انه يثبت

البيع و لكن لا يترتب على كل منهما اثر خصوص عنوان البائع و عنوان المشترى و لكن ليس في المقام اثر خاص لكل منهما حتى يكون مورد نزاعهما من موارد التحالف.

نعم قد يكون للشراء اثر خاص كما إذا وقع البيع بين الثوب و الحيوان و ادعى من انتقل اليه الحيوان انه كان مشتريا له بالثوب لإنشاء صاحبه إيجاب بيعه بالثوب و ادعى من انتقل اليه الثوب انه اشترى الثوب بالحيوان بإنشاء صاحب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 110

[بعض ما يعتبر في لفظ الصيغة]

[اعتبار العربية في العقد]

اعتبار العربية في العقد للتأسي (1).

و كذا اللحن في الاعراب (2).

______________________________

الثوب إيجاب البيع، فليس في البين خيار حيوان و على ذلك فيدخل الفرض في مورد الدعوى و الإنكار حيث ان قول من انتقل اليه الثوب مطابق لأصالة اللزوم و قول صاحبه مخالف له.

(1) لا يخفى ان البيع و غيره من المعاملات التي وقعت مورد الإمضاء و سائر الأحكام أمور اعتبارية يعرفها أبناء الملل و سائر الأقوام و ليست أمورا توقيفية ليقع فعل النبي أو الأئمة عليهم السلام مورد التأسي و اختيارهم العربية في انشائاتهم باعتبار ان المعاملات كانت من مراداتهم التي كان تفهيمها و تفهمها في عرفهم بالعربية و بالجملة مقتضى إطلاقات المعاملات و عموماتها عدم اعتبار شي ء من العربية و الماضوية أو تقديم القبول و غير ذلك مما لا دخل له عند العقلاء في صدق العقد و عنوان المعاملة من البيع و الإجارة و النكاح و غير ذلك و اما ما قيل من عدم صحة البيع بغير الماضي من العربي يستلزم عدم صحته بغير العربي بطرق اولى فلا يخفى ما فيه لأن إنشاء البيع و غيره بغير الماضي صحيح و صحته بغيره

ايضا مقتضى الإطلاق و العموم و ثانيا ما الوجه في كون العربي غير الماضي أولى من غير العربي و مثل ذلك دعوى عدم صدق العقد على غير العربي مع التمكن على العربي.

(2) إذا كان اللفظ ظاهرا في المعاملة المقصودة في عرف المتكلم سواء كان مع اللحن في الاعراب أو المادة أم لا بحيث يصدق معه في عرفه انه باع أو تزوج أو غير ذلك كفى في شمول الإطلاق أو العموم و على ذلك فما هو المتعارف عند أهل القرى و البوادي من تبديل حرف الى آخر في مقام التلفظ فيقولون بدل زوجتك جوز تك كفى في إنشاء المعاملة و لا يكون اللحن في الإيجاب أو القبول مع صدق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 111

[تقديم الإيجاب على القبول]

قوله ره مثل خبر ابان بن تغلب (1) و التحقيق ان القبول اما ان يكون بلفظ قبلت (2)

______________________________

عنوان المعاملة مانعا عن صحتها.

نعم فيما إذا اعتبرت صيغة خاصة كالطلاق فاللحن في المادة يوجب بطلانه باعتبار عدم حصول تلك الصيغة مع اللحن.

(1) و في سنده إبراهيم بن فضل قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام كيف أقول إذا خلوت بها قال تقول أتزوجك متعة على كتاب اللّه و سنة نبيه لا وارثة و لا موروثة كذا و كذا يوما و تسمى الأجر فإذا قالت نعم فقد رضيت و هي امرأتك و أنت أولى الناس بها «1» و لكن ذكرنا في باب النكاح جواز إيجاب النكاح من كل من الرجل و المرأة فان كلا منهما يخرج به عن الفرد الى الزوج و عليه فقول الرجل للمرأة بما ذكر إنشاء للزواج و إظهار المرأة رضاها قبول من غير ان يكون من

قبيل تقديم القبول على الإيجاب.

نعم رواية سهل الساعدي من قبيل الاستيجاب و الإيجاب و لكن في جعل الاستيجاب قبولا في القضية المزبورة كلام يأتي الإشارة اليه.

و الحاصل قد يكون المعاملة بنحو لا يمتاز فيها فعل أحد المتعاملين عن الآخر كما في المصالحة حيث انها التسالم الإنشائي على أمر من المتصالحين و في مثل ذلك يصح لكل منهما إنشاء المعاملة و إيجابها أولا و قد يكون فعل أحدهما ممتازا عن الآخر كما في الإجارة حيث ان فعل الموجر تمليك المنفعة بالعوض و هذا لا يصح إنشائه من المستأجر إلا وكالة أو فضولا و النكاح من قبيل الأول و البيع من قبيل الثاني و عليه فقول الرجل للمرأة أتزوجك إنشاء نكاح لا قبول مقدم.

(2) تعرض (ره) في المقام لتقديم قبول البيع على إيجابه أولا

______________________________

(1) وسائل باب (18) من أبواب النكاح المتعة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 112

..........

______________________________

و لتقديم قبول سائر العقود على ايجاباتها ثانيا و ملخص ما ذكر ره في تقديم القبول انه لا يجوز تقديمه على إيجابه فيما إذا كان بلفظ قبلت أو رضيت أو بنحو الأمر و الاستيجاب و لكن لا بأس بالتقديم فيما إذا كان بلفظ ملكت بالتخفيف أو اشتريت أو اتبعت و نحوها و الوجه في ذلك انه يعتبر اشتمال قبول البيع على أمرين أحدهما الرضا بإيجاب البائع و الثاني تمليك المشترى ماله من البائع عوضا عن المبيع بمعنى إنشاء ملكيته مال البائع لنفسه جاعلا ماله عوضا عن المبيع.

و ان شئت قلت يكون إدخال المشتري مال البائع في ملكه أولا كما هو مدلول اشتريت و إخراج ماله عوضا ثانيا كما هو مدلول قوله بكذا و هذا عكس إنشاء البائع

فإنه يكون إخراج ماله أولا كما هو مدلول قوله بعت و إدخال مال المشترى عوضا ثانيا كما هو مدلول قوله بكذا ثم ان القبول بلفظ قبلت أو رضيت مع تأخيره عن الإيجاب يدل على الرضا بالإيجاب و على الإنشاء المزبور و لو بالالتزام و اما مع تقديمه على الإيجاب فلا دلالة له الا على الرضا بما يفعله البائع في المستقبل و اما الإنشاء فعلا بأن ينشأ المشتري ملكية مال البائع لنفسه فعلا جاعلا ماله عوضا عنه فلا دلالة له على ذلك حتى بالالتزام.

نعم إذا كان القبول بلفظ اشتريت و اتبعت و ملكت و نحوها فمع تقديمها ايضا يتحقق كلا الأمرين فإن القبول مع الألفاظ المزبورة ظاهر في الرضا بالإيجاب و في ان القابل قد أنشأ ملكية مال صاحبه لنفسه فعلا جاعلا ماله عوضا عنه و الحاصل يكون مدلول مثل لفظ اشتريت حتى مع تقديمه على الإيجاب قبولا و ليس المراد ان اشتريت متضمن لمعنى المطاوعة التي هي ملاك تحقق القبول حقيقة و المراد بالمطاوعة ان ينشأ الإنسان التزامه بما حصل من إيجاب الغير المعبر عن ذلك بقبول

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 113

..........

______________________________

الأثر و اشتريت أو نحوه من الألفاظ لا يتضمن هذه المطاوعة إلا مع تأخيره عن الإيجاب و لذا يقال الأصل في القبول لفظ قبلت و غيره بدل بل المراد انه لا دليل على اعتبار المطاوعة في تحقق قبول البيع فان المعتبر في صدق الشراء إنشاء الملكية على ما تقدم مع إظهار الرضا بالإيجاب فتكون النتيجة جواز تقديم القبول بمثل اشتريت.

و مما ذكر ظهر عدم جواز تقديم القبول بالاستيجاب و الأمر بل لا بد من قبول البيع بعد تحقق الإيجاب

حيث ان الأمر و الاستيجاب يدلان على الرضا ببيع البائع و اما إنشاء الملكية فهو خارج عن مدلولها و الاستدلال على جواز قبول البيع بهما بفحوى ما ورد في النكاح من رواية السهل الساعدي و خبر ابان بن تغلب ضعيف لان جواز التقديم في الأصل يعنى النكاح غير ثابت حيث ان رواية سهل لا دلالة لها على اكتفاء السهل في قبول النكاح باستيجابه السابق بل من المحتمل انه قد قبل الإيجاب بعد قول رسول اللّه (ص) زوجتكها بما تحسن من القرآن فعلمها إياه.

و يؤيد هذا الاحتمال وقوع الفصل الطويل بين الاستيجاب و الإيجاب بما جرى بينه و بين رسول اللّه (ص) من أخذ ورد و خبر ابان قاصر الدلالة على جواز التقديم من حيث دلالته على جواز إيجاب النكاح بقول المرأة نعم مع ان المعروف بينهم من ألفاظ النكاح أنكحت و زوجت و متعت.

ثم على تقدير ثبوت الجواز في الأصل يعنى النكاح يكون التعدي إلى البيع بالأولوية ممنوعا فإنه يمكن ان يكون تجويز قبول النكاح بالاستيجاب للتوسعة فإن الإيجاب فيه يكون من المرأة و ربما حيائها يمنعها عن البدء بالإيجاب أو لا فشرع فيه تقديم القبول بالأمر و الاستيجاب و لذا بعض العامة مع تجويزهم ذلك في النكاح منعوه في البيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 114

فكل من رضيت و اشتريت بالنسبة إلى إفادة نقل المال (1) ثم ان ما ذكرنا جار في كل قبول (2)

______________________________

(1) يعنى لفظ رضيت مع التقديم لا يدل على إنشاء الملكية بل يدل على المطاوعة أى الرضا بما يفعله البائع و لفظ اشتريت مع التقديم يدل على إنشاء الملكية دون المطاوعة.

أقول: دلالة لفظ اشتريت على المطاوعة بمعنى

الرضا بفعل البائع متحققة التزاما حتى في صورة تقديمه و انما لا يكون فيه المطاوعة بمعنى إنشاء الالتزام بقبول الأثر و هذه المطاوعة لا تكون في لفظ رضيت ايضا مع تقديمه و لذا قيل ان القبول حقيقة لا يمكن ان يتقدم على الإيجاب و يأتي منه (ره) عدم جواز تقديم قبول الرهن على إيجابه لاعتبار المطاوعة في قبوله.

(2) و هذا تعرض لجواز تقديم القبول على الإيجاب في سائر العقود و حاصله انه لو كان القبول المعتبر في العقد مثل قبول البيع في اعتبار دلالته على الرضا بالإيجاب و تضمنه لإنشاء مغاير لإنشاء الموجب كما في قبول الإجارة بلفظ تملكت المنفعة لجاز فيه التقديم و لو قال المستأجر ملكت أو تملكت المنفعة الفلانية بالأجرة الكذائية و قال الموجر بعد ذلك ملكتها بها و نحو ذلك كفى، و يجوز ايضا تقديمه على الإيجاب في كل عقد لا يعتبر في قبوله الا الرضا بالإيجاب كما في قبول الرهن و القرض و الهبة و الوكالة و العارية و نحوها الا ان الظاهر عدم كفاية القبول في الرهن و القرض و الهبة كذلك بل يعتبر في قبولها المطاوعة بمعنى إنشاء الالتزام بالأثر حتى يصدق معه عنوان الارتهان أو الاقتراض أو الاتهاب و قد تقدم آنفا ان تحقق المطاوعة يكون بتأخر القبول فقط.

و الحاصل لا يجوز تقديم القبول فيها كما لا يجوز تقديمه في العقد الذي لا يختلف فيه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 115

..........

______________________________

إنشاء الموجب و القابل كالمصالحة التي تتضمن المعاوضة بين المالين، فإنه يمكن إنشاء هذه المصالحة من كل منها بقوله صالحت مالي بمالك و حيث ان المصالحة من العقود و لا تكون بإيجابين بل

بالإيجاب و القبول فلا بد من صدور القبول من أحدهما و بما ان قبلت أو رضيت مع تقدمها على الإيجاب لا يدلان الا على الرضا بالإيجاب دون إنشاء المعاوضة فلا بد من تأخيرهما عن الإيجاب ليتم دلالتهما على الأمرين معا و هذه بخلاف المصالحة على ملك المال مجانا أو على الإبراء فإن الإيجاب فيها يكون من مالك المال و المبرء بالكسر.

فقد تحصل من جميع ما ذكر جواز تقديم القبول على الإيجاب في موردين أحدهما- ما يكون القبول فيه حتى مع تقديمه دالا على الرضا بالإيجاب و على الإنشاء المغاير لإنشاء الموجب الثاني- ما لا يعتبر في قبوله إلا الدلالة على الرضا بالإيجاب و انه لا يجوز تقديمه فيما إذا لم يكن إنشاء القابل مغايرا لإنشاء الموجب كالمصالحة في المالين كما لا يجوز في عقد يكون المعتبر فيه حصول المطاوعة في قبوله بمعنى إنشاء الالتزام بأثر الإيجاب كما في الرهن و الهبة و القرض.

هذا ملخص كلامه (ره) في المقام و فيه موارد للنظر منها ما ذكره من اعتبار المطاوعة بمعنى الانفعال و إنشاء الالتزام بالأثر في قبول القرض و الهبة و الرهن فانى لا أظنه ره أو غيره بالالتزام بعدم كفاية قبول القابل إذا قال للواهب تملكت مالك مجانا و قال الواهب بعد ذلك وهبتك إياه أو ملكتك إياه و كذا الحال في القرض بان قال المقترض تملكت منك مائة دينار مع الضمان و قال المقرض خذها أو قال المرتهن أخذت مالك الفلاني رهنا على دينك و قال الراهن أرهنت و منها ما ذكره (ره) من ان قبلت و رضيت لا دلالة لهما على الإنشاء مع تقديمهما على الإيجاب و الوجه في النظر انه لو قال

المشترى قبلت هذا الثوب بدينارين مثلا و قال البائع بعد ذلك قد بعته بهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 116

و منه الفورية في استتابة المرتد (1) و منه السكوت في أثناء الأذان (2) و منه تحريم المأمومين في الجمعة (3) و منه الموالاة في التعريف (4)

______________________________

فقد تم البيع لان لكل من قبلت و رضيت حتى مع تقديمه على الإيجاب دلالة على الإنشاء المعتبر في القبول مع ذكر المالين بنحو ما ذكروا ثالثا لا يبعد ان لا يعتبر في تحقق عنوان المعاملات إلا إنشاء الرضا بها قبل الإيجاب أو بعده.

و الحاصل ان المعتبر في حصول عنوان العقد هو إنشاء الرضا بالإيجاب:

و المحصل من جميع ما ذكرنا ان المتبع في المعاملات هو الإطلاق أو العموم في أدلة إمضائها من غير فرق بين تقدم قبولها على إيجابها أو تأخره عنه و دعوى الانصراف الى الثاني يدفعها تتبع المعاملات العرفية و انه لا دخل في صدق عناوينها كيفية إنشائها من جهة تقديم الإيجاب أو تأخره.

(1) أي من اعتبار الاتصال وجوب الفورية في توبة المرتد حيث يجب عليه المبادرة إليه بعد طلب التوبة منها و قيل عليه الإجابة إلى ثلاثة أيام.

(2) أي من اعتبار الاتصال السكوت الحاصل في أثناء الأذان فاللازم أن يكون قليلا فان كان كثيرا أبطله.

(3) يعنى من اعتبار الاتصال لزوم دخول المأمومين في صلاة الجمعة قبل ركوع الإمام.

(4) يعنى من اعتبار الاتصال لزوم الموالاة في تعريف اللقطة بأن تعرف على نحو لا ينسى في كل مرة أنه تكرار للتعريف السابق.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 117

و ما ذكره حسن لو كان حكم الملك و اللزوم (1) سائر الأمور المرتبطة بالكلام

لفظا (2) و غاية ما يمكن في توجيهه (3)

______________________________

(1) أقول لا فرق بين عنوان العقد و عنواني البيع و التجارة و غيرهما فان المعاملات مركبات اعتبارية لها صور اتصالية عند العقلاء فان لم يصدق عنوان العقد مع الفصل الطويل لا يصدق عنوان البيع ايضا.

هذا أولا و ثانيا ان الموالاة بالمعنى المزبور لا اعتبار بها حتى في صدق عنوان العقد بل لو كان الإيجاب السابق بحيث له بقاء في الاعتبار يتم مع قبوله عنوان العقد و يظهر ذلك بملاحظة المعاملات الجارية بين العقلاء من الأقوام و الملل بالكتابة و المخابرة أو حتى بإيصال المال فإن إيصال المال بقصد تمليكه بالعوض إلى الآخر في بلد آخر إيجاب و ليس الإيجاب هو الإيصال إلى زمان الوصول كما ذكر النائيني (ره) و ادعى ان الإيجاب هو أمر واحد مستمر الى حين القبض الذي يعتبر قبولا و ذلك فإن الإيصال بحدوثه بقصد التمليك بالعوض إيجاب و قبض الآخر قبول و يشهد لذلك مراجعة بناء العقلاء نعم رد الإيجاب و إلغائه يجعله في اعتبار العقلاء بحيث لا يلتئم مع القبول بعد ذلك.

(2) كما إذا كان به تمام اللفظ كالأعراب و مدخول الاعراب و مدخول الحروف و نحوها و الارتباط بالكلام معنى كونه من متممات المعنى كالظرف في الكلام أو سائر العقود.

(3) ظاهر الروايات هو استتابة المرتد إلى ثلاثة أيام فإن تاب الى تمامها فهو و الا يقتل و الحاصل ان التوبة و ان تكون واجبة بعد الاستتابة الا انه لا باعتبار الموالاة بينها و بين التوبة بل باعتبار ان الإسلام في كل زمان مطلوب حتى حال الاستتابة و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 118

و لعل هذا موهن

آخر (1)

______________________________

قبلها كما لا يخفى، و كذلك يجب على المأمومين في صلاة الجمعة التكبيرة قبل ركوع الامام لا لاعتبار الموالاة بينها و بين تكبيرة الإمام بل باعتبار انه لا يكون إدراك الصلاة إلا بذلك و لذا لو كبر الامام و المأمومين دفعة واحدة كفى.

(1) الموهن الأول ما تقدم آنفا من انه لا دلالة فيها على اقتصار الرجل في قبوله النكاح باستدعائه و وجه عدم الدلالة عدم ورودها في مقام بيان كيفية عقد النكاح بل حكاية قضية شخصية لبيان جواز جعل تعليم القرآن مهرا.

و الموهن الثاني لزوم الفصل الطويل بين الإيجاب و القبول.

و لكن لا يخفى ما فيه فان قبول الإيجاب ليس استدعائه الأول ليقال بتخلل الفصل الطويل بينه و بين إيجاب النكاح بل انه قد كرر استدعاء بعد نداء رسول اللّه (ص) ثانيا و ثالثا و قد سئله رسول اللّه (ص) في الثالثة عن عرفانه القراءة في الفحص عما عنده مما يمكن جعله مهرا فأجاب الرجل بنعم الذي يمكن جعله في أمثال المقام قبولا من غير تخلل بين الإيجاب و القبول بالأجنبي أو غيره و على تقدير كون القبول هو استدعائه الأخير فلا فصل بين الإيجاب و القبول بالأجنبي الطويل فلاحظ الحديث «1».

و ذكر النائيني (ره) وجها آخر لاعتبار الموالاة بين إيجاب العقد و قبوله و هو ان العقد في حقيقته خلع و لبس و ان الموجب كأنه يخلع ثوب سلطانه على المال مثلا و يلبسه القابل و مع تحقق الفصل يتحقق الخلع دون اللبس: و فيه ان العقد ليس بذلك و الشاهد ملاحظة العقود حتى التمليكية كبيع الكلى بالذمة فضلا عن مثل عقد النكاح أو المضاربة و الوكالة و نحوها و ثانيا على تقدير

كون العقد في حقيقته ما ذكر فيكفي في تحقق اللبس بقاء الخلع و عدم إلغائه و مع حصول اللبس

______________________________

(1) الوسائل الجزء (15) الباب (3) من المهور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 119

[التنجيز في العقد]

بان لا يكون معلقا على شي ء بأداة الشرط (1)

______________________________

في أي زمان يتحقق المجموع.

و الحاصل يعتبر في حصول القبول بقاء الإيجاب و عدم الغاية في اعتبار العقلاء الى حصول القبول و عليه فإذا شك في بقائه و عدمه في اعتبارهم يحكم بالبطلان لان التمسك فيه بعموم الوفاء بالعقد بل بإطلاق حل البيع و نحوه كما ذكر يكون من التمسك بالعام أو المطلق في الشبهة في المصداق.

(1) المراد بالتعليق ان يكون مفاد العقد مساويا للقضية الشرطية التي يجعل فيها المنشأ جزاء و المعلق عليه لذلك المنشأ شرطا سواء كان في البين تصريح بتلك القضية الشرطية كقوله إذا كان يوم الجمعة فأنت وكيلي في بيع داري أم لا كقوله أنت وكيلي يوم الجمعة في بيع داري فإن يوم الجمعة بحسب الظهور العرفي قيد لنفس الوكالة المنشأة و بذلك يفترق عن قوله أنت وكيلي و لا تبع الا يوم الجمعة فإن يوم الجمعة في هذا بحسب الظهور قيد لمتعلق الوكالة يعني بيع الدار لا لنفس الوكالة فيكون الفرق بينه و بين سابقه كالفرق بين الواجب المشروط و المعلق فالقيد في الأول نظير ما في الواجب المشروط قيد لمضمون الجزاء يعنى الحكم و في الثاني قيد للمتعلق.

و لا يخفى ان الشرط في المعاملات المحكوم بجوازه ليس بمعنى تعليق العقد عليه بل هو إلزام و التزام آخر زائد على أصل العقد فلا يكون مثل قوله بعت هذا بكذا على ان تخيط لي هذا الثوب بمعنى

تعليق البيع المزبور على الخياطة بل شرطها التزام الطرف بخياطته زائدا على أصل البيع و توضيحه موكول الى باب الشروط.

و كيف كان فقد يظهر من العلامة و الشهيد قدس سرهما ان الوجه في اشتراط التنجيز في العقود و كون التعليق فيها مبطلا هو اعتبار الجزم فيها و معناه مقابل التردد بان يكون العاقد. عالما بحصول المنشأ في نظره و إذا قال ان جاء ولدي من سفره

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 120

ان قلت فعلى هذا يبطل قوله في صورة إنكار التوكيل (1) هذا تعليق على واقع إلخ (2)

______________________________

هذا اليوم فقد بعتك هذا المال بكذا فلو سئل القائل المزبور عن حصول الملكية للطرف في نظره و بحسب إنشاءه فيجيب بلا أدرى و هذا التردد مانع عن صحة العقد.

و لا يخفى انه لو كان وجه الاعتبار ما ذكر فلازمه عدم البأس بالتعليق فيما إذا كان المعلق عليه وصفا الى ما يكون حصوله و لو في المستقبل محرزا إذا مع الإحراز لا يكون للعاقد ترديد و اعتذار الشهيد ره بأن العبرة في فساد العقد بجنس الشرط حيث ان جنس الشرط في معرض عدم الحصول و لا عبرة ببعض أنواعه كما ترى.

(1) يعنى لازم ما ذكر من اعتبار الجزم و عدم جواز التعليق ان لا يصح قول البائع للمشتري ان كان المتاع لي فقد بعت بكذا كما إذا اشترى المشترى المزبور المتاع من قبل بثمن بذمته و ادعى على الآخر انه اشتراه له وكالة فالمتاع له و الثمن على عهدته فأنكر الآخر الوكالة و قال للوكيل المزبور ان كان المتاع لي فقد بعتك بمثل الثمن المزبور حيث ذكر جماعة ان بيع الموكل المزبور بهذا النحو

طريق الاحتياط ليكون المال ملكا واقعيا للوكيل المزبور، فيثبت الثمن بذمته و كذا فيما إذا زوجه شخص امراة بدعوى الوكالة منه فأنكر الزوج الوكالة أو ادعت المرأة انها زوجة له فأنكر الزوج فان طريق الاحتياط في أمثال المقام على ما ذكروا هو الطلاق بقوله ان كان زوجتي فهي طالق.

و على ما ذكر من اعتبار الجزم لا يصح هذا الاحتياط.

(2) و بعبارة أخرى التعليق انما يكون مانعا فيما إذا أمكن إطلاق العقد و تنجيزه و اما إذا كان بحيث لا يمكن جعله منجزا مع دخالة المعلق عليه في ذلك و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 121

و تفصيل الكلام ان المعلق عليه (1)

______________________________

عدم تماميته بدونه فلا بأس بالتعليق عليه.

لا يقال على ذلك فيصح ان ملكت المال الفلاني فقد بعته منك بكذا أو ان تزوجت بالمرأة الفلانية فهي طالق.

فإنه يقال هذا غير صحيح لعدم الاضطرار إلى إنشاء البيع قبل تملك المال أو الطلاق قبل التزويج هذا مع النص الوارد في عدم الطلاق قبل الزواج و عدم البيع الا بعد الملك و هكذا.

(1) ذكر (ره) للتعليق صورا ثمانية فإن المعلق عليه اما ان يكون امرا حاليا أو استقباليا و كل منهما اما محرز حصوله أو محتمل و كل من هذه الأربعة اما ان يتوقف صحة العقد و تمامية على حصوله أو لا و يستفاد من كلامه (ره) الحكم بالصحة.

في خمس صور منها و البطلان في ثلث فإنه ان كان المعلق عليه امرا حاليا محرزا حصوله فلا بأس بالتعليق عليه سواء كانت صحة العقد موقوفة على حصوله أم لا بل لا تعليق حقيقة مع إحراز حصول المعلق عليه عند الإنشاء و إذا كان المعلق عليه امرا

استقباليا محرزا حصوله فان كان حصوله الاستقبالي دخيلا في صحة العقد و تماميته كقبض الثمن في المجلس في بيع السلم فلا بأس به كما تقدم عن الشهيد و يأتي في فحوى كلام الشيخ من المبسوط في مسألة ان كان لي فقد بعته.

و ان لم يكن الأمر الاستقبالي المحرز حصوله دخيلا في صحة العقد و يعبر عنه بالوصف فالتعليق عليه مبطل بالإجماع و ان كان المعلق عليه مشكوك الحصول و لم تكن صحة العقد موقوفة عليه فالتعليق عليه مبطل سواء كان امرا حاليا أو استقباليا بل هذا هو المتيقن من صور التعليق المبطل و ان كان المشكوك حصوله مما يتوقف عليه صحة العقد امرا حاليا أو استقباليا فالظاهر من كلام الشيخ (ره) في مسألة ان كان لي فقد بعته عدم البأس به فهذه هي الصور الثمانية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 122

و التقدير ان مات مورثي (1) لأنه انما يصح بيع هذه الجارية من الموكل (2) و هذا لوجه و ان لم ينهض لدفع محذور التعليق (3)

______________________________

(1) ليس المراد ان مات مورثي مستقبلا ليكون من قبيل ان تملكت المال الفلاني فقد بعته منك بكذا أولوا زوجت فلانة فهي طالق بل المراد ان كان مورثي ميتا بالفعل فقد بعت المال و هذا من التعليق الذي ذكر الشهيد (ره) عدم البأس به باعتبار توقف صحة العقد عليه و سيأتي جوازه في كلام الشيخ (ره) أيضا في مسألة ان كان لي فقد بعته، و لا يخفى ان هذا التعليق انما يتصور فيما إذا لم يقع البيع من الوارث بعنوان الفضولي أو نظير بيع الغاصب حيث يرى نفسه في بنائه مالكا و الا لم يكن في البيع

تعليق معنى كما انه لا تعليق فيه لفظا.

(2) فرض المسألة ما إذا اشترى جارية بمال على الذمة و ادعى على آخر انه كان وكيلا عنه في شرائها فالجارية له و الثمن على عهدته فأنكر الآخر الوكالة و قال لمدعيها ان كانت الجارية لي فقد بعتها منك بمثل الثمن المزبور فهذا التعليق لا بأس به لأنه انما يصح بيع ذلك الآخر تلك الجارية من الوكيل على تقدير كونه مالكا لها بان كان قد اذن للوكيل المزبور في الشراء له و هو فرض صحة دعوى الوكالة.

(3) و بتعبير آخر مدلول عقد البيع مثلا جعل ملكية البيع للمشتري بإزاء الثمن و هذا المدلول كما لا يكون معلقا على تسليم الثمن أو المثمن كذلك لا يكون معلقا على كون البائع مالكا بل حكم الشارع بالملكية و إمضائه المزبور معلق على ذلك و هذا الإمضاء و الحكم بالملكية أمر خارج عن فعل العاقد و مترتب عليه ترتب الحكم على موضوعه فيكون النتيجة أن مدلول العقد لا يكون فيه تعليق واقعا و ما فيه التعليق ليس من كلام المتكلم أصلا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 123

و العمدة في المسألة هو الإجماع (1) و ربما يتوهم ان الوجه في اعتبار التنجيز (2) و ما قيل من ان ظاهر (3)

______________________________

(1) إحراز كون الإجماع تعبديا لا مدركيا مشكل جدا فان مع ذكر الوجوه المذكورة في عدم جواز التعليق و عدم تماميتها عندنا لا يمكن الاطمئنان بان المدرك لاتفاقهم كان امرا آخر لم يصل إلينا و لو وصل لكان تاما عندنا ايضا و لكن يمكن دعوى انصراف أدلة المعاملات عن التعليق في الصور الثلث المتقدمة فالحكم فيها بالبطلان لقصور دليل الإمضاء لا

لمانع خارجي و لذا لا يصح البيع بتمليك الشي ء للآخر مستقبلا حتى فيما كان الجعل بنحو الواجب المعلق حيث ان تمليك العين موقتا غير معهود عند العقلاء بخلاف تمليك المنفعة كما لا يخفى مع انه لا يبعد ان يكون تعليق البيع على مثل مجي ء الولد حالا أو استقبالا موجبا لكون البيع غرريا و لكن هذا لا يجري في جميع العقود فضلا عن الإيقاعات.

(2) ربما يستدل على بطلان التعليق في العقود بما اشتهر بان الإنشاء غير قابل للتعليق و أجاب المصنف (ره) بما حاصله انه ان أريد بالإنشاء نفس الاعتبار و الجعل الذي يكون مدلول الهيئة في قول البائع بعت أو ملكت المال بكذا فإنه و ان لا يتصور التعليق فيه بان لا يكون للقول المزبور مدلول الأعلى تقدير حصول المعلق عليه و لكن لا كلام في المقام في التعليق المزبور بل الكلام في تعليق المعتبر و المنشأ أي الملكية في المثال بان يكون المجعول الملكية على تقدير و هذا واقع عند العرف و العقلاء فيقع البحث في وجه عدم جوازه و كونه موجبا لبطلان العقد.

(3) يعنى ان يكون العقد بحيث يترتب عليه وجوب الوفاء بعد تماميته و إذا كان في البين تعليق، يتخلل بين العقد و وجوب الوفاء به، انتظار حصول المعلق عليه و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 124

..........

______________________________

أجاب (ره) عن ذلك بوجوه: أولا- عدم انحصار دليل صحة البيع مثلا بآية وجوب الوفاء بالعقود حتى لا يمكن التمسك بها في صورة تعليق العقد بل يمكن الأخذ في الحكم بصحة البيع على وجه التعليق بآية أحل اللّه البيع أو حديث الناس مسلطون على أموالهم.

لا يقال كما أن ما دل على ترتب

وجوب الوفاء على العقد مقتضاه عدم التخلل بين العقد و وجوب الوفاء به كذلك آية حل البيع مقتضاها عدم الفصل بين البيع و حليته و نفوذه و كذا الأمر في حديث السلطنة.

فإنه يقال الظاهر من البيع معناه الاسم المصدري كما ذكرنا سابقا و معناه كذلك لا يتم الا بعد حصول المعلق عليه فلا يتخلل بين تمام المعنى الاسم المصدري و نفوذه فصل هذا على تقدير كون المراد من الحلية الوضع و على تقدير كونها تكليفا فالأمر أوضح فان الحلية التكليفية ترخيص في إيجاد البيع أو في التصرفات المترتبة عليه فتكون ثابتة للبيع قبل إنشائه لا ثابتة له على تقدير إنشائه كما في دليل وجوب الوفاء بالعقد حيث آية وجوب الوفاء بالعقد لا يقتضي وجوب نفس البيع و العقد بل مقتضاه وجوب الوفاء به على تقدير حصوله بخلاف أحل اللّه البيع فإنها ترخيص في نفس البيع و في التصرفات المرتبة عليه.

و مما ذكرنا يظهر الحال في حديث السلطنة، نعم ذكرنا سابقا أنه لا يمكن التمسك بحديث السلطنة إلا في مورد الشك في ولاية المالك على التصرف المشروع في نفسه لا في مورد الشك في مشروعية نفس التصرف كما في المقام لان الكلام في مشروعية تعليق العقد و عدمها.

و ثانيا بان المستفاد من آية وجوب الوفاء هو الالتزام بمدلول العقد عملا فان كان مدلوله الملك المطلق فيكون الوفاء به هو الالتزام بالملك مطلقا و ان كان معلقا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 125

نعم ربما يشكل الأمر في فقد الشروط المقومة (1)

______________________________

فيكون الوفاء به بالالتزام بالملك موقوفا.

و بالجملة فلزوم الوفاء بالعقد نظير وجوب الوفاء بالعهد الذي يكون مطلقا و معلقا.

و أجاب ثالثا بان تخلف

وجوب الوفاء عن تمام العقد قد وقع في موارد كالوقف و الهبة فإن الملكية فيهما مشروط بحصول القبض بل كالبيع في الصرف و السلم قبل حصول القبض في المجلس و كالبيع في مورد ثبوت خيار المجلس فليكن مورد التعليق منها.

و رابعا ان الدليل المزبور لا يمنع عن تعليق الإيجاب بحصول القبول بعده لان مع هذا التعليق لا يلزم تخلل الفصل بين تمام العقد و وجوب الوفاء به حيث ان القبول جزء العقد لا أمر خارج عنه.

و خامسا بان الدليل المزبور لا يجري في موارد التعليق على أمر حالي لم يحرز حصوله فإنه لو كان حصول للمعلق عليه في هذه الموارد فبتمام العقد يترتب عليه وجوب الوفاء به و بتعبير آخر يكون وجوب الوفاء في تلك الموارد مراعى بانكشاف الحال لا موقوفا على حصول أمر بعد ذلك.

و سادسا بان الدليل المزبور لا يجري في الموارد التي ثبت فيها عدم ترتب الوفاء على العقد كالوصية التمليكية فإن الملك فيها للموصى له يحصل بعد موت الموصى فلا مانع في تعليق الوصية على أمر آخر ايضا غير موت الموصى.

(1) يعني ما يكون معتبرا في صحة العقد شرعا كملكية المبيع للبائع فإنها شرط في انتقاله إلى المشتري فالعلم بانتفاء ذلك فضلا عن التردد فيه لا يكون موجبا لانتفاء قصد الإنشاء أو التعليق في العقد و ما يكون- دخيلا في تحقق عنوان المعاملة حتى مع الإغماض عن حكم الشارع بصحتها بحيث لا يكون للعنوان المزبور تحقق عند

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 126

الظاهر الفرق بين مثال الطلاق و طرفيه (1)

______________________________

العرف بلا حصوله كما في الزوجية بالإضافة إلى الطلاق فإنه لا يكون لعنوان الطلاق خارجية إلا في مورد

ثبوت علقة الزوجية و كالعتق فإنه لا يتحقق إلا في مورد الرقية- ففي مثل ذلك لا يمكن الإنشاء يعني قصد الطلاق أو العتق مثلا بدون إحراز الزوجية أو الرقية الأعلى وجه التقدير و التعليق و لو قيل بعدم جواز التعليق حتى في مثل هذه الموارد فلا بد من الطلاق أو العتق منجزا.

و لكن يظهر من الشهيد (ره) في القواعد ان العقد حتى بصورة التنجيز مع عدم الجزم باطل و قد ذكر انه لو تزوج بامرأة يشك في كونها محرمة عليه فظهر حلها فالنكاح باطل لعدم الجزم حال العقد ثم أردف على ذلك الإيقاعات كما لو خالع امرأة أو طلقها و هو شاك في زوجيتها أو ولى نائب الإمام قاضيا لا يعلم أهليته فظهر أهلا فلا يثبت الطلاق أو الولاية على القضاء باعتبار عدم الجزم بهما حال إيقاعها.

و هذا بخلاف مسألة بيع الوارث المال لظن حياة مورثه فإنه صحيح فيما لو ظهر موت المورث و ذلك فان قصد التمليك من الوارث حاصل جزما كان هو المالك أو مورثه غاية الأمر يكون التمليك في الثاني فضوليا و تكون صحته فعلا على تقدير موت المورث و نظير هذا البيع تزويج أمة أبيه من آخر فظهر موت أبيه حال تزويجها فان القصد و الجزم بالنكاح حاصل غاية الأمر يكون النكاح على تقدير حياة أبيه فضوليا.

(1) المراد من طرفي الطلاق تزويج امراة يشك في أنها محرمة عليه فبان حلها و تولية نائب الإمام عليه السّلام قاضيا لا يعلم أهليته للقضاء فبان أهلا و الوجه في الفرق بينهما و بين الطلاق ان عنوان الطلاق لا يحصل الا مع الزوجية كما مر بخلاف النكاح فان عدم كون المرأة محرمة عليه شرط شرعي

في النكاح كما ان عدالة القاضي مثلا شرط شرعي لتولى منصب القضاء فيمكن إنشائهما مع الجزم و بلا تعليق.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 127

[اعتبار التطابق بين الإيجاب و القبول]

اشارة

فلو اختلفا في المضمون بأن أوجب البيع على وجه خاص (1)

______________________________

(أقول) بل لا فرق بينهما و بين بيع مال مورثه لظنه حياته فبان ميتا و حكم الشهيد (ره) ببطلانهما و بصحة بيع مال المورث لا يمكن المساعدة عليه.

(1) اختلاف الإيجاب و القبول في المضمون اما بالاختلاف في المالك كما إذا قال البائع بعتك هذا المال بكذا و قال غير المخاطب قبلت و اما بالاختلاف في العوضين كما إذا قال بعتك هذا المال بدينار فقال قبلت بعشرة دراهم و اما بالاختلاف في الشرط في المعاملة كما إذا قال بعتك هذا بكذا على ان تخيط لي هذا الثوب فقال قبلت بلا شرط و الاختلاف في كل مورد من الموارد الثلاثة موجب لعدم حصول عنوان البيع و المعاهدة فما ذكر من اعتبار التطابق بين الإيجاب و القبول لا يكون لدليل خارج عن عموم الوفاء بالعقد و إطلاق حل البيع كما لا يخفى.

نعم بما أن معاملة الوكيل منسوبة إلى موكله فاختلاف الإيجاب و القبول بخطاب الوكيل و الموكل لا يضر كما إذا قال خطابا للوكيل بما هو وكيل بعتك هذا المال بكذا و قال قبلت لموكلي أو قال للموكل بعتك هذا المال بكذا و قال وكيله قبلت نعم إذا قال قبلت لنفسي لم يصح لان مع كون الثمن كليا كما هو المفروض يختلف الأغراض و ربما يرضى مالك المبيع بتملك عوض ماله بذمة شخص و يقدم على المعاملة معه و لا يرضى بتملكه على عهدة الآخر و على ذلك فلا يكون

تمليك ماله لأحد بإزاء مال بذمته و قبول شخص آخر بمثل ذلك العوض بيعا.

نعم إذا كان العوضان عينين خارجيين فالمبادلة بينهما مقتضاها دخول إحداهما في ملك من تخرج عن ملكه الأخرى فلا يضر الخطاء في تشخيص مالكهما بان قال لأحد بعتك هذا المال بذلك زاعما انه مالك العوض قال مالكه الأصلي قبلت فلا يضر الخطاء المزبور بتمام المعاملة و صدق البيع.

و مما ذكرنا في المقام يظهر انه لو قال بعت هذا المال بكذا بشرط ان ترتكب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 128

..........

______________________________

الحرام الفلاني قال المشترى قبلت بلا شرط فلا يصح البيع نعم إذا تم البيع بإنشائه الرضا بالإيجاب المزبور يكون الشرط المزبور ملغى حيث انه لا يجب الوفاء و لا يجوز الحرام باشتراطه في المعاملة.

و ذكر السيد النحوئى طال بقاه ان أصل الشرط خارج عن أصل المعاملة و لو قال بعتك هذا المال بكذا بشرط ان تخيط لي الثوب و قال المشترى قبلت بلا شرط تم الالتزام البيعي فيصح البيع فيما إذا رفع البائع يده عن شرطه و فيه ان البائع لو مات قبل إلغاء شرطه أو إقراره فلازم ما ذكر من خروج الشرط عن أصل المعاملة هو الحكم بدخول المبيع في ملك المشترى غاية الأمر يقوم ورثة البائع مقامه في فسخ المعاملة أو إلغاء الشرط و لا أظن الالتزام منه أو من غيره بذلك.

و ذلك فان اشتراط البائع الخياطة على المشترى معناه تعليق إيجاب البيع على التزام المشترى بحال العقد بخياطته الثوب المزبور و ليس المراد ان الخياطة خارجا هي المعلق عليه في إيجاب البائع ليكون اشتراطها من تعليق العقد الموجب لبطلانه بل المراد ان المعلق عليه لإيجاب البائع هو

الالتزام الخارجي حال العقد بخياطة الثوب و لذا ربما يصرح البائع بأنك ان لم تلتزم بالخياطة فلا أبيعك المال نعم الخياطة خارجا وفاء بالمعاملة المزبورة و إذا لم تتحقق هذا الوفاء من المشترى لا يحب الوفاء على البائع أيضا لكون وجوبه حقا و يثبت له خيار الفسخ و التفصيل في باب الشروط إنشاء اللّه تعالى.

و على ذلك فلو قال البائع بعتك هذا المال على ان تخيط لي هذا لثوب فقال قبلت بلا شرط لم يتم البيع باعتبار ان إنشاء ملكية المبيع معلق على أمر لم يحصل بالقبول المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 129

و لو قال لاثنين بعتكما العبد بكذا (1)

______________________________

(1) و لو قال لاثنين بعتكما هذه العين بألف و قبل أحدهما بيع نصفها بخمسمائة و لم يقبل الآخر بيع النصف الآخر يكون البيع في النصف غير تام ايضا باعتبار عدم التطابق بين الإيجاب و القبول و نظير ذلك ما إذا قال لواحد بعتك هذه العين بألف فقال اشتريت نصفها بنصف الثمن و اما لو قبل الآخر أيضا النصف الآخر بخمسمائة في المثال الأول أو قال المشترى في المثال الثاني اشتريت كل نصف بخمسمائة فالظاهر تمام البيع و لكنه لا يخلو عن إشكال.

أقول لا إشكال في الصحة لحصول التطابق بين الإيجاب و القبول بالإضافة إلى جزء المبيع و كله.

نعم الأظهر الحكم بالبطلان فيما لو كان القبول من واحد في المثال الأول أو قبول النصف فقط في المثال الثاني و الوجه في ذلك ان بيع المضاف الى الكل ينحل الى بيع أبعاضه المشاعة من النصف و الثلث و الربع الى غير ذلك بنسبة ذلك البعض الى الثمن سواء كان ذلك الكل يعد عرفا

واحدا خارجيا أو كان بنظرهم اثنين كما إذا جمع كتابي الرسائل و المكاسب و باعهما صفقة واحدة غاية الأمر يكون في هذا القسم للبيع انحلال آخر و هو بيع كل من الكتابين بما يخصه من ذلك الثمن و إذا كانت القيمة السوقية للرسالة ثلث قيمة المكاسب يكون الانحلال الى بيعها بربع الثمن و بيع المكاسب بثلاثة أرباعه.

و ما عن بعض الأعاظم دامت شوكته من اختصاص الانحلال بهذا القسم فقط و لا يجري بالإضافة الى الاجزاء المشاعة للمبيع فضعفه يظهر بالرجوع الى بناء العقلاء فإنه إذا ظهر ثلث الدار المبيعة ملكا لغير البائع لا يرون فساد البيع رأسا بل فساده بالإضافة إلى ذالك الثلث.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 130

و من جملة الشروط في العقد ان يقع (1)

______________________________

و على كل فلا ريب في انحلال البيع بالإضافة الى الاجزاء المشاعة للمبيع غاية الأمر يكون التزام البائع أو المشتري بالوفاء ببيع كل من تلك الاجزاء موقوفا على تمام البيع بالإضافة إلى سائر الاجزاء و مع تخلفه بالإضافة إلى سائر الأجزاء يثبت للآخر خيار التبعض.

و على ذلك فإذا قال أحدهما قبلت نصفه بنصف الثمن و سكت الآخر في المثال الأول أو سكت المشترى عن قبول النصف الآخر في المثال الثاني فهو بمنزلة قبول بيع النصف بلا شرط فلا يكون بين الإيجاب و القبول تطابق بخلاف ما إذا قال ذلك كل منهما أو بالإضافة الى كل نصف كما لا يخفى.

(1) يعنى ان الأمور المعتبرة في صحة التخاطب بحيث لا يكون الشخص مع فقدها قابلا له كالحياة و العقل و عدم الإغماء يجب حصولها لكل من البائع و المشترى من حين الإيجاب إلى تمام القبول و الوجه في

اعتبارها كذلك عدم حصول عنوان التعاقد و التعاهد مع تخلل عدمها في واحد منهما قبل تمام القبول.

لا يقال كيف يتم عقد الوصية بقبول الموصى له بعد موت الموصى.

فإنه يقال الوصية حتى التمليكية منها لا تكون من العقود بل هي في حقيقتها إيقاع غاية الأمر صحة الإيصاء و نفوذها مشروط بعدم رد الموصى له ففي أي زمان حصل الرد المستمر يكون كاشفا عن بطلانها و لذا لا يترتب على فعل الموصى له آثار القبول فيجوز منه القبول بعد الرد و لو مات يقوم مقامه ورثته في قبولها بخلاف سائر العقود فإنه لا يصح فيها ذلك.

و كذا الحال في الأمور التي تعتبر في صحة تصرفات المالك و رضاه كعدم السفه و عدم الحجر بالإفلاس و غيره فإنه لا بد من حصولها لكل واحد من طرفي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 131

..........

______________________________

العقد من حين الإيجاب إلى تمام القبول فإنه مع عدم ذلك لا يتحقق عنوان التعاقد و الأصل في ذلك يعنى ما يعلم منه اعتبار الرضا كذلك من كل منهما الى تمام القبول انه لو فسخ البائع إيجابه قبل تمام قبول المشتري لغي الإيجاب فإن هذا الفسخ إبراز لعدم رضاه بتمام العقد و لو لم يكن حين قبول القابل رضا الموجب معتبرا بل كان المعتبر رضاه عند الإيجاب فقط لم يكن الفسخ المزبور نافذا.

لا يقال على ذلك فكيف يصح بيع المكره مع لحوق رضاه به و إذا كان لحوق الرضا كافيا يكون الرضا بعد الإيجاب و عند القبول أولى بالكفاية.

فإنه يقال يمكن القبول بأن كفاية الرضا المزبور في مورد الإكراه للإجماع انتهى.

أقول الأمور المعتبرة في المتعاقدين على نحوين قسم منها ما لا يصدق مع

فقده عنوان البيع أو نحوه عرفا بل يصح عند هم ان يقال لا بيع كالالتفات و القصد في كل من المتعاقدين حال الإنشاء و في هذا القسم يعتبر ما هو ملاك الصدق فلا يضر عدم الالتفات من القابل إلى إنشاء الموجب حال إيجابه بل لو علم إيجابه مقارنا لتمامه أو بعده فقال مع عدم فوات الموالاة المعتبرة قبلت يحصل البيع.

و قد ذكرنا سابقا ان إرسال الهدية مع قصد الملك تمليك و تسلم المهدى اليه قبول و ان لم يعلم بالإرسال عند حدوثه.

و بالجملة المعتبر في تحقق عنوان البيع حصول هذه الأمور للقابل عند قبوله و لو كان القابل عند إيجاب البائع في النوم الخفيف مثلا و بعد إيجابه تيقظ و التفت الى الإيجاب بخصوصياته فقبله تم عنوان البيع و العقد.

و مما ذكرنا يظهر أن ما ذكره السيد اليزدي ره من عدم اعتبار هذه الأمور في الموجب حال قبول القابل بل المعتبر حصولها في الموجب حال إيجابه و في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 132

اردئها أخيرها (1)

______________________________

القابل من حين إيجاب الموجب لا أساس له و كذا لا يعتبر استمرار هذه الأمور في الموجب من حين إيجابه إلى تمام القبول و لو أخذه النوم بعد إيجابه و استيقظ قبل قبول المشتري أو قبل تمامه و لم يلغ إيجابه تم عنوان البيع و تخلل فقدها بين إيجابه و تمام القبول غير قادح كما ذكر السيد الخوئي طال بقاه.

و النحو الآخر ما يكون معتبرا في صحة البيع و وقوعه مورد الإمضاء عند العقلاء و الشرع كاعتبار المالكية في كل من البائع و المشترى أو البلوغ أو عدم الإكراه أو عدم الحجر فاعتبار هذه الأمور تابع

للدليل الدال على اعتبارها فقد يكون مفاده حصول ذلك الأمر في الموجب حال إيجابه و في القابل حال قبوله كالبلوغ و قد يكون مفاده حصوله و لو بعد العقد كطيب النفس ففي أي مورد حصل يتم البيع.

فقد ظهر مما ذكرنا ان القول باعتبار تحقق الأمور المعتبرة في كلا القسمين في كل من الموجب و القابل من حين العقد الى تمام القبول كما هو ظاهر المصنف (ره) و صرح النائيني (ره) بكونه من القضايا التي قياساتها معها ضعيف.

و لذا يذكر (ره) فيما يأتي ان صحة بيع المكره بلحوق الرضا ليس بتعبد خاص للإجماع أو غيره بل هي مقتضى دليل حل البيع كما ظهر حال فسخ الموجب قبل تمام القبول فان المعتبر من رضا البائع في تأثير العقد رضاه عند تمام البيع أو بعده و مع وقوع الفسخ قبل تمامه ينتفي موضوع الحكم بالصحة.

(1) و وجه كونها اردئها انه إذا قيل بان الحكم الظاهري في حق أحد كالحكم الاضطراري في كونه واقعيا ثانويا و انه يكون الإيجاب بالفارسي مثلا كاشارة الأخرس و تقديم القبول مع اعتقاد القابل جوازه كتأخيره في تمام العقد، يكون العقد المزبور تاما في حقهما معا و لو بحسب الحكم الواقعي الثانوي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 133

..........

______________________________

و هذا بخلاف ما ذكر (ره) في الموالاة و التنجيز و عدم بقاء البائع على شرط المتعاقدين حال قبول المشترى حيث انه لو كان الإيجاب معلقا على أمر و قد رأى القابل بطلان التعليق يكون قبوله ايضا معلقا لانه لا يمكن التفكيك بين الإيجاب و القبول في التعليق مع التحفظ على التطابق بينهما.

و الحاصل إذا يرى الموجب عدم البأس بتعليق إيجابه و يرى القابل

بطلان التعليق لا تكون صحة الإيجاب بناء على مسلك السببية و كونه كاشارة الأخرس موجبا لصحة القبول من المشترى الذي يرى بطلان قبوله باعتبار كونه معلقا و كذا الحال في فقد الموالاة حيث ان مع فقدها بين الإيجاب و القبول يكون فعل من يعتبرها باطلا و لا يجدى في صحته صحة فعل الآخر و لكن قد يقال ان المعاملة لا يمكن تفكيكها في الصحة بالإضافة إلى المتعاقدين فان معنى صحة البيع مثلا حصول ملكية المبيع للمشتري بالعوض و صحة النكاح بمعنى حصول الزوجية بين المتعاقدين و هكذا.

و إذا كانت المعاملة التي يرى الموجب مع فقد الموالاة صحتها صحيحة فصحتها واقعا بحصول ملكية المبيع واقعا للمشتري بإزاء الثمن كما هو مقتضى إطلاق دليل الاعتبار بناء على مسلك السببية و لا يمكن مع حصولها كذلك فسادها و عدم حصول الملكية له بالإضافة إلى المشترى و كذا الحال في النكاح و غيره من المعاملات و لو أمكن التفكيك في الصحة أمكن أيضا فيما كان فعل أحدهما في نظره صحيحا و فعل الآخر فاقدا للشرط فقط كما إذا أنشأ الإيجاب باللغة الفارسية في النكاح و يرى القابل بطلان عقد النكاح بغير العربية فإنه يمكن معه دعوى ان صحة الإيجاب باللغة الفارسية بالإضافة إلى الموجب فقط لا حتى بالإضافة إلى القابل المزبور و المتحصل ان الأحكام التكليفية التي تكون موضوعاتها الأفعال الخارجية فيمكن فيها ان يكون فعل خارجي موضوعا لحكم تكليفي بالإضافة إلى مكلف و لا يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 134

..........

______________________________

موضوعا لذلك الحكم بالإضافة إلى مكلف آخر كما إذا سافر المكلف إلى أربعة فراسخ و رجع في يومه فيمكن على القول بالسببية التبعيض بان

يكون السفر المزبور موضوعا لوجوب القصر واقعا بالإضافة إلى مكلف، و لا يكون موضوعا بالإضافة إلى الآخر و كذا الحال في الأحكام الوضعية التي تكون موضوعاتها الأعيان الخارجية أو الأفعال الخارجية فيمكن ان تكون عين موضوعا واقعا للنجاسة بالإضافة إلى مكلف و لا يكون موضوعا لها بالإضافة إلى الآخر و اما المعاملات فلا يمكن فيها التفكيك في الصحة و الفساد بان تصح بالإضافة إلى طرف دون الطرف الآخر و فيه انه بناء على مسلك السببية يكون العقد المفروض في المقام محكوما عليه بالصحة بالإضافة إلى كلا الطرفين حيث انه بعد سقوط ما يكون معتبرا في فعل الموجب أو القابل باجتهاد صاحبه أو تقليده يتم العقد لا لمجرد ان العقد لا يتبعض بالصحة بالإضافة إلى أحدهما و الفساد إلى الآخر.

ليقال لا وجه بعد عدم إمكان تبعض العقد بالإضافة إليهما لتقديم الصحة على الفساد و انه لو كان عدم إمكان التبعض موجبا لتقديم الصحة فلازمه ان يحكم بالصحة فيما إذا أتى المجتهد الذي يرى اعتبار العربية بالإيجاب بغيرها و أتى المجتهد الثاني أيضا القبول بغيرها حيث ان هذا العقد بنظر المجتهد الثاني صحيح و الصحة لا تتبعض بل الوجه في عدم الحكم بالصحة في هذا المثال هو انه بناء على مسلك السببية الإيجاب الواقع من المجتهد الأول باطل واقعا حتى بنظر المجتهد الثاني كما هو مقتضى مسلك السببية حيث ان عدم اعتبار العربية بناء على ذلك المسلك مختص بمن يرى عدم اعتبارها و على ذلك فإذا اتى المجتهد الأول الإيجاب بالعربية و اتى الثاني القبول بغيرها يكون العقد بناء على ذلك المسلك صحيحا واقعا بحسب نظر كلا المجتهدين اما المجتهد الثاني فلانه لا يرى اعتبار العربية و

اما بنظر المجتهد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 135

..........

______________________________

الأول فلان ذلك مقتضى سقوط العربية عن الشرطية في القبول الصادر عن المجتهد الثاني.

و الحاصل ان مقتضى مسلك السببية تعين صحة العقد لا تردده بين ان يحكم بالصحة لكلا الطرفين أو بالفساد كذلك ليكون تقديم الصحة على الفساد ترجيحا بلا معين و مما ذكرنا يظهر صحة التفصيل الذي ذكر المصنف (ره) فإنه إذا أتى بالإيجاب من يرى اعتبار الموالاة في العقد ثم بعد فواتها قبل القابل الذي لا يرى اعتبارها يكون قبول ذلك القابل صحيحا حتى عند الموجب بناء على مسلك السببية و لكن إيجاب نفسه باطل حيث ان الموالاة معتبرة في الإيجاب الذي فعله حتى بناء على مسلك السببية فتدبر.

هذا كله بناء على السببية و اما بناء على مسلك الطريقية فيقع الكلام تارة في المعاملة من شخصين يرى أحدهما بحسب اجتهاده أو تقليده صحة فعله و يرى الآخر بطلانه كما إذا كان البائع مقلدا لمن يقول ببطلان المعاطاة و قبل المشتري الإيجاب بنحو المعاطاة فهل يحكم بفساد البيع أم لا و أخرى في أنه يجوز لشخص آخر غير المتعاملين ترتيب آثار الصحة على المعاملة الصادرة التي يرى ذلك الآخر بحسب اجتهاده أو تقليده بطلانها كما إذا أراد شراء مال يعلم ان بايعه تملكه بالمعاطاة التي لا يرى مريد الشراء صحتها و نظير ذلك ما إذا أراد شراء ارض من امرأة يعلم انها تملكها من زوجها بالإرث مع ان هذا الشخص يرى ان الزوجة لا ترث من العقار فنقول في المقام الأول لا ينبغي الريب في ان المعاملة الواحدة لا تتبعض في الصحة و الفساد بالإضافة إلى المتعاملين حيث لا تبدل في الشرائط

المعتبرة في المعاملة.

و انه يكفى في بطلانها واقعا الإخلال بتلك الشرائط و لو من أحدهما و لكن التفكيك بين المتعاملين في صحة المعاملة و فسادها بالحكم الظاهري أمر ممكن حيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 136

..........

______________________________

لا بعد في قيام حجة عند أحدهما بصحة المعاملة المفروضة و عند الآخر على بطلانها فيعمل كل منهما على طبق الحجة القائمة عنده فان لم يلزم من عملهما على طبقهما التخاصم و التشاجر فهو و الا يكون المورد من الموارد التي لا بد من الرجوع فيها الى الحاكم الذي يصح له القضاء سواء كان المتخاصمان مجتهدين أو مقلدين لاعتبار قضائه في حق كل منهما و مع عدم إمكان ذلك يصح لمن يرى الصحة في مثل البيع الفسخ باعتبار ان صاحبه تخلف عن الوفاء به و في المقام تفصيل أبداه صاحب الكفاية (ره) و هو ان من لا يرى اعتبار أمر في معاملة يرى الآخر اعتباره فيها لو كان مستندا إلى أصل عملي من أصالة الطهارة أو الحلية أو استصحابهما أو البراءة عن الشرطية مثلا يلزم على الطرفين ترتيب آثار الصحة عليها و الا كان الأمر كما تقدم و نتعرض لهذا التفصيل في المقام الثاني إنشاء اللّه تعالى.

و اما المقام الثاني فلا ينبغي الريب أيضا في انه للآخر ترتيب آثار الصحة فيما إذا كان الصادر نكاحا يرى المتعاقد ان صحته بل يجب على الآخرين ترتيب آثار الصحة حتى مع علمهم ببطلانه واقعا بحسب حكم الشارع فان على ذلك سيرة المسلمين و يدل أيضا معتبرة أبي الحسن الحذاء «1».

قال كنت عند ابى عبد اللّه (ع) فسألني رجل ما فعل غريمك قال ذاك ابن الفاعلة فنظر الى أبو عبد

اللّه (ع) نظرا شديدا قال فقلت جعلت فداك انه مجوسي أمه أخته فقال أو ليس ذلك في دينهم نكاحا.

و مقتضى هذه المعتبرة انه لا يجوز للابن نكاح زوجة أبيه مثلا حتى فيما إذا علم الابن فساد ذلك النكاح نعم لو لا هذه المعتبرة و السيرة المشار إليها لم يكن قوله سبحانه وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ شاملا لذلك النكاح حيث ان ظاهره كظاهر

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من أبواب حد القذف.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 137

..........

______________________________

خطابات سائر المعاملات هو الصحيح.

و الحاصل أن النكاح بناء على مسلك الطريقية يكون مستثنى في المقام الثاني دون المقام الأول فإنه إذا إنشاء النكاح المرأة بإيجاب يرى القابل بطلان ذلك الإيجاب فلا يحكم بصحة النكاح واقعا و لا ظاهرا بالإضافة إلى الزوج.

و قد يقال ان المتعاقدين المختلفين ان كانت صحة فعل أحدهما مقتضى الأصل كأصالة الحلية أو الطهارة أو استصحابهما أو البراءة فلا بد من الحكم بصحة العقد لأن الأصل المزبور مسقط لما يعتبره الآخر عن الشرطية بالإضافة إلى الأول كما إذا رأت المرأة صحة النكاح المنشأ بغير العربية و ذكرت إيجابها بالفارسية و قبله الرجل بالعربية مع اعتقاده اعتبارها فإنه يكون العقد المزبور صحيحا عندهما اما عند المرأة فظاهر و اما عند الرجل فإن أصالة البراءة الجارية عند المرأة عن اعتبار العربية قد أسقطت اعتبارها عن الإيجاب و يكون المقام نظير ما كان المأموم مخالفا لإمامه في جزء الصلاة أو شرطها كما إذا كان الامام معتقدا عدم وجوب السورة بعد الحمد في الركعتين الأولتين فتركها و المأموم معتقدا وجوبها فإنه يجوز له الاقتداء.

و مما ذكر يظهر الحال فيما إذا رأى المتعاقدان صحة العقد لعدم

اعتبار أمر فيه عندهما و يرى الغير الذي يريد ترتيب الأثر على عقدهما اعتباره انه لا مانع من ترتيب الأثر فيما إذا كان المستند لعدم اعتبار المتعاقدين هو الأصل العملي.

أقول ما ذكر في اختلاف الامام و المأموم صحيح و انه يجوز اقتداء المأموم المفروض بالإمام بلا فرق بين كون منشأ اعتقاد الامام صحة صلاته أصلا عمليا و امارة و السر في ذلك ان مثل حديث لا تعاد اقتضى صحة صلاة الإمام في غير مورد إخلاله بما ذكر في المستثنى من ذلك الحديث بسقوط غير ما ذكر فيه عن الاعتبار مع الإخلال عن عذر و لو كان اختلافهما في اعتبار مالا يقضى حديث لا تعاد سقوطه عن الاعتبار لم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 138

لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد (1)

______________________________

يجز له الاقتداء به كما إذا تيمم الإمام في مورد يرى المأموم الوضوء هي الوظيفة فلا يجوز له الاقتداء به سواء كان المنشأ لاعتقاد الإمام الأصل العملي أو الامارة.

و الحاصل لا خصوصية للأصل العملي و لا لباب الصلاة بل يعم ما ذكر كل مورد سقط فيه الاعتبار الاولى سقوطا واقعيا للجهل أو غيره و مفاد الأصل كالامارة لا يكون الا حكما طريقيا و الحكم الطريقي شأنه التنجيز و التعذير لا حكما نفسيا ليكون حاكما على أدلة الاشتراط و يرتفع موضوع وجوب التدارك مع كشف الخلاف بعد ذلك.

ألا ترى انه لو جرت أصالة الطهارة أو استصحابها في ماء غسل به المتنجس ثم انكشف نجاسة ذلك الماء لا يحكم بطهارة ذلك المغسول مع انه على الحكومة لا بد من الحكم بطهارته و كذا لو اشترى ما يشك في كونه وقفا ثم ظهر كونه وقفا

الى غير ذلك من موارد التخلف من المعاملات و غيرها.

(1) المراد بفساد العقد اما فساده من جهة خصوص الأمور المعتبرة في نفس العقد أو الأعم منها بحيث يعم ما يعتبر في المتعاقدين و العوضين و كيف كان فالمقبوض بالبيع الفاسد لا يدخل في ملك القابض لفساد البيع و يكون ضمان تلفه عليه و يستدل على هذا الضمان برواية على اليد ما أخذت حتى تؤدى التي رواها العامة و ذكرها بعض أصحابنا في كتبهم الفقهية و مفادها ضمان المال المقبوض و خسارة تلفه على عهدة الآخذ كما هو مقتضى اسناد الظرف الى المال كما ان اسناد الظرف الى فعل ظاهره وجوبه تكليفا.

و بالجملة اسناد الظرف الى المال يفيد ضمانه الذي يكون من قبيل الحكم الوضعي و حيث ان هذا الحكم لا يختص بالبالغين فلا يبعد شمول الرواية للصبي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 139

..........

______________________________

و المجنون ايضا فيما إذا صدق انهما وضعا يدهما على المال كما إذا كان الصبي مميزا و جنون المجنون خفيفا.

أقول الرواية لضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور لا يخفى ما فيها لقوة استنادهم في حكمهم بالضمان الى ما نذكر من جريان سيرة العقلاء على الضمان في مورد الاستيلاء على مال الغير بلا استيمان و بلا اذن في إتلافه مجانا.

و يستدل على ضمان التلف أيضا بمرسلة جميل بن دراج «1» عن أبي عبد اللّه (ع) عن رجل اشترى جارية فأولدها فوجدت الجارية مسروقة قال يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بقيمته و هذه و إن كانت مرسلة الا ان مضمونها وارد في البعض الآخر من الروايات المعتبرة.

و وجه الاستدلال بها ان ضمان المشترى

الولد بقيمته لكون الولد المفروض نماء الأمة و باعتبار كونه حرا يكون من النماء الذي لم يستوفه المشترى فيلزم ضمان الأصل بطريق اولى و لكن يمكن المناقشة في الاستدلال بوجوه.

منها ان أخذ المشتري ولده بقيمته حكم تعبدي لا يقتضيه قاعدة ضمان التلف فان الولد تابع للأب فالولد حر و فرضه رقا و إعطاء قيمته لمالك الجارية عوضا عما فات من منفعتها عند المشترى و هي قابلية رحمها للاستيلاد تعبد غاية الأمر يكون الفرض مثل ما إذا زرع انسان ارض الآخر فعليه عوض منفعة تلك الأرض الفائتة بيده أي أجرة مثلها.

و دعوى ان عليه قيمة الزرع المزبور يعطيها لصاحب الأرض خارجة عن قانون ضمان التلف و بالجملة بما ان الحكم في الرواية تعبد فلا يمكن التعدي الى

______________________________

(1) باب 88 من أبواب نكاح العبيد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 140

مما كان فيه شائبة الإيقاع أو كان أقرب إليه (1)

______________________________

ضمان تلف الجارية فضلا عن كونه بالأولوية.

و منها ان الرواية لا دلالة لها على الضمان في تلف المال فيما إذا كان وضع اليد عليه بالمعاملة الفاسدة مع مالكه كما هو محل الكلام أو داخل فيه و انما تدل على الضمان في مورد فساد البيع بالغصب و عدم كون بايعه مالكا و الضمان في هذا لا يلازم الضمان في الأول.

و منها ما أشار إليه (ره) بقوله فليس استيلادها من قبيل إتلافها إلخ و حاصل المناقشة ان المفروض في الرواية من قبيل إتلاف المنفعة فيكون ضمانها ضمان إتلاف لا ضمان التلف كما هو مورد الكلام في المقام.

و أجاب (ره) ان استيلاد الأمة ليس من إتلاف نماء رحمها ليدخل الفرض في مورد إتلاف مال الغير بل يكون استيلادها

من انمائها بنماء لا يدخل ذلك النماء في ملك أحد بحكم الشارع و ليس عدم دخوله في ملك أحد فعل المشترى حتى يضاف التلف اليه بل الى حكم الشارع بكون الولد حرا فهو كالتالف لا المتلف بفعل المشتري.

أقول قد ذكرنا ان الولد لا يكون نماء الرحم الذي يكون لصاحب الجارية بل ملكه قابلية رحمها للاستيلاد التي استوفاها المشترى باستيلادها فالضمان في المورد في ضمان المنفعة المتلفة على مالك الجارية كما لا يخفى.

نعم لا حاجة في الحكم بضمان اليد إلى الرواية فإن الضمان في غير موارد الاستيمان المالكي أو الشرعي قد جرت عليه سيرة العقلاء و لم يردع عنها الشرع فيكون الضمان في ذلك نظير سائر الأحكام التي يكون الدليل عليها السيرة العقلائية.

(1) الأول كما في الجعالة حيث قيل انها من الإيقاع و انها تتم بالإيجاب من الجاعل فقط و ان العمل من العامل لا يكون قبولا و لذا يكون رد الضالة و لو بعد زمان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 141

[قاعدة ما يضمن بصحيحه]

المراد بالضمان في الجملتين (1)

______________________________

يفوت معه الموالاة بين الإيجاب و القبول موجبا لاستحقاق الراد الجعل و كذا يستحق ذلك الجعل حتى الصبي الراد للضالة مع عدم الاعتبار بقبوله و كيف ما كان فلو تم القول بأنها عقد يكفي في قبولها العمل حتى مع الفصل المزبور فيكون فيها شائبة الإيقاع و احتماله.

و الثاني و هو ما كان أقرب الى الإيقاع كالخلع فإنه في حقيقته طلاق على شرط العوض و الفدية و الطلاق من الإيقاع و لكن لشرط الفدية على الزوجة يحتاج الى قبولها.

(1) و حاصل ما افاده (ره) ان الضمان عبارة عن كون درك المال و خسارة تلفه على الشخص بان

يجب عليه تداركه من ماله بأداء البدل منه و التدارك بالبدل اما ان يكون بأداء العوض المسمى كأداء الثمن في ضمان المبيع و الأجرة المسماة في ضمان المنفعة أو يكون بأداء البدل الواقعي يعنى المثل أو القيمة أو أقل الأمرين من العوض المسمى و البدل الواقعي و إطلاق الضمان و عدم تقييده بالعوض المسمى أو بأقل أمرين مقتضاه ثبوت العوض الواقعي و لذا يحمل إطلاقه على ذلك في الضمان المشترط في مثل العارية أو فيما ورد في أدلة المضمونات من المغصوبات و غيرها.

و بالجملة فالتفكيك في الضمان بين فرض فساد البيع بحمله على العوض الواقعي و بين فرض صحته بحمله على الثمن المسمى باعتبار القرينة في الثاني و إطلاقه في الأول لا باعتبار ان ضمان المبيع مثلا بالثمن المسمى ينافي فرض الفساد فإنه يمكن فرض فساد المعاملة و مع ذلك يكون المال عند تلفه ملكا له كما مر نظير ذلك في ملزمات المعاطاة على القول بالإباحة.

أقول لا يخفى ان الضمان في صحيح البيع مثلا ضمان معاوضي يثبت ملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 142

لا لان معنى الضمان في الصحيح مغاير (1)

______________________________

الثمن للبائع و يكون على المشترى دفعه اليه مع تسليم المبيع سواء تلف ذلك المبيع بعد قبضه أم لا.

و بعبارة أخرى لا يكون ثبوت هذا الضمان معلقا على تلف المبيع نعم مثل ضمان الذهب أو الفضة في عاريتهما ضمان تلف كانت العارية صحيحة أو فاسدة فلا بد من ان يراد بالضمان المعنى العام و هو ثبوت البدل للمال و المعنى ان كل مورد ثبت فيه ملك بدل المال لمالكه مع صحة العقد سواء كان ثبوت ملك البدل معلقا على تلف المال

كما في مورد ضمان عارية الذهب و الفضة و نحوهما أو مطلقا كما في ضمان المشترى الثمن للبائع يثبت البدل مع فرض فساد العقد غاية الأمر يكون البدل في فرض الفساد من ضمان التلف دائما.

و الحاصل ان ما ذكره المصنف (ره) في المراد بالضمان في القاعدة و هو كون خسارة المال و دركه في ماله الأصلي و انه إذا تلف وقع النقص فيه بتداركه منه لا يتم في ضمان المشترى المبيع مع صحة البيع لما ذكرنا من ان ضمانه المبيع لا يكون بمعنى تدارك خسارة تلفه كما لا يخفى.

نعم يكون فيه الضمان بمعنى ان المبيع يتلف مملوكا للمشتري و لكن ذكر (ره) ان هذا ليس معنى الضمان فلا يقال الإنسان ضامن لأمواله.

(1) يعنى ان الضمان يراد به كون خسارة المال و دركه عليه بتداركه من ماله و افادة كون التدارك بالعوض المسمى يكون بتعدد الدال و المدلول و مع عدم الدال الآخر يكون مقتضى إطلاق الضمان هو التدارك بالعوض الواقعي يعنى المثل أو القيمة و قد ظهر ان لفظ الضمان في القاعدة المزبورة لم يستعمل إلا في معنى واحد بالإضافة إلى صحيح العقد و فاسده فلا يلزم فيها التفكيك بينهما.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 143

ثم العموم في العقود ليس باعتبار خصوص الأنواع (1)

______________________________

(1) أنواع العقد مختلفة في الضمان و عدمه فقد يكون نوع موجبا للضمان كالبيع و الإجارة بمعنى ان جميع افراد نوع لو كان في صحيحها الضمان لكان الضمان في فاسدها ايضا و قد لا يكون نوع موجبا للضمان بمعنى انه لا يكون في أفراده الصحيحة ضمان كالوديعة فتكون افراده الفاسدة أيضا كذلك و ثالثة لا يكون النوع موجبا للضمان

مع ثبوته في بعض أصنافه كالعارية فان نوعها لا يوجب الضمان و يكون الضمان في مثل عارية الذهب و الفضة.

و على ذلك فلو كان العموم في القاعدة بحسب الأنواع فقط أصلا و عكسا لكان مفادها عدم الضمان في فاسد عارية الذهب و الفضة باعتبار انه لا يكون في نوع العارية ضمان و على ذلك فلا بد من كون العموم في القاعدة بلحاظ الأنواع و الأصناف بأن يكون مفادها ان كل نوع من العقد أو صنف من نوعه كان فيه مع صحته ضمان يكون فاسده ايضا تابعا لصحته في الضمان فيكون الضمان في العارية المزبورة باعتبار ثبوته في ذلك الصنف في فرض صحته.

لا يقال ظاهر العموم هو الاستغراق بحسب افراد العقد لا الأنواع أو الأصناف فيكون مفادها ان كل ما يكون في الخارج من اشخاص العقد فان كان فيه الضمان في فرض صحته يكون الضمان في فرض فساده ايضا و إلى ذلك أشار (ره) في عبارته بقوله و ربما يحتمل في العبارة إلخ و على ذلك فلو باع البائع متاعه بلا ثمن بان قال بعتك بلا ثمن و قبله المشترى فلا يثبت في ذلك ضمان المبيع لان هذا البيع على تقدير صحته و إمضاء الشارع لم يكن فيه ضمان فلا يكون الضمان مع فساده ايضا و هذا بخلاف ما إذا كان العموم في القاعدة بحسب الأنواع أو الأصناف فإنه بناء عليها يثبت في المثال الضمان فان نوع البيع فيه ضمان مع صحته.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 144

و يظهر من الرياض اختيار الضمان بفاسدها مطلقا (1) ثم ان لفظة الباء (2)

______________________________

فإنه يقال ظاهر عبارة القاعدة تبعية فاسد العقد لصحيحة في الضمان و انه

إذا ثبت في مورد الضمان بالعقد الصحيح يثبت الضمان في ذلك المورد بفاسده فلا بد من كون الاستغراق بحسب النوع أو الصنف ليكون له فرد صحيح و فاسد فعلا و يكون فاسده تابعا لصحيحة و هذا بخلاف ما كان الاستغراق بحسب الأشخاص فإنه لا يمكن الصحة و الفساد في الشخص الا على نحو التقدير و التعليق.

و بالجملة ظاهر العبارة فعلية القسمين لا تقديرهما فيكون مفادها ثبوت الضمان في المثالين المتقدمين باعتبار ثبوت الضمان في جميع الأفراد الصحيحة لنوع البيع أو الإجارة.

أقول الظاهر عدم الفرق في النتيجة بين ارادة النوع أو الصنف أو الأشخاص و انه لا يثبت الضمان في المثالين المتقدمين باعتبار ان البيع بمعناه لا ينطبق على المعاملة المزبورة حيث ان مفاد قوله بعتك بلا ثمن ارادة التمليك مجانا و هذه في حقيقته هبة مجانية قد عبر عنها بلفظ البيع فلا ضمان فيها و لا يبعد صحتها إذ لا يعتبر في إنشاء الهبة لفظ خاص و كذا الحال في قوله أجرتك بلا أجرة فإنه من تمليك المنفعة مجانا فلا ضمان فيه.

(1) أى بفاسد الإجارة سواء كان شرط الضمان أم لا.

(2) ان كان الباء بمعنى في فالمفاد واضح و ان كان بمعنى السببية فلا بد من كون المراد بها الدخالة و لو بشرط القبض و انه إذا كان صحيح العقد دخيلا في الضمان و لو كانت دخالته بالنحو الناقص كما في بيع الصرف و السلم حيث يتم الضمان فيهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 145

ثم ان المدرك لهذه الكلية (1) هو اقدام الآخذ على الضمان (2)

______________________________

بالقبض يكون كذلك فاسده.

أقول لعمري ان الكلام في القاعدة و تصحيح مفادها بلا طائل فإن الضمان

كما ذكرنا في أول البحث يكون ضمانا معامليا و أخرى ضمان تلف و يحتاج ثبوت كل منهما في عقد الى دليل إمضاء ذلك العقد أو الحكم به فيه كالحكم في النكاح بضمان الزوج المهر المسمى أو بضمان المستعير تلف الذهب أو الفضة و مع فرض فساد النكاح أو العارية ينتفي الضمانان و لا يمكن الحكم بثبوتهما في فاسدهما لان حكم الشارع بهما ثابت في مورد صحيح العقد فكيف يقاس عليه فاسده و لو كان في الفاسد الضمان بالأدلة العامة فلا بد من التكلم في تلك الأدلة بدلا عن التكلم في القاعدة فيرى ان تلك الأدلة تعم العقود الفاسدة أم لا.

(1) و لعل مراد المسالك في تعرضه للقاعدة في مسألة الشروط هو ان كون العين المرهونة مبيعا بإزاء الدين عند انقضاء أجل الدين شرط فاسد حيث ان الشرط المزبور من شرط النتيجة و كون البيع محتاجا إلى الإنشاء ظاهر.

لا يقال اشتراط المزبور بنفسه إنشاء للبيع.

فإنه يقال على تقدير كونه إنشاء فهو بيع معلق و الحاصل بما انه ليس العين المرهونة في الرهن الصحيح مضمونة على المرتهن فلا تكون مضمونة في فاسده ايضا هذا بالإضافة الى قبل انقضاء الأجل و البناء على ان الشرط المزبور فاسد و مفسد للرهن و اما بعد انقضاء الأجل فيدخل العين المرهونة في ضمان المرتهن حيث ان صحيح البيع فيه ضمان فيكون الضمان في فاسده ايضا و المفروض تحققه بفعلية المعلق عليه بمقتضى شرط النتيجة فيكون المشتري يعني المرتهن ضامنا للعين المرهونة بعدها.

(2) قد ذكر في أدلة الضمانات أمور: منها قاعدة الإقدام على الضمان و أورد عليها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 146

و اما خبر على اليد فدلالته

(1)

______________________________

المصنف (ره) بوجهين.

الأول ان المشترى في البيع الفاسد يكون اقدامه على ضمان المبيع بالثمن المسمى و إذا فرض عدم ثبوت هذا الضمان كما هو مقتضى الفساد يكون ضمانه بضمان التلف بلا موجب فإنه ضمان لم يقدم عليه المشترى.

و الثاني ان النسبة بين الاقدام و ثبوت الضمان العموم من وجه فلانه قد لا يثبت الضمان بمجرد الاقدام عليه كما في البيع قبل القبض فإن إقدام المشترى على ضمان المبيع يكون بشرائه مع ان ضمانه عليه يثبت بعد قبضه و قد لا يكون اقدام و لكن يثبت الضمان كما إذا اشترى متاعا بشرط عدم ضمان ذلك المتاع حتى بعد القبض فإنه لا يكون مع الشرط المزبور اقدام من المشترى على الضمان و كذا في مورد البيع بلا ثمن أو الإجارة بلا اجرة.

أقول الاولى في المثال للضمان مع عدم الاقدام بما أخذ العين الموهوبة له مجانا فبانت ملك الآخر فإنه بقبوله الهبة من غير مالكها مع جهله بالحال لم يقدم على الضمان أصلا.

و اما ما ذكره المصنف (ره) من المثال لثبوت الضمان مع عدم الاقدام فيمكن المناقشة فيه بعدم ثبوت الضمان في مثالي البيع بلا ثمن أو الإجارة بلا اجرة كما مر و اما مسئلة شراء المتاع بثمن معين بشرط كون ضمان تلفه على البائع حتى بعد القبض فالشرط المزبور باعتبار فساده يكون ملغى و يصح أصل البيع و يثبت الضمان المعاملي فيجب على المشترى دفع الثمن بأخذه المبيع.

(1) قد تقدم ان الحديث نبوي ضعيف ذكر في بعض الكتب الفقهية أخذا من العامة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 147

..........

______________________________

و دعوى انجبار ضعفه بعمل المشهور مدفوعة بأنه لم يحرز استنادهم في حكمهم بالضمان اليه و يكفي

في ذلك ملاحظة كلام الشيخ (ره) و استدلاله على الضمان بالاقدام دون الحديث و في دلالته ايضا على ضمان المنافع قصور فان الذيل فيه قرينة على انحصار مدلوله بما إذا كان المأخوذ قابلا للرد الى مالكه كما في العين و اما المنافع فهي غير قابلة للرد المستوفاة منها أو غيرها حيث انها تفوت بمرور الزمان و هذا بالإضافة إلى منافع الأعيان التي تؤخذ بتبع أخذ تلك الأعيان و اما الأفعال كالخياطة فإنها غير قابلة للأخذ فلا يكون الحديث دالا على ضمان المستأجر فيما إذا خاط الأجير ثوبه بالإجارة الفاسدة.

نعم يمكن ان يقال لا يكون ذيل الحديث قرينة على اختصاص الموصول بالأعيان حيث ان انتهاء الضمان كما يكون برد المأخوذ كذلك يكون برد بدله.

و بعبارة أخرى لا بد من تقييد إطلاق الذيل بذكر العدل و هو رد البدل و المنافع كالأعيان التالفة قابلة للرد ببدلها و اما ما دل على احترام مال المسلم فمقتضاه الضمان مع الإتلاف أو الاستيفاء لا ضمان التلف كان المتلف عينا أو منفعة فإن عدم الضمان في المأخوذ بالبيع الفاسد الذي تلف عينه و منفعته بآفة سماوية لا ينافي قاعدة الاحترام خصوصا فيما إذا كان المشترى غافلا عن فساد البيع و على ذلك فلا يكون ما دل على حرمة مال المسلم و انها كحرمة دمه و انه لا يصلح ذهاب حق أحد هدرا كافيا في إثبات ضمان التلف و قوله لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفسه لا يدل على الضمان أصلا بل مدلوله حرمة التصرف في مال الغير بلا رضاه.

و اما قاعدة اللاضرر فلا حكومة لها في المقام فان مقتضاها انتفاء الأحكام الموجبة للضرر و الضرر هنا ناش عن التلف

سواء حكم بالضمان، أولا و الحكم به

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 148

ثم انه لا يبعد ان يكون مراد الشيخ ره (1)

______________________________

مع انه معارض بالضرر على الضامن و لا يمكن عمومها لمورد تعارض الضررين تدارك للضرر بحسب الحكم، و خارج عن مدلول القاعدة.

(1) و حاصله ان الموجب للضمان في مورد تلف العين أو المنفعة هي قاعدة الاحترام، و لكن هذه القاعدة كقاعدة اليد ليست تمام السبب للضمان حيث يمكن ان يمنع عن الضمان دفع المالك العين مجانا أو أمانة أو عمل العامل تبرعا و تعليل الشيخ و من تبعه الضمان بإقدام الآخذ عليه لبيان ان المانع عن قاعدة اليد المقتضية للضمان غير حاصل فيكون القاعدة مع الاقدام المزبور تمام الموضوع للضمان، لا أن كل واحد منهما وجه مستقل للضمان، كما هو ظاهر المسالك.

أقول: الصحيح ان يقال ان وضع اليد على مال الغير من دون إلغاء مالكه حرمة ذلك المال كما في الهبة مجانا أو الاذن في إتلافه كذلك و من دون جعل المالك قابض المال أمينا موجب لكون ضمان تلفه عليه سواء كان المال المزبور عينا أو منفعة لأن وضع اليد على المنفعة يكون بوضعها على العين و هذا الضمان في الموارد المشار إليها مما جرت عليه سيرة العقلاء و لم يردع عنها الشرع فيكون كسائر الأحكام التي تكون الدليل عليها السيرة العقلائية في مواردها.

ثم انه ربما يحكم الشارع بكون القابض أمينا و لا يكون له ضمان التلف كما في أخذ اللقطة و ربما يحكم بالضمان في مورد الأمانة المالكية كما في عارية الذهب و الفضة فيكون المال في الأول أمانة شرعية و في الثاني مضمونا بتضمين شرعي و هذا كله

بالإضافة إلى ضمان التلف في الأعيان و المنافع التابعة لها و اما في الأعمال فان لم يكن للعمل مالية عند العقلاء فلا يكون العمل موجبا للضمان على أحد إلا إذا كان ضمانا معامليا أمضاه الشارع كما في ضمان السبق في عقده و مع البطلان لا يكون ضمان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 149

ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان في الفاسد (1)

______________________________

اما المعاملي فلفساد المعاملة و اما ضمان الاحترام فالمفروض عدم المالية له.

و اما الأعمال التي لها مالية عند العقلاء فان كان العامل متبرعا بها و هذا معنى إسقاطه حرمة عمله فلا ضمان على أحد و كذا إذا لم يكن عمله بالمعاملة مع الغير أو بأمر ذلك الغير أو اذنه في العمل بالأجرة و اما إذا كانت في البين معاملة فإنه يثبت معها ضمان الأجرة المسماة مع صحتها، و يثبت مع فسادها اجرة المثل، و كل ذلك للسيرة الدارجة فيما بينهم من أهل الملل و غيرهم.

فتحصل مما ذكرنا ان مجرد عدم اقدام الشخص على الضمان لا يمنع عن الضمان في الأعيان و منافعها بل لا بد من إلغاء المالك حرمة ماله و على ذلك فلو ظهر العين الموهوبة مجانا ملك الغير ضمن المتهب ضمان تلفه و لو مع عدم اقدامه عليه نعم في الأعمال مجرد عدم اقدام الشخص على ضمانها كاف في عدم ثبوت اجرة المثل عليه.

(1) ذكر (ره) انه إذا كان في صحيح العقد ضمان يثبت ضمان تلف المقبوض في فاسده سواء كان دافع ذلك المال عالما بفساد العقد أو جاهلا لان حديث على اليد بإطلاقه يقتضي الضمان في كلا الفرضين كما أن الفتوى بالضمان في فاسد العقد مطلق

يعمهما.

نعم ربما يستدل على عدم الضمان في صورة علم الدافع بوجهين.

الأول- ان الدافع مع علمه بفساد المعاملة و عدم كون مال الطرف عوضا عن ماله يكون دفعه تسليطا للطرف بماله و تمليكا له مجانا و ليس في التمليك المجاني ضمان كان صحيحا أو فاسدا و هذا الوجه على تقدير تماميته ينفى الضمان عن القابض سواء كان هو ايضا عالما بفساد المعاملة أو جاهلا حيث ان أخذه المال في كلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 150

و غير ذلك من العقود اللازمة و الجائزة (1)

______________________________

الفرضين مجاني و لا يمكن دفع هذا الوجه بإطلاق حديث على اليد فان موارد إلغاء المالك حرمة ماله بالتسليط المجاني و نحوه خارجة عن ذلك الحديث.

و الوجه الثاني كون الدافع مع علمه بفساد المعاملة غارا لدفعه المال الى القابض الجاهل بالحال، فيكون القابض مغرورا، و ضمان التلف و الإتلاف على الغار، كمن قدم طعام الغير الى ضيفه الجاهل بالحال.

أقول الوجه الثاني ضعيف جدا، فان القابض الجاهل لم يقدم على أخذ المال مجانا، بل أقدم على أخذه بعنوان المعاوضة، فلا يكون مغرورا، و لا يقاس بالضيف لاقدام الضيف على أكل الطعام مجانا، مع ان قاعدة الغرور لا تنفى الضمان سواء كان ضمان التلف أو الإتلاف و انما توجب استقرار الضمان على الغار.

و يقرب من الوجه الثاني في الضعف الوجه الأول، فإن دفعه المال الى القابض لا يكون تمليكا مجانيا، بل وفاء بالمعاملة السابقة، و دفعا للمال إلى الآخر ليقبض عوضه، و علمه بعدم استحقاقه العوض شرعا، كعلمه بعدم استحقاق الطرف المال المدفوع لا ينافي الدفع وفاء بالمعاوضة المعتبرة عنده، و لذا لو باع الغاصب بالمعاطاة و اجازه المالك يصح البيع

للمالك و لا يكون علم الغاصب بعدم صحة المعاوضة موجبا لكون إعطائه تمليكا مجانيا، لتكون اجازة المالك مصححة للهبة كما لا يخفى.

(1) يعنى سائر العقود التي لا ضمان في صحيحها سواء كانت لازمة كالإجارة بالإضافة إلى العين المستأجرة، أو جائزة، كما في العارية، و على ذلك فمقتضى عكس القاعدة، عدم ضمان العين في الإجارة الفاسدة لعدم ضمانها في صحيحها، بل مقتضاه عدم ضمانها في الفاسدة حتى مع اشتراط الضمان، فان الضمان في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 151

..........

______________________________

صحيحها على تقدير الاشتراط كان للشرط، لا لاقتضاء العقد.

و بتعبير آخر ثبوت الضمان مع الاشتراط، باعتبار نفوذ الشرط، و لا يكون الشرط مع فساد العقد نافذا، بل يكون تابعا للعقد في الفساد، و بهذا يظهر الحال في العارية الفاسدة المشروط فيها ضمان العين.

و مع كل ذلك فقد ذكر في جامع المقاصد بعد بيان ظاهرهم عدم ضمان العين المستأجرة في الإجارة الفاسدة حتى مع استيفاء منفعتها، أن الصحيح ثبوت الضمان في الإجارة الفاسدة حتى مع عدم اشتراط الضمان، باعتبار ان وضع المستأجر يده على العين مع عدم كونه مالكا لمنفعتها عدوان بالإضافة إلى العين و المنفعة، و لكن هذا الضمان مخالف لقاعدة ما لا يضمن بصحيحه.

و أجاب المصنف (ره) عن المخالفة بوجهين.

الأول- تخصيص قاعدة ما لا يضمن بصحيحه في الإجارة الفاسدة بالإضافة إلى العين المستأجرة بحديث على اليد، فان الحديث المزبور يعم العين فيها.

نعم لو كانت الإجارة صحيحة كانت العين باعتبار كونها أمانة مالكية في يد المستأجر و قد أمضاها الشارع خارجة عن عموم الحديث.

و الثاني- ان القاعدة المزبورة ناظرة إلى بيان الضمان و عدمه في مورد العقد و مورد المعاملة في صحيح الإجارة و

فاسدها المنفعة لا العين.

و بعبارة أخرى ضمان العين أو عدمه في الإجارة خارج عن أصل القاعدة و عكسها بالتخصيص، و لكنه (ره) ذكر في آخر كلامه عدم ضمان العين في الإجارة الفاسدة و انها باقية في عكس القاعدة، و ليست خارجة عنها لا بالتخصيص كما هو مقتضى الوجه الأول، و لا بالتخصص بان يكون المراد من الضمان و عدمه في أصل القاعدة و عكسها هو ضمان مورد المعاملة و عدمه كما هو مقتضى الوجه الثاني.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 152

و منها الصيد الذي استعاره المحرم (1)

______________________________

أقول دفع العين المستأجرة إلى المستأجر في موارد تعارف دفعها انما هو بشرط ضمني ارتكازي في عقد إجارتها، و هذا في حقيقته شرط جعل العين امانة في يد المستأجر ليستوفي منها ملكه و مع اشتراط الأمانة ينتفي موضوع الضمان سواء كانت الإجارة صحيحة أولا، لما ذكرنا من انه لا سيرة على الضمان في موارد الاستيمان سواء كان الاستيمان ممضى شرعا، أولا كما انه لو شرط الموجر على المستأجر ضمان العين يكون ضمانه عليه كما هو مقتضى عموم المؤمنون عند شروطهم و ليس جعل العين المستأجرة أمانة عند المستأجر من مقتضيات نفس عقد الإجارة لينافيه اشتراط الضمان لأن الذي من مقتضيات الإجارة في مثل البيوت هو وضع البيت تحت يد المستأجر اما كونه بطور الأمانة أو التضمين فهو تابع للاشتراط.

و على ذلك فلو اشترط التضمين في الإجارة الفاسدة يثبت الضمان أيضا للسيرة المشار إليها، و ان وضع اليد على مال الغير لا بطور الاستيمان و من غير هدر ذلك الغير حرمة ماله موجب للضمان.

(1) ذكر المحقق (ره) في الشرائع و لا يجوز للمحرم ان يستعير من محل

صيدا، لانه ليس له إمساكه، و لو أمسكه ضمنه و ان لم يشترط عليه انتهى.

و ظاهر ذلك ضمان تلف العين فينافي هذا الضمان عكس قاعدة ما يضمن. و نقل السيد اليزدي (ره) في تعليقته عن الشرائع العبارة هكذا و لا يجوز ان يستعير من محل صيدا لانه ليس له إمساكه و لو أمسكه ثم أرسله ضمنه و ان لم يشترط.

و قال (ره) ظاهر ذلك ضمان الإتلاف، فإن إرسال الصيد إتلافه، و الكلام في قاعدة ما يضمن أصلا و عكسا في ضمان التلف لا في ضمان الإتلاف فلا مخالفة للقاعدة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 153

بالنسبة إلى المنافع التي يستوفها (1)

______________________________

أقول إضافة ثم أرسله إلى عبارة الشرائع باعتبار وقوعه في عبارة الجواهر فزعم انه من عبارة المتن أي الشرائع.

كيف كان فذكر المصنف (ره) ايضا ان الحكم بالضمان في المسألة لا ينافي القاعدة، فإن الضمان فيها للإتلاف حيث ان حكم الشارع على المحرم بإرسال الصيد إيجاب عليه إتلافه، و هذا الإيجاب إتلاف تعبدي يوجب الضمان.

و فيه ان إيجاب الإتلاف ما لم يقع الإتلاف خارجا لا يوجب الضمان، و لذا لو لم يأكل من يجب عليه أكل طعام الغير لدفع هلاك نفسه من الجوع فمات لم يكن مديونا لصاحب الطعام بمثل الطعام أو قيمته، كما لا يصح القول بأن إيجاب الأكل عليه تحفظا على نفسه من الهلاك إتلاف لطعام الغير و على ذلك فلو لم يرسل الصيد حتى أخذه صاحبه لم يكن على المستعير شي ء.

هذا مع انه لا دليل على وجوب الإرسال عليه، بل غاية الأمر عدم جواز إمساكه، و يحصل الموافقة بدفعه الى صاحبه أو إيصاله إليه، نعم لو أرسله فعليه ضمان الإتلاف و

الاولى نقض عكس القاعدة بعارية الصبي ماله من آخر؛ فإنه يثبت على الآخر ضمان تلف ماله، مع انه لا ضمان في صحيح العارية.

فإن قيل ما الفرق بين عارية البالغ حيث ان في عارية البالغ مع فسادها لا يكون ضمان على المستعير، و بين عارية الصبي حيث يثبت للمستعير ضمان تلفها.

فإنه يقال ان فساد العارية الأول لا يوجب بطلان اذن المالك للمستعير في حفظ ماله الموجب لارتفاع الضمان كما تقدم، بخلاف عارية الصبي لبطلان اذنه كعاريته و سائر معاملاته.

(1) و ربما يقال كما عن السيد الخوئي (أطال اللّه بقائه) بأنه لا وجه لتقييد المنافع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 154

و يمكن نقض القاعدة (1) و يمكن النقض أيضا بالشركة الفاسدة (2)

______________________________

بغير المستوفاة، فان المستوفاة و غيرها كلاهما غير مضمون في البيع الصحيح فضمانهما ينافي القاعدة و فيه ان ضمان المستوفاة لا ينافي القاعدة لا بأصلها و لا بعكسها، فإنها ناظرة إلى ضمان التلف لا الإتلاف و الاستيفاء إتلاف و عدم ضمان المنافع المستوفاة مع صحة البيع لكونها تابعة لملك العين فاستيفائها إتلاف لملك نفسه لا لملك الغير ليضمن، بخلاف صورة فساد البيع.

(1) أقول- لا يصحح ضمان الحمل في البيع الفاسد فرض اشتراط دخوله في البيع، و الوجه في ذلك ان مجرد اشتراط دخوله لا يجعل الحمل جزء المبيع بان يكون الثمن بإزائه و إزاء الام معا ليكون بالإضافة إلى الحمل ضمان معاملي، و يثبت ضمان تلفه مع فساد البيع.

و الحاصل الضمان المعاملي يجري في جزء المبيع لا الشرط، و ان الحمل على تقدير اشتراط الدخول يكون كسائر المنافع التي يدخل في ضمان المشترى مع فساد البيع من غير ثبوت ضمان معاملي بالإضافة

إليها كما لا يخفى.

(2) و وجه النقض ان مع صحة عقد الشركة و جواز تصرف كل من الشريكين في المال المشترك يكون المال المزبور في يد كل منهما كالمال في يد الوكيل أمانة مالكية فلا يضمن، بخلاف صورة فساد عقدها و البناء على عدم جواز التصرف في مال الشريك، فإنه تكون يده على مال صاحبه، يد عدوان فيضمن و هذا ينافي القاعدة المزبورة في عكسها لان مقتضى عكسها عدم الضمان فيما لا ضمان في صحيحة.

أقول الظاهر انه لا ضمان على الشريكين حتى لو قلنا بعدم جواز تصرف كل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 155

و المفروض أنها لا تؤثر شيئا (1) فحاصل أدلة عدم ضمان المستأمن (2) اما في غير التمليك بلا عوض (3)

______________________________

من الشريكين في المال المشترك حيث ان الضمان و عدمه في القاعدة أصلا و عكسا هو ضمان التلف، لا الإتلاف و فيما إذا لم يكن تلف المال مستندا الى تصرف أحدهما كما إذا سرق المال المشترك من يد أحدهما فلا موجب للضمان لان المال مع صحة الشركة كانت في يده أمانة مالكية، و كذلك مع فسادها و الأمانة المالكية خارجة عن حديث على اليد، و لا يعمها السيرة المشار إليها سابقا، بل لا ضمان فيما إذا تلف المال المشترك بتصرف أحد الشريكين كما إذا اشترى به متاعا ثم نزلت القيمة السوقية للمتاع فباعه بالأقل حيث ان بطلان عقد الشركة لا يوجب بطلان الاذن في التصرف بل البطلان يوجب عدم ترتب الأثر الخاص لصحة العقد كما هو الحال في بطلان سائر العقود الإذنية.

(1) لا يخفى ما فيه فان فساد العقد معناه عدم ترتب الأثر المترقب من العقد عليه لا عدم

ترتب حكم شرعي أصلا كضمان المال.

(2) المستأمن بالفتح مبنى على المفعول يعنى حاصل أدلة عدم ضمان الأمين ان من دفع اليه المالك ماله على وجه لا يضمنه (بالتشديد) يعنى لا يجعله ضامنا بعوض واقعي أو جعلي فليس عليه ضمان.

(3) يعنى الدليل على عدم الضمان في غير الهبة الفاسدة من موارد الاستيمانات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 156

[حكم المقبوض مع فساد العقد]
اشارة

و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه «1»

______________________________

إطلاق ما دل على عدم ضمان الأمين كموثقة غياث بن إبراهيم (1) حيث ان دعوى اختصاصها بالأمانة المالكية الصحيحة ضعيفة، كما ان الدليل على نفى الضمان في الهبة الفاسدة فحوى ما دل على عدم ضمان الأمين، فإن الاستيمان مع عدم التسليط المطلق في موارده إذا كان موجبا لنفى الضمان يكون التسليط المطلق مجانا كذلك بطريق اولى، نعم التسليط بالعوض مساوق للتضمين.

(1) يعنى لا خلاف في وجوب رد المقبوض بالبيع الفاسد على تقدير عدم جواز التصرف فيه كما يلوح عدم الخلاف على هذا التقدير من مجمع الفائدة، و الوجه في ذلك ان الإمساك به تصرف، فيجب رده تخلصا من الإمساك المزبور، و الظاهر عدم جواز التصرف في المقبوض بلا فرق بين علم الدافع بفساد البيع و عدمه.

و ما ربما يقال من جواز التصرف فيه مع علم الدافع بفساده، بدعوى ان الدفع مع العلم المزبور ترخيص في كل تصرف فيه لا يمكن المساعدة عليه، فان علم الدافع بفساد البيع شرعا لا يمنعه من إنشاء تمليكه بعوض حيث ان إمضاء الشارع التمليك المزبور و عدمه خارج عن قصده و إنشائه، كما ان الرضا بالتمليك المزبور لا يتضمن إذنا لصاحبه في التصرف مع بقاء المال في ملكه.

و اما بالإضافة إلى وجوب

الرد فالظاهر التفصيل فيه، و أنه في بعض المبيعات التي يكون المتعارف في بيعها حملها إلى المشتري لغاية التسليم اليه، ليس على المشترى مع فساد البيع إلا التخلية بين المقبوض و بين بايعه و لو باخباره ان ماله عنده فله أخذه لفساد المعاملة و بقائه على ملكه، و في المبيعات التي يكون المتعارف

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب- (28) من أبواب أحكام الإجارة الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 157

..........

______________________________

فيها تخلية البائع و أخذ المشتري المال من عند البائع يجب فيها على المشترى رد المال بإيصاله إلى بائعه و لا يكفي التخلية المزبورة، بل لو كانت في إيصاله مؤنة كانت على المشترى، و حديث لا ضرر لا يجري في المقام باعتبار ان حبس المال على بايعه ضرر على البائع.

و قد ذكر في محله ان قاعدة لا ضرر لا تعم موارد تعارض الضررين. و لو تلف المال في القسم الأول قبل التخلية المزبورة يكون ضمان تلفه على المشترى، بخلاف ما إذا تلف بعدها، فإن اخبار البائع بأن ماله عنده فله أخذه، يخرج المال عن إمساكه المحرم و يدخله في التبرية من ضمانه على تقدير مماطلة المالك في الأخذ حيث لا يكون معها في سيرة العقلاء ضمان و هذا بخلاف الصورة الثانية فإنه ما دام لم يتحقق رد المال على مالكه فضمان تلفه عليه حتى فيما إذا كان رده حرجيا عليه و باعتباره جاز له إمساكه إلى ارتفاع الحرج، حيث ان دليل نفى الحرج لا ينفى الضمان.

ثم لا يخفى ان الرد لا يكون وجوبه نفسيا حتى في الأمانات المالكية عند مطالبة ملاكها بل وجوبه كما أشرنا إليه غيري تخلصا من حرمة الإمساك بالمال

كما يظهر ذلك بملاحظة ما دل عليه كصحيحة زيد الشحام عن ابى عبد اللّه (ع) ان رسول اللّه (ص) وقف بمنى حتى قضى مناسكها الى ان قال اللهم اشهد ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفسه. «1»

و ما يظهر من بعض الكلمات من ان المفهوم من عدم حل مال الغير وجوب الرد عليه نفسا ضعيف، بل الأمر بالعكس بشهادة مثل الصحيحة. و قد يقال ان حديث على اليد يدل على كل من الضمان و وجوب الرد، اما لان ضمان العين قبل تلفه يستلزم

______________________________

(1) الوسائل الجزء (19) الباب (1) من أبواب القصاص- الحديث (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 158

[ضمان المنافع في المقبوض بالبيع الفاسد]

الثالث لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشترى (1)

______________________________

وجوب الرد بل لا معنى له غير وجوب الرد أو لأن كلا من الضمان و وجوب الرد مدلول مطابقي للحديث و مستفاد من كون المال على العهدة.

و فيه ان ظاهر اسناد الظرف الى المال هو ضمانه فقط و استفادة التكليف من الحديث محتاج إلى اسناد الظرف الى فعل مقدر أيضا بأن يقال على اليد رد ما أخذت و التقدير خلاف الأصل كما أن الجمع بين التقدير ليستفاد التكليف و بين اسناد الظرف الى نفس المال ليستفاد الضمان غير ممكن.

و اما دعوى ان اعتبار الضمان بدون وجوب الرد لغو و باستلزام الضمان، التكليف بالرد فلا يمكن المساعدة عليها، لا مكان اعتبار شي ء على العهدة من غير التكليف برده كما في الديون التي يعتبر على عهدة الشخص مع عدم تمكنه على أدائها.

و الحاصل ان وجوب الرد باعتبار أن الإمساك بأموال الناس

غير جائز و لو لم يكن في البين حرمة الإمساك بها التي يستفاد من مثل صحيحة زيد الشحام لما كان للحديث على اليد دلالة عليه، و لو تنزلنا عن ذلك و بنينا على دلالته على وجوب الرد فلا قرينة على كون المراد بالرد هو خصوص الإيصال بل يعم التخلية في الموارد التي أشرنا إليها فتدبر.

(1) لو كان للمبيع بالبيع الفاسد منفعة استوفاها المشترى يكون عليه ضمانها زائدا على ضمان العين على المشهور بين أصحابنا، بل ظاهر ما في السرائر (من ان المأخوذ بالبيع الفاسد كالمغصوب عند المجتهدين من أصحابنا) أنه عندهم مثله في عدم جواز التصرف و الضمان، و يقتضي هذا الضمان قاعدة احترام مال المسلم المستفادة من مثل موثقة غياث بن إبراهيم المتقدمة، و ذكرنا سابقا ان استيفاء منفعة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 159

..........

______________________________

المبيع إتلاف الملك الغير فيوجب الضمان، و اما الاستدلال بقوله عليه السّلام لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفسه كما عن المصنف (ره) فلا يمكن المساعدة عليه لما ذكرنا سابقا، من ان مقتضاه عدم جواز التصرف في مال الغير تكليفا و وضعا و اما الضمان أو عدمه، فلا دلالة فيه عليها أصلا خلافا لابن حمزة في الوسيلة حيث نفى ضمان المنافع في المقبوض بالبيع الفاسد، و تمسك في ذلك بما في النبوي المرسل الخراج بالضمان و المراد بالخراج منافع الشي ء و عوائده، و الباء بمعنى السببية أو المقابلة فيكون مفاده ان ضمان العين بإزائه منافعها، أوان ضمانها سبب لكون منافعها للضامن.

و الحاصل ان مقتضاه عدم الضمان في المنافع المستوفاة و غيرها.

و ذكر المصنف (ره) ان هذا المعنى مستفاد من الاخبار الكثيرة مثل قوله عليه

السّلام في الاستشهاد على كون منافع المبيع للمشتري في بيع الخيار (الا ترى انه لو أحرقت كانت من مال المشترى) فان ظاهر ذلك ان مقتضى ضمان العين على المشترى كون منافعها له.

أقول لا يظهر ما ذكر من مثل قوله عليه السّلام، و ذلك لما تقدم من انه لا معنى لكون الإنسان ضامنا لماله، و بما ان المبيع في بيع الخيار كسائر البيوع ملك المشترى، و لا يكون ثبوت الخيار للبائع موجبا لبقائه في ملكه، فلا يكون لضمان المشترى معنى ليكون ضمانه في مقابل المنافع أو سببا لكون المنافع له، بل ظاهره استشهاد الامام عليه السلام لدخول المنافع تبعا للعين في ملك المشترى بكون هلاك العين و تلفها في ملكه.

و الحاصل انه ليس في البين ما يكون وجها لما ذهب اليه ابن حمزة غير النبوي المرسل و ناقش المصنف (ره) فيه مع الإغماض عن ضعف سنده بضعف دلالته على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 160

..........

______________________________

المقام فان مدلوله ان مع ثبوت الضمان الاقدامى بالإضافة إلى العين و إمضاء الشارع له يكون منافعها للضامن كما في البيع الصحيح، فان مع ثبوت الضمان المعاملي بالإضافة إلى المبيع يكون منافعه للمشتري و الضمان مع فساد البيع لا يكون ضمانا اقداميا، بل كالضمان في المقبوض بالسوم حكم شرعي مستفاد من حديث على اليد و نحوه، و ثبوت هذا الضمان بالإضافة إلى العين لا يوجب كون المنافع للضامن كما في ضمان المغصوب.

بل ربما يقال كما هو الصحيح لا يكون مجرد الضمان الاقدامى موجبا لكون المنافع للضامن حتى مع إمضاء الشارع و كون منافع المبيع للمشتري باعتبار دخول العين في ملكه لا لمجرد ضمان العين، و لذا لا يكون

المنافع ملكا للضامن باشتراط الضمان على المرتهن، أو على المستعير فان الثابت للمستعير حتى في مورد ضمان العين جواز الانتفاع و جوازه باذن المالك يعبر عنه بملك الانتفاع و اما المنفعة فهي باقية على ملك المعير و لذا لو مات المستعير لا ينتقل المنفعة إلى ورثته، بل تبطل العارية و لا يجوز للورثة الانتفاع بالعين بخلاف موارد ملك المنفعة فإنه بموت المستأجر تنتقل المنفعة المملوكة له الى ورثته.

و الحاصل يمكن ان يراد بالضمان في النبوي، ضمان العين بالضمان المعاملي لا مجرد الالتزام بضمانها و ضمان المبيع في مقابل الثمن مع صحة البيع معاملي كما هو مورده فيكون المنافع للمشتري بذلك الضمان فإنه قضى عمر بن عبد العزيز في عبد اشترى و استعمل ثم ظهر كونه معيبا بان عمله للبائع فروى عليه عروة عن عائشة انه وقع مثله في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمله للمشتري لأن الخراج بالضمان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 161

و ربما يرد هذا القول (1) و أضعف من ذلك (2) فلا إشكال في عدم شمول صلة الموصول (3)

______________________________

(1) يعنى يرد قول ابن أبي حمزة بما ورد فيمن اشترى امة و أولدها فوجدها انها مسروقة من مالكها حيث ان مشتريها ضامن لمالكها بقيمة ولدها و عوض لبنها بل عوض كلما انتفع بها و لكن هذا الرد ضعيف، فان مورد كلام ابن أبي حمزة ما إذا كان ضمان العين بتضمين مالكها و عدم تضمينه منافعها و مثل الأمة المفروضة خارج عن ذلك، فإنه ليس فيها تضمين العين من مالكها و جعل منافعها بلا تضمين بل الضمان فيها من قبيل

ضمان الغصب حيث ان بائعها لم يكن مالكا لها.

(2) و وجه كونه أضعف من الرد السابق، ان في مورد بيع الأمة المسروقة يكون التضمين بالإضافة إلى العين فقط حيث يجعل الثمن بإزاء المبيع و لكن بما ان جعل المنافع مجانا كان من بايع غير مالك لم يؤثر في ارتفاع الضمان، و لا يقتضي ضمان العين ضمان المنافع فيما إذا كان الجعل المزبور باتفاق المالكين، و هذا بخلاف صحيحة أبي ولاد الدالة على ضمان المنافع فان موردها اجارة العين التي تكون المنافع فيها مضمونة بتضمين مالكها فالضمان في مورد الصحيحة لا تقتضي ضمان المنافع التي لا تكون فيها تضمين كما هو مورد الكلام في المقام.

نعم لو فرض ان دعوى الوسيلة هي عدم ضمان المنافع أصلا، و أن ضمانها لا تجتمع مع ضمان العين حتى في موردي الغصب و الإجارة، فيصح الرد عليه بالرواية و الصحيحة.

(3) و حاصله ان المنفعة و هي قابلية العين للانتفاع بها لا تكون قابلة للأخذ،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 162

..........

______________________________

و تناول اليد، بل القابل له هي العين فقط، و الحاصل ان حديث على اليد قاصر عن الشمول للمنافع، باعتبار عدم عموم الصلة، أي الأخذ للمنافع.

أقول المراد بالأخذ الاستيلاء، لا الأخذ الخارجي و تناول اليد، و ما ذكر المصنف (ره) من كون الأخذ بمعنى الاستيلاء مشكلا، ضعيف، و الا لم تصدق الصلة المزبورة على وضع اليد بمثل البساتين و الأشجار و نحوهما من الأعيان التي لا تكون قابلة للنقل الخارجي، و تناول اليد.

نعم قيل ان الحديث لا يعم المنافع باعتبار ان الذيل فيه و هو قوله حتى تؤدى قرينة على اختصاص صدره بالأعيان فإنها القابلة للأداء، دون المنافع، و

لكن أجبنا عنه بأن الأداء في الذيل يعم أداء المأخوذ بنفسه و رده ببدله، حيث ينتهى الضمان بكل من رد العين، و البدل، و مع ذلك لا يمكن الاعتماد على الحديث لضعفه سندا، و كذا لا يمكن التثبت في الحكم بضمان المنافع غير المستوفاة بما في موثقة غياث و صحيحة زيد الشحام (من قوله (ص) من ان حرمة مال المسلم كحرمة دمه) فان مقتضاهما و ان يكون الضمان كما هو مقتضى إطلاق تنزيل المال بالدم، الا انه لا يعم المنافع غير المستوفاة، حيث ان عدم ضمانها لا ينافي احترام المال، و انما ينافي احترامه عدم ضمان الإتلاف، كما هو الحال في الدم فان احترامه لا يوجب ضمان التلف، بل يوجب ضمان الإتلاف.

و العمدة في الضمان في تلك المنافع أيضا السيرة العقلائية فإنه لا فرق عندهم بين المنافع الفائتة تحت يده، و بين المنافع المستوفاة.

و دعوى انها غير محرزة في مورد فوت المنفعة تحت اليد من غير استيفاء، مدفوعة بملاحظة موارد الغصب كما في وضع اليد على دار لم يسكنها أو على بستان لم ينتفع منه، و هكذا أولا وجه لما قد يقال من انه لا موجب في العصب لضمان المنافع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 163

مضافا الى الاخبار الواردة في ضمان (1)

______________________________

غير المستوفاة فيما إذا كانت تلك المنافع شأنية كمن يكون عنده مراكب لا يركبها نادرا و لو وضع الغير يده على تلك المراكب يوما و لكن لم يركبها لا يضمن للمالك اجرة المثل بخلاف ما إذا وضع اليد على مراكب يركبها صاحبها غالبا، أو يؤجرها للركوب كذلك و ذلك فإنه لا يرى في سيرتهم الفرق بين كون المالك ممن يستعمل

المركب كل يوم أو لا.

نعم إذا لم يمكن عادة ركوب المركب في زمان، لا لمانع شخصي بل نوعي كنزول الثلج أو المنع العام من الخروج من البلد و غيره مما لا يعد معه المركب ذا منفعة فلا يكون ضمان باعتبار عدم فوت المنفعة في يده.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 2، ص: 163

(1) كرواية زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل يشتري الجارية فيولدها ثم يجي ء الرجل فيقيم البينة على انها جاريته و لم تبع و لم تهب فقال يرد اليه جاريته و يعوضه بما انتفع «1».

و في رواية أخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت له رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها الى أرضه فولدت منه أولادا ثم أتاها من يزعم انها له و اقام على ذلك البينة قال يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوضه في قيمته ما أصاب من لبنها و خدمتها «2» و لا يبعد اعتبار سند الاولى و لكن لا دلالة فيهما على عدم ضمان المنافع الفائتة، فإنه لم يفرض فيها فوت منفعة بل مقتضى العادة في مثل الأمة المزبورة استيفاء منافعها.

و اما صحيحة محمد بن قيس الواردة فيمن باع وليدة أبيه فليس فيها بيان ضمان المنافع أصلا لا المستوفاة و لا غيرها و لا يمكن ان يقال ان السكوت فيها عن ضمان

______________________________

(1) الوسائل- الجز (14) الباب 88 من أبواب نكاح البعيد.

(2) الوسائل- الجز (14) الباب 88 من أبواب نكاح البعيد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 164

و ان كان المترائى

من ظاهر صحيحة أبي ولاد (1)

[الضمان في المثلي و القيمي]
اشارة

إذا تلف المبيع فان كان مثليا (2)

______________________________

المنافع دليل على عدم ضمانها و ذلك لعدم إحراز كونها في مقام البيان من هذه الجهة ليرفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى المنافع المستوفاة بقرينة ما تقدم، و يتمسك بها في نفى ضمان غيرها.

و الحاصل الإطلاق الموهوم في الصحيحة إطلاق مقامي و ليس من الإطلاق اللفظي ليمكن إحرازه بالأصل العقلائي، و إثبات الإطلاق المقامى موقوف على إحراز كون المتكلم في مقام بيان الحكم الآخر أيضا غير الحكم الوارد في الخطاب.

(1) لم يظهر وجه ما ذكر فإنه لم يفرض فيها فوت منفعة بلا استيفاء، كما إذا مكث المستأجر بالبغل أياما من غير ركوبه، ليقال بان عدم ضمانه اجرة تلك الأيام في مورد الغصب يستلزم عدم ضمانها في المقام.

نعم بالإضافة إلى ضمان الأجرة المسماة في مورد مخالفة عقد الإجارة كلام موكول الى كتاب الإجارة و ظاهر الصحيحة عدم ضمان المستأجر تلك الأجرة فلاحظ.

(2) المعروف ان التالف في يد المشترى مضمون بالمثل في المثليات خلافا لما يحكى عن الإسكافي حيث ذكر ان التالف يكون مضمونا بالقيمة مطلقا و الكلام فعلا في ضابط كون التالف مثليا حيث ذكر جماعة انه ما يتساوى اجزائه من جهة القيمة و المراد بالاجزاء الافراد حيث يصدق الحقيقة على كون واحد منها و تساويها من حيث القيمة بالنسبة أي بإضافة بعضها الى بعضها الأخرى من حيث المقدار فإذا كانت حنطة متساوية للأخرى في الكم، تكون متساوية لها في القيمة أيضا.

و على ذلك فيلزم ما ذكر الشهيد (ره) من كون المسبوط من الذهب قيمته، فإنه إذا انفصل و كانت قطعه منه نصف مسبوك أخر، فلا تكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2،

ص: 165

..........

______________________________

قيمتها نصف قيمة ذلك المسبوك، لدخالة الهيئة في قيمته، و كذا يلزم ان لا يكون الدرهم مثليا، فان الدرهم إذا كسر و صار قطعا تكون تلك القطع مساوية للدرهم من حيث الكم مع انه لا يشترى تلك القطع بالدرهم.

و يمكن ان يجاب بان الدرهم مثلي بالإضافة إلى نوعه الصحيح، فلا ينافي عدم كونه مثلا للقطع من درهم آخر كما ان كون الحنطة مثليا لا ينافي عدم كونها مثلا بالإضافة إلى قطع الحنطة المعبر عنها بالجريش و يلتزم كما عن الشهيد ره بان المسبوك من الذهب أو الفضة قيمي.

ثم ان لازم التعريف و التوضيح ان لا يكون مثل الحنطة مثليا، فإنه ربما تكون حنطة ضعف الأخرى في المقدار و مع ذلك تكون قيمتها مساوية له كالمن من الحنطة الجيدة مع المنين من الردية، فيلزم ان لا يكون الحنطة مثلية بل المثلي أصنافها و هذا لا يناسب كلماتهم حيث يجعلون الحنطة مثلية و على ذلك فلو تلف أو أتلف فردا من صنفها يجب عليه الخروج من ضمانه بدفع فرد آخر من ذلك الصنف و يبقى ان إطلاق المثلي على الجنس بلحاظ مثلية أصنافها و لو لم يكن بعيدا الا ان تطبيق تعريف المثلي في كلماتهم على الجنس بلحاظ افراد أصنافه بعيد.

و أبعد منه القول بان قولهم الحنطة مثلي، نظرهم الى الجنس، و عدم ملاحظتهم اختلاف أفراد أصنافها مع كون المثلي كل واحد من تلك الأصناف باعتبار ان التالف مضمون بالجنس عندهم، غاية الأمر يجب عند أداء ما عليه من الجنس، رعاية الخصوصيات الصنفية التي كانت في التالف، و وجه كون هذا أبعد، أنه لا وجه لرعاية الخصوصيات بعد فرض عدم اشتغال الذمة بها، كما ان

مع وجوب رعايتها لا وجه لعدم اعتبارها، على الذمة.

و بالجملة لا موجب لاعتبار الجنس مثليا مع كون المثلي نوعه أو صنفه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 166

يشكل اطراد التعريف بناء على هذا (1) و بهذا الاعتبار يصح السلم (2) و لذا اختار العلامة في باب القرض (3)

______________________________

(1) يعنى لا يتم التعريف المزبور حتى بناء على كون المراد من تساوى أفراد الحقيقة تساوى افراد كل واحد من أصنافها، و وجه عدم التمامية انه ان أريد تساوى تلك الافراد من جميع الجهات الموجبة لرغبة الناس التي تكون بها زيادة القيمة و نقصانها، فهذا النحو من التساوي غير حاصل، حتى في افراد الصنف الواحد، و ان أريد من التساوي التقارب بين تلك الافراد في تلك الجهات. فهذا حاصل في افراد الصنف من القيميات ايضا كاصناف الغنم و البقر و غيرهما من الحيوان مع كونه قيميا عندهم.

نعم التقارب كذلك في أصناف القيمي قليل، و في أصناف المثلي كثير و لكن القلة و الكثرة تصلحان لملاك الحكم بضمان القيمة في الأول و بضمان المثل في الثاني و لا توجبان كون التعريف المزبور مانعا عن الغير، و بالجملة فالتعريف المزبور للمثلي شامل للقيمي أيضا.

(2) أي باعتبار تقارب افراد القيمي أيضا في الصفات الموجبة للمالية، يجوز السلم في القيمي، حيث يعبر في السلم ان لا يكون توصيف المبيع موجبا لندرة وجوده.

(3) و هذا ايضا استشهاد لما ذكره من ان تقارب الافراد في الجهات الموجبة للمالية لا يختص بالمثليات، و بيانه أنه لو كان تقارب الافراد فيها، مختصا بها، لم يكن للعلامة الحكم على القيمي في السلم بأنه مضمون في مورد القرض بالمثل،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص:

167

فعن التحرير ما تماثلت اجزائه (1) و عن الروضة انه المتساوي الاجزاء (2) و عن غاية المراد انه ما تساوى اجزائه (3)

______________________________

و الحاصل حكمه (ره) بان ما يصح فيه السلم من القيميات، إذا وقع مورد القرض، يكون مضمونا بالمثل، فرض لوجود المثل للقيمي.

(1) لا يخفى ان هذا مثل التعريف السابق، فان تماثل الافراد و تقارب صفاتها يكون في المثليات، و القيميات، و لو باعتبار افراد الصنف، و بعبارة أخرى ان أريد التماثل من جميع الجهات، فلا يعم التعريف جميع المثليات، و ان أريد التقارب فيها، فيشمل القيميات ايضا.

(2) و هذا بظاهره أخص من التعريف المتقدم، حيث أخذ فيه مع تساوى الافراد، تساويها في المنفعة، و تقاربها في صفاتها، اللهم الا ان يقال تقييد التساوي في التعريف المتقدم بالقيمة في قوة ذكر تساويها في المنفعة، و تقاربها في الصفات، و عليه فيرد على هذا التعريف ما أورد به على سابقيه.

(3) و هذا أعم من التعريف المتقدم، حيث ان هذا يعم جميع المثليات و القيميات، فإن الأفراد فيهما مشتركة في الحقيقة النوعية، كما ان ما ذكره بعض العامة من ان المثلي ما قدر بالكيل و الوزن، غير تام، فان التقدير بهما ربما يكون في القيمي، كبعض الفواكه، و التقدير بالعد ايضا يكون في المثلي كالثوب، و مثله ما عن بعض آخر منهم، من جواز بيعه سلما، فإن القيمي أيضا يجوز بيعه سلما فيما لا يكون التوصيف موجبا لندرة وجوده، و كذا ما عن ثالث منهم من اضافة بيع بعضه ببعض، فان جواز هذا البيع لا يختص بالمثليات.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 168

فلا بد من ملاحظة ان الأصل الذي يرجع (1)

______________________________

أقول الأظهر ان

يقال ضمان التالف اما بالمثل أو القيمة و الأول- في موارد عدم ندرة المثل للتالف غالبا و الثاني- في موارد ندرته كذلك، و المراد بالمثل هو القريب الى التالف في الأوصاف التي تكون بها المالية أو زيادتها، لا سائر الخصوصيات التي قد يتعلق غرض شخصي بالشي ء باعتبارها، و ربما يزيد بها الثمن عند شرائه، و لكن لا تكون الخصوصية المزبورة منظورة مقصودة للعقلاء الراغبين في الشي ء المزبور.

و لو أحرز ان المال بالإضافة إلى التالف كذلك، و لم يكن وجوده عزيزا نوعا، بحيث لا يعد الظفر به من الاتفاق، فالمال مثلي و في صورة عزة وجوده و ندرة الظفر به فالمال قيمي، كبعض الجواهر فلو تراضى المالك و الضامن في الأول على القيمة فهو، و الا فلا يستحق المالك غير المطالبة بالمثل، كما أنه في الثاني لا يستحق إلا المطالبة بالقيمة، و ليس له إلزامه بدفع المثل، و ان اتفق تيسر تحصيله فإن عمدة الدليل على الضمان في مورد الكلام سيرة العقلاء و مقتضى سيرتهم في موارد ضمان التلف و الإتلاف ما ذكرنا فلاحظ.

(1) أقول مقتضى القاعدة في مورد دوران التالف بين المثلي و القيمي، هو تخيير الضامن، و بيان ذلك ان العلم الإجمالي الحاصل للضامن يكون ذمته مشغولة إما بالمثل أو القيمة و ان كان من قبيل العلم الإجمالي بالتكليف بين المتباينين، الا انه لا ينبغي الريب في انه لا يجب على الضامن دفع المثل أو القيمة معا، لعدم وجوب هذا الاحتياط في الماليات، و ليس دوران الأمر بين استحقاق المالك القيمة أو المثل من دوران الأمر بين الأقل و الأكثر، بأن يكون الثابت في ذمته مطلق مالية التالف أو ماليته في ضمن المثل ليكون

دفع المثل احتياطا، و دفع القيمة عملا بأصالة البراءة،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 169

..........

______________________________

و ذلك لان المراد بالمالية في المقام، ليست هي القيمة في ضمن أي شي ء، بل بالنقود المتعارفة للاثمان، كالدراهم، و الدنانير، و دوران الأمر بين القيمة كذلك و بين المثل من قبيل المتباينين، و بعد فرض عدم وجوب الموافقة القطعية في المقام بدفع القيمة و المثل معا، تصل النوبة إلى الموافقة الاحتمالية، باعتبار العلم بعدم جواز إهمال الموافقة رأسا.

لا يقال كيف يجوز للمالك أخذ ما يختاره الضامن، حيث يحتمل ان يكون المدفوع اليه غير ما يستحقه.

فإنه يقال دفع الضامن واحدا من المثل أو القيمة باعتبار انه اما عين ما يستحقه المالك عليه أو عوض عنه، فيجوز للمالك أخذه، اما لانه عين ماله أو بدله بجعل الضامن مع ان للمالك أخذه تقاصا من ماله على تقدير كونه غير ما يستحقه على الضامن لان الضامن لا يدفع اليه ذلك المال.

و دعوى تخيير المالك فإنه مقتضى قاعدة الاشتغال الجارية في حق الضامن حيث ان المالك إذا رضي بالمثل فدفعه اليه مبرء لذمة الضامن قطعا فإنه ان كان عين ما يستحقه عليه فهو و ان كان ما يستحقه عليه هي القيمة فقد رضى المالك منها بالمثل على الفرض و هذا بخلاف ما إذا رفع اليه غير ما اختاره فإنه يحتمل عدم فراغ ذمته مدفوعة بأنه لم يتم دليل على وجوب تفريغ الذمة في الفرض على الضامن لعدم تنجز التكليف المعلوم بالإجمال بوجوب موافقته القطعية و انما الثابت في حقه في الفرض لزوم الموافقة الاحتمالية، حتى لا يمنع الغير قطعا عما يستحقه عليه، و لذا لو طالب المالك بغير المثل أو القيمة في

الفرض بأن رضي عن عوض التالف المردد بين كونه مثليا أو قيميا بثوب الضامن مثلا فلا يجب على الضامن دفع الثوب المزبور بدعوى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 170

و ربما يناقش في الآية بان مدلولها (1).

______________________________

انه يجب عليه تفريغ ذمته و ان التالف لو كان قيميا فقد رضى المالك من قيمته بالثوب، و ان كان مثليا فقد رضى به من المثل.

و بالجملة كما لا يجب على الضامن في المقام الموافقة القطعية بدفعه القيمة و المثل معا كذلك لا يجب عليه تحصيل رضا المالك، بل الثابت في حقه الموافقة الاحتمالية بل إذا أخذ المالك ما دفع اليه يحصل فراغ ذمة الضامن لما ذكرنا من كونه اما عين ما يستحقه أو بدله جعلا أو تقاصا من المالك و اما احتمال تخيير المجتهد في الإفتاء بضمان المثل أو القيمة في صورة تشاح الضامن مع المالك فلا دليل عليه بل لو قيل بجواز تخيير المجتهد في الإفتاء فهو في مورد تعارض الخبرين و تكافؤهما لا مثل المقام من موارد فقد النص و عدم وجوب الاحتياط في الواجب الدائر بين المتباينين و عن السيد الخوئي (طال بقاه) انه يقرع عنه دوران التالف بين كونه مثليا أو قيميا أخذا بما دل على انها لكل أمر مشكل.

و لكن لا يخفى ما فيه، فإنه لا اعتبار بالقرعة في الشبهات الحكمية و منها المقام سواء كان أمكن فيها الاحتياط أم لا و لذا لم يذكر هو و لا غيره في دوران الأمر بين المحذورين في موارد الشبهة الحكمية تعين القرعة.

(1) و لعل مراد القائل ان كلمة ما في قوله سبحانه بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ مصدرية فيكون التقدير فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا

عَلَيْهِ مثل اعتدائه، مثلا إذا أتلف الغير مال أحد يجوز له إتلاف مال ذلك الغير و ان أخذ ماله فيجوز له أخذ مال ذلك الغير، و اعتبار المماثلة في الاعتداء كذلك لا ينفع في المقام، فان المهم في المقام إثبات المماثلة في المال المعتدى به و لو أتلف كتابه فالدعوى انه يجوز له أخذ ذلك الكتاب منه لا إتلاف كتابه عوضا هذا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 171

..........

______________________________

و لكن المناقشة غير تامة فإن صدر الآية قرينة على كون المراد المماثلة في المعتدى به النفس بالنفس و العين بالعين و الاذن بالأذن الى غير ذلك و لا يعتبر المماثلة في الاعتداء و لو قتله بالحرق أو الخنق فلا يكون القصاص الا القتل بالسيف لا بالحرق أو الخنق، و لعله (ره) أشار الى ذلك بقوله (و فيه نظر) و لكن مع ذلك لا دلالة للاية على الضمان حتى في مورد الإتلاف عمدا فضلا عن التعدي إلى سائر الموارد و ذلك فان المراد بالاعتداء في قوله سبحانه هي الجزاء على المعتدى بالكسر و إطلاق الاعتداء عليها بهذا الاعتبار نظير ما ورد في بعض روايات الاستصحاب من قوله عليه السلام (و لكن ينقض الشك باليقين) فإن إطلاق النقض في مورد الشك مع انه لا إبرام و لا استحكام في الشك باعتبار المقابلة لليقين حيث يطلق فيه النقض لابرامه و استحكامه، فالمستفاد من الآية انه لو أتلف الغير مال أحد عدوانا يجوز له استيفاء مثل المال المزبور من المعتدى بان يتملك ذلك المثل من المعتدى بالأخذ منه و لو بالمقاصة أو قهرا عليه و المناسب لذلك إرادة المماثلة و لو في المقدار فقط و من الظاهر ان

جواز أخذ هذا المثل لا يرتبط بضمان المعتدى المثل بالمعنى المتقدم أو القيمة بالنقود المتعارفة، بل لا يرتبط بأصل الضمان أيضا بأن يكون المعتدى عليه مالكا على ذمة المعتدى المال، فإنه يمكن الالتزام بجواز الأخذ من مال المعتدى و تملكه و لو قهرا عليه نظير تملك اللقطة من دون اشتغال ذمة المعتدى كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 172

كما في المثالين المتقدمين (1).

كما في المثال الثالث (2) فحاصل الكلام ان ما اجمع على كونه مثليا (3).

______________________________

(1) اى مثال الإتلاف من الكرباس المنسوخة بنحو واحد و مثال إتلاف عبد و له بذمة مالكه عبد موصوف بصفات التالف. أقول- قد مر أن وجدان المثل نادرا بحيث يكون الظفر به من المصادفة و الاتفاق، لا يعتبر عند العقلاء، فدعوى انصراف إطلاق الضمان إليه في بعض ما ورد في التلف و الإتلاف ضعيفة.

(2) أي ما إذا فرض نقصان المثل عن التالف نقصانا فاحشا بتنزل القيمة السوقية، حيث ان مقتضى العرف و الآية تعين قيمة التالف عند تلفه، مع ان المشهور على ضمان التالف بالمثل.

(3) و الوجه في تعين الضمان بالمثل في مورد التسالم على كون التالف مثليا و في تعين الضمان بالقيمة في مورد التسالم على كونه قيميا، هو الأخذ بالإجماع فإن مقتضاه الضمان في المثلي بالمثل حتى فيما إذا نقص مالية التالف بتنزل القيمة السوقية.

و يشهد لذلك مع الإجماع المشار اليه الخبر الوارد في ان اللازم على من عليه دراهم و أسقطها السلطان و زوج غيرها هي الدراهم الاولى «1» حيث ان إسقاطها يوجب تنزل قيمتها. لا سقوطها عن المالية رأسا لكون موادها فضة، و لكنه مع إمكان الخدشة في سنده معارض بغيره

مما يدل على ان على المديون الدراهم التي روجها السلطان بعد إسقاط الاولى.

______________________________

(1) الوسائل- الجزء (12) الباب (20) من أبواب الصرف.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 173

ذكر القواعد انه لو لم يوجد (1).

______________________________

و في موارد عدم التسالم يرجع الى المستفاد من آية الاعتداء و منصرف إطلاق الضمان فتكون النتيجة الضمان بالمثل مع عدم السقوط أو النقص عن ماليته و مع أحدهما يكون المتعين هي القيمة كما مر بيانه في تقرير النسبة بين مفاد الآية و منصرف الضمان و بين ما عليه المشهور.

أقول قد ذكرنا ان الأظهر في مورد تردد التالف بين كونه مثليا أو قيميا هو تخيير الضامن، فان اشتغال ذمته بواحد من المثل أو القيمة و ان يكون من قبيل دوران الواجب بين المتباينين، الا ان التكليف الواقعي لا يجوز عقلا مخالفته القطعية.

و اما موافقة القطعية فغير لازمة في الفرض، لحكومة قاعدة نفى الضرر على التكليف الواقعي في فرض بقائه بعد أداء الضامن أحد الأمرين من المثل أو القيمة لأنه يجب عقلا مع بقاء التكليف أداء الآخر، و حيث لا يعلم بقائه فيجتمع عند المالك المثل أو القيمة معا، و هذا ضرر على الضامن، و لا يكون انتفاء التكليف بقاعدة الإضرار منافيا للامتنان على المالك، لان الضرر على المالك يكون بحسب المالية و المفروض ان مالية التالف متدارك بالمثل أو القيمة.

(1) قال في القواعد انه لو لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل ففي وجوب الشراء تردد انتهى و ذكر المصنف (ره) صورتين: الاولى- ما إذا كانت زيادة قيمة المثل باعتبار تغيير القيمة السوقية و اختار في هذه وجوب تحصيل المثل، فإنه مقتضى عموم ما دل على ضمان المثلي بالمثل

كآية الاعتداء، بل ليس في هذا اشكال و لا خلاف.

و ما ذكر في القواعد من التردد لا يعمها، فان المثل فيها يوجد بقيمته السوقية و بثمن المثل، و يؤيد الحكم ما ورد في ضمان المثل في الدراهم التي أسقطها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 174

ثم انه لا فرق جواز مطالبة المالك (1).

______________________________

السلطان، لان الدراهم باعتبار كون موادها فضة لا تسقط عن المالية بسقوط سكتها عن الاعتبار و لكن تنقص به ماليتها و إذا كان ضمان المثلي بالمثل مع نقص قيمته، كان ضمانه به مع زيادتها أيضا لأن احتمال الفرق بعيد.

الصورة الثانية ان لا تكون زيادة في قيمته السوقية بل الزيادة باعتبار قلة وجود المثل و عدم وجدانه الا عند من يعطيه إلا بالزيادة و ظاهر عبارة القواعد هذه الصورة و ذكر (ره) ان الأقوى في هذا الفرض ايضا تحصيل المثل أخذا بما ذكر في الوجه السابق من كونه مقتضى الآية و منصرف إطلاق الضمان.

أقول لا يبعد القول بانتقال الأمر إلى قيمة المثل أو الصبر الى ان يوجد المثل بقيمة السوقية فإن تكليف الضامن بتحصيل المثل و لو بأضعاف قيمته السوقية يكون احجافا و ضررا عليه و بعبارة أخرى الزائد على القيمة السوقية بشراء المثل بأضعاف قيمته ضرر على الضامن فينفى وجوبه بقاعدة لا ضرر كما ينفى به وجوب شراء الرقبة أو الهدى بأضعاف قيمتها.

و دعوى اقدام الضامن على الضمان فلا يعمه قاعدة اللاضرر مدفوعة بأن إقدامه على الضمان بالمسمى لا يكون اقداما على الضرر المزبور نعم في جريان ما ذكر في الغاصب تأمل كما انه لو أقدم الضامن بشراء المثل و تحمل الضرر فللمالك المطالبة بالمثل.

(1) قد ذكرنا سابقا في بيان

المثلي انه ليس المأخوذ في المثل جميع خصوصيات التالف بل الخصوصية التي لها دخل في المالية أو زيادتها و نقصانها و عليه فلو كان قبض التالف في مكان يكون العين فيها أرخص بكثير من مثلها الموجود في بلد آخر يكون خصوصية كونها في بلد التالف مأخوذا في مثلها و لو طالب المالك الضامن في بلد آخر يكون المطالب به هو المثل في بلد التالف فعلى المالك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 175

فمقتضى القاعدة وجوب دفع القيمة (1).

______________________________

الصبر الى دفع المثل في ذلك البلد أو الأخذ في بلد المطالبة بقيمة المثل الموجود في بلد التالف.

و هذا كما ذكرنا مع اختلاف البلاد في القيمة بالفاحش و اما مع عدمه فلا يؤخذ في المضمون خصوصية بلد القبض أو غيره فيكون للمالك المطالبة بالمثل في كل بلد لا يختلف مع بلد التالف في القيمة.

(1) يقع الكلام في المقام في جهتين الاولى جواز مطالبته المالك مع تعذر المثل بالقيمة و الثانية تعيين القيمة التي يستحق المالك المطالبة بها و ذكر المصنف (ره) في الجهة الاولى ان جواز مطالبة المالك بقيمة المثل مقتضى الجميع بين أمرين حق المالك في عدم جواز منعه عن وصوله الى حقه و عدم إلزام الضامن بالمثل مع عدم تمكنه أو كون تحصيله حرجا عليه مع ان المستفاد من آية الاعتداء جواز مطالبة القيمة مع تعذر المثل حيث ان القيمة مع تعذر المثل تعد مثلا فلا يكون أخذها اعتداء بالأزيد.

أقول يرد على الأول بان ما على الضامن هو المثل فلا يجوز منع المالك عن ماله المفروض كونه مثلا لا عن القيمة بالنقود التي تعد بالإضافة إلى المثل من المتباينين لا الأقل و الأكثر

و آية الاعتداء لا دلالة لها على المثل المطلوب في المقام كما مر سابقا و ذكر السيد الخوئي طال بقاه ان للمالك حق المطالبة بالخصوصيات و الجهات الموجبة للمالية في المال المفروض تلفه و إذا رفع يده عن حقه هذا بمطالبته بأصل مالية التالف فله ذلك و لذا لا يجب على المالك قبول القيمة عند تعذر المثل و ليس للضامن إلزامه بأخذها بل له الصبر الى حين وجدان المثل و فيه ما تقدم من ان إعطاء المالية بالنقود أمر مباين لأداء المثل و حق المالك هي المطالبة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 176

و يؤيد ما ذكرنا (1)

______________________________

بالثاني دون الأول و لذا لا يجب في المثلي إعطاء القيمة مع مطالبة المالك بها و وجود المثل خارجا و لو كان المطالبة بالجهات و الخصوصيات مجرد حق المالك لكان اللازم على الضامن إعطاء القيمة مع التمكن على المثل و الصحيح ان جواز مطالبة المالك المثل بقيمته عند تعذره أو تعسره بسيرة العقلاء الجارية في موارد الضمانات حيث ان بنائهم على ان للمالك حق المطالبة بالقيمة أو الصبر الى وجدان المثل و لم يردع الشرع عن ذلك.

(1) يعني يؤيد ان المطالبة بالقيمة عند تعذر المثل حق للمالك و ليس للضامن إجباره على أخذها ما عن الأكثر في باب القرض ان المعتبر في المثل المتعذر قيمته يوم المطالبة فإن هذا الكلام يشير إلى انه لو لم يطالب المالك لما تعين دفع القيمة.

نعم ذكر بعضهم ان المعتبر في المثل المتعذر قيمته يوم الدفع و لا إشارة في ذلك الى كون المطالبة حقا للمالك و ليس للضامن إجباره على أخذ القيمة و ذكر (ره) في الجهة الثانية ان

المثل لا يسقط عن عهدة الضامن بمجرد تعذره بل المثل المتعذر كالدين في عدم سقوطه عن عهدة المديون بعدم تمكنه على الأداء.

و لو كان تعذر المثل موجبا لسقوط المثل و اشتغال الذمة بالقيمة لكان المتعين قيمة المثل يوم تعذره فإنه يوم الانتقال إلى القيمة و يترتب على بقاء المثل على عهدة الضامن انه على تقدير مطالبة المالك يتعين قيمة المثل يوم الدفع حيث ان دفعها دفع للمثل بماليته و لكن أورد (ره) على بقاء المثل في العهدة بان آية الاعتداء و انصراف الضمان الوارد في بعض الموارد مقتضاهما انقلاب العهدة بتعذر المثل إلى القيمة حيث ان مقتضاهما تعين أداء أقرب الأموال التالف و كما تكون القيمة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 177

..........

______________________________

أقرب الأموال إلى التالف عند تعذر المثل من أول الأمر كذلك تكون أقرب الأموال إليه بالتعذر فيما بعد و التفرقة بين تعذر المثل من الابتداء و طريان التعذر عليه فيما بعد تحكم.

أقول المثل للتالف على ما تقدم عبارة عن البدل الذي يقارب التالف في الجهات التي كانت موجبة لماليته أو زيادتها أو نقصانها و يقال للتالف المثلي فيما إذا كان وجدان البدل له كذلك نوعيا و لا يعتبر كونه دائميا كما انه يقال للتالف القيمي باعتبار كون البدل له كذلك نادرا لا نوعيا.

و عليه ففي مورد تلف المثلي في اليد أو إتلافه يكون اشتغال الذمة بالمثل و لو كان المثل متعذرا لما ذكرنا من ان الاعتبار في اشتغال الذمة بالمثل وجدانه نوعا لا دائما و إذا كان الحال في التعذر من الابتداء كذلك فطريان التعذر فيما بعد لا يزيد على ذلك و لا يوجب سقوط المثل على العهدة بل تبقى

مشغولة به و لازمه أدائه بقيمة يوم الدفع حيث ان أدائها أداء للمثل بماليته.

و عن السيد اليزدي (طاب ثراه) ان نفس العين في موارد ضمانها تكون على العهدة و لا يعتبر في اشتغال الذمة بها التمكن على أدائها بلا فرق بين كونها قيمية أو مثلية و لا يصح ما عليه المشهور من انتقال المثل إلى العهدة في المثلي و القيمة في القيمي بل يكون إعطاء القيمة أداء للعين بماليتها كما في القيمي أو مع بعض خصوصياتها كما في المثلي و يشهد لذلك حديث على اليد ما أخذت حتى تؤدى فإن ظاهره كون المأخوذ بنفسه على العهدة لا مثله و لا قيمته و على ذلك فيعتبر القيمة يوم الدفع حيث ان أداء القيمة المزبورة أداء للعين بماليتها.

أقول حديث على اليد لضعفه لا يمكن الاعتماد عليه كما مرو الضمان في بناء العقلاء يكون باشتغال الذمة بالمثل أو القيمة و شاهد ذلك ملاحظة مورد القرض فان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 178

ثم ان في المسئلة احتمالات أخر (1)

______________________________

القرض في حقيقته تمليك العين للآخر مع اعتبار اشتغال عهدة الآخر بمثلها أو قيمتها لا بنفس تلك العين حيث انها صارت ملكا للمقترض و لا يتفاوت الضمان في اعتبار العقلاء بين مورد القرض و سائر موارده من موارد الإتلاف أو التلف.

(1) ذكر في القواعد في المثلي المتعذر مثله احتمالات و عن ولده في الإيضاح تقوية بعضها و عن بعض الشافعية بعضها الآخر.

و أضاف المصنف ره إليها بعض الاحتمالات الأخرى مع الإشارة إلى مبانيها و الاحتمالات كما تلي: الاحتمال الخامس- على ما في القواعد هو اعتبار قيمة المثل يوم تفريغ الذمة و هذا مبنى على بقاء المثل على

العهدة و عدم سقوطه بالإعواز أى تعذره و الاحتمال الثاني- في كلام القواعد مبنى على انقلاب المثل إلى القيمي بالتعذر مع ضمان أعلى قيم المثل من زمان ضمانه يعنى زمان تلف العين الى زمان تلف المثل و هو زمان إعوازه و تعذره و لو قيل في القيمي بقيمة يوم الضمان تعين قيمة المثل يوم تلف العين فان زمان تلفها زمان ضمان المثل كما انه لو قيل في القيمي بكون العبرة بزمان التلف فالعبرة بقيمة المثل يوم إعوازه فإنه زمان تلف المثل.

و الاحتمال الأول في كلام القواعد مبنى على انقلاب العين التالف إلى القيمي بعد كونها مثليا فيعتبر أعلى القيم من يوم غصب تلك العين الى زمان تلفها و يحتمل ضمان يوم غصبها.

أقول فات عن المصنف (ره) اضافة احتمال قيمة يوم تلف العين.

و الاحتمال الثالث في كلام القواعد مبنى على انقلاب الجامع بين العين التالفة و المثل المتعذر إلى القيمي و المراد ضمان المالية التي تحصل بالعين و المثل فيجري احتمال ضمان أعلى القيم من زمان غصب العين الى زمان تعذر المثل و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 179

و حاصله ان وجوب دفع قيمة المثل يعتبر (1) فاعلم ان المناسب لإطلاق كلامهم (2)

______________________________

إعوازه.

و الاحتمال الرابع مبنى على ضمان الجامع بين المثل و العين التالفة مع عدم تبدل المثل إلى القيمة مع التعذر بل يبقى المثل على العهدة إلى زمان دفعه بالقيمة و لذا لو صبر المالك الى وجدان المثل استحقه.

(1) يعنى يعتبر في القيمة المدفوعة على الاحتمال الرابع أعلاها من زمان وجوب دفع المثل و هو زمان مطالبة المالك بالقيمة إلى زمان حدوث ضمان العين أى زمان غصبها فيعتبر دفع أعلى القيم

المفروضة في هذه المدة و لا يخفى ان مقتضى ذلك اعتبار أعلى القيم من زمان غصب العين الى زمان مطالبة المالك لا الى زمان دفع القيمة كما هو المدعى و لعل (ره) أشار الى ذلك بقوله فافهم.

(2) هذا تعرض للصحيح من الاحتمالات المتقدمة و حاصله ان مقتضى الالتزام ببقاء المثل على العهدة حتى بعد تعذره هو قيمة يوم الدفع و مقتضى آية الاعتداء و انصراف الضمان إلى أقرب الأموال إلى التالف هو صيرورة نفس التالف قيميا عند تعذر المثل فيكون الاعتبار بقيمة العين التالفة يوم إعواز المثل إذ قبل ذلك اليوم كانت العين التالفة مثلية و لا يعتبر القيمة في المثلي و على مسلك أعلى القيم يكون الاعتبار بأعلى القيم من زمان ضمان العين إلى صيرورة تلك العين قيمية.

و الى ذلك أشار المصنف (ره) بقوله (و لو قلنا بضمان القيمي بأعلى القيم إلخ) يعني بناء على اعتبار أعلى القيم من زمان غصب العين الى زمان تلفها توجه فيما نحن فيه ضمان اعلم القيم من حين ضمان العين التالفة أي من زمان غصبها الى زمان إعواز مثلها و الوجه في حساب أعلى القيم الى زمان إعواز المثل مع فرض تلف العين قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 180

و يقال على المحقق المذكور (1)

______________________________

ذلك ما أشار (ره) اليه بقوله (كما أن ارتفاع القيمة إلخ) يعني كما ان زيادة القيمة قبل تلف العين مضمونة بشرط تعذر رد العين حيث ان مع رد العين لا يضمن الغاصب شيئا حتى لو كانت قيمتها زمان ردها عشر قيمتها يوم غصبها و بتعبير آخر أداء العين برد نفسها متدارك (بالكسر) ارتفاع القيمة السوقية فكذلك رد المثل في المثليات

متدارك (بالكسر) ضمان ارتفاع القيمة من يوم غصب العين الى زمان تلفها و بالجملة ارتفاع القيمة في المثلي مضمون بشرط عدم رد العين و عدم رد المثل فيكون رد المثل متداركا لارتفاع القيمة في المثلي و إذا تعذر المثل يكون الارتفاع مضمونا مطلقا فيعتبر قيمة العين الى هذا الزمان باعتبار ان العين و لو كانت تالفة قبل ذلك الا ان كونها قيمية حدثت في الزمان المزبور.

هذا مع القول بانقلاب المثلي إلى القيمي بتعذر المثل و اما بناء على بقاء المثل على العهدة حتى بعد تعذره يكون زيادة القيمة مضمونة الى زمان تفريغ الذمة بدفع القيمة.

أقول لا يخفى بناء على صيرورة العين التالفة قيمية و كون الاعتبار في القيمي بيوم التلف يكون اعتبار القيمة يوم إعواز المثل و لكن المعتبر قيمة يوم تلف العين كما انه لو قيل في القيمي بالقيمة يوم الغصب يكون المعتبر بعد إعواز المثل تلك القيمة و على أعلى القيم يكون المعتبر أعلاها من زمان غصب العين الى زمان تلفها.

و بالجملة اشتبه على المصنف (ره) ظرف الاعتبار بظرف المعتبر.

(1) ذكر المحقق الثاني انه لو كان المثل متعذرا عند تلف العين يتعين قيمة زمان التلف انتهى أي قيمة العين زمان تلفها و بعبارة أخرى تكون العين المزبورة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 181

ثم ان المحكي عن التذكرة ان المراد بالإعواز (1).

______________________________

كسائر القيميات و لا يكون في الفرض اشتغال الذمة بالمثل و بقائه على الذمة إلى زمان أدائه بماليتها كما ذكروا في صورة طريان تعذر المثل في الأثناء فيقال عليه بان لازم ذلك انه لو كان المثل عند تلف العين متعذرا و وجد بعد ذلك فلا يكون للمالك حق مطالبة

المثل لان المفروض حدوث الضمان بالقيمة من الأول كسائر القيميات و لكن الإيراد غير صحيح لان للمحقق الثاني ان يلتزم بصيرورة العين بوجدان المثل مثليا كسائر المثليات بعد كونها قيمية و لعله الى ذلك يشير المصنف (ره) بقوله و فيه تأمل الى في الإيراد على المحقق بما ذكر تأمل.

(1) أقول قد ذكرنا اشتغال الذمة بالمثل في المثلي حتى عند التعذر من الابتداء أو في الأثناء غاية الأمر مع التعذر يسقط حق المالك عن المطالبة بالمثل فعلا الا بماليته و على ذلك فان كان في البين تعذر أداء المثل بالإضافة إلى الضامن أو كان تحصيله حرجا أو إجحافا عليه فمقتضى قاعدة اللاحرج أو اللاضرر سقوط حق المالك فعلا عن المطالبة بالمثل الا بقيمته و لو لم يكن ذلك فمقتضى حرمة مال المسلم و ما دل على وجوب أداء الدين وجوب دفع المثل فلا يتم ما ذكره في التذكرة من ان المراد بإعواز المثل عدم وجدانه في البلد و ما حوله و ما عن جامع المقاصد من الرجوع فيه الى العرف فان مع مطالبة المالك بالمثل و تمكن الضامن عليه بلا حرج أو إجحاف فعليه رد المثل سواء كان في العرف إعواز أم لا فإن العبرة بتمكن شخص الضامن لا إعوازه في العرف كما هو الحال في سائر التكاليف المشروطة بالتمكن و على ذلك فلو لم يكن مثل التالف الا عند الضامن فقط فعليه رده على المالك مع مطالبته.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 182

ثم ان في معرفة قيمة المثل (1).

ثم انك قد عرفت ان للمالك (2).

______________________________

(1) قد تقدم ان المثل مع وجوده يتعين دفعه سواء كان عزيز الوجود أم لا نعم لا بد

من كونه بحيث يباع بالقيمة السوقية و الا تكون الوظيفة دفعه بقيمته السوقية كما إذا كان عند من لا يبيعه إلا بأضعاف قيمته السوقية و تقدم ان الميزان في قيمة المثل بيوم الدفع فيتعين في الفرض إعطاء قيمته السوقية التي حال عزة وجوده و اما إذا لم يكن للمثل وجود أصلا فلا بد في تعيين قيمته السوقية من فرض وجوده في السوق ثم دفع القيمة و لا موجب في حساب قيمته فرض عزة وجوده فان مع وجود المثل يكون رده موجبا لارتفاع الضمان و لو كانت له في الأول عزة الوجود و باعتبارها كانت قيمته السوقية أزيد و عند دفعه لم يكن بتلك العزة و كان في قيمته نقصان و إذا كان دفع المثل بنفسه كذلك فما الوجه في فرض عزة الوجود له في دفع ماليته يوم لا يكون فيه في السوق مثل أصلا.

و بعبارة أخرى لا يوجب أمر دفع الأزيد لقيمة المثل في الفرض الا ان يكون ذلك للاحتياط أو استصحاب عدم فراغ العهدة بدفع الأقل فتدبر.

(2) و حاصله ان مع تعذر المثل في بلد تلف العين و وجدانه في بلد آخر يجوز للمالك المطالبة بالمثل فيه سواء كانت قيمة المثل في ذلك البلد مساويا للمثل في بلد الضمان أو زائدة عليها و هل مع تعذر المثل في ذلك البلد للمالك المطالبة بقيمة ذلك البلد فيحتمل تعين قيمة بلد الضمان و قيمة المثل لبلد المطالبة و تخيير المالك بينهما فيجوز له المطالبة بالأزيد منهما.

و عن الشيخ (ره) في مبسوطه في باب الغصب انه مع عدم المؤنة في نقل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 183

..........

______________________________

المثل الى بلد المطالبة من بلد التلف

فله المطالبة بالمثل و لو كانت القيمة في بلد المطالبة أزيد و اما إذا كانت في نقله إليه مؤنة يكون له المطالبة بها بشرط تساوى القيمتين و مع عدم تساويهما فلا يجوز له الا المطالبة بقيمة بلد التلف أو الصبر إلى أداء المثل بنفسه فيه.

أقول قد تقدم منع أصل الحكم الذي ذكره المصنف (ره) و انه مع وجدان المثل في بلد المطالبة و تفاوت قيمته مع قيمة بلد التلف لا يكون الموجود في بلد المطالبة مثلا ليستحق المالك المطالبة به و مع عدمه المطالبة بقيمته بل عليه الصبر الى وجدان المثل في بلد العين أو المطالبة بقيمة المثل في ذلك البلد و الى ذلك يرجع ما ذكر الشيخ (ره) في مبسوطه في كتاب الغصب.

و بالجملة اختلاف البلاد في قيمة الشي ء باختلاف فاحش يوجب ان لا يكون الا زيد قيمة في بلد مثلا للتالف في بلد آخر نعم التفاوت في القيمة في بلد بحسب الأزمنة اى باعتبار الفصول غير معتبر كما إذا تلف المثلي في زمان كانت قيمته أقل ثم زادت فإنه يجب في الفرض أداء المثل و مع تعذره أدائه بقيمته يوم الأداء و لا عبرة باختلاف قيمته بحسب زماني الضمان و الأداء.

نعم يعتبر بقاء أصل المالية في المثل و لو سقط عن المالية رأسا أو كان كالساقط كالنقود المرسومة فعلا فإنها بعد سقوطها عن الاعتبار تكون عند العقلاء تالفة و لا يكون رد العين موجبا لارتفاع الضمان فضلا عن أداء مثله.

و السر في ذلك ان الضمان في اعتبارهم في الأشياء في موارد التلف و الإتلاف باعتبار ماليتها و مع سقوط الشي ء عن المالية يكون الشي ء المزبور من القيميات التي يأتي الكلام في كون العبرة

فيها بالقيمة يوم الضمان أو التلف أو الأداء.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 184

كالماء على الشاطى (1).

لأن القيمة بدل الحيلولة (2) و لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا (3)

______________________________

(1) قد ذكرنا سابقا انه يؤخذ خصوصية المكان في المثل فيما إذا كانت تلك الخصوصية دخيلة في المالية و عليه فالماء على الشاطى لا يكون مثلا للتالف في المفازة ليتوهم ارتفاع الضمان بدفعه.

نعم لو كانت عين ذلك الماء موجودة فيجوز دفعها ما لم تسقط عن المالية و بعد سقوطها عنها فيدخل في فرض تلفها و على ذلك فلا بد من إعطاء الماء الآخر في المغازة المزبورة أو الإعطاء في الشاطى بقيمته في تلك المفازة.

(2) لا يخفى انه بناء على تصوير بدل الحيلولة فهو في المقام غير محتمل الا على مسلك بقاء المثل على العهدة حتى بعد إعوازه ليكون دفع القيمة من قبيل بدل الحيلولة بين المالك و ماله و هذا بخلاف ما إذا قيل بالانقلاب إلى القيمة سواء كانت القيمة بدلا عن العين أو عن المثل فإنه على الانقلاب يتعين حق المالك في القيمة و لا يكون مالكا إلا القيمة التي تسلمها بعد تعذر المثل و ليس له حق آخر على العهدة ليقال بان له المطالبة به.

(3) الضمان في القيميات بمعنى اعتبار قيمة التالف دينا على عهدة الضامن في مقابل المثلي الذي يكون الدين على عهدته هو المثل.

و قد ذكرنا سابقا ان الاعتبار في كون التالف مثليا ليثبت المثل على العهدة وجدان المثل نوعا و لا يعتبر وجدانه دائما فلا يضر على اعتبار المثل على العهدة عدم وجدانه أحيانا و يعتبر في كون التالف قيميا عدم وجدان المثل له نوعا و ان وجد

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 185

..........

______________________________

أحيانا بحيث يكون الظفر عليه من الاتفاق.

و ما ذكر المصنف (ره) من ان المتيقن من إطلاقات الضمان الدالة على اعتبار القيمة صورة تعذر المثل لا يمكن المساعدة عليه فان الشارع لم يتصرف في طور الضمان في المثلي أو القيمي و لا موجب لانصراف الإطلاق في بعض ما ورد بضمان القيمة إلى صورة تعدر المثل كيف و قد جرت سيرة العقلاء على اعتبار القيمة دينا في مال لا يوجد له مثل نوعا.

و يقتضيه أيضا الإطلاق في صحيحة أبي ولاد الآتية الدالة على ضمان البغل بقيمته فإنها تعم ما إذا كان للبغل المفروض مثل أولا و كذا قوله (ع) في رواية عتق الحصة من العبد المشترك و ما ورد في ضمان الرهن بتفريط المرتهن.

و ما ذكر المصنف (ره) في وجه اعتبار القيمة في القيمي مطلقا من الرجوع الى الإجماع ضعيف لعدم ثبوت إجماع و على تقديره فليس من الإجماع التعبدي بحيث يحرز اعتمادهم على أمر تعبدي قد وصل إليهم و لم يصل إلينا بل الوجه عندهم هي السيرة أو بعض الروايات المشار إليها كما لا يخفى.

و قد ظهر ايضا ضعف ما نسب إلى الإسكافي و حكى عن الشيخ (ره) و المحقق في الخلاف و الشرائع من اعتبار المثل على العهدة في المضمونات مطلقا غاية الأمر يكون دفع المثل بقيمته عند تعذره فإن السيرة أو الروايات المشار إليها كافية في الظهور المزبور.

و عن السيد اليزدي (ره) بقاء العين التالفة على العهدة في المثلي و القيمي و ان انتقال المثل أو القيمة على العهدة لا أساس له بل يكون دفعهما موجبا لفراغ الذمة عن عهدة العين و ذكر ان هذا مقتضى

حديث على اليد ما أخذت حتى تؤدى و ليس في الروايات ما ينافي ذلك اما في الاخبار الدالة على الضمان فواضح فإنه ليس فيها دلالة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 186

..........

______________________________

على اعتبار القيمة أو المثل على العهدة.

و اما الاخبار الدالة على القيمة فليست لها دلالة الا على وجوب دفع القيمة لا اشتغال الذمة بها كما في صحيحة أبي ولاد أو الرواية الواردة في تقويم العبد.

نعم في سقوط الدين بحساب الرهن عند تلفه دلالة على ثبوت قيمة الرهن على العهدة و الا لم يكن سقوط الدين بمجرد تلف الرهن و لكن و لم أعثر على هذا الخبر.

أقول قد تقدم دلالة صحيحة أبي ولاد على ضمان القيمة حتى مع التمكن على مثل البغل المفروض فيها و يأتي بيانه تفصيلا عند التعرض لها كما ان ظاهر موثقة سماعة ضمان القيمة قال سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه فقال هذا فساد على أصحابه يقوم قيمة و يضمن الثمن الذي أعتقه لأنه أفسده على أصحابه «1» فإنه لو لا ضمان العبد بالقيمة لم يكن مجرد تقويمه مصححا لضمان الثمن بالعتق الذي عبر عنه في الموارد بالإفساد على المالك بل لا بد من التعبير بضمان نفس العبد و نحوها غيرها.

و في موثقة ابن بكير قال سألت أبا عبد اللّه (ع) في الرهن فقال ان كان أكثر من مال المرتهن فهلك ان يؤدى الفضل الى صاحب الرهن و ان كان أقل من ماله فهلك الرهن ادى اليه صاحبه فضل ماله و ان كان الرهن سواء فليس عليه شي ء «2» فان ظاهرها ضمان الرهن بالقيمة و لذا ذكر عدم ثبوت شي ء على عهدة المديون أو المرتهن مع

تساوى الدين و الرهن.

______________________________

(1) الوسائل الجزء (16) الباب (18) من أبواب العتق الحديث (5).

(2) الوسائل الجزء (13) الباب (7) من أبواب الرهن الحديث (3).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 187

و ربما يورد عليه ان يوم التلف (1)

______________________________

(1) الإيراد صحيح فان اشتغال الذمة بقيمة العين يحدث يوم تلفها و لكن القيمة التي تكون على العهدة قيمة ذلك اليوم أو غيرها فلا بد من معين و احتمال اشتغال الذمة بالقيمة بحيث يكون المعتبر في كل زمان الى تفريغ الذمة قيمة العين في ذلك الزمان حتى يتعين قيمة يوم الدفع مدفوع بأنه لا عبرة بالأزمنة بعد تلف العين و لذا لو سقطت العين عن المالية بعد ذلك بحيث لو كانت باقية لما كانت لها قيمة يتعين ايضا على الضامن دفع القيمة و لو كان المعيار بالقيمة يوم الدفع لسقط الضمان بانقضاء المالية فافهم.

و لكن مع ذلك لا يلزم اعتبار قيمة يوم التلف بل يحتمل كون المعتبر في زمان تلف العين قيمة يوم غصبها أو أعلى القيم من يوم دخولها في الضمان الى زمان تلفها.

و بذلك يظهر ما في قوله (ره) و مما ذكرنا ظهر ان الأصل في ضمان التالف ضمانه يوم التلف إلخ فإنه كما ذكرنا ليس في البين ما يقتضي كون المعتبر على العهدة من القيمة قيمة يوم التلف.

نعم حدوث الاعتبار يكون ذلك اليوم كما مر و لا يمكن إثبات قيمة ذلك اليوم بالسيرة العقلائية أيضا حيث لم يحرز استقرارها على تلك القيمة بل لو ثبت قيمة يوم الغصب بصحيحة أبي ولاد الآتية فيمكن التعدي إلى سائر موارد الضمان في القيميات اما باعتبار الاتفاق على عدم الفرق بين الضمان في مورد الغصب و بين

المقبوض بالعقد الفاسد كما ادعاه الحلي (ره) أو انه لا يحتمل إلغاء ضمان زيادة القيمة من يوم الضمان الى يوم التلف في مورد الغصب و عدم إلغائها في غيره.

و عن السيد اليزدي ره ان العبرة بقيمة يوم الدفع باعتبار بقاء نفس العين على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 188

..........

______________________________

العهدة إلى فراغها و على تقدير الانقلاب يكون العبرة بيوم التلف فان ضمان قيمته على القاعدة و لا دلالة لصحيحة أبي ولاد على ضمان قيمته يوم الغصب و على تقديرها تكون مختصة بباب الغصب بل يمكن الاستدلال على ضمان يوم التلف بما ورد في تقويم العبد المشترك المعتق من بعض مواليه.

و في صحيحة محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام قال من كان شريكا في عبد أو امة قليل أو كثير فأعتق حصته و لم يبعه فليشتره من صاحبه فيعتقه كله و ان لم يكن له سعة من مال نظير قيمته يوم عتق ثم يسعى العبد في حساب ما بقي حتى يعتق «1».

و في صحيحته الأخرى قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في عبد بين رجلين فحرر أحدهما نصفه و هو صغير و أمسك الآخر نصفه حتى كبر الذي حرر نصفه قال يقوم قيمة يوم حرر الأول و أمر الأول ان يسعى في نصفه الذي لم يحرر حتى يقضيه.

و فيه ما تقدم في دعوى كون قيمة التلف على القاعدة و لا دلالة في الروايتين على اعتبار قيمة ذلك اليوم فان الضمان فيهما من جهة الإتلاف كما في بعض الروايات المروية في ذلك الباب من تعليل ضمان المعتق القيمة لباقي الشركاء مع يساره بأنه لما أفسده على أصحابه أو ضيعة عليهم و لا يختلف

فيه حدوث الضمان و الإتلاف في الزمان فيحتمل ان يكون تعيين قيمة يوم الإفساد باعتبار كونه زمان حدوث الضمان فلا يمكن استظهار قيمة يوم التلف في الموارد التي يختلف فيها زمان حدوث الضمان عن زمان التلف كما في التلف في اليد حيث يتحقق الضمان بوقوع المال في اليد و الاستيلاء عليه بنحو لا يكون المال أمانة مالكية أو شرعية و لا يكون الشخص مأذونا في إتلافه مجانا قبل التلف.

______________________________

(1) وسائل الجزء (16) باب (34) من أبواب العتق.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 189

توجه الى النيل (1).

مثل كراء البغل ذاهبا (2).

لو عطب (3).

أ ليس كان يلزم منى (4).

ان اليوم قيد للقيمة إما بإضافة (5).

______________________________

(1) النيل قيل قرية بين البغداد و الكوفة.

(2) الوجه في حساب الذهاب من الكوفة إلى النيل و من النيل الى البغداد و حساب الرجوع من بغداد إلى الكوفة تفاوت اجرة المثل بالإضافة إلى الذهاب و الإياب المفروضين.

(3) عطب و نفق كضرب بمعنى هلك و مات و العقر بمعنى الجرح و الدبر بالتحريك قرحة الدابة.

(4) من المجرد بمعنى يثبت على.

(5) ليس المراد إضافة القيمة الى كل من البغل و يوم المخالفة بحسب التركيب الكلامي بل المراد إضافة القيمة إلى البغل، ثم اضافة البغل الى يوم المخالفة و لذا ذكر سقوط حرف التعريف من البغل للإضافة، و لو كانت القيمة مضافا و البغل مضافا اليه فقط لم يكن وجه لسقوط الالف و اللام عن الثاني.

و حيث ان المضاف إليه يعني يوم المخالفة لا يصح كونه قيدا للبغل، فان البغل لا ينسب إلى الأيام فيكون اليوم المزبور قيدا للمضاف إلى القيمة، فتنسب القيمة المنسوبة إلى البغل أولا إلى يوم المخالفة ثانيا و المعنى

نعم يلزمك قيمة يوم المخالفة للبغل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 190

..........

______________________________

و هذا مراد من ذكر ان مقتضى الحديث الاعتبار في الضمان بقيمة يوم الغصب و حدوث الضمان، دون يوم التلف أو أعلى القيم.

و قيل ان يوم المخالفة ظرف للفعل المستفاد من حرف الجواب يعنى لفظة نعم فإنها بعد السؤال المزبور قائم مقام قوله يلزمك اى يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل فيكون الجواب ناظرا لبيان حدوث الضمان يوم المخالفة و ان قبلها لم يكن ضمان لا ان المعتبر في الضمان هي القيمة بحسب يوم المخالفة.

و أورد على ذلك المصنف (ره) ان هذا لا يناسبه ظاهر الرواية و لا الفهم العرفي بل هذا الاحتمال غير صحيح لأن السائل لم يسئل عن حدوث أصل الضمان بمخالفته لمقتضى الإجارة بل كان هذا معلوما عنده و انما سئله عما يلزمه على تقدير تلف الحيوان المفروض ضمانه.

أقول لم يظهر وقوع السؤال عن سائر الجهات بعد الفراغ عن أصل حدوث الضمان يوم المخالفة كيف و لو كان السؤال عن تعيين ما يضمن به بعد الفراغ عن أصل الضمان لكان الأمر كذلك بالإضافة إلى ضمان الوصف ايضا مع انه (ره) تسلم ان قوله عليه السّلام عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه بيان لأصل الضمان بالإضافة إلى وصف الصحة و المعنى عليك أداء الأرش يوم رد البغلة و اما الأرش فتعيينه بحسب يوم الغصب أو التلف أو الرد فلا نظر له اليه.

و الصحيح ان يقال ان قيد يوم المخالفة راجع الى القيمة لا لأصل الضمان فإن القيمة لا يثبت على العهدة يوم المخالفة مع فرض بقاء العين بل ثبوتها على العهدة يكون زمان التلف و لا

وجه لدعوى ان تقييد الضمان بيوم المخالفة للتنبيه بعدم الضمان بقيمة يوم التلف قبلها.

فإنه مضافا الى كونه خلاف الظاهر ينافيه الفقرة الثانية يعني قوله عليه السّلام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 191

و لكن يحتمل ان العيب قد تناقص (1).

______________________________

أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا حيث انه لا ينبغي الريب في ان ظاهره كون حين اكترى قيدا للقيمة و سيأتي انه لا يختلف في مثل مورد الرواية قيمة زمان الغصب عن قيمة يوم الاكتراء كما ان ظاهره كون المراد بالبغل الإشارة إلى المفروض في السؤال فلا مورد لتوهم ان مدلول الرواية الضمان بقيمة طبيعي البغل.

(1) الظاهر ان مع تناقص العيب أو برء الحيوان لا يكون ضمان فإنه لم يتلف على المالك شي ء ليكون على الضامن تداركه و لم أظفر على الفتوى التي أشار إليها من ضمان العيب حتى مع برء الحيوان و رده الى مالكه سالما.

و الحاصل يحتمل كون الظرف يعنى يوم ترده ظرفا للعيب و قيدا له بل هذا الاحتمال أظهر فإنه لو كان الظرف متعلقا بعليك لكان ذكره بلا فائدة مع ان تعلقه بالعيب يوافق ما عليه بناء العقلاء من عدم ضمان مع رد العين كما كانت عليه زمان الأخذ و الاستيلاء عليها و لو مع تخلل العيب بين الأخذ و الرد.

لا يقال لو كانت قيمة العين يوم غصبها عشرة دراهم ثم زادت و صارت معيبها عشرين و صحيحها خمسين فيكون على الضامن ثلاثون درهما فإنها تفاوت قيمة العيب الموجود حال الرد و هذا لا يحتمل بان يكون على الغاصب على تقدير تلف العين عشرة دراهم و على تقدير عيبها ثلاثون درهما.

فإنه

يقال اعتبار العيب الموجود حال الرد لا يلزم منه تقويم العيب بقيمة زمان الرد بل مقتضى تبعية ضمان الوصف لضمان العين ان يكون على الضامن في الفرض ستة دراهم من عشرة دراهم بان يكون تقويم العيب الموجود حال الرد بحسب قيمة يوم الغصب و حيث ان التفاوت بين الصحيح و المعيب ثلاثون درهما يعنى ثلاث أخماس قيمة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 192

و يكون السر في التعبير بيوم المخالفة (1).

الا ان يقال (2).

و يؤيده أيضا (3).

______________________________

العين صحيحا فيؤخذ بذلك من قيمة يوم الغصب.

(1) يعنى ان يوم المخالفة قيد للقيمة و لكن القيد ليس للاحتراز عن قيمة يوم التلف بل للاحتراز عن قيمة يوم الاشتراء حيث يكون المرتكز في ذهن مثل صاحب البغل مطالبة الضامن بقيمة شراء البغل بزعم انه المبلغ الذي خسره.

و بعبارة أخرى يوم المخالفة قيد احترازي للقيمة و لكن لا مطلقا بل بالإضافة إلى قيمة يوم الشراء.

(2) يعنى يقال في تأييد ان الاعتبار بقيمة يوم الغصب و وجه التأييد ان ذكر يوم الاكتراء ليس من جهة عدم الاهتمام بيوم المخالفة في تقويم العين بل للتنبيه بطريق سهل إلى معرفة قيمة يوم المخالفة للبغل المفروض في الرواية و ان اقامة البينة على تلك القيمة كتعيينها باليمين سهل حيث ان البغل المزبور يكون يوم الاكتراء بمرأى و مشهد من الناس و المكارين و لا يتفاوت عادة قيمته الى يوم المخالفة التي يكون الفصل بينها و بين يوم الاكتراء بيوم أو أقل منه.

(3) يعني يؤيد عدم العبرة بيوم المخالفة في ضمان القيمة ظاهر قوله عليه السّلام في الجواب عن كيفية معرفة القيمة بكون الحلف على القيمة حقا لصالب البغل فإنه يصح ذلك

بناء على اعتبار قيمة يوم التلف دون ما إذا كان الاعتبار بيوم المخالفة فإنه إذا أحرزت القيمة قبل يوم التلف و كان دعوى الضامن نقصانها عن تلك القيمة يوم تلف العين فيتوجه اليمين الى صاحب البغل باعتبار كونه منكرا لدعوى النقصان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 193

..........

______________________________

كما ان اقامة صاحب البغل البينة فيما إذا كان اختلافهما في قيمة البغل بلا اتفاق سابق أقول التأييد عليل فإنه يمكن توجيه توجه اليمين الى صاحب البغل مع كون الاعتبار بقيمة يوم الغصب كما إذا اتفقا على قيمة البغل سابقا كقبل غصبها بشهر و كان دعوى الضامن نقصان القيمة يوم اكترائه و غصبه بل الظاهر من الحلف هو الحلف المتعارف عند عامة الناس الذي يرضى به المحلوف له ابتداء وردا.

و المتحصل من جميع ما ذكرنا ان قوله عليه السّلام في الجواب عن السؤال عن تلف الدابة يرجع الى انه لو عطب البغل و نفق فعليك قيمة يوم المخالفة للبغل و حيث ان ظاهر القضية الشرطية كون الجزاء مقارنا لتحقق الشرط كما هو شأن الشرط المقارن يكون مفادها حدوث الضمان بالقيمة عند فعلية التلف لا حدوثه يوم المخالفة فإن يوم المخالفة قيد للقيمة على ما تقدم فيكون الاعتبار بقيمة يوم الضمان مطلقا إلحاقا للضمان في غير مورد الغصب بالغصب بالتقريب المتقدم.

و اما احتمال ان يكون الجواب بنعم نفيا لما فرض في السؤال انه لا يضمن البغل بقيمة يوم المخالفة على ما افتى به أبو حنيفة إذ لو كان الجواب إثباتا لذكر الجواب بكلمة بلى على ما ذكره علماء الأدب فلا يمكن المساعدة عليه فان العرف العام لا يفرقون بين الجواب بنعم أو بكلمة بلى في استعمالاتهم

و انما يراعى ما ذكر في الكلام الفصيح كالكتاب المجيد و الاخبار الواردة في بيان الأحكام هي على طبق الاستعمالات في العرف العام و لم يلاحظ فيها إعمال الفصاحة و رعاية البلاغة.

و قد ذكر الفقهاء في باب الإقرار انه لا فرق بين الجواب بنعم أو بلى في العرف العام في حمله على الإثبات كما لو سئل أ ليس لزيد عليك درهم فأجاب بنعم فإنه يعتبر من الإقرار بالدين.

و يشهد لما ذكرنا من عدم الفرق بينهما في العرف العام فهم ابى ولاد اشتغال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 194

و هذا بخلاف ما لو اعتبرنا يوم التلف (1).

استدلوا على هذا القول (2).

______________________________

الذمة بقيمة يوم المخالفة من الكلام المزبور و لذا سئل ثانيا عن طريق إحراز تلك القيمة و تعيينها.

(1) لا يخفى ان توجيه اليمين الى صاحب البغل باعتبار حمل الجواب على صورة اختلافهما في نقصان القيمة يوم التلف عما كانت عليها يوم المخالفة من الحمل على الصورة النادرة فإنه كما لا يختلف قيمة البغل في خمسة عشر يوما غالبا كذلك اختلاف صاحب البغل و الضامن في النقصان المزبور نادر و إذا فرض جواز حمل الجواب على الصورة النادرة فليحمل على ما ذكرنا من فرض اتفاقهما على قيمة البغل سابقا و اختلافهما في نقصان تلك القيمة يوم المخالفة و لا وجه للمناقشة في هذا الحمل دون الأول كما هو ظاهر المصنف (ره) في قوله بعد ذكر الاحتمال الذي ذكرنا (و لا يخفى بعده و أبعد منه حمل النص على التعبد).

(2) اختار (ره) عدم دلالة الصحيحة على ان الملاك في الضمان بقيمة يوم الضمان بل يرجع في تعيينها إلى القاعدة الأولية و هي قيمة يوم

التلف لان ذلك زمان اشتغال العهدة بالقيمة و على ذلك فلا بد من النظر في وجه القول بأن العبرة في الضمان بأعلى القيمة من حين الضمان الى حين التلف حيث يتعين الرجوع الى القاعدة مع عدم المخرج عنها و ما يقال في وجهه أمور:

الأول- ان العين في تمام تلك الأزمنة في ضمان الشخص فإن أدى أعلى القيم فيخرج عن عهدة جميع تلك الضمانات لدخول الأقل في الأكثر بخلاف ما إذا أدى قيمة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 195

..........

______________________________

زمان التلف أو غيره فإنه لا يخرج بأداء تلك القيمة عن ضمان العين حين كانت قيمتها أكثر.

و أجاب (ره) عن ذلك بأنه ان أريد من ضمان العين في جميع الأزمنة التي منها زمان علو قيمتها انه على تقدير تلفها فيه كانت العهدة مشغولة بتلك القيمة فهذا صحيح و لكن المفروض انها لم تتلف فيه.

و ان أريد اشتغال العهدة بتلك القيمة حتى مع عدم تلفها فيه و فيما بعده بحيث لو رد العين الى مالكها كان اللازم دفعها مع الزيادة فهذا مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان الزيادة مع رد العين.

و ان أريد اشتغال العهدة بتلك القيمة مشروطا بهلاك العين و عدم إمكان رد العين بنفسها فهو أمر معقول و لكن لا بد من قيام الدليل عليه و أصالة البراءة تدفع لزوم دفع الزائد على القيمة يوم تلفها.

نعم حكى في الرياض عن العلامة ان قاعدة نفى الضرر دليل على اشتغال العهدة بتلك الزيادة فإنه لو لم يكن الضامن واضعا يده على العين زمان علو قيمتها أمكن للمالك استيفاء تلك القيمة ببيع العين فيكون عدم ضمان تلك القيمة مع تلف المال ضررا على المالك و

مقتضى قاعدة نفيه ضمانها و لكنه (ره) أشار الى ضعف هذا الاستدلال بقوله و فيه نظر.

و وجهه انه قد تقدم ان مفاد قاعدة نفى الضرر نفى الأحكام التي تكون العمل بها موجبا لتضرر الشخص و اما تدارك الضرر الواقع خارجا فلا يثبت بها.

ثم انه (ره) وجه الاستدلال المتقدم على ضمان أعلى القيم بأن مالية العين في كل زمان و منها ماليتها زمان علو قيمتها تكون مضمونة في ضمن النقود أو مال آخر إذ ليست المالية بنفسها امرا قابلا للضمان و على ذلك فان كانت العين باقية وردها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 196

و لأجل ذلك استدل العلامة في التحرير (1).

فأصالة الاشتغال (2).

______________________________

الى مالكها فلا يكون للمالك مال آخر غير العين لتكون زيادة القيمة مضمونة في ضمنه و إذا تلف العين تكون ضمان الزيادة في ضمن النقود و لو مع عدم تلف العين في زمان تلك الزيادة و ذلك فان الضامن قد حال بين المالك و عين ماله في ذلك الزمان و كما ان إتلاف المال في زمان موجب لضمان قيمة ذلك الزمان كذلك الحيلولة بين المالك و ماله في زمان حتى يتلف ذلك المال.

أقول سيأتي انه لا أساس لبدل الحيلولة و انما الثابت بحسب الأدلة بدل التلف و بدل التلف يثبت على العهدة بتلف العين أو كزوال ماليتها رأسا الملحق بالتلف عند العقلاء و لا يثبت في غير ذلك و ليست القيمة السوقية للعين بحسب الأزمنة كالمنافع المتضادة للعين في زمان واحد فلا يقاس الأول بالثاني.

و ذلك فان المنافع المتضادة يمكن استيفاء كل منها بشرط ترك غيره فيفوت على المالك المنفعة التي أكثر في ذلك الزمان بخلاف القيم في الأزمنة المتعددة

لأن العين لا تكون تالفة على مالكها ما دامت باقية لتضمن بقيمتها في ذلك الزمان.

(1) يعنى حيث ان العين في جميع الأزمنة الى ان تتلف مضمونة بوقوع الحيلولة في كل من تلك الأزمنة بين العين و مالكها علل العلامة ضمان قيمة يوم الغصب بأنه أول زمان أزيلت يد المالك عن عين ماله فإنه لو لم يكن مجرد ازالة يد المالك عن العين موجبا لضمانها بان يتوقف الضمان على التلف لما صح التعليل المزبور.

(2) ان كان الاشتغال في القيميات بالقيمة كما هو الفرض يكون المرجع عند

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 197

فالظاهر اعتبار محل التلف (1).

ثم ان جميع ما ذكرنا من الخلاف (2).

______________________________

دوران كون القيمة المضمونة أعلى القيم أو قيمة يوم التلف البراءة عن الزيادة.

و اما ما ذكره المصنف (ره) من انه لو كان النظر الى الضمان المستفاد من حديث على اليد يكون المقام في مورد استصحاب الضمان لا الرجوع الى البراءة فلعل مراده ضمان نفس العين بكون نفسها على العهدة على ما ذكره السيد اليزدي طاب ثراه و لكن قد تقدم عدم كون ذلك معنى ضمانها.

(1) هذا بناء على كون العبرة في القيمي بقيمة يوم التلف و اما بناء على ما استظهرناه من صحيحة أبي ولاد من اعتبار قيمة يوم الغصب فالمتعين ملاحظة مكان العين في ذلك اليوم فيما إذا كان لمكانها دخل في زيادة قيمتها و لو كان قيمتها في مكان التلف أزيد فيدخل وصف كونها في ذلك البلد في الزيادة العينية الحادثة زمان الغصب.

(2) إذا لم يكن للحيوان التالف زيادة عينية كالسمن ثم حصلت له هذه الزيادة فإن ظاهر كلماتهم ضمان الزيادة حتى لو فرض عدم تلف العين كما

لو ردها بعد زوال تلك الزيادة الحادثة و ذلك فان العين مملوكة فتكون الزيادة الحادثة ملكا لمالكها.

و المفروض ان اليد على العين يد ضمان فيكون الوصف ايضا تابعا للعين سواء كان حادثا من الأول أو أيام غصبها غاية الأمر تكون تلك الزيادة محسوبة بقيمة يوم حدوثها بمعنى انه يعين قيمة العين في ذلك اليوم مع تلك الزيادة كما لو كانت قيمتها في ذلك اليوم مع الزيادة عشرة دراهم و مع عدمها ثمانية فيكون الوصف المزبور مضمونة بدرهمين.

و لو فرض تلف نفس العين بعد حدوث تلك الزيادة فيها فيلاحظ قيمة العين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 198

و هل يقيد ذلك بما إذا حصل اليأس (1).

______________________________

بدون الزيادة يوم غصبها فيضمن نفس العين ايضا بتلك القيمة كما هو ظاهر صحيحة أبي ولاد على ما تقدم.

و الحاصل ان غاية ما يستفاد من الصحيحة ضمان ما يوضع اليد عليه مع تلفه بقيمة يوم وضع اليد يعنى حدوث الضمان فتكون الزيادة الحادثة في يد الغاصب داخلة في ضمانه بقيمة يوم حدوثها لأنه أول زمان بالإضافة إلى ضمان تلك الزيادة.

و ما ربما يقال بان مقتضى إطلاق صحيحة أبي ولاد ضمان العين بقيمتها عند غصبها و انه لا اعتبار بزيادة قيمتها بعد ذلك سواء كانت زيادتها باعتبار تغير القيمة السوقية أو حصول الزيادة العينية لا يمكن المساعدة عليه لان الحكم المزبور وارد في البغل المعد للكراء و حدوث الزيادة العينية الفاحشة الموجبة لتغير قيمته السوقية في خلال خمسة عشر يوما فرض نادر بل غير واقع لان البغل لو لم يخرج بالمشي إلى المسافة البعيدة في خلالها الى الهزال فلا أقل من عدم زيادته عما كان عليه يوم اكترائه.

(1) يعنى

هل يقيد ضمان المثل أو القيمة بما إذا حصل الاطمئنان بعدم وصول المالك الى ماله المعبر عن ذلك باليأس عن الوصول أو لم يكن ظن بالوصول اليه المعبر عنه بعدم رجاء وجدان المال أو يشمل استحقاق المالك المثل أو القيمة ما لو علم وجدان المال في مدة طويلة أو حتى ما لو كانت قصيرة ظاهر ما ورد في الأمانات المضمونة اختصاص استحقاق المالك بمطالبة المثل أو القيمة بأحد الأولين أي ما إذا حصل الاطمئنان بعدم وصوله الى المال أو عدم الظن بالوصول.

و يظهر الأخير من إطلاق فتاوى الأصحاب في بعض الموارد كاطلاقهم في اللوح المغصوب في السفينة انه إذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب انتقل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 199

[بدل الحيلولة]

______________________________

إلى القيمة الى ان يبلغ الساحل فإنهم لا يقيدون ذلك بما إذا كان البلوغ الى الساحل محتاجا الى زمان طويل.

أقول لا موجب لضمان القيمة بمجرد عدم تيسر الوصول إليها ما لم يعد العين تالفة في اعتبار العقلاء كما إذا علم حصولها في اليد بعد حين خصوصا إذا كانت المدة قليلة فلا يحق للمالك مطالبة الضامن ببدلها.

نعم إذا كانت لها منفعة فيها اجرة فله المطالبة بتلك المنفعة الفائتة كما في مسألة اللوح المغصوب و الاستدلال على استحقاق المالك ببدل العين بكونه جمعا بين الحقين قد ذكرنا ما فيه سابقا و ان العين بالإضافة إلى قيمتها أو مثلها ليست من قبيل الأكثر إلى الأقل ليرفع المالك يده عن الزيادة و يطالب بالأقل بل بالإضافة إلى بدلها من المتباينين و لذا لا يحق له المطالبة ببدل العين مع بقائها و تيسر ردها.

و كذا لا يمكن التمسك في إثبات استحقاق المالك المطالبة

بالبدل في مورد عدم تلف العين بحديث الناس مسلطون على أموالهم فإنه مضافا الى ضعف سنده مدلوله سلطنة المالك على التصرف في ماله و انه ليس محجورا عليه و تغريم شخص آخر بمطالبة البدل ليس من التصرف في ذلك المال.

و بالجملة لم يثبت للمالك استحقاق مطالبة البدل مع عدم كون ماله تالفا في اعتبار العقلاء كما إذا كان رده عليه محتاجا إلى السعى في مقدماته فإنه لا يحق له مطالبة الضامن ببدل العين كما هو ظاهر المصنف (ره).

و الاستدلال على ذلك بقاعدة نفى الضرر ضعيف فإن قاعدة نفيه لا يقتضي تدارك الضرر و على تقديره فتداركه مع بقاء العين و عدم عدها تالفة بتدارك منافعها الفائتة الى ان يحصل رد نفس العين.

و الحاصل ما يسمونه ببدل الحيلولة لم يتم عليه وجه يعتمد عليه بل ان كانت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 200

و يدل عليه قاعدة تسلط الناس على أموالهم (1).

ثم ان المال المبذول (2)

______________________________

العين التي يتعذر الوصول إليها بحيث يعد تالفة على مالكها فالبدل بدل لها و مع عدم كونها تالفة كذلك فلا موجب لاستحقاق مالكها بدلها حيلولة كانت أو غيرها.

نعم لمالكها مطالبة البدل بالإضافة إلى منافعها الفائتة و على ما ذكرنا فيسقط جميع ما يتفرع على الالتزام بالبدل الحيلولة و إذا كانت العين بحيث تعد تالفة يكون للمالك على الضامن البدل و لو أخذ البدل و اتفق الوصول الى العين بعد مدة فلا يستحق المالك الا ما أخذه و ليس له إلزام الضامن باسترجاع البدل حيث يأتي ان إعطاء البدل من قبيل المعاوضة القهرية بينه و بين المبدل.

(1) يعنى ان مقتضى سلطنة الناس على أموالهم جواز امتناع المالك عن بدل

الحيلولة و مطالبته بعين ماله و لو بعد حين.

(2) و حاصله ان ظاهر كلماتهم كون المبذول للمالك بعنوان بدل الحيلولة ملكا له و يقتضيه ما ورد في موارد الضمانات فان ظاهره كون البدل المعطى للمالك في موارد الحيلولة كإعطائه في موارد التلف في صيرورته ملكا له.

نعم لو لم يكن الإجماع المشار اليه و ظاهر أدلة الضمان و الغرامة لأمكن القول بأنه لا يملكه بمجرد الإعطاء بل يجوز التصرف في البدل المزبور الى ان يدخل في ملكه بتلف المبدل و سواء قلنا بدخول البدل في ملك المالك من الأول أو بعد تلف المبدل فلا يدخل ذلك المبدل في ملك الضامن بدفعه البدل.

و نتيجة ذلك اجتماع البدل و المبدل في ملك المالك و لا ضير فيه لان دفع البدل الى المالك ليس من المبادلة بين المالين ليمتنع اجتماعهما في ملكه بل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 201

ثم انه قد تحصل مما ذكرنا (1).

______________________________

دفعه في المقام نظير دفعه مع تلف المال في عدم المبادلة و الوجه في عدم المبادلة مع التلف ايضا ان المبادلة تقتضي وجود طرفيها و لا تعقل بين الموجود و المعدوم و لكن مع ذلك ناقش المحقق و الشهيد الثانيان في بدل الحيلولة باجتماع البدل و المبدل في ملك المالك.

و أضاف الشهيد الثاني (ره) بأنه لا بد من الالتزام بدخول البدل في ملك المالك و خروج المبدل الى ملك الضامن و لكن متزلزلا الى ان يتلف المبدل أو يقال بان البدل باق على ملك الضامن و انما يجوز للآخر التصرف فيه على ما تقدم.

و دافع المصنف (ره) عن بدل الحيلولة بأن المناقشة ناشئة عن زعم ان البدل في المقام نظير البدل

مع تلف العين بدل عن نفس العين و الزعم غير صحيح لان البدل يعطى للمالك بعنوان الغرامة و من الظاهر ان مع تلف العين يكون الغرامة تداركا لما فات عن المالك من نفس العين و الفائت عن المالك في الفرض ليس نفس العين بل السلطنة على التصرفات فيها فلا بد من قيام البدل مقامها في هذه الجهة و القيام كذلك لا يقتضي دخول البدل في ملك مالك المبدل ابتداء بل يقتضي جواز تصرفاته في ذلك البدل.

نعم لو كان التصرف موقوفا على الملكية فلا بد من الالتزام بدخول البدل في ملك المتصرف من ذلك الحين نظير ما تقدم في المعاطاة.

(1) و حاصله ان ما ذكر من بقاء العين على ملك مالكها و دفع البدل بعنوان الغرامة عما فات من سلطنة المالك ينحصر بما إذا كان الفائت على المالك معظم الانتفاعات حتى يوصف المدفوع بكونه غرامة و اما إذا ثبت البدل مع بقاء سلطنة المالك على معظم الانتفاعات كما في تغريم الواطى الحيوان الذي يركب بقيمته

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 202

..........

______________________________

فلا يبعد ان يستكشف عن إيجاب دفع البدل دخول المبدل في ملك الغارم بالدفع حيث انه و ان وجب نفى الحيوان عن ذلك البلد و بيعه في بلد آخر الا ان هذا لا يوجب سقوط الحيوان عن المالية غاية الأمر يكون ذلك عيبا في الحيوان و إذا حكم الشارع بدفع تمام قيمته الى مالكه يستفاد ان دفعها مبادلة شرعية بينها و بين الحيوان.

و هذا بخلاف ما إذا خرج الشي ء عن المالية فإن خروجه عنها موجب لفوت سلطنة المالك على معظم انتفاعه فلا يكون دفع البدل اليه موجبا لخروج المبدل عن ملكه لما

تقدم من ان البدل غرامة لتلك السلطنة الفائتة و للخروج عن المالية.

و يترتب على ذلك انه لو التفت قبل تمام غسل اليدين و قبل المسح في الوضوء الى كون الماء غصبا لا يرضى مالكه بالتصرف فيه فلا يكون المسح بالبلل الباقي بيديه و لو بعد دفع البدل موجبا لتمام الوضوء لأن غرامة البدل لا يوجب دخول الماء في ملكه حتى يجوز له التصرف فيه بمسح أعضاء الوضوء بالرطوبة الباقية بيديه.

و ذكر في شرح القواعد انه لو خاط ثوبه بخيوط الغصب و طلب المالك وجب نزعها و ان أفضى ذلك الى تعيب الخيوط أو زوال ماليتها و معهما يجب أيضا غرامة العيب أو المالية.

أقول خلاصة الكلام في ضمان التالف ان مجرد التلف حقيقة أو حكما و ثبوت البدل على عهدة الضامن لا يوجب انتقال العين التالفة إلى ملك الضامن حيث ان ثبوت البدل على العهدة تغريم و ليست مبادلة و يترتب على ذلك كون بقايا العين التالفة ملكا للمالك.

نعم إذا دفع الضامن العين التالفة و البدل المزبور يكون الدفع موجبا لدخول تلك العين في ملك الضامن و كل ذلك بالسيرة العقلائية الذي اعتمدنا عليها في إثبات الضمان فإنهم لا يرون للمالك استحقاق المطالبة بالبقايا بعد أخذه البدل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 203

..........

______________________________

بخلاف ما لم يأخذ البدل فإنه ما دام لم يدفع تكون البقايا ملكا لمالكها الأول حتى مع ملكه البدل على عهدة الضامن.

و يوضح ذلك خير إيضاح ما ورد في ضمان الواطي قيمة الحيوان الذي يركب و هي موثقة سدير «1» حيث البائع المفروض فيها هو الواطى بعد دفعه القيمة إلى مالك الحيوان فيكون الحيوان الموطوء ملكا له بدفعه قيمته.

و ما

ذكر المصنف (ره) من انه في صورة تلف المال ايضا لا يكون دفع البدل مبادلة قهرية بين العين التالفة و البدل لاقتضاء المبادلة وجود طرفيها يدفعه ان اعتبار المبادلة حال تلف العين لا بأس به كما يعتبر مثلها في موارد فسخ المعاملة بالخيار و نحوه مع تلف أحد العوضين.

و يترتب على اعتبارها انه لو رجع المالك في مسألة تعاقب الأيدي على المال الى من تلف المال بيده فلا يرجع الغارم المزبور الى غيره ممن جرت أيديهم على المال المزبور بخلاف ما إذا رجع الى غيره فإنه يرجع الى من تسلم المال منه الى ينتهى استقرار الضمان الى من تلف المال بيده فان الدافع بدفعه البدل يملك التالف على من تسلم المال منه على وجه الضمان الى ان ينتهي قرار الضمان على من تلف المال بيده.

و مما ذكرنا يظهر انه لا يجوز لمن توضأ غفلة بماء الغير و التفت الى ذلك قبل المسح إتمام وضوئه بالمسح بالرطوبة الموجودة بيديه فإنها ملك الغير كما ذكرنا فلا يجوز التصرف فيها بلا رضاه.

نعم إذا دفع البدل قبل جفاف يديه و استحق الرطوبة فلا بأس بالمسح بها و كذلك لو طالب المالك نزع الخيوط في فرض جامع المقاصد و انه مع دفع الضامن

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (1) من أبواب نكاح البهائم الحديث (4).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 204

ثم ان هنا قسما رابعا (1).

______________________________

بدل الخيوط فلا يستحق مالكها طلب نزعها لدخولها بدفع البدل في ملك الضامن.

هذا مع تلف الخيوط و سقوطها عن المالية بالنزع و اما مع تعيبها بحيث يكون على الضامن أرش العيب فيجب عليه مع عدم رضا المالك نزعها و ردها اليه مع

الأرش.

(1) لا يقال ما الفرق بين هذا القسم الذي يسقط العين فيه عن المالية و الملكية معا و بين القسم الثالث الذي ذكر (ره) ان فوات اجزاء العين و أوصافها يكون موجبا لسقوطها عن المالية فقط مع بقائها على الملكية.

فإنه يقال الموجب لسقوط العين عن المالية في القسم الثالث فوات منافعها المقصودة التي تكون بها ماليتها و مع فوتها فوجود بعض المنافع المحللة لها لعدم كونها مقصودة لا توجب ماليتها كالاوراق الممزقة التي ينفع بها في الإحراق و بعض الحبات من الحنطة حيث يمكن الانتفاع بها بطحنها في ضمن سائر الحنطة و لكن مثل هذا الانتفاع يوجب اعتبار الملكية في العين.

و هذا بخلاف القسم الرابع الذي لا يكون العين فيه قابلا للانتفاع فعلا لا مقصودا و لا غير مقصود و لذا يسقط عن الملكية أيضا كما في الخل المنقلب الى الخمر.

نعم تكون العين في الفرض موردا لحق الأولوية الثابتة ببناء العقلاء دون الاستصحاب ليقال بعدم جريانه باعتبار أن الأولوية سابقا كانت بمعنى الملك و بعد الانقلاب الى الخمر لا ملك و الأولوية لا بمعنى الملك ليست لها حالة سابقة و مع ذلك عدم إمكان الانتفاع فعلا موجبا لسقوط الشي ء عن الملكية تأمل.

نعم لا اشكال فيه فيما إذا لم يمكن الانتفاع به أصلا و لو فيما بعد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 205

ثم ان مقتضى صدق الغرامة (1) ثم ان ظاهر عطف التعذر على التلف (2)

______________________________

(1) فإنه يكون دفع بدل الحيلولة بمنزلة دفع بدل التلف في كونه تداركا و غرامة و كما يخرج بالثاني عن ضمان العين و منافعها و زيادة قيمتها كذلك بالأول غاية الأمران دفع بدل الحيلولة متزلزل يتصف بالتنجز بتلف

العين أو بالانفساخ بطرو التمكن على ردها بخلاف بدل التلف فان دفعه من الأول منجز.

و بذلك يظهر ضعف ما عن بعض من ضمان منافع العين حتى بعد دفع بدل الحيلولة و وجه الظهور انه لو كانت المنافع على العهدة حتى بعد دفع البدل فكيف يتصف المدفوع بكونه بدلا و تداركا لما يفوت عن المالك.

(2) و حاصله انه كما لا يثبت على الضامن زيادة القيمة السوقية بعد زمان تلف العين كذلك لا يثبت عليه زيادتها بعد تعذر ردها فيتعين في بدل الحيلولة قيمة يوم تعذر ردها أو أعلى القيم اليه أو قيمة يوم الغصب و هذا مقتضى إلحاق تعذر رد العين في كلماتهم بتلفها و لكن لا يخفى الفرق بينهما فإنه مع التلف يكون قيمتها دينا على عهدة الضامن فيجري في أنها قيمة يوم التلف أو يوم الغصب أو أعلى القيم.

و هذا بخلاف صورة التعذر فان العين بنفسها مضمونة بمعنى انه لا تثبت قيمتها بمجرد تعذر ردها و لذا يكون للمالك الامتناع عن قبول البدل و المطالبة بنفس العين فيما بعد نظير ما تقدم في استحقاق المالك المطالبة بالقيمة في المثلي المتعذر مثله.

ثم انه لا يجتمع الحكم بان تعذر رد العين بمنزلة تلفها مع الحكم باستحقاق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 206

و هل الغرامة المدفوعة تعود الى ملكه (1).

______________________________

المالك اجرة المثل لمنافع العين حتى بعد تعذر ردها الى زمان دفع بدل الحيلولة و كذا ضمان نمائها الى ذلك الزمان حيث انه لو كانت تعذر رد العين بمنزلة التلف يكون المنافع بعد تعذر ردها كمنافعها بعد تلفها في عدم الضمان بالإضافة إليها.

نعم إذا قيل بالفرق بين التعذر و الرد بثبوت القيمة يوم التلف

في الأول و بقاء نفس العين على العهدة في الثاني تعين الحكم بضمان المنافع و النماء بل زيادة القيمة السوقية للعين الى زمان دفع بدل الحيلولة كما مر.

(1) و حاصله انه لو تجدد للضامن التمكن على رد العين فيحتمل رجوع بدل الحيلولة بمجرد ذلك الى ملكه فيكون ضامنا للعين بضمان جديد بحيث لو تلفت يثبت بذمته بدل التلف و يحتمل بقاء بدل الحيلولة في ملك المالك الى حين وصول العين بيده بحيث لو تلفت العين قبل وصولها بيده لا يكون ضمان آخر على الضامن بل يملك المالك بدل الحيلولة منجزا بعد ما كان مالكا له متزلزلا كما تقدم و مقتضى الاستصحاب بقاء بدل الحيلولة على حاله و عدم حدوث ضمان جديد بتجدد تمكن الضامن.

لا يقال كان بدل الحيلولة عوضا عن سلطنة المالك على العين و بعد تجدد تمكن الضامن على رد العين يكون ملك المالك البدل مع ملكه العين من الجمع بين العوض و المعوض.

فإنه يقال تمكن الضامن على رد العين على مالكها لا يوجب عود سلطنة المالك على العين و لذا لو امتنع الضامن عن رد العين لا يتمكن مالكها على بيعها أو إجارتها من شخص آخر الى غير ذلك من التصرفات و انما يعود سلطنة المالك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 207

نعم للمالك مطالبة عين ماله (1)

______________________________

بعود العين و وصولها بيده فلا يلزم من ملكه للبدل و العين الجمع بين العوض و المعوض.

نعم لو كان ملكه بدل الحيلولة عوضا عن تمكن الضامن على رد العين على صاحبها لزم الجمع بينهما و لكن من الظاهر ان تمكن الضامن على رد العين أجنبي عن المالك فلا يأخذ عنه بدلا أصلا و

على ما ذكر فلو رد الضامن العين على مالكها يرجع بدل الحيلولة إلى ملك الضامن فلو كان نفس ذلك البدل باقيا يأخذه و ان كان تالفا أو خارجا عن ملك المالك بعقد لازم أو جائز يأخذ الضامن بدله من المثل أو القيمة و نماء بدل الحيلولة المتخلل بين أخذ المالك و رجوعه الى ملك الضامن للمالك لأن الأصل يعنى بدل الحيلولة كان في تلك المدة ملكا له و النماء تابع للأصل.

لا يقال لا وجه لرجوع بدل الحيلولة إلى ملك الضامن أصلا لأن ذلك البدل كان عوضا عن السلطنة الفائتة عن المالك و لا يتدارك تلك السلطنة بوصول العين بيده ثانيا.

فإنه يقال كان بدل الحيلولة عوضا عن مطلق سلطنته لا خصوص سلطنته الفائتة السابقة فيكون رجوع العين موجبا لعود سلطنته و الفائتة منها كانت متداركة بسلطنته على بدل الحيلولة قبل ذلك.

(1) يعنى حيث ان العين لم تخرج عن ملك المالك في مورد بدل الحيلولة فيكون له مطالبته بها حين تجدد تمكن الضامن على ردها و جواز المطالبة مقتضى قوله عليه السّلام الناس مسلطون على أموالهم و ليس بدل الحيلولة في يد المالك عوضا عن جميع السلطنة المتصورة للمالك ليقال بأنه ليس له سلطان على مطالبة العين لان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 208

ثم لو قلنا بجواز الحبس (1)

______________________________

بدل الحيلولة عوض عن هذه السلطنة أيضا و الا لو كان البدل عوضا عن جميع ذلك لزم خروج العين عن ملكه و جاز للآخرين تملكها بوضع يدهم عليها.

و قد ظهر انه ليس للضامن الامتناع عن تسليم العين حتى يسترجع بدل الحيلولة عن المالك و وجه الطهور انه لو كان بدل الحيلولة عوضا عن نفس العين

جاز له الامتناع حيث يجوز لكل من المالكين الامتناع عن تسليم ملك الآخر حتى يتسلم منه ملكه و لكن بدل الحيلولة كما تقدم ليس عوضا عن العين بل عوض سلطنة المالك المالك التي تتجدد له بوصول العين بيده و بعد وصولها بيده يخرج بدل الحيلولة عن ملكه برجوعه الى ملك الضامن ففي ذلك الحين يكون له المطالبة به.

اللهم الا ان يقال يجوز للضامن حبس العين حتى يسترجع البدل من المالك لان حبسه العين يكون حبسا لسلطنة المالك التي عوض عنها ببدل الحيلولة و لكن لا يخفى ما فيه فإنه ما دام لم يرجع العين الى يد المالك و لم يتجدد سلطنته عليها لا يرجع البدل الى ملك الضامن ليكون له سلطنة على ماله بالمطالبة أو غيرها.

(1) يعني إذا قيل انه يجوز للغاصب حبس العين بعد تجدد تمكنه على ردها ليسترجع بدل الحيلولة لا يجرى على العين بيده زمان جواز حبسها حكم الغصب.

نعم يضمن العين لان حبسها يكون لمصلحة نفسه لا للإحسان إلى مالكها و على ذلك فلو تلفت بيده يتعين عليه دفع قيمة يوم تلفها بناء على ان الأصل في كل مضمون قيمة ذلك اليوم و بناء على ضمان أعلى القيم يتعين أعلاها من يوم حبسها الى زمان تلفها لان يوم حبسها يوم حدوث الضمان الجديد إذ قبله كان خارجا عن ضمان العين بدفع بدل الحيلولة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 209

[شروط المتعاقدين]

[اعتبار البلوغ]

المشهور كما عن الدروس و الكفاية بطلان عقد الصبي (1)

______________________________

و يقرب من ذلك قول العلامة في القواعد انه لو حبس العين فتلفت فعليه ضمان قيمتها الان و ليس المراد من قيمة الان خصوص قيمة حين التلف بل القيمة بعد حدوث

الضمان.

فلو قيل في القيميات بقيمة يوم التلف يتعين في المقام قيمة يومه و ان قيل بأعلى القيم يتعين أعلاها من حين حبسها الى يوم تلفها فإنه ينقطع حكم الغصب بدفع بدل الحيلولة و بحبس العين يحدث ضمان جديد.

أقول هذا ينافي ما تقدم منه (ره) من ان العين بعد تجدد التمكن على ردها لا تدخل في الضمان و بدل الحيلولة لا يخرج عن ملك المالك بمجرد التمكن على رد العين عليه ليكون ضمان البدل عليه و ضمان العين على الغاصب و يجوز لدافع بدل الحيلولة حبس العين لان حبسها يلازم حبس سلطنة المالك على العين، و المالك قد تسلم بدل الحيلولة الذي عوض عن هذه السلطنة و ليس وجه الجواز خروج البدل الى ملك الغاصب بمجرد التمكن على رد العين ليجوز له حبس العين لاسترداد ملكه عن مالكها فلاحظ و تدبر.

(1) و يستدل على اعتبار البلوغ في المتعاقدين برفع القلم عن الصبي حتى يحتلم كما في مضمرة ابن ظبيان «1» و أورد المصنف (ره) على الاستدلال المزبور بوجوه: أولا- احتمال ان يكون المرفوع هو قلم المؤاخذة بان لا يكتب عليه سيئة بما يصدر عنه حال صباوته و كذا لا يثبت في حقه نظير القصاص و الحدود من الأحكام المجعولة مؤاخذة على بعض الأفعال و هذا لا يقتضي عدم تعلق الحرمة و الوجوب فضلا عن سائر الأحكام بأفعال

______________________________

(1) وسائل الجزء (1) باب 4 من أبواب مقدمات العبادات الحديث (11)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 210

..........

______________________________

الصبي و معاملاته بل مقتضى عموم أدلة الأحكام و إطلاقها ثبوتها في حقه ايضا فيستحق الثواب على امتثال تلك الأحكام و لكن لا يثبت في حقه استحقاق العقاب و

نظير القصاص و الحد سائر ما يكون من قبيل المؤاخذة.

و بالجملة كما تثبت حرمة شرب الخمر على البالغين تثبت في حق الصبي أيضا و لكن لا يؤاخذ على شربها و كذا يثبت في حقه وجوب الصلاة و سائر الواجبات و لكن لا يؤخذ على تركها و هذا يوافق الالتزام بشرعية عبادات الصبي.

و أورد (ره) ثانيا أنه لو فرض رفع الأحكام التكليفية عن الصبي فالأحكام الوضعية نظير الملكية المترتبة على بيعه غير مرفوع.

و بتعبير آخر يكون بيعه موجبا لانتقال المبيع إلى المشترى و الثمن إلى البائع غاية الأمر لا يثبت حكم تكليفي على الصبي إلى بلوغه فيجب بعد بلوغه الوفاء بالعقد الذي أنشأه حال صباه كما يجب عليه الاغتسال من الجنابة التي حصلت بوطيه زوجته أو الأجنبية حال صباه و هذا يوافق ما يقال من عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين.

و أورد ثالثا انه مع فرض كون المرفوع عنه جميع الأحكام التكليفية و الوضعية فمقتضاه عدم صحة عقد الصبي فيما إذا كان الصبي أحد طرفي العقد و اما إذا كان إنشائه العقد بالوكالة كما إذا وكله الزوجان في إجراء عقد الزواج بينهما أو إجراء عقد البيع بين ماليهما فلا دلالة لحديث رفع القلم على بطلان عقده بمعنى كونه مسلوب العبارة فإنه ليس على الصبي في مورد الوكالة حكم كان عقده صحيحا أم فاسدا و نظير وكالته إجرائه العقد فضولا مع اجازة المالك.

أقول ما ذكر المصنف (ره) من احتمال كون المرفوع عن الصبي هو قلم المؤاخذة غير صحيح بل ظاهر الحديث رفع الأحكام و التكاليف بقرينة رفع القلم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 211

..........

______________________________

عن المجنون و النائم فإنه لا يمكن الالتزام بأن أحكام الشريعة

و تكاليفها مجعولة بنحو تعم المجانين و أنه يكون المرفوع عن المجنون خصوص قلم المؤاخذة و الحديث المزبور ضعيف.

و لكن رفع القلم وارد في موثقة إسحاق بن عمار و مقتضاه عدم جواز استقلال الصبي بالمعاملة لا كون إنشائه لغوا محضا حتى في فرض وكالته عن الغير و اذنه للصبي في إجراء عقد أو معاملة تكون موضوعا للحكم على البالغين.

و الحاصل ان المرفوع عن الصبي لا يختص بالأحكام التكليفية بل يعم الوضعية و وجوب الاغتسال عليه بعد بلوغه من الجنابة حال صباه أو وجوب دفع البدل عما أتلفه في ذلك الحال ليس باعتبار عموم الأحكام الوضعية لغير البالغين بل باعتبار ان الموضوع لوجوب الاغتسال على البالغ هو الوطي و لو كان ذلك قبل التكليف نظير وجوب الاغتسال من الانزال الحاصل حال النوم و الموضوع لوجوب التدارك هو تضييع مال الغير و لو كان ذلك الضياع حال صباه.

نعم عموم الرفع كما ذكرنا لا يوجب أيضا بطلان عقد الصبي أو معاملته فيما إذا لم يكن مستقلا في إنشائها كما إذا كان باذن الغير بل مثل رواية حمزة بن حمران ايضا لا يقتضي بطلانه قال أبو جعفر عليه السّلام فيها و الغلام لا يجوز أمره في البيع و الشراء و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمسة عشر سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك «1».

فتكون صحته مقتضى العمومات و الإطلاقات في المعاملات حيث ان المعاملة التي أجراها الصبي بإذن وليه أو إجازته، على ماله تكون من أمر الولي و معاملته

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (2) من أبواب الحجر الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 212

و يشهد له الاستثناء في بعض الاخبار

(1)

______________________________

كما هو مقتضى اضافة المعاملة إلى الموكل و كذا في مورد وكالته عن الغير و لو بلا اذن وليه أو إجازته في إجراء عقد نكاح أو غيره للغير مما لا يكون من التصرف في مال نفسه فان هذا كله يكون من أمر الغير و مقتضى العمومات و الإطلاقات نفوذه على ذلك الغير و اما عبادات الصبي فيستفاد مشروعيتها من أمر الأولياء بترغيب أطفالهم إليها و ظاهر الأمر بالأمر بشي ء مطلبوبية ذلك الشي ء.

ثم انه لا وجه لاستثناء إيصال الهدية و اذنه في الدخول من معاملات الصبي لأنهما ليسا من المعاملات بل و لا تصرفاته التي تكون موضوعا لحكم شرعي لأن إيصال الهدية من جهة اعتبار القبض في الهبة و المعتبر فيه قبض المتهب و اما نفس الإيصال فلا اعتبار له و لذا يمكن بواسطة حيوان أو غيره و اما الاذن في الدخول فلان المعتبر في جواز الدخول في الدار رضا مالكها لا رضا الطفل و اذنه.

و عليه فلو كان اذنه موجبا للاطمئنان إلى رضا مالكها كما هو الغالب فهو و الا فلا يجوز التصرف فيها بالدخول أو غيره.

(1) كما في رواية أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و وجه الشهادة ان عدم نفوذ أمر السفيه عبارة عن عدم مضى معاملته في صورة استقلاله بها لا كونها لغوا محضا بان يكون السفيه مسلوب العبارة و على ذلك فالحكم بعدم جواز أمر الصبي و جواز امره بعد بلوغه الا ان يكون سفيها لا يناسب الا ان يكون المراد بالجواز و عدمه هو المضي لا كون عبارته لغوا و بعبارة أخرى ظهور الاستثناء فيها في عدم الانقطاع قرينة على كون المراد بالجواز هو المضي.

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 213

فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الإجماع (1) و كذا إجماع الغنية (2) و يمكن ان يستأنس له أيضا بما ورد (3)

______________________________

(1) لا يخفى عدم إمكان الاعتماد على حكاية الإجماع فإنه لو كان إجماعا محصلا لم يصح الاعتماد عليه الاحتمال كون وجه اتفاقهم سائر الوجوه المذكورة لسلب عبارة الصبي فكيف فيما إذا كان منقولا أو مع الخلاف.

(2) يعنى كما ان الإجماع المحكي عن التذكرة يعم ما إذا لم يكن الصبي مستقلا في إنشاء المعاملة كذلك إجماع الغنية حيث ان استدلال الغنية على عدم الاعتبار بمعاملته بعد الإجماع بحديث رفع القلم قرينة على العموم المزبور فإنه سيأتي ان مقتضى ذلك الحديث بطلان معاملة الصبي سواء كان مستقلا في إنشائها أولا.

و ايضا المراد بالإجازة في قول ابن زهرة (عقد الصبي باطل بالإجماع و ان أجاز الولي) ليس خصوص الإجازة المعروفة في باب عقد الفضولي ليقال ان عقد الفضولي عند ابن زهرة باطل حتى و ان لحقه الإجازة فحكمه ببطلان عقد الصبي و لو مع اجازة وليه، لا يقتضي حكمه ببطلان معاملته مع اذن وليه بل مراده بالإجازة ما يعم الاذن.

(3) و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال عمد الصبي و خطائه واحد و ذكر المصنف (ره) ما حاصله ان مثل هذه الصحيحة و ان وقعت روايتها في أبواب الجنايات و لكن لا دلالة لذلك على اختصاصها بتلك الموارد.

نعم في مثل موثقة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 214

..........

______________________________

يقول عمد الصبي خطاء يحمل العاقلة و حمل الدية على العاقلة

بعد قوله عمد الصبي خطاء قرينة على كون المراد بالعمد و الخطاء مورد الجناية و لكن لا يكون ذلك موجبا لرفع اليد عن إطلاق مثل الصحيحة الأولى فإنه لا منافاة بين ثبوت الإطلاق و التقييد معا لعدم وحدة الحكم و كونهما متوافقين و لذا أخذ الشيخ (ره) بالإطلاق في المبسوط و الحلي في السرائر فذكرا أنه لا يجب الكفارة على الصبي بارتكابه محظورات الإحرام التي يختص وجوبها بصورة التعمد حيث ان عمد الصبي خطأ و على ذلك فإذا كان عمد الصبي و قصده ملغى شرعا يكون جميع انشائاته باطلة لا يترتب عليها أي أثر حتى فيما إذا كان إنشائه بإذن وليه حيث لا ينبغي الريب في اعتبار القصد في ترتب الأثر على العقود و الإيقاعات بل قوامهما به لان حصول الإنشاء و الاعتبار بلا قصد أمر غير معقول بل يمكن استفادة ذلك أى كون جميع إنشاءات الصبي ملغاة حتى فيما إذا كان الإنشاء بإذن وليه من حديث رفع القلم عنه.

و بيان ذلك انه قد ورد في رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن على عليهم السلام انه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطاء يحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم فان المذكور في هذه الرواية أمور ثلاثة:

الأول- الحكم بأن دية جناية الصبي و المجنون دية خطاء تحمله العاقلة.

و الثاني- ان عمد الصبي و المجنون خطاء.

الثالث- ان القلم مرفوع عنهما و رفع القلم هذا اما معلول للحكم بكون عمدهما خطاء فيختص رفع القلم بالأحكام التي يعتبر في ترتبها على موضوعاتها التعمد إليها كأحكام المعاملات حيث ان المعاملة لا تكون ذات حكم بل لا تكون الا

مع القصد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 215

..........

______________________________

بها و مقتضى ذلك بطلان معاملة الصبي و لو كانت باذن وليه إذ لا يحصل القصد من الصبي بالاذن المزبور بل مقتضى إطلاق نفى القصد عنه يعم الصورة المزبورة و اما ان يكون رفع القلم علة لعدم ثبوت حكم العمد و لا شبه العمد لجناية الصبي و لكون قصده كالخطاء.

و على ذلك ايضا يحكم ببطلان معاملة الصبي و لو مع اذن وليه حيث ان اقتضاء رفع قلم المؤاخذة عنه إلغاء قصده في بيعه و إقراره حتى فيما إذا كان ذلك باذن وليه.

و لكن الصحيح في معنى الرواية هو الاحتمال الأول يعني تنزيل عمده منزلة الخطاء موجب لرفع قلم المؤاخذة عنه فإنه لو كان رفع قلم المؤاخذة علة لتنزيل عمده منزلة الخطاء لما كان عليه الضمان في إتلافه حيث ان رفع قلم المؤاخذة كما يقتضي تنزيل عمده منزلة الخطاء كذلك يقتضي عدم الضمان في إتلافه حيث ان الضمان من قبيل المؤاخذة كما لا يخفى.

أقول مثل الصحيحة لا تكون دالة على بطلان إنشاءات الصبي و كونها ملغاة حتى مع اذن وليه أو كانت بالوكالة عن الغير و ذلك فان مقتضاها أن كل أثر قد رتب على التعمد الى الفعل لا يترتب على الصادر عن الصبي و لو مع تعمده كما في ترتب بطلان الصوم على ارتكاب المفطر و حق القصاص المترتب على القتل، و الكفارة على الارتكاب المحظورات حال الإحرام، فإنه اعتبر في ترتب كل واحد من الأحكام المزبورة القصد الى تلك الأفعال.

و الحاصل ان مدلول الصحيحة و مقتضى إطلاقها انتفاء تلك الأحكام و عدم ترتبها على فعل الصبي و لو مع تعمده و اما الأحكام

المترتبة على العناوين التي لا يكون لها تحقق بدون القصد لا من جهة تقييد الموضوع بالقصد كما في الأحكام السابقة بل لتوقف نفس العنوان و قوامه بالقصد كما في العناوين القصدية فلا دلالة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 216

..........

______________________________

للصحيحة على نفى تلك العناوين و عدم تحققها عن الصبي.

و هذا كما يقال في الاستصحاب من انه يثبت به كل اثر يترتب على نفس المستصحب لا على ما يلازمه أو مثل ما يقال في الرضاع من انه يكون محرما فيما إذا ثبت به نفس العنوان المحرم لا ما يلازم العنوان المزبور و هنا أيضا ظاهر الصحيحة نفى أثر شرعي يكون مترتبا على نفس القصد و التعمد الى الفعل لا نفى اثر عن عنوان يكون القصد موجبا لحصول ذلك العنوان كما في العقود و الإيقاعات فإن المعاملات كلها من العناوين القصدية التي يكون القصد مقوما و محصلا لها.

و لذا لا يكون مشروعية صلاة الصبي و صومه و سائر عباداته و تحيته و غيرها من العناوين القصدية تخصيصا في حديث عمد الصبي خطاء.

بل يمكن دعوى ان الصحيحة لا تكون مقتضاها نفى الأحكام المترتبة على القصد و التعمد الى الفعل مطلقا بل في خصوص ما إذا كان الحكم مترتبا على الخطاء أيضا بأن يكون التعمد الى الفعل موضوعا لحكم و الفعل خطاء موضوعا لحكم آخر كما في مورد الجناية فلا يعم ما إذا كان الحكم مترتبا على عنوان التعمد الى الفعل فقط كما في مورد وجوب الكفارة و بطلان الصوم و نحوهما فان المذكور في الصحيحة ان عمد الصبي خطاء.

و فرق بين هذا التعبير و التعبير بأنه لا عمد للصبي فإن الأول يختص بموارد ثبوت حكم

آخر للخطاء في مقابل ثبوت الحكم للعمد بخلاف الثاني فإنه يعم موارد ثبوت الحكم للعمد الى الفعل من غير فرق بين ثبوت حكم آخر للخطاء و عدمه.

و قد تحصل مما ذكرنا أنه لا يمكن الحكم بعدم فساد صوم الصبي بتناوله المفطر أو بفساد عباداته أو معاملاته استظهارا من الصحيحة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 217

و ان اتهب له الولي (1) و لا لغيره (2) كما قال ارم حقي في البحر (3)

______________________________

(1) يعنى و لو كان قبول الهبة المزبورة من ولي الصبي حيث ان أخذ الصبي الهبة حتى مع قبول وليه لا يوجب حصول القبض المعتبر فيها

(2) يعنى كما لا يكون قبض الصبي مفيدا لحصول الملك لنفسه كذلك لا يفيد قبضه في حصول الملك لغيره كما إذا كان الموهوب له غيره و يكون قبض الصبي بتوكيل ذلك الغير.

(3) يعنى كما انه لا يتعين الدين بإلقاء المديون مقداره في البحر فيما إذا قال له مستحقه ارم حقي في البحر كذلك لا يتعين بقبض الصبي فيما إذا قال مستحقه سلم حقي الى هذا الصبي.

نعم إذا كان المال متعينا كما في الوديعة بأن يقول صاحبها سلمها الى هذا الصبي فسلمها المستودع اليه برء من ضمانها كما يبرء إذا قال له ارمها في البحر فرماها و ذلك فان المال في نفسه متعين لا يحتاج في تعينه الى قبض صحيح.

نعم لو كانت الوديعة من مال الصبي فلا يجوز دفعها اليه حتى مع اذن وليه فإنه من التعدي فيها و لا يفيد في جواز التعدي و عدم ثبوت الضمان اذن الولي حيث انه لا ولاية له فيما لإصلاح فيه للطفل.

و بالجملة لا يصح توكيل الصبي فلا يكون المدفوع

اليه قبضا للمستحق ليتعين به الدين و لكن لا يبعد ان يكون المثالان من توكيل المديون في تعيين الدين فيتعين عند الإلقاء في البحر أو الدفع إلى الصبي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 218

بل على الصبيين (1) ردها بعدم الثبوت (2).

اما ما ورد في رواية السكوني (3).

______________________________

أقول قد تقدم عدم إلغاء قصد الصبي و عليه فلا بأس بتوكيله في القبض و يتعين به الدين كما يخرج بقبضه وكالة، البائع من ضمان المبيع الى غير ذلك فلا حظ و تدبر.

(1) لما مر من ثبوت ضمان الإتلاف على الصبي أيضا.

(2) يعني قد رد الحكاية بعدم ثبوت الشراء لعدم اعتبار الحكاية المزبورة هذا أولا و ثانيا بأنه لا حجية في شراء ابى الدرداء حيث ان فعله ليس من فعل المعصوم ليكون كاشفا عن اباحة ذلك الفعل و ثالثا ذكر توجيها يخرج به الشراء عن معاملة الصبي.

(3) كأن هذا جواب عن سؤال مقدر و هوان رواية السكوني المزبورة ظاهرة في صحة معاملة الصبي فإن المراد بكسب الصبي فيها المال الذي اكتسبه فيكون مقتضى تقييد الصغير بالذي لا يحسن صناعة أن كسبه لا بأس به مع عرفانه الصناعة بل مقتضى التعليل الوارد فيه كون المال الذي اكتسبه الصبي المزبور مالا مشتبها و لو كانت معاملته باطلة لكان حرمة المال الذي اكتسبه معلوما.

و أجاب (ره) عن ذلك بان ملك الصبي المال لا يلازم صحة معاملاته حيث يمكن ان يحصل المال من التقاطه حيث يصير المال بالالتقاط ملكا له لما تقدم من عدم إلغاء قصده في مثل الحيازة و السبق إلى الشي ء المباح كما يمكن كونها اجرة في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 219

مع ان

هذا مما لا ينبغي الشك في فساده (1) و اما التصرف و المعاملة بإذن الأولياء (2)

______________________________

إجارة أوقعها الولي فإن بإيقاع الولي يملك الصبي الأجرة على المستأجر فيتعين المدفوع إلى الصبي في الأجرة بوصولها الى يد وليه و يمكن إيقاع الصبي الإجارة فيستحق على المستأجر أجرة المثل أو كان عمل الصبي باعتبار أمر شخص آخر بذلك العمل فيستحق الصبي في الفرض اجرة المثل على العمل و في هذه الصور و نحوها لا يكون ملك الصبي ملازما لصحة معاملته و لو مع اذن وليه كما لا يخفى.

(1) يعنى لا ينبغي الشك في فساد سيرتهم في عدم فرقهم بين معاملة المميزين و غيرهم خصوصا الأخير أي سيرتهم على عدم فرقهم بين معاملة الأطفال لأنفسهم بحيث لا يطلع أوليائهم على معاملاتهم و بين المعاملة لاوليائهم.

(2) كان هذا جواب عما ذكره كاشف الغطاء (ره) من حصول الإباحة من معاملة الطفل الجالس مقام وليه و حاصله ان أراد كاشف الغطاء حصول الإباحة بنفس تصرف الطفل و معاملته بان كانت معاملة الطفل مفيدة للإباحة سواء كانت المعاملة بنحو البيع العقدي أو المعاطاة فهذا خلاف المشهور حتى عند القائلين بعدم اعتبار شرائط البيع في المعاطاة فإنها على ذلك المسلك و ان لم تكن مشروطة بشروط البيع الا انها تصرف في المال فلا يصح من الصبي و ان أراد ان وصول المال الى يد الأخذ و اذن الولي و رضاه في تصرفه هو الموجب للإباحة و معاملة الصبي تكون كاشفة عن هذا الرضا و يعتمد عليها في الكشف عنه كما يعتمد في كشف رضا مالك الدار و مالك الهدية باذن الصبي في الدخول في الدار و إيصال الهدية كما أوضحه بعض المحققين من تلميذه

فهذا مبنى على كفاية مجرد وصول المالين الى يد كل من المالكين مع رضاهما في حصول الإباحة بالمعاطاة و قد تقدم الكلام فيه في بحث المعاطاة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 220

[يعتبر قصد مدلول العقد]

اشارة

الى المعنى لا بمعنى (1).

و الا وقع لاغيا (2) و لا دليل على تأثير (3).

______________________________

(1) و حاصله أنه يعتبر في المتعاقدين القصد الى اللفظ فلا عقد مع التلفظ بلا قصد كما في الغالط بان كان قصده التلفظ بلفظ فاشتبه و تلفظ بلفظ آخر و يعتبر القصد الى المعنى و ليس المراد من عدم قصد المعنى عدم استعمال اللفظ فيه بل المراد عدم إرادته جدا لان المفروض في المقام و ان كان حصول الإنشاء و تحقق الاستعمال الا انه بداع آخر كما إذا لم يكن غرض المستعمل من إنشاء البيع حصوله حقيقة بل الهزل و نحوه.

و ان شئت فلاحظ موارد الأمر الصوري فإنه كما لا يكون الغرض فيه هو البعث الى الفعل كذلك ليس الغرض في المقام من الإنشاء هو البيع خارجا و كما ان في مورد الاخبار هزلا أو كذبا يكون الكلام مستعملا في معناه الموضوع له و يكون القصد الى التلفظ و إحضاره معناه و لكن بداعي الهزل و الإغراء كذلك في مورد البيع هزلة يكون الكلام مستعملا في معناه الإنشائي و لكن بداعي الهزل لا الجد.

ثم لا يخفى انه ليس اعتبار هذا القصد في المتعاقدين نظير شرط البلوغ و الاختيار فيهما بان يكون هذا الشرط أمرا زائدا على حصول البيع و غيره من المعاملات بل هذا القصد مقوم لعنوان المعاملة حيث لا يكون البيع أو غيره من المعاملة في مثل مورد الإنشاء هزلا.

(2) يعنى لو لم يكن هناك

جهة يصرف إليه الإطلاق كان العقد لغوا

(3) كأن هذا دفع لما يقال من جواز عدم جهة يصرف إليها الإطلاق و جواز عدم تعيين للمالك في العقد و تعيينه بعد ذلك فلا اشتراط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 221

و في حكم المعين ما إذا عين المال (1) لو باع مال نفسه عن الغير (2) لو باع مال زيد عن عمرو (3) و لو اشترى لنفسه بمال في ذمة زيد (4)

______________________________

(1) يعني إذا عين العاقد في عقده المال بكونه بذمة زيد يجرى على هذا المعين على العهدة حكم المعين خارجا في كون التصريح بالخلاف مبطلا أو لا كما لو اشترى لنفسه بثمن بذمة زيد.

(2) يعنى باع مال نفسه ليكون البيع عن الغير لا عن نفسه بان يدخل الثمن في ملك ذلك الغير.

(3) يعنى باع مال زيد ليكون البيع عن عمرو لا عن زيد بان يدخل الثمن في ملك عمرو.

(4) بان يكون قصده دخول المبيع في ملكه في مقابل الثمن المعتبر بذمة زيد و ذكر انه على تقدير عدم وكالته عن زيد يقع البيع لنفسه و يثبت الثمن بذمته و بعبارة أخرى يؤخذ بمقتضى اضافة البيع الى نفسه و يترك اعتبار الثمن بذمة زيد فلا يكون البيع فضوليا ليحتاج في تمامه إلى إجازة زيد.

و يظهر من كلامه ان الوجه في ذلك عدم ثبوت المقتضى لوقوعه لزيد و هذا بخلاف صورة وكالته عنه حيث ذكر فيها احتمالات ثلاثة بطلان البيع و عدم وقوعه لواحد منهما لأن المقتضي لوقوعه لكل منهما موجود فالبطلان للتدافع و وقوعه لنفسه لعدم المقتضى لوقوعه لزيد لان التوكيل لا يشمل مثل هذا الاشتراء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص:

222

[اعتبار تعيين من له البيع]

لو اشترى عن زيد بشي ء في ذمته فضولا (1) و مقتضى المعاوضة و المبادلة (2)

______________________________

بأن يقصد دخول المبيع في ملكه مع خروج الثمن عن ملك موكله و لا أقل من ترجيح جانب الأصالة و وقوعه عن زيد لما مر من ان تعيين المال بذمة زيد في حكم الثمن المعين الخارجي في كون التصريح بخلاف مقتضاه لغوا.

(1) يعنى لو اشترى لزيد بثمن في ذمته و لم يجز الاشتراء زيد فاجازه عمرو فلا يصح لا من زيد فان المفروض عدم أجازته و لا من عمرو لعدم إنشاء المعاملة عنه و عدم اعتبار الثمن في ذمته.

(2) و حاصل ما ذكر المصنف (ره) في المناقشة على الكلام المزبور هو عدم اعتبار تعيين المالكين أصلا بل المعتبر في البيع قصد المعاوضة بل يخرج المبيع الى ملك من يكون خروج الثمن منه إذ لو صار المبيع الى غير ملكه لم يتحقق عنوان المعاوضة بين المالين بل يكون تمليك كل منهما مجانيا و على ذلك فلو فرض قصد المعاوضة من المتعاقدين فلا محالة يتعين مالك المبيع و الثمن واقعا بلا حاجة الى التعيين.

نعم لا بد في موارد كون أحد العوضين كليا في الذمة من تعيين من يضاف الى ذمته المال و لا تكون تعيينه معتبرا بما هو هو بل باعتبار ان الكلى ما لم يكن مضافا الى ذمة معين لا يعتبر مالا ليقع طرفا في المعاوضة فالتعيين لاعتبار المعاوضة بين المالين.

و يترتب على ما ذكر انه لا يعتبر تعيين المالكين أصلا فيما كان العوضان معينين مع فرض قصد المعاوضة واقعا بل يكون التصريح على خلاف مقتضى المعاوضة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 223

و لكن الأقوى صحة

المعاملة المذكورة (1)

______________________________

راجعا إلى فائدة البيع و الشراء كما إذا قال بعت مالي عن زيد فإنه مع قصد المعاوضة يكون المفاد إرجاع فائدة البيع بمعنى تمليك الثمن لزيد ثانيا و إذا قال بعت مال زيد عن نفسي فمع قصده المعاوضة يكون قيد عن نفسي لغوا و لذا ذكروا انه لو أجاز زيد البيع يقع له كما انه لو ملك البائع المال فأجاز البيع المزبور يقع له لا من جهة إضافة البيع الى نفسه بل بناء على صحة الإجازة في مسألة من باع شيئا ثم ملك فأجاز فإنه بناء عليها يتم البيع سواء اضافة الى نفسه أم لا بل و حتى مع إضافته إلى المالك الأول.

(1) المراد بتلك المعاملة بيع ماله عن غيره فان قصد كونه عن غيره لغو حيث ان القيد المزبور لإرجاع فائدة البيع الى ذلك الغير اى تمليك الثمن لذلك الغير قبل تملكه فيكون لغوا لا جعله أحد ركني المعاوضة و حكمهم ببطلان البيع في عكس المسألة أي فيما إذا قال للمرتهن بع مالي لنفسك أو قال للمدفوع اليه مالا اشتر لنفسك بهذا المال طعاما لا ينافي ذلك باعتبار ان مرادهم بالبطلان عدم وقوع البيع أو الشراء للمرتهن أو المدفوع اليه لا انه لا يصح عن المالك مع أجازته.

(1) كان الكلام إلى الان في اشتراط البيع بتعيين كل من يقع له البيع و الشراء بان يقصد الموجب من يقع انتقال المبيع عنه و ان لم يذكره للآخر و كذا ان يقصد القابل من يقع له الشراء و ان يذكره للموجب و عدم اشتراطه بمعنى انه لو لم يقصدا ذلك بل قصدا مجرد المعاوضة كفى.

و قد ظهر انه لا بد من التفصيل بين موارد

تعلق البيع أو الشراء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 224

..........

______________________________

بالمعين خارجا و بين تعلقه بالكلي على العهدة و الكلام فعلا في أمرين.

الأول- انه لو كان المشترى هو المخاطب بمقتضى تعيين الموجب و قصده فهل يجوز للمخاطب المزبور الشراء و قبول الإيجاب لغيره أم لا.

الثاني انه هل يتعين على كل منهما تعيين الطرف الآخر في المعاملة بأن يعتبر فيها تعيين المشترى للموجب و انه المخاطب أو انه موكله مثلا و كذا يعتبر تعيين البائع للقابل و انه الموجب أو موكله مثلا.

و ذكر (ره) في الأمر الأول ان تعيين الموجب أو القابل يكون متبعا الا فيما أحرز عدم لحاظ الخصوصية في نظرهما كما إذا كان المراد من ضمير الخطاب في قول الموجب ملكتك المال بكذا المخاطب المتملك للمبيع بالأصالة أو الوكالة.

و بعبارة أخرى إذا كان ظاهر الكلام تعيين خصوص المخاطب في القصد فلا بد من اتباعه باعتبار ان العقود تابعة للقصود.

و يظهر ذلك من كلام التذكرة حيث ذكر ان في صحة بيع الفضولي بإجازة المالك مع جهل الطرف الآخر بالحال اشكالا و وجه الظهور كون الاشكال من جهة ان قصد الجاهل تعلق بتمليك الفضولي أو التملك منه فوقوع الملك للمالك المجيز غير مقصود للجاهل و هذا الاشكال و ان كان ضعيفا باعتبار ان تعلق قصد الجاهل بنقل المال إلى الفضولي و انتقاله منه ليس الا لكونه صاحب المتاع أو الثمن لا لخصوصية له فلا ينافي هذا القصد وقوع البيع أو الشراء للمالك المجيز بإجازته الا ان المفهوم من كلامه اعتبار تعيين الموجب أو القابل باتباع ظاهر كلامهما.

و يحتمل عدم اعتبار التعيين المزبور بان كان الأصل الاولى في البيع إلغاء قصد الخصوصية في كل

من الطرفين بحيث يجوز للقابل المخاطب القبول عن الغير و لو كان إنشاء الموجب تمليك المتاع إياه بإزاء الثمن بان قال ملكتك المتاع بكذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 225

فتأمل حتى لا يتوهم رجوعه الى ما ذكرنا سابقا (1).

______________________________

فقال قبلت لزيد تم البيع إلا في مورد تصريح الموجب أو قيام القرينة الخارجية بأنه لا يريد البيع الا من القابل المزبور.

و تعرض (ره) للأمر الثاني بقوله (و قد يقال في الفرق بين البيع و شبهه إلخ) و حاصله انه في الموارد التي يكون من له العقد مقوما لعنوان العقد كما في النكاح فان الزوجين فيه بمنزلة المالين فلا بد من التعيين ليكون بين الإيجاب و القبول تطابق و لان عنوان المشترى يصدق على الوكيل أو الولي.

هذا و لكن كلا الوجهين ضعيف.

اما الوجه الأول فلان مقتضاه لزوم تعيين الزوج و الزوجة في النكاح لا عدم لزوم تعيين البائع و المشترى كيف و لا يكون الموقوف عليه أو الموصى اليه أو المتهب ركنا في الوقف و الوصية و الهبة مع انه لا بد من تعيينهم كالنكاح و الوجه في عدم كونهم ركنا ان كلا من العقود المزبورة نظير البيع تمليك و الملك لا يكون بلا مالك لا محالة و اما الوجه الثاني فإن عنوان المشتري أيضا لا يصدق حقيقة على الوكيل في إجراء عقد الصيغة و قد نص فخر المحققين و غيره بان معنى البيع في لغة العرب جعل المخاطب مالكا و مقتضى ذلك ان مع عدم جعل الملك الا للموكل لا يكون الوكيل القابل مشتريا.

(1) ما ذكر سابقا هو صدق عنوان المشترى على الوكيل في الشراء حقيقة و عدم صدق عنوان الزوج على

الوكيل في قبول الزواج.

و اعترض (ره) عليه بأنه لا فرق بينهما و ان المشترى بمعناه الحقيقي لا يصدق على الوكيل في قبول الإيجاب كعدم صدق عنوان الزوج على الوكيل في قبول

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 226

..........

______________________________

إيجاب النكاح.

نعم التزم (ره) بقوله و لعل الوجه عدم تعارف إلخ بأنه قد يطلق عنوان المشتري بالعناية على الوكيل في قبول إيجاب البيع كما يتعارف إرادة الأعم من الأصالة من ضمير الخطاب في مثل قوله ملكتك بخلاف الضمير في قول المرأة زوجتك و بخلاف عنوان الزوج فإن الإطلاق بنحو العناية في عنوان الزوج أو إرادة الأعم من ضمير الخطاب في قول المرأة غير متعارف.

و على ذلك فلا بأس بأن يقول البائع ملكتك المال بكذا و يقول القابل قبلت عن فلان بخلاف النكاح فإنه لا يصح في قبول قول المرأة زوجتك نفسي ان يقول المخاطب قبلت عن فلان و جواز الإطلاق و ارادة الأعم من الضمير في البيع بنحو العناية لا ينافي تقديم مدعى الأصالة عند اختلافهما في ان قبول الإيجاب كان بنحو الوكالة أو الأصالة لان مقتضى ظهور العقد أو أصالة عدم النيابة هو التقديم المزبور و تعارف الاستعمال بنحو العناية لا ينافي كونه خلاف الأصل كما ان تعارف المجاز في سائر الألفاظ لا ينافي حملها على الحقيقة مع عدم إحراز العناية في الاستعمال.

أقول قد مر ان مع كون العوضين معينين لا حاجة الى تعيين المالك و تمييز من يكون له البيع أو الشراء بل يكون تمام البيع بقصد المعاوضة بين المالين و إنشائها بين العوضين و لو اعتقد البائع مثلا ان الثمن المفروض ملك المخاطب و قال له ملكتك مالي بذلك المال و قبله

المخاطب عن مالك الثمن بالوكالة أو الولاية تم البيع.

و بالجملة الخطاء و الاشتباه في المال المفروض كونه شخصا لا يوجب انتفاء التطابق المعتبر بين الإيجاب و القبول فان قصد المعاوضة مقتضاه اعتبار النقل و الانتقال عن المالك واقعا.

نعم لو صرح البائع بأنه انما يبيع ماله من المخاطب على شرط كون الثمن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 227

..........

______________________________

المزبور ملكا له فقال المخاطب قبلت عن مالكه و هو زيد بطل البيع باعتبار عدم التطابق بين الإيجاب المشروط و القبول الخالي عنه فإن الإيجاب المزبور بمنزلة أن يقول البائع بعتك هذا المال على ان الثمن المفروض موصوفا بكذا فيقول القابل قبلت بلا شرط فالبطلان باعتبار عدم التطابق من ناحية الشرط فان شرط كون فلان مالكا للثمن المزبور كسائر الشروط و الأوصاف المعتبرة فيه التي يكون إلغائها في القبول موجبا لانتفاء التطابق.

و لو وقع في هذا الفرض بعد تمام العقد الاختلاف في اعتبار خصوصية المالك في ناحية الثمن أو المثمن فالأصل عدم اشتراطها و يكون القول قول منكرها و اما إذا كان العوضان بنحو الكلى على العهدة فاللازم تعيين صاحب العهدة في العقد لما مر من ان الكلى مع عدم إضافته إلى عهده معين لا يقع عليه المبادلة فإن ما على عهدة المعتبر غير ما على عهدة الآخر فلو قال البائع للوكيل بعتك المال بكذا من الدراهم على عهدة زيد و قبل الوكيل المال بالدراهم على عهدة عمرو لم يتم البيع لعدم تطابق بين الإيجاب و القبول في ناحية الثمن.

نعم لو قال بعتك المال بكذا من الدراهم و قال قبلت لموكلي صح فيما إذا كان المراد بضمير الخطاب الأعم من الأصالة و النيابة و يكون

مع الاختلاف في الأصالة و النيابة في هذا الفرض الترجيح لقول من يدعى الأصالة أخذا بأصالة الظهور.

و قد ظهر مما ذكرنا حكم ما لو كان أحد العوضين في المعاملة شخصا و الآخر كليا على العهدة فإنه يجرى على الكلى ما ذكر للكلي و على الشخصي ما ذكر للشخصي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 228

[من شرائط المتعاقدين الاختيار]

اشارة

من شرائط المتعاقدين الاختيار (1)

______________________________

(1) فسر (ره) الإكراه بما يقابل الاختيار الذي يكون المراد به في المقام القصد الى حصول مضمون العقد و طيب النفس به و مقتضى المقابلة ان يكون الإكراه هو القصد الى مضمون العقد عن كراهة و بلا طيب النفس به.

و بعبارة أخرى ليس المراد بالاختيار هنا مقابل الجبر الذي لا يكون في مورده قصد من المباشر أصلا أو يكون مقهورا في قصده و فعله بحيث لا يصح معه اسناد الفعل الى المباشر حقيقة كافعال العباد على مسلك الجبر.

و الحاصل ان الاختيار المعتبر في البيع و غيره من العقود و الإيقاعات أمر زائد على الاختيار المقابل للجبر و استدل على اعتبار هذا الاختيار بقوله سبحانه إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ حيث ان تقييد التجارة بكونها عن تراض مقتضاه اعتبار طيب النفس بها و بقوله عليه السّلام لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفسه و بحديث الرفع حيث و رد فيه رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه.

و الحديث و ان كان ظاهره بقرينة وحدة السياق نفى المؤاخذة فان نفيها مراد في قوله رفع عن أمتي ما لا يعلمون و الطيرة و الحسد الا انه يرفع اليد عن الظهور بقرينة ما في بعض الروايات كصحيحة البزنطي من استشهاده عليه السلام على بطلان الحلف بالطلاق

و العتاق بفقرة رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه «1» و المراد بالحلف بالطلاق و العتاق ان يقول الحالف مثلا ان فعلت كذا فامرأتي طالق أو أمتي حرة و هذه الحلف و إن كان باطلا و لا يقع به طلاق أو عتاق و لو مع عدم الإكراه الا ان استشهاده عليه السلام لبطلانه بالحديث قرينة على عدم اختصاصه برفع المؤاخذة.

______________________________

(1) الوسائل- الجزء (16) الباب (12) الحديث (12)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 229

و حكمهم بعدم وجوب التورية (1)

______________________________

أضف الى ذلك ما ورد في بطلان طلاق المكره بضميمة عدم احتمال الفرق بين الطلاق و سائر العقود و الإيقاعات في البطلان و عدمه مع الإكراه.

ثم تعرض (ره) لما ذكره الشهيدان من كون المكره بالفتح قاصدا للفظ و غير قاصد مدلول العقد فذكر ان مدلول العقد مضمونه و كون المكره غير قاصد له معناه انه لا يقصد حصول ذلك المضمون خارجا بان يثبت لذلك المضمون واقعية.

و ان شئت قلت و لو كان قصد المكره بالفتح بقوله بعت كذا بكذا إنشاء الملكية إلا ان إنشائها لا يكون لغاية حصولها خارجا بل بداعي دفع الضرر المتوعد به و ليس المراد انه لا ينشأ الملكية أصلا كما توهمه بعض من كلامهما فإنه مع عدم الإنشاء لا يكون قوله بعت كذا بكذا بيعا أو قوله هي طالق طلاقا.

و بالجملة الخالي عن قصد الاستعمال و الإنشاء هو الذي يتلفظ تقليدا أو تلقينا كما في الطفل الجاهل بالمعاني و لا يكون المكره بالفتح كذلك فمرجع كلام الشهيدين الى ان إنشاء المكره ليس بداعي تحقيق الشي ء بحيث يترتب عليه الأثر بل لغرض التخلص عن الوعيد فالفرق بين المكره بالفتح و غيره ان

إنشاء الملكية في الأول لا يكون بداعي حصولها خارجا بل بداعي التخلص عن وعيد المكره و ضرره بخلاف بيع المختار فإن إنشاء الملكية منه يكون بداعي حصولها خارجا.

(1) ذكر (ره) كما مر ان إنشاء البيع مثلا بداعي التخلص عن الوليد لا لغاية تحقيقه خارجا هو المراد من عدم قصد المكره بالفتح مدلول العقد و كون هذا هو المراد من عدم قصده لا يكاد يخفى على من تأمل في معنى الإكراه لغة و عرفا و على من تتبع فيما ذكره الأصحاب في فروع الإكراه فإن تلك الفروع لا يناسب توهم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 230

..........

______________________________

خلو المكره بالفتح عن القصد بان لا يستعمل قوله بعت كذا بكذا في إنشاء الملكية ليكون الإكراه مقابلا للقصد اى استعمال اللفظ في المعنى.

و قوله (ره) و حكمهم- بعدم وجوب التورية و بصحة بيع المكره بعد الرضا و استدلالهم على بطلان بيع المكره بالأخبار الواردة في طلاق المكره بضميمة عدم الفرق بين الطلاق و سائر العقود و الإيقاعات و بما ورد انه لا طلاق الا مع الإرادة و استدلالهم ايضا على بطلان بيع المكره بما ورد في بطلان من يكون طلاقه مداراة بأهله بان ينشأ الطلاق لا لحصوله واقعا بل لان يوهم زوجته الأخرى مثلا بأنها زوجته الوحيدة الباقية في علقته لتترك نشوزها- كل ذلك معطوف على ما ذكره الأصحاب في قوله ادنى تتبع فيما ذكره الأصحاب و يكون عطفها تفسيريا فإنها من الفروع التي يكون التتبع في المذكور فيها موجبا للجزم بعدم خلو المكره بالفتح عن قصد المعنى و الإنشاء.

بل يكفي في الجزم بذلك ما ذكره الشهيد الثاني من ان المكره و الفضولي قاصدان الى اللفظ

دون مدلوله و وجه الكفاية انه لا ريب في تحقق قصد الاستعمال من الفضولي و جعل المكره مثله قرينة جلية على كون المراد من عدم قصد المعنى ما تقدم تفصيله.

أقول ان كانت ملكية العين في إنشاء البيع بنظر العاقد فلا ريب في حصولها من المكره بالفتح فإنه لا يكون إنشاء بدون قصد حصولها أو قصد إبراز حصولها على الوجهين في معنى الإنشاء و على ذلك يبتنى ما سيأتي من عدم لزوم التورية على المكره و تمام بيع المكره بلحوق الرضا و ان كانت الملكية بنظر العقلاء أو اعتبار الشرع فهذه الملكية أجنبية عن قصد العاقد فإنها اعتبار الغير يترتب على تمام موضوعها سواء قصدها العاقد أم لا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 231

..........

______________________________

فإن أراد الشهيدان بقولهما (ان المكره بالفتح قاصد الى اللفظ دون المدلول) الملكية بنظر العاقد فقد ذكرنا انه لا يكون بيع الا مع قصد حصولها أو إبراز حصولها و ان كان مرادهما الملكية في اعتبار العقلاء و الشرع المعبر عنها بالأثر فلا يعتبر في حصول البيع قصد حصولها بل قد لا يكون قصد حصولها في بيع المختار ايضا كما إذا اعتقد فقد شرط صحة البيع و قد يقصدها المكره بالفتح كما إذا اعتقد صحة بيعه و نفوذه كبيع المختار.

و الحاصل ان كلام الشهيدين غير تام بل لا نجد فرقا بين بيع المكره اى إنشائه ملكية المثمن بإزاء الثمن و بين بيع المختار إلا في جهة واحدة و هي انطباق عنوان الإكراه على البيع في الأول دون الثاني.

(لا يقال) الفرق بينهما في حصول طيب النفس و التراضي في الثاني دون بيع المكره.

(فإنه يقال) التراضي المعتبر في المعاملات موجود في بيع المكره

أيضا فإذا أكرهه الجائر على دفع مقدار من المال و توقف تحصيل ذلك المال على بيع داره يصح البيع و لا يكون ذلك اكراها على البيع بخلاف ما إذا أكرهه على بيع تلك الدار فإنه لا يصح لوقوعه مكرها عليه مع ان في الرجوع الى الوجدان كفاية بأنه لو لم يكن إكراه الجائر لم يكن البيع في الموردين فإن الداعي إلى بيعها في الفرضين التخلص من وعيد الجائر و ضرره.

و قد بينا في بحث المقدمة من الأصول ان الداعي إلى الإتيان بذي المقدمة بعينه داع إلى الإتيان بمقدمته و إذا كان دفع المال إلى الجائر في الفرض الأول للتخلص من وعيده يكون الداعي إلى مقدمته أيضا يعني بيع الدار التخلص المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 232

..........

______________________________

و بهذا يظهر ان ما ذكره المصنف (ره) في توجيه كلام الشهيدين من ان الداعي إلى البيع من المختار لا يكون التخلص من وعيد الغير و ضرره بخلاف صورة الإكراه فإنه يكون داعيه اليه التخلص المزبور غير صحيح كما ان دعوى حصول الرضا و طيب النفس بالبيع في صورة الإكراه على دفع المال الذي يتوقف تحصيله على بيع المكره داره و عدم حصوله في صورة الإكراه على بيع داره تحكم.

و ما ذكر أيضا في الفرق بين مورد الإكراه على البيع و البيع لدفع الضرر بقوله و الحاصل ان الفاعل قد يفعل لدفع الضرر و لكنه مستقل في فعله و مخلى و طبعه بحيث يطيب نفسه به و ان كان من باب علاج الضرر و قد يفعل لدفع ضرر إيعاد الغير على تركه و هذا مما لا يطيب النفس به و ذلك معلوم بالوجدان كما ترى فإنه

نفرض فرضا ان الفرق بين موارد البيع لدفع الاضطرار الى ثمنه و بين البيع لدفع ضرر إيعاد الغير تام فكيف يصح الفرق بين الإكراه مثلا على بيع داره و الإكراه على دفع مال يتوقف تحصيله على بيع داره بان يقال بحصول طيب النفس و الرضا بالبيع في الثاني دون الأول بل ذكرنا عدم الفرق بينهما في طيب النفس أصلا و انما الفرق بينهما في صدق الإكراه على بيع الدار في الأول دون الثاني و الموجب لصدقه عليه في الأول أمر الجائر ببيعها و وعيده على تركه بخلاف الثاني فإن بيعها فيه لا يكون لأمر الجائر به ليعمه حديث رفع الإكراه بل للتمكن على مال أمر الجائر بدفعه اليه فلا يكون نفس البيع مكرها عليه.

فتحصل مما ذكرنا ان الموجب لصدق الإكراه على البيع أو غيره تعلقه بنفس البيع أو غيره من الإنشائيات فالتفرقة بالحكم بصحة البيع في مورد الاضطرار الى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 233

..........

______________________________

البيع أو الإكراه على مثل دفع المال الموقوف تحصيله على بيع متاعه و الحكم بالبطلان في مورد الإكراه على البيع باعتبار شمول حديث رفع الإكراه للأخير دون الأولين و ذكر رفع الاضطرار في حديث الرفع لا يقتضي الحكم ببطلان البيع في مورد الاضطرار الى ثمنه، و ذلك فان رفعه كرفع غيره من المذكورات في الحديث للامتنان و التوسعة على الأمة و لا امتنان في نفى البيع و الحكم بفساده في مورد الاضطرار بخلاف الحكم بالفساد في مورد الإكراه على بيع شي ء فان فيه توسعة على المكره بالفتح كما لا يخفى.

ثم ان الحكم ببطلان بيع المكره و نحوه من المعاملات لا يحتاج إلى ضميمة صحيحة البزنطي المتقدمة ليقال

ان استشهاده عليه السّلام ببطلان الحلف بالطلاق و العتاق عند الإكراه عليهما بحديث رفع يمكن ان يكون جدليا مبنيا على اعتقاد العامة بأن حديث الرفع لا يختص برفع المؤاخذة و وجه عدم الحاجة ان المراد بالمكره عليه هو الفعل حيث لا يتعلق الإكراه و الاضطرار الا بالفعل و من الظاهر ان رفعهما يكون في مقابل وضعهما و الوضع فيهما معناه ان يثبت الحكم الثابت بالفعل مع قطع النظر عن طريانهما و إذا كان الفعل المكره عليه من الأفعال الخارجية يكون المرتفع الحكم التكليفي و إذا كان من المعاملات فالمرتفع الحكم الوضعي يعني إمضاء الشارع أو هو مع الحكم التكليفي على اختلاف الموارد.

و مما ذكرنا يظهر انه لا يرتفع بحديث الرفع الأحكام التي لا تكون موضوعاتها الأفعال بل يثبت بالافعال باعتبار حصول موضوعاتها بها بعضا كما إذا أكرهه على إفطار صومه فإنه لا يرتفع بحديث رفع الإكراه وجوب قضائه لأن وجوب القضاء موضوعه فوت الصوم لا إفطاره.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 234

..........

______________________________

نعم قد يفوت الصوم بإفطاره كفوته بنسيان الصوم أو نسيان جنابته أو كون المكلف مريضا أو مسافرا و نحو ذلك مما لا يكون من قبيل الإفطار و هذا بخلاف وجوب الكفارة فإن موضوعه الفعل يعني الإفطار أو الجماع في نهار شهر رمضان فيرتفع وجوبها عند الإكراه عليهما.

لا يقال لا حاجة في الحكم ببطلان بيع المكره و نحوه من المعاملات بحديث الرفع أصلا فإن أدلة إمضاء البيع و وجوب الوفاء بالعقود منصرف عن مثل البيع المكره عليه فان البيع المزبور لا يكون مورد الإمضاء حتى في اعتبار العقلاء فالحكم ببطلانه لقصور أدلة الإمضاء لا لوجود حاكم أو مخصص لها.

فإنه يقال لا وجه

لدعوى انصراف أحل اللّه البيع و نحوه عن بيع المكره لان الموضوع لإمضاء الشرعي نفس البيع لا البيع الممضى في اعتبار العقلاء و قد ذكرنا في بحث الصحيح و الأعم أن إمضاء العقلاء كامضاء الشرع غير داخل في معنى البيع و نحوه فان بيع السارقين و الغاصبين لا يكون ممضى حتى عند العقلاء مع صحة إطلاق البيع عليه بلا عناية.

و بعبارة أخرى إذا كان تمليك عين بعوض بيعا عند العرف و لكن غير ممضى من ناحيتهم فهو داخل في الموضوع في مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فلا بد في رفع اليد عن إطلاقه من وجود مقيد نظير قوله لا بيع إلا في ملك و يترتب على كون الموضوع لإمضاء الشرع نفس البيع انه لو باع اللقطة بعد تعريفها سنة و تملكها حتى مع احتماله الظفر بمالكها ثم ظهر المالك فلا يستحق المالك المطالبة بعين اللقطة حتى مع بقائها بيد المشترى فان هذا مقتضى أحل اللّه البيع و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ مع ان العقلاء لا يمضون البيع من البائع في الفرض و لا يفرقون بين هذا البيع و بيع مال الغير اشتباها و اعتقادا بأنه ماله ثم ظهر انه مال الغير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 235

..........

______________________________

و ما ذكر من سيرة العقلاء على عدم لزوم بيع المكره فتكون هذه السيرة كاشفة عن عدم إمضاء الشرع و الا ورد الردع عنها برادع خاص و لا يكفى فيها الإطلاق و العموم ففيه ان سيرة العقلاء يمكن دعواها في الموارد التي يكون الإكراه فيها من قبيل الجور الشخصي و اما إذا كان بنحو الجور العام كما إذا أمر السلطان بان كل أجنبي يلزم عليه بيع داره من أهل

هذه البلاد خلال شهرين و الا يؤخذ منه داره ففي مثل ذلك لا يرى العقلاء بيع الأجانب دورهم مع اعترافهم بأن أمر السلطان جور عليهم بيعا لغوا بل يرتبون عليه الأثر كما يظهر ذلك لمن تتبع سيرتهم و المتحصل ان العمدة في الحكم بالبطلان في بيع المكره و نحوه حديث رفع الإكراه.

لا يقال كيف يكون التراضي و طيب النفس بالمعاملة في مورد الإكراه مع ان الإكراه مع طيب النفس و التراضي متضادان.

فإنه يقال نعم الكره و هو عدم كون الشي ء ملائما للطبع مع طيب النفس بمعنى ابتهاجها و الرضا القلبي متضادان و لكن طيب النفس أو الرضا القلبي غير معتبر في بيع و لا في غيره حتى في الطلاق الوارد فيه كونه بإرادة القلب كما يأتي و لذا قالوا بصحة الطلاق لعدم صدق الإكراه في مثل ما رأى الزوج أنها لو بقيت في حباله لوقعت عليه وقيعة من أخيها أو أبيها أو غيرهما فالتجأ إلى طلاقها و لا تكون كراهته قلبا موجبا لبطلانه.

و بالجملة المعتبر في صحة البيع و غيره من المعاملات التراضي المعاملي و هو موجود في موارد الإكراه فإنه مساوق للإنشاء و قد ذكر المفسرين ان قوله سبحانه عَنْ تَرٰاضٍ في قوله إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ خبر بعد خبر و هذا شاهد على ان التراضي المعاملي يعم جميع المعاملات و ان التجارة أحد أفرادها و لو كان المدرك لاعتبار طيب النفس قوله عليه السلام (لا يحل مال امرء مسلم الا بطيبة نفسه) بدعوى انه يعم تملك مال الغير بالبيع و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 236

..........

______________________________

نحوه مع ظهور طيبها في الطيب القلبي و الرضا الواقعي كما لا

يبعد فلا بد من رفع اليد عن عمومه في المعاملات بما تقدم.

نعم لا يبعد اعتبار طيب النفس بذلك المعنى في التصرف في مال الغير كما إذا أقام في بيته تعزية كعزاء خامس أهل البيت العصمة سلام اللّه عليه و دخل في البيت بتلك المناسبة شخص و تصرف فيها بما يكون خارجا عن المتعارف باستعمال الماء الكثير بغسل بعض ثيابه أو المكث في مرحاضها طويلا مع عدم علمه برضا صاحب البيت فهذه التصرفات التي ربما يمتنع المالك عن إظهار عدم رضاه بها للتحفظ على كرامته غير جائز لذلك الشخص فإنه لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفسه.

و هذا بخلاف فرض حصول المعاملة كما إذا وهب المال للسائل تحفظا على كرامته فان دليل نفوذ الهبة أو غيرها مع عدم حاكم في البين من حديث رفع الإكراه أو الاضطرار مقتضاه دخول العين الموهوبة في ملك المتهب فلا يكون الموهوب مال الغير حتى لا يجوز التصرف فيه بلا طيب نفس مالكه و ما يتعارف في الألسنة من ان المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا بلا شاهد في مثل المورد المزبور من المعاملات.

لا يقال قد ورد في روايات أنه لا طلاق الا ما أريد به الطلاق و مقتضى تلك الروايات عدم القصد في مورد الإكراه.

فإنه يقال لم يظهر أن الروايات المشار إليها قد وردت في طلاق المكره و بيان بطلانه بل لا يبعد كونها ناظرة الى ما يصدر عن الزوج أحيانا لتخويف زوجته من الإتيان بصورة الطلاق جلبا لطاعتها و في مثله لا يكون إنشاء الفرقة بينه و بين زوجته حقيقة فمدلول تلك الروايات أن لا أثر للتكلم التخويفى المزبور الذي في حقيقته تلفظ بصيغة أنت طالق و نحوها من غير

قصد الإنشاء لمضمونها بل يكون التلفظ بها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 237

حقيقة الإكراه لغة و عرفا (1) هل يعتبر في موضوع الإكراه (2) أو حكمه (3)

______________________________

مع إمرار المتكلم معناها الى ذهن السامع فقط و ربما يكون ذلك في مورد الإكراه أيضا بأن يتلفظ المكره بالفتح بصيغة الإيجاب في الطلاق و نحوه من غير قصد الإنشاء و هذا لا يترتب عليه ما سنذكر من تمام البيع بلحوق الإجازة و غيره من الأحكام.

و يشهد لعدم نظر تلك الروايات إلى صورة الإكراه على الطلاق ان صاحب الوسائل (ره) أوردها في باب اشتراط الطلاق بالقصد لا في باب اشتراط الاختيار في الطلاق بل في حسنة يحيى بن عبد الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول لا يجوز طلاق في استكراه و لا تجوز يمين في قطيعة رحم الى ان قال و انما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه «1» و هذه الحسنة قرينة واضحة على ان المراد بإرادة الطلاق غير الطلاق بغير الإكراه.

(1) لا يخفى ان المعتبر في صدق الإكراه هو الأمر بالبيع أو غيره بحيث تكون مخالفة الأمر مظنة الضرر بحاله أو بحال متعلقيه و قد يكون الفعل من الفاعل لمجرد دفع ذلك الضرر و اما الوعيد من الأمر فلا يعتبر اقتران أمره به كما يظهر ذلك من ملاحظة موارد الإكراه على المعاملة أو غيرها من الأفعال.

(2) بأن يكون عدم إمكان التفصي بالتورية أو غيرها مقوما لعنوان الإكراه.

(3) بان لا يكون البيع أو غيره محكوما بالفساد مع إمكان التفصي عن إنشائه

______________________________

(1) الوسائل الجزء (15) الباب (37) من أبواب الطلاق الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2،

ص: 238

ثم انه هل يعتبر في موضوع الإكراه (1)

______________________________

بالتورية أو غيرها و لو مع صدق الإكراه عليها.

(1) ذكر (ره) بما حاصله ان ظاهر الروايات و فتاوى الأصحاب عدم اعتبار العجز عن التفصي بالتورية فإن حمل عموم حديث رفع الإكراه و الروايات الدالة على عدم الأثر للطلاق باستكراه أو العتاق و الحلف كذلك على صورة عدم إمكان التفصي بالتورية من جهة غفلة المكره بالفتح عنها و نسيانها لدهشته أو جهله بكيفيتها بعيد حيث أنه من حمل المطلق على الفرد النادر بل لا يمكن هذا الحمل في مورد بعض الروايات و المراد ما ورد في قضية عمار لما سيأتي أنه لو كان عدم إمكان التفصي بالتورية معتبرا في رفع الإكراه لذكر (صلّى اللّه عليه و آله) لعمار أنه عليه أن يوري فيما إذا ابتلى بمثل الواقعة لا أن يقول له (ان عادوا فعد).

بل يظهر من بعض الروايات عدم اعتبار التفصي بغير التورية أيضا كرواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا يمين في غصب و لا في قطيعة رحم و لا في إكراه و لا في إجبار قلت أصلحك اللّه فما الفرق بين الإكراه و الإجبار قال الإجبار من السلطان و يكون الإكراه من الزوجة و الام و الأب و ليس ذلك بشي ء «1» و وجه الظهور انه يمكن التفصي عادة في إكراه الأم و الأب و قوله عليه السّلام على ما في الرواية و ليس ذلك بشي ء المراد أن اليمين في الموارد المزبورة لا يكون موجبا لوجوب الوفاء و عدم جواز الحنث و يؤيد عدم اعتبار التفصي بغير التورية أيضا عدم الفرق بينها و بين التفصي بغيرها فإنه لو كان

إمكان التفصي بغير التورية موجبا لانتفاء عنوان الإكراه لكان إمكان التفصي بها كذلك لان المصحح لعنوان الإكراه انحصار التخلص عن الضرر المتوعد به بارتكاب ما اكره عليه كما هو الفرض فلا فرق بين

______________________________

(1) الوسائل الجزء (16) الباب (6) الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 239

..........

______________________________

التخلص بكلام آخر أو فعل آخر أو إرادة المعنى الآخر.

و دعوى ان مع إمكان التورية و ان لا يكون إكراه حقيقة كإمكان التفصي بغيرها الا ان الشارع قد وسع حكم الإكراه مع إمكان التورية مدفوعة بعدم الشاهد لها.

ثم انه (ره) قد وجه الدعوى المزبورة بأنه يعتبر في صدق الإكراه خوف ترتب الضرر على مخالفة المكره بالكسر و مع إمكان التفصي بغير التورية لا يحصل الخوف في مخالفة المكره حيث ان الضرر مع إمكان التفصي يترتب على ترك الفعل المكره عليه و ترك التفصي معا و ليس التفصي مكرها عليه و لا بد لا عنه حيث لم يأمر به الجائر لا تعيينا و لا تخييرا ليكون نظير ما إذا أكرهه على شرب الخمر أو فعل القمار بل الفعل المتفصى به مسقط للإكراه يعنى رافع موضوعه و كون التفصي مسقطا للإكراه يجري في مورد إمكان التفصي بالتورية أيضا الا ان الشارع قد رخص في مورد إمكان التفصي بالتورية في تركها حيث لم يعتبر التورية تفصيا و يستفاد ذلك من إطلاق الروايات الواردة في طلاق المكره و عتقه و مما دل على جواز الحلف باللّه كاذبا عند الخوف و الإكراه فإن حمل الإطلاق على صورة العجز عن التورية كما تقدم حمل على الفرد النادر بل لو كان العجز عن التورية معتبرا لأشير إليها في تلك الاخبار خصوصا في قضية

عمار فان تنبيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمار على التورية و ان لم يكن واجبا الا ان شفقته (صلّى اللّه عليه و آله) لعمار تقتضي ذلك لما رآه صلى اللّه عليه و آله من اضطرابه و تأثره من تكلمه بكلمة الكفر لا ان يقول له و ان عادوا عليك فعد.

و لعل وجه عدم وجوب التنبيه ان المورد من قبيل الإرشاد إلى الموضوع مع غفلة المكلف عنه حيث لا بد من فرض ان عمار قد نسي التورية و غفل عنها عند إكراهه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 240

..........

______________________________

على الاعتراف بالشرك لا ان تركه التورية كان لجهله بالحكم و عدم علمه بوجوب التورية في هذه الموارد كما هو الحال في ترك بعض الناس أو جلهم فان عدم رعاية بعض تكاليف الشرع منهم يكون لجهلهم بها و فرض مثل هذا الجهل لا يناسب شأن عمار و لا تطبيق الإكراه على فعله كما هو مقتضى نزول الآية الا من اكره و قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ.

ثم انه (ره) قد فصل أخيرا بين التورية و غيرها بان التمكن على التفصي بالتورية لا ينافي صدق الإكراه على العمل بخلاف غير التورية فإن التمكن على التفصي به يمنع عن صدق الإكراه و ذلك فان ترتب الضرر على مخالفة المكره لا يترتب على المخالفة الواقعية بل على اعتقاد المكره بالكسر بها بمعنى أنه لو أحرز مخالفة المكره بالفتح لأضربه و هذه القضية الشرطية صادقة مع تمكن المكلف على التورية حيث ان المكره بالكسر لو أحرز ان المكره بالفتح ورى في نفسه و لم ينشأ العقد لا ضربه بخلاف التفصي بغير التورية فان الجائر لا يتمكن على إضرار المكره

بالفتح مع تفصيه بغير التورية كما إذا تفصى بالسفر الى بلاد آخر لا يصل اليه فيها يد الجائر و على ذلك لا يعتبر العجز عن التورية في صدق الإكراه و يعتبر العجز عن التفصي بغيرها في صدقه.

(أقول) ما ذكره (ره) من أن حمل رفع الإكراه و ما ورد في بطلان الطلاق و العتاق عن استكراه على صورة العجز عن التورية بعيد لا يمكن المساعدة عليه فان حديث رفع الإكراه لا يختص بالعقود و الإيقاعات ليقال ان التمكن على التورية فيهما غالبي فاختصاصه بصورة العجز عن التورية حمل لعموم رفعه على الموارد النادرة بل يعم عمومه الإكراه على فعل الحرام و ترك الواجب مما لا دخل في موردهما للتورية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 241

..........

______________________________

و عدمها.

أضف الى ذلك أنه لا يوجب اعتباره حمل المطلق على فرده النادر حتى فيما فيما ورد في بطلان الطلاق أو العتاق أو الحلف كاذبا عن إكراه و ذلك فإن الذي لا يمكن هو حمل المطلق على فرده النادر مع ورود الحكم في الخطاب على ذلك المطلق كما إذا ورد في الخطاب اقتلوا الضال المضل فان حمله على خصوص مدعى النبوة مثلا حمل للمطلق على فرده النادر.

و اما بيان الحكم في الخطاب للمطلق الذي لا يوجد له أفراد كثيرة بل يوجد فرده نادرا كما إذا ورد في الخطاب اقتلوا المتنبي فالالتزام بمدلوله مع قلة أفراده لا محذور فيه و الأمر في المقام كذلك لأن الإكراه على الطلاق و العتاق لا يصدق الا مع العجز عن التفصي بالتورية أو بغيرها حيث ان المعتبر في صدق الإكراه على فعل خوف ترتب الضرر على المخالفة و المفروض في موارد إمكان التفصي

انه يترتب على المخالفة و ترك ذلك التفصي معا.

و الحاصل ان ما ورد في بطلان طلاق المكره و عتاقه و جواز الحلف كاذبا مع الإكراه من قبيل ورود الحكم في الخطاب على المطلق الذي لا يوجد له فرد الا نادرا.

هذا مع ان العجز عن التورية للغفلة عنها لدهشته و نحوها كثيرة و لا يكون من الفرض النادر و اما قضية عمار فيمكن ان يقال ان التورية فيها لا يكون من التفصي أصلا و لذا لم يأمر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ذلك فإن إظهار الكفر و الاعتراف به محرم حتى فيما إذا كان بنحو التورية في مقابل وجوب إظهار الحق و الاعتراف بالتوحيد.

و بعبارة أخرى إذا كان التكلم بكلمة الكفر و الشرك مع نصب القرينة على ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 242

..........

______________________________

التلفظ بها ليس للإنكار و العناد كما إذا قال يقول اليهود ان محمدا ليس بنبي فلا بأس به فإنه نقل قول و حكاية كفر عن الآخرين.

و اما إذا لم ينصب قرينة على ذلك فالتلفظ بها حرام ورى في نفسه أولا فإن التكلم المزبور إعزاز للشرك و الكفر و إذلال و وهن للإسلام و نظيره موارد السب فان التلفظ بكلمة تكون ظاهرة في سب المؤمن حرام و لو كان بنحو التورية حيث ان وهن المؤمن و نقص حرمته يترتب على السب ورى في نفسه أم لا.

و الحاصل لا يخرج الفعل في مثل هذه الموارد بالتورية عن عنوان الحرام لتجب التورية و لا يكون معها من الإكراه على الحرام و كذا لا يمكن المساعدة على استظهاره (ره) عدم اعتبار العجز عن التفصي بغير التورية أيضا من رواية

عبد اللّه بن سنان و ذلك فإنه مع الإغماض عن سندها ان الإكراه فيها لا يكون بمعنى الإكراه الوارد في حديث الرفع و نحوه مما يكون طريانه موجبا لارتفاع حكم الفعل ليجعل شاهدا لعدم اعتبار التفصي فإن الأم و الأب لا يكون في مخالفتهم خوف الضرر عادة و لذا جعل طلبهم مقابلا لأمر السلطان و عبر عنه بالإجبار باعتبار ترتب خوف الضرر على مخالفته.

و بتعبير آخر إطلاق الإكراه على طلب الزوجة و الام و الأب بضرب من العناية و التجوز.

و ما ذكر (ره) أخيرا من صدق الإكراه حتى مع التمكن على التورية و عدم صدقه مع التمكن على التفصي بغيرها غير صحيح فإنه يعتبر في صدق الإكراه خوف المكره بالفتح من المخالفة و هذا لا يكون الا مع احتماله اطلاع المكره بالكسر على حاله و إذا علم عدم إمكان اطلاعه على توريته فكيف يحصل له خوف الضرر المصحح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 243

ثم ان ما ذكرنا من اعتبار العجز (1)

______________________________

لصدق الإكراه.

و لو كان الميزان في صدق الإكراه مجرد القضية الشرطية المزبورة فلازمها جواز شرب الخمر مثلا فيما إذا أمر الجائر بشربها مع تمكن المأمور بصبها في الأرض أو خارج الفم و إيهام الجائر بأنه يشربها فان هذا الفعل نظير التورية في انه لو اطلع الجائر عليه لأوقعه في الضرر.

فتحصل من جميع ما ذكرنا إلى الان انه لا فرق بين الإكراه الرافع للتكليف و الرافع للوضع في انه مع إمكان التفصي بالتورية أو بغيرها لا يكون إكراه ليقال بأنه يقتضي رفع التكليف أو الوضع.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم،

1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 2، ص: 243

(1) و حاصله ان ما ذكر من اعتبار العجز عن التفصي بغير التورية يختص بالإكراه المسوغ للمحرمات و اما الإكراه في المعاملات فيشمل موارد إمكان التفصي سواء كان بالتورية أو بغيرها و ذلك فان الملاك في فسادها فقد طيب النفس و ربما لا يطيب النفس بالمعاملة مع إمكان التفصي كما إذا كان قاعدا في مكان خال عن معاونيه متفرعا نفسه للعبادة و نحوها فجائه من أكرهه على بيع شي ء من أمواله و هو مع عدم خروجه من ذلك المكان غير قادر على دفع ضرره و لكن لو خرج و أخبر الحال بمعاونيه و خدمه فهم يدفعون شر المكره و لكن لا يريد الخروج لئلا يزول الخلوة مع ربه فالظاهر صدق الإكراه على بيعه بمعنى عدم طيب نفسه به بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده و توقف دفع شر المكره على أمرهم بدفعه فلم يأمرهم فإن هذا لا يتحقق في حقه الإكراه بمعنى عدم طيب النفس و لذا يكذب لوا دعاه بخلاف المثال الأول فإنه يصدق فيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 244

..........

______________________________

هذا في الإكراه على المعاملات و اما المحرمات فإنه لا يحل الحرام لا في المثال الثاني و لا في المثال الأول فإن الإكراه على الحرام لا يتحقق إلا إذا توقف دفع الضرر على ارتكاب ذلك الحرام بان كان المكلف مضطرا الى ارتكابه فيكون الفرق بين الإكراه على الحرام و الاضطرار اليه الوارد كل منهما في حديث الرفع هو ان الإكراه على الحرام هو الاضطرار اليه من جهة أمر الغير به و الاضطرار اليه هو الاضطرار لا من جهة أمر الغير

بل من جهة الجوع و العطش و نحوهما.

و الحاصل ان الإكراه على المحرمات أخص من الإكراه على المعاملات حيث قد لا يعد الإكراه على المعاملة كما في مورد إمكان التفصي بغير التورية اكراها في المحرمات و لو لوحظ مناط جواز ارتكاب الحرام عند الإكراه عليه و هو توقف دفع الضرر على ارتكابه و مناط فساد المعاملة عند الإكراه و هو فقد طيب النفس بها لكانت النسبة بين المناطين بحسب الاجتماع و الافتراق العموم من وجه فمورد اجتماعهما الإكراه على المعاملة أو الحرام مع العجز عن التفصي عنهما و مورد تحقق الإكراهي المعاملي فقط هو فرض الإكراه على المعاملة أو الحرام مع إمكان التفصي عنهما فإنه يحصل الإكراه بالإضافة إلى المعاملة و لا يحصل بالإضافة إلى الحرام و مورد حصول مناط الإكراه على الحرام فقط دون المعاملة ما إذا توقف دفع الضرر الى ارتكاب الحرام أو على المعاملة كما إذا توقف دفع هلاكة نفسه على شرب الماء المتنجس لدفع عطشه فإنه يحل بذلك بخلاف ما إذا توقف دفع هلاكة نفسه على بيع ماله فان النفس تطيب بالبيع كما تقدم في مسألة توقف علاج مرضه الى بيع داره.

ثم انه (ره) استشهد على افتراق ملاك الإكراه المجوز للحرام عن ملاك الإكراه الموجب لفساد المعاملة بأنه لا اشكال و لا خلاف في ان الإكراه على أحد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 245

..........

______________________________

الفعلين المفروض حرمة كل منهما يكون موجبا لجواز ارتكاب أحدهما بمعنى اى منهما اختاره المكلف دفعا لضرر مخالفة الجائر يكون جائزا و مباحا فالفعل المختار و ان لا يكون بخصوصه مكرها عليه لا ان ملاك جوازه دفع الضرر لا خصوصية عنوان الإكراه.

و اما إذا

كانا عقدين فاكرهه الجائر على إنشاء أحدهما كما إذا أمره بطلاق احدى زوجتيه فإنه ربما يستشكل في الحكم ببطلان الطلاق باعتبار ان من يختار طلاقها منهما ليس بخصوصه مكرها عليه بل يكون اختيار طلاقها بإرادته و رضاه و لذا أفتى في القواعد بصحة الطلاق في الفرض و ان حمل بعض الأصحاب حكمه بالصحة على ما أكرهه الجائر على طلاق احدى زوجتيه مبهمة فطلق إحداهما معينة.

و كيف كان فهذا الكلام يعنى تصحيح الطلاق في الفرض و ان كان مخدوشا بل ممنوعا الا انه شاهد على ان الملاك في الإكراه الموجب لحلية الفعل غير الإكراه الموجب لفساد المعاملة و الوجه في منعه ان اختيار احدى الزوجين بطلاقها باعتبار أن الطبيعي المكره عليه المفروض عدم الرضا و طيب النفس بإنشائه لا يكون إلا في ضمن خصوصية و اختيار الخصوصية باعتبار الإكراه على الجامع لا الرضا به و لو كان اختيار الخصوصية في مثل المقام موجبا لخروج المقام موجبا لخروج المعاملة عن الإكراه عليها لما كان في المعاملات مورد للإكراه فإن المعاملة تكون مقارنة بخصوصية لم يتعلق بها الإكراه لا محالة.

و على ما ذكر يكون اختيار المشتملة على تلك الخصوصية بالرضا بها فتكون صحيحة.

أقول قد تقدم عدم الفرق بين الإكراه على الحرام و بين الإكراه على المعاملة في انه لا يتحقق الإكراه عليهما مع إمكان التفصي بالتورية أو بغيرها و ان الإكراه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 246

..........

______________________________

و ان الإكراه الموجب لجواز ارتكاب الحرام و الإكراه الموجب لفساد المعاملة أمر واحد و اما طيب النفس بالمعاملة و عدم طيبها بها بمعناه المعروف غير دخيل في صحة المعاملة و فسادها و ان المراد بالتراضي في قوله

سبحانه إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ هو التراضي المعاملي من المالكين فيخرج بالقيد ما إذا اشترى متاعا من بايع يبيعه عدوانا و قهرا على مالكه كما في الغاصب أو من بايع يبيعه من غير اذن من مالكه كما في الفضولي الجاهل و الوكيل الخارج عن المقدار المأذون له في تجارته و ذكرنا احتمال ان يكون عن تراض خبرا بعد خبر لا قيدا للتجارة.

و الحاصل لو لا تحقق عنوان الإكراه و صدقه لا يحكم بجواز ارتكاب الحرام و لا بفساد المعاملة المنشأة.

نعم ذكرنا عند التكلم في جواز الكذب و الحلف كاذبا في مورد دفع ضرر الغير به انه لا يعتبر في جوازهما العجز عن التورية أو التفصي بغيرها لا لصدق الإكراه و الاضطرار الى الكذب و الحلف ليجري في المقام ايضا بل ببعض الروايات الخاصة المقتضية لعدم اعتبار التفصي في الجواز فراجع.

(1) و محصل كلامه في المقام ان الإكراه على الجامع الذي له أفراد متعددة يعتبر اكراها على فرده فيما إذا لم يكن في خصوصية ذلك الفرد المختار محذور آخر و اما إذا كان في خصوصيته محذور كذلك فلا يعتبر الإكراه على الجامع اكراها على تلك الخصوصية ليرتفع محذورها.

و السر في ذلك ان تلك الخصوصية اختيارية فيستحق الذم و التوبيخ عليها في هذه الصورة بخلاف صورة عدم المحذور في خصوصية الفرد فلا يستحق على ذلك الفرد توبيخا و لا ذما لان المحذور كان في إيجاد الجامع و قد ارتفع بطرو الإكراه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 247

..........

______________________________

عليه فإذا أكرهه على شرب الخمر أو الماء فان اختار شرب الخمر يستحق العقاب فإنه لا ترتفع حرمته بالإكراه المزبور لأن الإكراه في الفرض لم

يتعلق يشرب الخمر الذي حرمه الشارع و الجامع بين شربها و شرب الماء الذي تعلق به الإكراه لم يكن مورد التكليف ليرتفع بالإكراه عليه و كذا الأمر فيما إذا أكرهه على الجامع بين البيع الصحيح و الفاسد فإنه إذا اختار البيع الصحيح لا يحكم ببطلانه بحديث رفع الإكراه لأن الإكراه لم يتعلق بخصوصه بل تعلق بالجامع الذي لا يكون له حكم شرعي ليرتفع بالإكراه.

و من هنا لو أكرهه على بيع ماله أو أداء دينه مع تمكنه على أدائه فإن اختار البيع صح لأن الإكراه بالإضافة إلى أداء دينه لا اثر له حيث انه إكراه بحق و لم يتعلق بخصوص بيع ماله ليحكم ببطلانه.

و ذكر (ره) في المثال انه لو حكم ببطلان البيع في المثال باعتبار ان الإكراه على الجامع إكراه عليه فلا بد من الحكم بالبطلان فيما إذا اختار أداء الدين باعتبار ان الإكراه على الجامع إكراه على أداء الدين.

أقول لا ملازمة بين الأمرين فإن الإكراه المزبور حتى مع اعتباره اكراها على أداء الدين حيث انه إكراه بحق لا يعمه حديث الرفع ثم ذكر انه لو اكره على بيع ماله أو أداء مال غير مستحق يعتبر البيع كأداء ذلك المال مكرها عليه فأي منهما اختير لدفع الإكراه كان موردا لحديث رفع الإكراه و لو أكرهه على بيع ماله أو شرب الخمر فلا بد من دفع الإكراه بالبيع فإنه لا محذور في إيجاده فإنه ليس بمحرم تكليفا بخلاف شرب الخمر فإنه محرم و إذا أنشأ البيع يحكم بفساده فان البيع المزبور بالإضافة الى حكمه الوضعي يعتبر مكرها عليه حيث انه إنشاء لدفع ضرر الإكراه مع المحذور في الفرد الآخر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص:

248

..........

______________________________

أقول يبقى على المصنف (ره) بيان ان الإكراه على الجامع كيف يعتبر اكراها على فرده مع تعدده فإن الإكراه على الجامع في حقيقته أمر بالجامع.

و من المقرر في محله ان الأمر لا يسرى من متعلقة الى غيره مثلا ما يختاره المكلف من صلاة الظهر خارجا ليس بمتعلق الوجوب و انما هو مسقط له و انما يتعلق الوجوب بالطبيعي الجامع و على ذلك فلو أكرهه على شرب الخمر أو شرب الماء فالجامع بين شرب الماء و شرب الخمر لم يتعلق به التكليف ليرتفع بالإكراه فيبقى شرب الخمر على حرمته و إذا أكرهه على شرب الخمر أو القمار فالجامع بينهما غير متعلق للحرمة لترتفع بالإكراه بل المتعلق للحرمة كل من خصوص شرب الخمر و قمار و لم يتعلق به الإكراه لترتفع حرمته.

فالصحيح ان يقال ان رفع الإكراه كما ذكرنا سابقا مقابل وضعه و فيما إذا كان المكره عليه أحد فعلين كل منهما محكوم بالحرمة كما إذا أكرهه على شرب أحد الخمرين أو على شرب الخمر و فعل القمار يكون وضعه بثبوت الحرمة لكل منهما كما هو مقتضى حرمة شرب الخمر أو القمار بوجوده السعى الاستغراقي فيكون ما أكرهه عليه موضوعا فمقتضى حديث رفع الإكراه عدم ثبوت الحرمة لكل منهما كذلك و مقتضى الجمع العرفي بين حديث الرفع و بين خطاب حرمة شرب الخمر أو القمار كما ذكر بقرينة كون مصلحة رفع الإكراه تخلص المكلف من ضرر مخالفة الجائر ثبوت الترخيص في أحد الفعلين و تعلق الحرمة بشرب كل خمر أو قمار بوجوده السعي إلا في مورد إكراه على شرب أحدهما أو ثبوت الإكراه على شربها أو فعل القمار فإن الحرمة في مورده تتعلق بشرب أحدهما لا

بعينه أو تتعلق بشرب واحد من الخمر أو القمار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 249

..........

______________________________

و يترتب على ذلك ان المكره عليه لو شربهما دفعة أو شرب الخمر و قامر دفعة فلا يستحق العقاب على فعل أحدهما لا بعينه و يستحق على فعل الآخر لا ان الإكراه يتعين في الوجود الأول بما هو الموجود الأول حتى لا يستحق العقاب على ارتكابهما دفعة باعتبار ان ارتكابهما دفعة وجود أول للعنوان المكره عليه.

و الحاصل كما لا يكون في الفرض لمتعلق الإكراه في مرحلة تعلقه تعين أصلا كذلك لا يكون لمتعلقه في مرحلة موافقته بارتكابهما دفعة تعين.

نعم قد يتعين في مرحلة الموافقة كما في ارتكابهما تدريجا و في كلتا الصورتين المكره عليه المرخص فيه شرعا بقرينة الجمع بين حديث رفع الإكراه و خطاب تحريم الفعل هو صرف الوجود الواحد لأحدهما لا صرف الوجود مطلقا و لا التحديد بالوجود الأول.

و بهذا يظهر الحال فيما إذا أكرهه على شرب الخمر أو شرب الماء فإنه لا موجب في الفرض لرفع اليد عن عموم تحريم الخمر بعد ملاحظة ان رفع الإكراه ملاكه تخلص المكلف من ضرر مخالفة الجائر فلا يجرى فيه حديث رفع الإكراه لأنه يمكن للمكلف مع موافقته تحريم الخمر التخلص من ضرر مخالفة الجائر باختياره شرب الماء و كذا لو أكرهه على شرب الخمر أو بيع ماله فان بيع ماله بمعنى إنشائه لا محذور فيه تكليفا و بإنشائه يتخلص من ضرر مخالفة المكره فلا يكون لحديث رفع الإكراه مجال فيؤخذ بعموم حرمة شرب الخمر.

نعم البيع بعد إنشائه محكوم بالفساد لانطباق عنوان الاضطرار عليه فان المكلف إنشائه للتخلص من وزر شرب الخمر الذي منع عنه الشرع و الضرر الذي

لا يمكن الفرار منه الا بإنشائه و ليس نفى صحته برفع الاضطرار منافيا للامتنان كما في سائر موارد الاضطرار الى بيع ماله كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 250

ثم ان إكراه أحد الشخصين على فعل بمعنى إلزامه عليهما كفاية (1).

______________________________

فقد تحصل من جميع ما ذكرنا انه لا يلزم في موارد رفع الإكراه أو الاضطرار ان يكون العنوان المتعلق به الإكراه أو الاضطرار بنفسه موضوعا أو متعلقا للحكم في الخطاب الشرعي ليرتفع ذلك الحكم عن ذلك العنوان بطريان عنوان الإكراه أو الاضطرار بل كل ما يكون به وضع الإكراه أو الاضطرار يكون بنفيه رفع الإكراه أو الاضطرار و انه إذا أكره على أحد بيعين و كان أحدهما صحيحا لو لا الإكراه دون الآخر فإن اختار الصحيح لدفع الإكراه يحكم بصحته أخذا بعموم البيع و بما ان ملاك رفع الإكراه تمكين المكلف للتخلص من ضرر و عيد المكره فمع تمكن المكلف على دفع ضرره باختيار البيع الفاسد لا مجرى لحديث رفع الإكراه بخلاف ما إذا أكرهه على بيعين يكون كل منهما محكوما بالصحة لو لا الإكراه أو شرب أحد الخمرين فإنه ليس جواز الارتكاب بشرب أحد الخمرين أو البطلان للاضطرار بالإضافة الى ما اختاره فإنه لا فرق في الاضطرار و الإكراه في ان متعلقهما في الفرض لا يكون خصوص ما اختاره فتدبر جيدا.

(1) لا يخفى ان إكراه أحد الشخصين بنحو الواجب الكفائي لا يعتبر اكراها بالإضافة الى من قد أحرز أن الآخر يأتي بالمكره عليه و لو مع فعله فان مع إحرازه ذلك لا يكون ما يأتي به مكرها عليه و لو كان عمله قبل الآخر فإنه يعتبر في صدق الإكراه كما

مر خوف ترتب الضرر على مخالفته و مع إحراز أن الآخر يأتي بالعمل على كل تقدير لا يكون له خوف ضرر في تركه.

و كذا لا يجوز له الإتيان بالعمل فيما أحرز انه على تقدير تركه يأتي به الآخر لأنه مع الإحراز المزبور يعلم بأنه لا يتوجه اليه ضرر من تركه و اما إذا لم يحرز ذلك بأن احتمل ترك الآخر حتى على فرض تركه أيضا يكون فعله مضطرا اليه لا محالة لأن الإتيان به لدفع خوف الضرر المترتب على تركه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 251

و اعلم ان الإكراه (1).

______________________________

لا يقال الإكراه على فعله أو فعل صاحبه يعتبر كالواجب الكفائي فيجري عليه سقوط الإكراه بصرف وجود الطبيعي من أيهما أولا.

فإنه يقال ذكرنا انه يعتبر في صدق الإكراه مضافا الى الأمر بالطبيعي خوف ترتب الضرر على تركه و مع إحراز أن الآخر يأتي بالعمل على كل تقدير أو على تقدير تركه لا يتحقق الإكراه أو الاضطرار بالإضافة اليه.

و لذا لا يقاس الإكراه في الفرض على الواجب الكفائي فإن المعتبر في الواجب الكفائي صرف الوجود من أيهما أولا فلا يكون الوجود الثاني مصداقا للواجب بخلاف المقام فان الوجود الأول قد لا يكون مصداقا للمكره عليه بما هو مكره عليه كما إذا أحرز أن الآخر يأتي بالعمل المزبور على كل تقدير أو على تقدير تركه حتى فيما إذا سبق الآخر في العمل و لو اتى في الفرض بالعمل أولا ثم الآخر مع اطلاعه بالحال اتى بالفعل ثانيا لا يكون العمل المزبور مرفوعا عنهما أصلا باعتبار عدم صدق الإكراه و الاضطرار على فعلهما أصلا.

(1) اما إكراه المالك دون العاقد كما إذا أكره المالك على التوكيل بان

يوكل الجائر أو غيره في بيغ داره فوكله فان التوكيل باعتبار الإكراه عليه كالعدم فيكون بيعه عن الوكيل المزبور فضوليا حيث ان الموجب لخروج البيع عن الفضولية انتسابه الى الموكل و التوكيل على وجه الإكراه لا يصحح الانتساب كما هو مقتضى رفع الإكراه مقابل وضعه بل إكراه المالك على التوكيل يوجب كون البيع على تقدير انتسابه اليه مكرها عليه.

و اما فرض الإكراه في حق العاقد دون المالك كما إذا أكره المالك الآخر على اجراء العقد على ماله و الظاهر صحة هذا العقد فان المعتبر من العاقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 252

..........

______________________________

قصد مضمون العقد بإنشائه و المفروض حصوله.

و اما عدم الإكراه على المالك و رضاه بالمعاملة فالمفروض حصول كل ذلك في المقام و نظير ذلك ما وكل الآخر في طلاق زوجته أو بيع داره و اكره الجائر الوكيل المزبور على العمل بمقتضى التوكيل بإجراء الطلاق أو إنشاء البيع حيث ان المعتبر من عدم إكراه المالك أو الزوج حاصل.

لا يقال لا يمكن الحكم بالصحة مع الإكراه على العاقد في الفرضين فان مقتضى حديث رفع الإكراه ان لا يثبت للمعاملة أو الإيقاع المزبور اثر.

فإنه يقال لا تكون المعاملة ذات اثر بالإضافة إلى العاقد ليرتفع ذلك الأثر بالإضافة إليه بل أثرها المطلوب في المقام انما هو بالإضافة إلى المالك أو الزوج و المفروض ان المعاملة بالإضافة إليهما ليست بالإكراه و يؤيد الحكم بالصحة في الفرضين حكم المشهور بصحة بيع المكره بلحوق الرضا و وجه التأييد أن لحقوق الرضا معناه الرضا بمضمون العقد و الا فالإنشاء لا يمكن تغييره بعد وقوعه عن إكراه و الرضا بالمضمون من المالك أو الزوج حاصل في الفرضين من الأول

فيكون الفرضان أولى بالصحة من العقد المكره الذي يلحق به الرضا (لا يقال) لا يمكن في الفرضين الحكم بتمام المعاملة أو الطلاق فان العاقد و المنشئ مكره فيهما و لا يمكن للمالك أو الزوج إحراز ان العاقد قد قصد إنشاء المعاملة أو الطلاق فإنه من المحتمل ان لا يقصدهما بان يتلفظ بالإيجاب و القبول أو بصيغة الطلاق بلا قصد الإنشاء أو بقصد المعنى الآخر (فإنه يقال) فرض عدم قصد العاقد أو احتماله خارج عن مورد الكلام فان الكلام انه لا يمنع صدور العقد عن العاقد اكراها عن صحته مع رضا المالك به و عدم إكراهه عليه و اما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 253

فإنه عبارة مسلوبة لعارض تخلف القصد (1) و الظاهر وقوع الأول مكرها عليه دون الثاني (2)

______________________________

احتمال عدم صدور العقد بعدم قصد العاقد فهو فرض آخر يمكن إحراز قصده بأصالة القصد فان بناء العقلاء على أصالة القصد في كل فعل يصدر عن العاقل الملتفت و لا يختص اعتبارها بصورة عدم الإكراه و لذا يقتنع المكره بالكسر بسماع الإيجاب و القبول و لو لم يكن البناء المزبور لم يكن يقتنع بمجرد سماعهما كما لا يخفى.

(1) المراد بالقصد الاختيار المقابل للإكراه كما فسره (ره) بذلك عند التعرض لقوله من ان المكره قاصد الى اللفظ غير قاصد الى مدلوله و المراد ان الفرق بين عبارة المجنون و المكره بالفتح ظاهر فإن عبارة المجنون لا تكون إنشاء لانه يتكلم لاغيا بخلاف المكره فان عبارته إنشاء و لكن لا يكون مختارا في الإنشاء و الاختيار غير معتبر في العاقد بل يعتبر في المالك و هو حاصل في الفرض كما لا يخفى.

(2) فيحكم ببطلان الأول

فقط فيما إذا كان ذلك البيع للتخلص عن ضرر وعيد المكره و في غير ذلك يحكم بصحة كلا البيعين على الأصح.

و بيان ذلك انه مع الإكراه على بيع أحد عبديه فان باع أحدهما للتخلص عن ضرر وعيد المكره فلا يمكن الحكم بصحته لأن إمضاء الشارع ذلك البيع وضع للإكراه المزبور على المالك فحديث نفى الإكراه ينفي ذلك الوضع فيرفع اليد عن إطلاق حل البيع بالإضافة اليه و لو باعه لقصده الى بيعه مع قطع النظر عن الإكراه فيحكم بصحته لأن الإكراه على البيع انما يكون رافعا لحكمه و موجبا لبطلانه فيما إذا كان إنشائه بالإكراه على المالك لا بإرادة المالك و قصده اليه مع قطع النظر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 254

..........

______________________________

عن الإكراه فإذا كان المالك بصدد بيع ماله و صادف ذلك أمر الجائر به فهذا الأمر من الجائر لا يوجب الحكم ببطلان البيع المزبور لان حديث رفع الإكراه و ما هو بمضمونه مقتضاه ان الرفع للامتنان و الامتنان في عدم إمضاء الشارع معاملة يريدها المالك مع قطع النظر عن أمر الجائر بها.

ففي الفرض لو باع أحد العبدين أولا لقصده الى بيعه ثم باع الثاني يحكم بصحة كلا البيعين اما البيع الأول فلما تقدم و اما الثاني باعتبار عدم الإكراه عليه فان الإكراه ببيع أحدهما قد سقط بتحقق البيع الأول فلا يكون للجائر أمر به.

و قد تقدم ان الأمر مقوم لعنوان الإكراه فما ذكره المصنف (ره) من احتمال الرجوع الى المالك في تعيين المكره عليه ضعيف جدا.

(1) و حاصله ان مع وقوع بيعهما دفعة يكون الواقع خارجا خلاف المكره عليه حيث ان المكره عليه كان بيع أحدهما لا بيعهما فيكون ظاهر

بيعهما كونه بطيب نفس المالك و رضاه و يحتمل بطلان البيع بالإضافة إلى الجميع لان البيع بالإضافة الى كل من المالين لا يمكن صحته لوقوع الإكراه على أحدهما و بما انه لا معين للباطل فيكون ترجيح أحدهما بالحكم بصحته بلا مرجح.

أقول إذا كان ذلك في الموارد التي لا يمكن للمالك إبقاء أحدهما في ملكه و بيع الآخر لكون ذلك ضررا أو حرجا عليه كما في الحيوان و ولده أو كأحد مصراعي الباب فيحكم ببطلان بيعهما باعتبار ان الحكم ببطلان بيع أحدهما مقتضى رفع الإكراه و الحكم ببطلان الآخر مقتضى رفع الاضطرار إليه لأنه لو لم يقدم على بيع الآخر يتوجه الضرر أو الحرج بل يمكن ان يقال ان الإكراه على بيع أحدهما في الفرض يعتبر اكراها على بيع الآخر أيضا و ان كان بيعهما لمجرد التخلص عن ضرر وعيد المكره باعتبار ان مع بيعهما ايضا لا يتوجه اليه ضرر وعيده فلا يمكن الحكم بصحة البيعين معا لان الحكم بصحتهما كذلك وضع للإكراه على المالك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 255

..........

______________________________

و اما بالإضافة إلى صحة أحدهما فربما يقال انها مقتضى الجمع بين خطاب حل البيع على نحو العموم و بين حديث رفع الإكراه نظير ما تقدم في الإكراه على شرب أحد الخمرين فيرجع في تعيين بيع الصحيح إلى القرعة لأنها لكل أمر مجهول أو مشكل و تمييز الصحيح عن الفاسد في المقام كذلك.

و لا يعتبر في مورد القرعة ان يكون للمجهول أو المشكل تعين واقعي كما يظهر ذلك لمن راجع الموارد التي حكم الأصحاب فيها بالقرعة كما إذا كان له زوجات ثلاث و تزوج بامرأتين اخرتين أحدهما مباشرة و الأخرى بتزويج وكيله و

كان التزويجان في زمان واحد فإنه ذكر جماعة انه يرجع في تعيين الرابعة إلى القرعة.

بل ذكر السيد الخوئي طال بقاه انه في المقام لا حاجة الى القرعة بل تعيين المبيع يكون بتخيير المالك و تعيينه فان المورد من موارد البيع الكلي في المعين لان البيع بالإضافة الى ما يطيب نفس المالك به من الكلي في المعين فيعين بتعيينه.

أقول الصحيح الحكم بالبطلان بالإضافة إلى بيع كل من العبدين فان عموم حل البيع لا يمكن الأخذ به بالإضافة إلى بيع كل منهما فإنه مقتضى وضع الإكراه و شموله لأحدهما المعين بلا مرجح و بيع أحدهما بنحو الكلي في المعين غير منشأ ليكون مقتضى الجمع بين خطاب عموم حل البيع و حديث رفع الإكراه إمضائه و مجرد طيب نفس المالك ببيع أحدهما كذلك لا يصحح إنشائه.

و بهذا يفرق مسألة شرب الخمرين دفعة مع الإكراه على شرب أحدهما عن بيع العبدين مع الإكراه على بيع أحدهما.

و اما الرجوع الى القرعة فمرجعه الى ان الإخراج بالقرعة معين لما يعمه عموم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 256

و لكن في سماع دعوى البائع (1) و عن سبطه في نهاية المرام انه نقله قولا (2)

______________________________

حل البيع بعد الإخراج و هذا لا يستفاد من عمومات الرجوع الى القرعة في كل مجهول أو مشكل بل يحتاج الى النص في المورد كبعض موارد الرجوع إليها فإن قبل الإخراج لا يعم حل البيع شيئا من البيعين ليكون ذلك المشمول داخلا في عنوان المجهول و المشتبه فان شموله لأحدهما معينا ترجيح بلا مرجح و اما بيع المردد الخارجي فلان المردد الخارجي غير موجود أصلا ليصح بيعه، و اما بنحو الكلي في المعين فلان بيعه

غير منشأ.

و لذا ذكروا انه لو تزوج بالأم و بنتها بعقد واحد بطل النكاح بالإضافة الى كل منهما فراجع.

(1) لا يبعد كون الإكراه المزبور امارة على صدور البيع لدفع ضرر الوعيد بعد فرض ان متعلق الإكراه يعم بيع كل نصف في بيع مستقل كما هو ظاهر بيع الشي ء بالإضافة إلى بيع أجزائه المشاعة.

و نظير المقام ما إذا أكرهه على بيع داره و طلاق زوجته، و باع الدار فقط برجاء اقتصار الجائر به في رفع يده عن إضراره.

(2) يعني نقل عدم وقوع الطلاق في الفرض قولا و استدل على القول المزبور بعموم رفع الإكراه، و الإجماع، و ذكر بعض الأجلة و هو كاشف اللثام ان الزوج إذا كان ملتفتا إلى انه لا يلزم عليه إنشاء الطلاق و انه يمكن له الاكتفاء بالتلفظ بصيغته فقط، و مع ذلك إنشائه، فيمكن الحكم بصحته، و اما إذا لم يلتفت الى ذلك سواء اعتقد لزوم الإنشاء، أو احتمله، يكون الطلاق المزبور مكرها عليه، فيبطل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 257

..........

______________________________

و ذكر صاحب الجواهر (ره) ان حكم العلامة بصحة الطلاق فيما إذا نواه المكره بالفتح، مبنى على ان المكره بالفتح لا يقصد الإنشاء، و انه لا يتلفظ الا بالألفاظ المجردة عن الاستعمال، و إذا استعملها في إنشاء الطلاق فالأقرب صحته، و لكن المبنى غير صحيح، و ان المكره كالمختار يستعمل الألفاظ في الإنشاء فيكون الحكم على الطلاق المزبور بالصحة ضعيفا.

و ذكر المصنف (ره) في توضيح الفرع المزبور ستة فروض.

1- ان لا يكون الإكراه دخيلا في طلاق زوجته لا بنحو الداعي المستقل و لا منضما الى غيره من الدواعي، و لا ريب في الفرض في صحة الطلاق، و لا

يكون الفرع المزبور من التحرير محمولا على هذا الفرض.

2- ان يكون الإكراه دخيلا في الطلاق المزبور، و لكن منضما الى غيره، بان يكون المجموع من الإكراه و غيره من حيث المجموع داعيا.

و جعل (ره) هذا الفرض كالأول في الحكم بصحة الطلاق.

أقول لا يبعد شمول حديث رفع الإكراه على الطلاق في الفرض باعتبار ان رفعه يناسب الامتنان، حيث ان المفروض عدم وقوعه لولا الإكراه.

3- ان يكون قصد الطلاق و الداعي إليه دفع الضرر المتوجه الى المكره بالكسر، كما إذا قال الولد لوالده طلق زوجتك، و الا قتلتك أو قتلت نفسي، مع إحراز الوالد، ان الولد لا يتمكن على قتله، بل يقتل نفسه أو يقتل الولد شخصا آخر عند إرادته قتل والده.

4- كون الداعي إلى الطلاق شفقة المكره بالفتح على المكره بالكسر أو على الزوجة التي يطلقها من جهة وقوعهما في معصية الزنا و استشكل (ره) في الحكم بصحة الطلاق في الفرض، و سابقه، من جهة طيب النفس فيهما و عدمه، و لكن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 258

و أضعف منها دعوى اعتبارها في مفهوم العقد (1) و أضعف من الكل (2)

______________________________

الأظهر الحكم بالصحة، لعدم كون الإكراه فيهما من قبيل الضرر اللاحق على المكره بالفتح.

نعم في مثل المثالين مما يعد الضرر على الولد أو على الزوجة ضررا على الوالد و الزوج يتحقق عنوان الإكراه، و لو قال الأجنبي طلق زوجتك و الا قتلت نفسي فلا يعد هذا اكراها بل لا يجب الطلاق حفظا لحياته.

5- إذا كان الإكراه موجبا لتوطين نفسه على الطلاق لتخيله ان الخلاص من ضرر المكره بالكسر لا يكون إلا بإنشاء الطلاق فيطلق كطلاق المختار.

6- ما إذا كان الإكراه موجبا لتوطين

نفسه عليه لاعتقاده حصول الطلاق شرعا حتى في موارد الإكراه عليه، و استشكل في الحكم في الفرض، و سابقه، و لكن مع ترجيح وقوع الإكراه.

أقول- لا ينبغي الريب في حصول الإكراه فيهما لان الموجب لحصوله كما تقدم ليس فقد الرضا و طيب النفس، بل باعتبار حصول المعاملة بداعي الخوف عن مخالفة أمر الجائر و هذا حاصل في الفرضين كما لا يخفى.

(1) يعنى دعوى اعتبار مقارنة طيب النفس من مالك المال في تحقق عنوان العقد، و لازم ذلك ان لا يكون العقد الفضولي عقدا، فإنه لا يكون فيه طيب نفس المالك مقارنا لإنشاء العقد.

(2) يعني الأضعف من دعوى اعتبار مقارنة طيب نفس المالك في صحة العقد، و من دعوى اعتبار مقارنة طيب نفس المالك في تحقق عنوان العقد، دعوى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 259

و يؤيده فحوى صحة عقد الفضولي (1)

______________________________

اعتبار طيب نفس العاقد في تأثير عقده، و لازم ذلك ان لا يكون بيع المكره بحق بيعا حقيقة، بل بيعا تعبديا أي صورة بيع يكون موضوعا لأكل ماله و تملكه لا لتأثيره في النقل و الانتقال، كسائر العقود و البيوع، و الوجه في كونها أضعف انه لا موجب لاعتبار طيب نفس العاقد في صحة العقد، فان الدليل انما اعتبر الرضا و طيب نفس المالك، لا طيب نفس الأجنبي الذي منه العاقد في الفرض.

(1) يعني يؤيد الحكم بالصحة في المقام فحوى الحكم بصحة عقد الفضولي بإجازة المالك، و وجه التأييد بالفحوى ان قصور عقد الفضولي في جهتين، عدم استناد العقد الواقع الى المالك، و عدم طيب نفسه بمضمونه، و القصور في عقد المكره يكون في جهة واحدة، و هي عدم طيب نفس المالك

بمضمون العقد، و اما استناد العقد الى المالك، فهو موجود من الأول بإنشاء المالك البيع و لو مكرها و إذا كانت الإجازة يتدارك بها الجهتان في عقد الفضولي، فالجهة الواحدة في العقد المكره اولى بالتدارك بها، و اجازة المالك في عقد الفضولي لا تكون عقدا جديدا بل هي إمضاء و رضاء بمضمون العقد الواقع سابقا و هذا حاصل في اجازة المالك بل لو كانت عقدا جديدا جرى مثله في إجازة العقد من المكره كما لا يخفى.

هذا و يستدل على عدم كفاية لحوق رضا المالك المكره بوجهين آخرين أشار إليها المصنف (ره).

الأول- دعوى اعتبار صدور العقد عن رضا المالك. كما هو ظاهر قوله تعالى (لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) و اجازة المالك المكره لا يوجب انقلاب العقد الى كونه عن تراض.

و الجواب عن ذلك انه لا ظهور للاية في ذلك فان الاستظهار منها ان كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 260

..........

______________________________

بلحاظ الحصر فيها يعنى حصر جواز تملك مال الغير بالتجارة الصادرة عن رضاه، فهذا الحصر لا يستفاد منها، لان الاستثناء في الآية منقطع، حيث ان النهى عن أكل مال الغير و تملكه بوجه باطل لا يعم المعاملات الدارجة عند العقلاء، و منها التجارة عن تراض ليكون النهى عن التملك بالباطل مع استثناء أحدها إدراجا لباقيها في النهي في المستثنى منه، بل حمل الآية على الحصر يوجب تخصيص الأكثر، فإن التجارة هو البيع و الشراء بقصد حصول الربح و انحصار سبب تملك مال الغير بها، فضلا عن انحصاره بما إذا كان صدورها برضا المالك، غير محتمل، حيث أن أسباب التملك عند العقلاء و الشرع كثيرة.

و الحاصل أن

المستفاد من الآية حكمان عدم جواز تملك مال الغير بالوجوه التي تكون في بناء العقلاء من الأكل بالباطل، و جواز التملك بالتجارة عن تراض و اما سائر المعاملات، و منها التجارة مع لحوق التراضي بها، فلا تعرض في الآية لها نفيا و إثباتا، و اما احتمال اتصال الاستثناء في الآية بدعوى ان المنهي عنه هو مطلق أكل المال و المراد بالباطل هو الباطل الشرعي، فتكون التجارة عن تراض خارجة عن الأكل، فإنه لو لا إخراجها لدخلت فيه و المعنى لا تأكلوا أموالكم بينكم فان أكلها باطل شرعا الا ان يكون الأكل تجارة عن تراض كما عن السيد اليزدي و تبعه السيد الخوئي طال بقاه لا يمكن المساعدة عليه فان الباطل قيد للأكل كما مقتضى دخول الجار عليه و تعلقه بالأكل، و ليس حكما على الأكل، و لو كان المراد بالباطل مع كونه قيدا للأكل، الباطل الشرعي، لكان الكلام لغوا بخلاف ارادة الباطل في اعتبار العرف و العقلاء، فإنه يكون مدلوله بمقتضى كون النهى عن المعاملة إرشادا إلى فسادها، ان أكل الأموال بالنحو الباطل عند العقلاء و اعتبار العرف باطل عند الشرع أيضا فلا يدخل فيه التجارة عن تراض فيكون الاستثناء منقطعا لا محالة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 261

..........

______________________________

و ان كان استظهار بطلان عقد المكره مع لحوق الرضا به من مفهوم الوصف يعنى تقييد التجارة بكونها عن تراض، فلا دلالة للوصف على ذلك فان المراد من التجارة تجارة المالك و تجارته تكون غالبا برضاه و الوصف في مثل ذلك من موارد الإتيان به لرعاية الغلبة لا يوجب رفع اليد عن الإطلاق أو العموم المقتضى لثبوت الحكم لفاقد القيد أيضا.

و الحاصل القيد

المزبور لا يكون موجبا لرفع اليد عن إطلاق أحل اللّه البيع و عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بل مقتضى مفهوم الوصف ان لا تكون التجارة على إطلاقها موجبة لجواز التملك، و اما كونها موجبة له مع القيد الآخر و لحوق الإجازة بها مثلا، فلا ينافيه الوصف على ما ذكرناه في بحث مفهوم الوصف من علم الأصول.

الوجه الثاني في الاستدلال على بطلان عقد المكره رأسا و عدم كونه قابلا للحوق الإجازة حديث رفع الإكراه، فإن مقتضاه ان لا يترتب على المعاملة المكره عليها أثر من حصول الملك و لو بعد لحوق الرضا و اجازة المالك. و أجاب المصنف (ره) عن ذلك أولا بان كون الإكراه رافعا معناه عدم ترتب الأحكام الإلزامية و المؤاخذية على الفعل المكره عليه الثابتة له لولا الإكراه و كون المعاملة المكره عليها بحيث يحصل بها الملك بإجازة المالك، ليس من إلزام المكره بالفتح، و مؤاخذته، بل هذا من ثبوت الحق له، و إلزامه بإلغاء المعاملة أو إجازتها من تأخيره و تهاونه في اختيار أحدهما، ليس إلزاما عليه مترتبا على المعاملة المكره عليها لو لا الإكراه ليرتفع بحديث الرفع، بل هو اثر ثبوت الحق له، و قد فرض عدم ارتفاع هذا الحق بحديث الرفع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 262

اللهم الا أن يقال ان الإطلاقات (1)

______________________________

لا يقال المعاملة المزبورة موضوع لأثر إلزامي بالإضافة إلى الطرف الآخر فإنه لو اكره على بيع داره و باعها من زيد فالبيع المزبور على تقدير كونه قابلا للحوق الإجازة، لازم من ناحية المشتري كما هو مقتضى قوله عز من قائل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الجاري في حق المشترى المزبور حيث يجب عليه الوفاء به لتمام العقد من ناحيته، فيكون

مقتضى حديث الرفع عدم ترتب الإلزام.

فإنه يقال نعم الوفاء بالعقد لازم على المشترى حتى يرضى المكره بالفتح أو يفسخ الا ان حديث رفع الإكراه لا يرفع هذا الإلزام، فإن مقتضاه رفع الإلزام عن المكره، لا رفعه عن طرفه المختار، كالمشتري في المثال.

و أجاب ثانيا بما ذكر في بحث البراءة من الأصول ان الحديث المزبور انما يوجب ارتفاع الآثار المجعولة للافعال مع قطع النظر عن العناوين الرافعة، و اما الآثار الثابتة لها بتلك العناوين، فلا يقتضي ارتفاعها، فان تلك العناوين موجبة لثبوتها فكيف ترتفع بطريان الإكراه، و السببية الناقصة يعنى حصول الملك بها بإجازة المالك أثر للمعاملة بوصف كونها مكره عليها فلا يرتفع.

(1) مراده انه يمكن ان يقال انه لا مجرى لحديث الرفع في بيع المكره، و لا يكون الحكم ببطلانه مبنيا على رفع الإكراه، و ذلك فان مثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ المستفاد منه كون البيع تمام السبب للنقل و الانتقال، مقيدة بالأدلة الأربعة الدالة على حرمة أكل أموال الناس بالباطل، و حرمة أكلها مع عدم التراضي، بالبيع المرضى به سابقا أو لاحقا، فيكون تمام السبب للحل هو البيع مع الرضا به سابقا أو لاحقا و من الظاهر ان البيع كذلك لا يتعلق به الإكراه لينتقى الحل بطريانه اما عدم إمكان تعلق الإكراه بالبيع المرضى به سابقا فظاهر، و اما المرضي به لا حقا فإن الإكراه يتعلق بنفس البيع، لا بالرضا اللاحق، و المفروض ان نفس البيع لا يكون سببا تاما للنقل و الانتقال.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 263

..........

______________________________

و الحاصل بعد فرض الرضا بالبيع سابقا أولا حقا يعمه قوله سبحانه (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) و بما ان المركب إذا كان موضوعا

للنقل و الانتقال يكون بعض اجزائه سببا ناقصا، فهذه السببية الناقصة لا يعقل نفيها بحديث الرفع، فإنها ثابتة للبيع بوصف كونه مكرها عليه.

ثم انه لا يفرق في عدم كون نفس البيع سببا مستقلا بين الالتزام يكون الرضا اللاحق ناقلا أو كاشفا فان عدم كون نفس البيع سببا تاما للنقل و الانتقال على القول بالنقل ظاهر، و كذا على الكشف فإنه بناء عليه يكون السبب التام، هو البيع بوصف تعقبه بالرضا، فالإكراه يتعلق بنفس البيع لا بوصف تعقبه للرضا.

أقول ما ذكر (ره) من عدم جريان حديث رفع الإكراه في بيع المكره مبنى على ما تقدم من اعتبار الرضا القلبي و طيب النفس في صحة البيع فان بيع المكره بناء عليه من الأول غير داخل في موضوع حل البيع إذا الموضوع لحله، البيع بتراضي المالك و طيب نفسه، و هذا الموضوع يتم بعد اجازة المالك و رضاه فيعمه عموم الحل و ما ذكر (ره) من ان السببية الناقصة، موضوعها، البيع بوصف كونه مكرها عليه، غير صحيح على مسلكه، فان تلك السببية ثابتة لنفس البيع، فالصحيح على ذلك المسلك في عدم ارتفاع هذه السببية بحديث رفع الإكراه هو القول بأنها ليست أثرا شرعيا، قابلا للرفع، بل هي حكم قهري يحصل بجعل السببية التامة للكل الذي لا يعمه حديث رفع الإكراه.

و لكن قد ذكرنا فيما تقدم ضعف المسلك المزبور، و ان المعتبر في المعاملات و هو التراضي المعاملي الحاصل بإنشاء المالك موجود في بيع المكره ايضا و الحكم بفساده انما هو لرفع الإكراه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 264

[وجوب الالتزام بالعقد على الطرف الآخر قبل فسخ المكره أو إجازته]

______________________________

و على ما ذكرنا فربما يقال بأنه إذا خرجت المعاملة المكره عليها عن عموم الحل و لوجوب

الوفاء بالعقد فكيف يمكن التمسك بهما بعد لحوق الإجازة بتلك المعاملة فإن المقام من موارد التمسك باستصحاب حكم المخصص لا التمسك بالعموم و الإطلاق و لا يقاس المقام بإجازة بيع الفضولي، فإن ذلك البيع لم يكن داخلا في عموم حل البيع أو عموم وجوب الوفاء بالعقود، فان خطابهما متوجه الى الملاك و من حين الإجازة يستند البيع الى المالك فيعمان ذلك البيع و بتعبير آخر كان خروج بيع الفضولي عن عمومهما بالتخصص، لا بالتخصيص، و هذا بخلاف بيع المكره، فان بيعه باعتبار استناده الى المالك، كان خارجا عن عموم الخطابين بالتخصيص، و يتردد الأمر بين كون التخصيص إلى الأبد و بين كونه ما دام لم يلحق به الرضا، و لأجل ذلك لا يستلزم صحة لبيع الفضولي بإجازة المالك صحة بيع المكره بلحوق الرضا فضلا عن كون الثاني أولى بالصحة.

و لكن لا يخفى ما في الفرق، فانا قد ذكرنا في الأصول صحة التمسك بالإطلاق و العموم عند الشك في الخارج من الفرد و كون خروجه إلى الأبد أو الى زمان، بلا فرق بين كون العموم و الإطلاق بالإضافة إلى الأزمان أفراديا أو استمراريا، و في المقام يؤخذ بعد لحوق الرضا بالمعاملة المكره عليها، بحلها و وجوب الوفاء بها، و لا تصل النوبة إلى استصحاب حكم المخصص، و تمام الكلام في بحث الأصول.

بقي في المقام شي ء و هو انه يستفاد من كلام المصنف (ره) انه يجب على الطرف الآخر الالتزام بالعقد قبل فسخ المكره أو إجازته، و ان العقد من ناحيته لازم و ذكر ان حديث رفع الإكراه إنما يرفع الأحكام الإلزامية التي تعد مؤاخذة عن المكره بالفتح، لا عن طرفه الآخر الذي لم يكن إكراه عليه.

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 265

مقتضى الأصل و عدم حدوث حل مال الغير (1).

______________________________

و لكن لا يخفى عدم إمكان المساعدة عليه لما ذكرنا في أول البيع انه لا يمكن تبعض المعاملة في الصحة و الفساد بالإضافة إلى طرفيها بان يكون البيع صحيحا بالإضافة إلى المشترى و لا يصح بالإضافة إلى البائع فإن صحته بالإضافة إلى المشتري فرض لدخول المبيع الى ملكه و كيف لا يخرج معه الثمن الى ملك البائع و لو باع داره بالإكراه فكما لا يدخل المبيع الى ملك المشترى كذلك لا يدخل الثمن الى ملك البائع فيكون تصرف المشترى في الثمن المزبور قبل لحوق الإجازة من البائع المكره تصرفا في ملكه و نافذا.

و الحاصل إذا فرض ان وجوب الوفاء بالعقد موضوعه العقد لا عن إكراه فما دام لم يتم هذا الموضوع لا يترتب عليه حكمه و هو لزوم الوفاء به، و عليه فالغاء المشترى قبوله قبل إجازة البائع المكره نظير إلغاء الموجب إيجابه قبل قبول المشترى يوجب ان لا يحصل عنوان العقد لا عن إكراه.

(1) أقول مقتضى استصحاب عدم حدوث ملكية الثمن و المثمن الى الطرفين الى زمان الإجازة هو النقل و اما حديث عدم حل مال الغير الا بطيب نفسه فظاهر المصنف (ره) ان مقتضاه ايضا النقل لانه يدل على عدم جواز التصرف في المال تكليفا الى زمان الإجازة و لكن لا يمكن المساعدة على ذلك فان عدم جواز التصرف تكليفا الى زمان الإجازة يجتمع مع الكشف الحكمي أيضا حيث ان التصرفات الواقعة قبل اجازة المالك كلها محكومة على الكشف الحكمي أيضا بعدم الجواز و اعتبار الملكية و جعل مبدئها من السابق بعد اجازة المالك لا يوجب خروج

تلك التصرفات الواقعة قبل ذلك من الحرمة. تكليفا الى الجواز.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 266

الا ان الأقوى بحسب الأدلة النقلية (1) و ربما يدعى أن مقتضى الأصل (2)

______________________________

(1) يأتي استظهار الكشف من صحيحة ابى عبيدة الحذاء الواردة في نكاح الصغيرين الذين زوجهما غير وليهما و مات أحدهما بعد بلوغه و أجازته ثم أدرك الآخر فإن الحكم بثبوت الميراث للآخر مع أجازته و حلفه على إرادة إجازته لا يكون الا مع كون الإجازة كاشفة، بل لا يمكن في المورد المزبور الإجازة بنحو النقل، حيث ان حدوث علقة الزوجية بين الميت و الحي، لغو محض، و نظيرها في الدلالة صحيحة محمد بن قيس الواردة فيمن باع وليدة أبيه فضولا «1» حيث ان سقوط عوض البضع عن مشتري الجارية الذي وطأها مع جهله بكون بائعها فضوليا، لا يكون الا مع الكشف و بما ان الفرق بين اجازة المالك في بيع الفضولي، و بين إجازته في بيع المكره، غير محتمل يثبت الكشف في المقام أيضا.

(2) أقول الظاهر صحة الدعوى فانا قد ذكرنا ان المعاملة بلحوق الإجازة بها تدخل في أدلة الإمضاء حيث يتم بالإجازة الموضوع للحلية و النفوذ و اللزوم و مقتضى ذلك ثبوت مدلولها شرعا بعدها.

نعم الكشف الحقيقي مخالف لظاهر تلك الأدلة لأن ظاهرها كون البيع لا عن إكراه، و العقد لا عن إكراه، هو الموضوع للحل و اللزوم، و معنى الكشف الحقيقي ثبوت هذه الأحكام قبل تمام الموضوع و اما الكشف الحكمي بأن يثبت بعد الإجازة الملكية التي مبدئها حين اعتبار العاقد فهو يناسب الأدلة فإن الإجازة تتعلق بمضمون العقد، و إمضاء الشارع العقد يتبع اجازة المالك.

______________________________

(1) الوسائل الجزء (14) الباب (88) أبواب

نكاح العبيد الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 267

..........

______________________________

و بعبارة أخرى بالإجازة يتم الموضوع لاعتبار الشارع الملك، و الملك يمكن جعل مبدأه الماضي، كما يمكن جعل مبدأه المستقبل، كما في الوصية التمليكية و لا يجب اتحاد زمان الاعتبار مع زمان المعتبر، بل يمكن التفكيك بينهما بحسب الحال و الماضي كما وقع التفكيك بينهما بحسب الحال و المستقبل، فان الاعتبار مع المعتبر من قبيل الإيجاب و الوجوب، لا من الإيجاد و الوجود.

لا يقال ليس مدلول العقد الملك من حين العقد لتكون اجازة المالك إثباتا لذلك المدلول و يتبعه إمضاء الشارع.

فإنه يقال الملكية التي تكون منشأة بالعقد لا يمكن كونها مهملة من جهة مبدئها في اعتبار العاقد، فان العاقد يعتبر في إنشائه الملكية للطرف من حين فعلية ما يأخذه قيدا لها، كحصول القبول، أو القبض، أو غير ذلك.

لا يقال كيف يكون مبدء الملكية المعتبرة في البيع مثلا حين تمام العقد، مع انهم ذكروا عدم دلالة الإنشاء على الزمان.

فإنه يقال عدم دلالة إيجاب البيع على الزمان مثلا لا ينافي الدلالة عليه بدال آخر و هو في المقام عدم إمكان الإهمال في الملك المجعول من جهة المبدء و اما تنظير المصنف (ره) الإجازة بالفسخ فهو غير صحيح فان الفسخ يقابل الإمضاء، فامضائه عبارة إقرار العقد و عدم قطع استمراره، كما يفعله ذو الخيار، كما ان فسخه إزالته و قطع استمراره و هذا بخلاف الإجازة فإنها تقابل رد العقد، كما في المالك المجيز حيث انه يرد البيع تارة، و يجيزه أخرى، و حيث ان رده عبارة عن إلغائه من الأول، فيكون أجازته إقرارا له من الأول، و هو المراد بالكشف الحكمي، و يأتي توضيحه في بيع

الفضولى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 268

[بيع الفضولي]

اشارة

فعقد الفضولي لا يصح (1)

______________________________

بقي في المقام أمر و هو أنه هل يكفي في صحة بيع المكره مجرد لحوق رضاه به باطنا أو لا يكفى بل يعتبر إظهار رضاه بذلك البيع المعبر عن ذلك بالإجازة، و لا يبعد اعتبار الثاني و ذلك لان البيع حال حدوثه كان مستندا إلى إكراه المالك فلا بد في شمول دليل الإمضاء من ان يستند بقاء الى المالك لا عن إكراه عليه، و لم يحرز تحقق الاسناد كذلك بمجرد لحوق الرضا باطنا.

نعم لو كان هذا الرضا من الأول بحيث كان داعي المالك الى إنشائه رضاه به، لم يكن ذلك البيع شمولا لدليل رفع الإكراه، كما تقدم، و لكن بعد إنشائه بداعي الإكراه لا يحرز خروجه عن كونه بيعا مكرها عليه، الا بإظهار الرضا به، و كان الإجازة في اعتبار العقلاء إلغاء لذلك الاسناد الحاصل من قبل، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) ذكروا من شرائط المتعاقدين كونهما مالكين أو مأذونين منهما كما في موارد الوكالة أو من الشارع كما في موارد الولاية فلا يصح بيع الفضولي، يعني لا يترتب عليه ما يترتب على بيع المالك أو المأذون، لا انه يكون لغوا بحيث لا يفيد لحوق الإجازة به و لذا ذكر العلامة في القواعد ان من شرط البيع كون العاقد مالكا، أو مأذونا و فرع عليه وقوف بيع الفضولي على الإجازة فإن التفريع المزبور ظاهر فيما ذكرنا فما ذكره في جامع المقاصد من الاعتراض على عبارة القواعد، من ان تفريع وقوف بيع الفضولي على الإجازة على اشتراط الملك، غير صحيح- في غير محله.

ثم ان الفضولي وصف للعاقد، و المراد به من لا

يكون مالكا للتصرف سواء كان مالكا للمال، كما في مثال بيع الراهن و السفيه و العبد، أم لا، و قد يوصف به

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 269

..........

______________________________

العقد و لعله تسامح من باب توصيف الشي ء بوصف متعلقة و كيف كان فلا خلاف عندهم في بطلان الإيقاع فضولا و عدم صحته بلحوق الإجازة أصلا و قد يقال ان البطلان في الإيقاعات على القاعدة، و لا يقاس أمرها بالعقود، و ذلك فان العقود بما انها من فعل اثنين يعتبر لها بقاء، و لذا يتعلق بها الفسخ، مع انه حل للعقد في جهة بقائه كما تقدم، و عليه فبإجازة المالك يتم تمام الموضوع لوجوب الوفاء بها، و اما الإيقاع فإنه فعل واحد فيعتبر امرا آنيا، فان حصل ممن له سلطنة على ذلك الأمر، فهو، و الا فلا يحصل ذلك الأمر أصلا و لا يخفى ان ما ذكر لا يخرج عن حدود الدعوى المحضة، فإنه كيف يمكن الالتزام ببقاء العقد اعتبارا دون الإيقاع مع انه لو لم يكن للإيقاع بقاء فكيف يجوز للزوج في الطلاق الرجعي إلغاء طلاقه، فان الرجوع في الطلاق كالرجوع في الهبة إلغاء.

نعم لو صح ان الصحة في العقود على خلاف القاعدة و الالتزام بها للروايات الخاصة لأمكن ان يقال ان النصوص كلها واردة في العقود، و لا تعم الإيقاعات، و لكن يلزم على ذلك الاقتصار في الحكم بالصحة، بالعقود التي وردت الروايات في موردها.

و الحاصل انه يبقى في التفرقة بين العقود و الإيقاعات مجرد دعوى الإجماع كما لا يخفى.

ثم ان المصنف (ره) قد تعرض أولا لكون مجرد رضا المالك بحصول العقد دون إظهاره ذلك و اذنه فيه غير موجب لخروج العقد

عن الفضولية موضوعا أو حكما بان لا يحتاج ذلك العقد في تمامه الى لحوق الإجازة به، و ذكر في وجه عدم الخروج ان مجرد رضا المالك و حتى العلم به، لا يوجب كون العاقد مالكا للتصرف و يظهر ذلك من كلماتهم، حيث اعتبروا كون العاقد مالكا أو وكيلا أو وليا، و مجرد رضا المالك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 270

..........

______________________________

لا يوجب حصول شي ء من هذه العناوين و كذا يظهر من ذكر رواية عروة البارقي دليلا على تمام بيع الفضولي بلحوق الإجازة، مع فرض تحقق رضا المالك في موردها.

و استقرب في آخر كلامه، خروجه بالرضا المزبور عن عقد الفضولي حتى فيما إذا لم يظهر المالك رضاه، فيجب على المالك بينه و بين ربه الوفاء بالعقد، و استدل على ذلك بإطلاق حل التجارة عن تراض، و عموم وجوب الوفاء بالعقد، و بحديث لا يحل مال امرء مسلم الا بطيبة نفسه، حيث ان مقتضاه، حل مال الغير و جواز تملكه برضا المالك و طيب نفسه، و بما دل على ان سكوت المولى على نكاح العبد مع علمه به، إمضاء و رضاء به و بما يظهر من رواية عروة البارقي، من تمام البيع و جواز ترتيب الآثار عليه بمجرد إحراز رضا المالك، كما هو مقتضى اقباض العروة أحد الشاتين من المشترى و أخذ الدينار منه فإنه لا يجوز في بيع الفضولي للعاقد القبض و الإقباض و تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله للعروة شاهد لجواز فعله أضف الى ذلك ظاهر كلمات بعض الأصحاب من ان الوجه في عدم تمام بيع الفضولي و وقوفه على اجازة المالك فقد رضاه فان مقتضى ذلك عدم احتياجه إلى

الإجازة فيما كان مقارنا لرضا المالك، بل لو فرض إطلاق عقد الفضولي عليه فلا دليل على احتياج كل عقد فضولي إلى الإجازة مع ان علم المالك بحصول العقد و رضاه به و بقاء هذا الرضا الى ما بعد و لو آنا ما اجازة للعقد المزبور.

أقول- ما ذكره قده لخروج عقد الأجنبي بمقارنة رضا المالك عن الفضولية من الوجوه ضعيف اما التمسك بعموم وجوب الوفاء بالعقد أو إطلاق التجارة عن تراض فان مدلولهما بمناسبة الحكم و الموضوع وجوب وفاء كل بعقده و جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 271

..........

______________________________

الأكل بتجارته و لا يكون عقد الأجنبي عقد المالك و تجارته بمجرد الرضا باطنا، بل لا بد في إضافة العقد و التجارة إليه، من إنشاء رضاه و إمضائه و اما حديث عدم الحل فمفاده دخالة رضا المالك و طيب نفسه في حل ماله للغير، و ان الحل لا يكون بدونه، و اما ان الطيب و الرضا تمام الموضوع للحل فلا، لا حظ قوله عليه السّلام لا صلاة إلا بطهور، فان مقتضاه عدم حصول الصلاة بدون الطهارة، لا ان الطهارة تمام ما يحصل بها الصلاة.

و بما ذكر يظهر الجواب عن الاستدلال لكفاية الرضا باطنا بقوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم لا تشترها الا برضا أهلها) «1» حيث ان مدلولها دخالة رضا المالك في نفوذ الشراء، و اما انه يكفى مجرد الرضا فيه، فلا هذا مع احتمال ان يراد بالرضا إبرازه كما لا يخفى.

و اما ما دل على ان سكوت المولى على نكاح العبد إقرار و رضاء به، فلا يدل على ما ذكر، فان كون العقد فضوليا تارة باعتبار عدم رضا من يعتبر رضاه

في ذلك العقد، لا لفقد استناده الى المالك، كما في نكاح الرشيدة الباكرة، فإنها هي التي تجعل نفسها زوجة للآخر غاية الأمر يعتبر في هذا الجعل رضا أبيها أو جدها ففي مثل ذلك يتم العقد بمقارنة الرضا أو لحوقه.

و من هذا القبيل نكاح العبد و لحوق رضا مولاه به، و هذا بخلاف ما إذا كان فضوليا باعتبار عدم استناد العقد الى المالك كما في بيع الأجنبي مال شخص من آخر حيث ان رضا المالك واقعا ما دام لم يكن إظهار و إمضاء لا يوجب استناد العقد اليه.

و مما ذكرنا يظهران ما ذكره (قده) من ان بقاء رضا المالك الى ما بعد العقود

______________________________

(1) الوسائل- الجزء (12) الباب (1) من أبواب عقد البيع الحديث (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 272

..........

______________________________

و لو آنا ما اجازة له مدفوع بان الرضا الواقعي ما لم يكن إظهار من المالك لا يكون مصححا للاستناد حتى ما لو بقي إلى الأبد و قد يقال كما عن بعض الأجلة (دامت شوكته) بأنه لا يعتبر في صحة البيع و غيره من العقود الانتساب بالمعنى المذكور بان يكون العقد عقد المالك و بيعه و كون المراد بقوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) أوفوا بعقودكم أو كان الأكل بتجارتكم غير صحيح فإنه كيف يكون البيع الصادر عن الغير بيعا للمالك بالإجازة مع ان الإجازة مفهومها العرفي تنفيذ للفعل الصادر عن الغير فهي بنفسها تدفع انتساب الفعل الى المجيز بل الأمر في موارد الوكالة و الاذن السابق كذلك، فان البيع لا يكون منتسبا الى الموكل و الاذن حقيقة و لذا لو سئل الموكل عن انك بعت دارك فيقول

لا بل باعها وكيلي و من الظاهر ان الأحكام الواردة في الخطابات على العناوين ظاهرها ثبوت تلك الأحكام على إفرادها الحقيقة.

و الحاصل انه لا يعتبر في صحة البيع أو نحوه من العقود الا كونه مع اذن المالك أو رضاه أو إجازته و لو لم ينتسب ذلك البيع الى المالك و قد تقدم بيان المراد بالتجارة عن تراض ان مقتضى مقابلتها بالأكل بالباطل اعتبار كونها أكلا بحق لا لخصوصية لصدورها عن تراض و كون التجارة أكلا بحق يعم البيع الفضولي مع لحوق الإجازة به أو تقارنه برضا المالك انتهى.

أقول الجواب عما ذكر تارة بالنقض و أخرى بالحل.

اما الأول فإن القول المزبور يستلزم محاذير و لا أظن الالتزام بها.

منها ما إذا أخبر المحرم بأن الأجنبي قد اجرى في حقه نكاحا و انه قد زوج بنت فلان منه و ان له ان يجيزه و ذلك المحرم قد أخر إجازته الى ما بعد إحرامه مع فرحته و ابتهاجه باطنا من سماع الخبر فلا بد من ان يلتزم بان البنت المزبور قد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 273

..........

______________________________

حرمت عليه مؤبدا فإن فرحته بالنكاح المزبور قلبا موجب لتحقق النكاح فيعمه قوله عليه السّلام (من تزوج امرأة في إحرامه فرق بينهما و لا تحل له ابدا).

و منها انه لو أنشأ إيجاب البيع أو قبوله وكيله في مجرد إنشاء بيع الحيوان أو غيره فلا يكون له خيار المجلس و لا خيار الحيوان لأن البائع أو المشتري حقيقة هو الوكيل و قد ذكر في الروايات ان البيعان بالخيار ما لم يفترقا و ان مشتري الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام و الموكل لا يكون بايعا و لا مشتريا في الحقيقة.

و منها

انه لو أخذ أظافير المحرم باستدعاء من المحرم أو حلق رأسه كذلك فلا بد من ان يلتزم بان المحرم لم يفعل حراما و ليس عليه شي ء لأن قوله عليه السّلام من قلم أظافيره في إحرامه أو أخذ شعره لا ينطبق على المحرم فان التقليم في الفرض فعل غير المحرم الى غير ذلك و اما الحل فلان أجازته و ان تتعلق بفعل الغير و عقده الا انه عقد الغير و بيعه مع قطع النظر عن الإجازة و ينتسب الى المجيز بإجازته و هذا الانتساب و لو كان اعتباريا الا ان الخطابات الشرعية قد يكون بمناسبة الحكم و الموضوع ناظرة إلى بيان الحكم بهذا الانتساب و يجرى ذلك حتى في الأفعال الخارجية كقوله من بنى مسجدا بنى اللّه له بيتا في الجنة و الدعوى ان هذا الانتساب لا يعتبر و لا يصححه مجرد الرضا الباطني من المالك بل لا بد من إبرازه و إنشائه بالإذن أو بالإجازة فتدبر.

و اما رواية عروة البارقي فالظاهر ان شراء الشاتين لا يكون من شراء الفضولي حيث ان توكيل النبي صلّى اللّه عليه و آله في شراء شاة بدينار بفحواه توكيل و اذن في شراء الزائد عن الواحدة بالمبلغ المزبور و اما بيعه واحدة منهما بدينار فلا بعد في كونه بيعا فضوليا يحتاج إلى الإجازة و لكن يجوز معه القبض و الإقباض فإن عدم جوازهما من الفضولي باعتبار كونهما تصرف خارجي في مال الغير و مع إحراز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 274

و اما القول بان البيع الذي يعلم بتعقبه (1).

لكن الظاهر أول الوجهين (2).

______________________________

رضا المالك بهما فلا حرمة بل قد يكون اجازة العقد بعد ذلك اجازة لذلك

القبض أو الإقباض كما لا يخفى.

(1) يعنى ان يقال بأن الإجازة معتبرة على نحو الكشف الحقيقي، و حيث كان عروة عالما بحصولها و تعقب العقد بها وقع منه القبض و الإقباض باعتبار إحرازه انتقال المالين و كون الشاة ملكا للمشتري و الدينار ملكا للنبي صلّى اللّه عليه و آله واقعا لكن اعتبار الإجازة بنحو الكشف الحقيقي ضعيف جدا كما سيأتي.

أقول- و أضعف منه احتمال كون عروة معتقدا لاعتبار الإجازة في عقد الفضولي بهذا النحو.

(2) المراد أول الوجهين الأخيرين و هو كون هذا النحو من العقد المقرون برضا المالك خارجا عن الفضولي و المراد برضا المالك الأعم الشامل لرضاه التقديري أي بحيث لو التفت الى العقد لرضى به.

أقول لم يظهر جهة ظهور هذا الوجه مع قوة احتمال كون بيعه احدى الشاتين فضوليا و حصول القبض و الإقباض باعتبار علمه برضا النبي (ص) و اطلاع المشترى بحال المعاملة و هذا هو الوجه الرابع في كلام المصنف (ره) و اما ما ذكره (ره) من ان الظاهر وقوع معاملة إحدى الشاتين على وجه المعاطاة فعجيب فإنه ان أراد حصول المعاطاة بإقباض عروة الشاة و أخذه الدينار و ان هذا القبض و الإقباض كان بعنوان المعاملة المعاطاتية و لم يكن في البين إيجاب و قبول لفظا فلا سبيل لنا إلى إحراز ذلك و ان أراد أن وصول الشاة إلى المشتري المزبور بإقباض عروة و وصول

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 275

[الاستدلال على صحة عقد الفضولي]
اشارة

قال في الدروس و فيها دلالة (1).

و لا يرد عليها شي ء مما يوهن الاستدلال (2).

______________________________

الدينار إلى النبي (ص ع) مع تراضيهما محقق للمعاطاة فليس في البين بيع فضولي ليحتاج إلى الإجازة ففيه أولا أنه يعتبر

في حصول المعاطاة من إنشاء الملك بالقبض و لا يكفى مجرد وصول المالين كما مر في بحث المعاطاة.

و ثانيا نفرض كفاية ذلك في حصولها و لكن المعاطاة لا يصحح اقباض عروة و قبضه حيث أنهما من التصرف في مال الغير بلا رضاه.

ثالثا ان قول النبي (ص ع) بارك اللّه في صفقة يمينك ظاهره حصول المعاملة من العروة لا أنه كان مجرد واسطة في وصول المالين الى الطرفين.

(1) اما دلالتها على صحة بيع الفضولي فلان المفروض فيها وقوع البيع على مال الغير و قد حكم بتمام ذلك البيع بإجازة المالك و اما دلالتها على اعتبار الإجازة بنحو الكشف فإنه مقتضى استحقاق المشترى استرداد الغلام و سقوط قيمته عن عهدته إذ لو كانت الإجازة معتبرة بنحو النقل لم يكن وجه لسقوطها حيث ان قيمة الولد تدارك لمنفعة البضع التي أتلفها المشترى على المالك و لا يعتبر هذه المنفعة ملكا للمشتري على مسلك النقل حتى لم يكن عليه ضمانها كما لا يخفى.

(2) قيل لا يمكن الحكم لأب البائع باستحقاقه الوليدة و ابنها بمجرد دعوى ملكها و بعدم اذنه لابنه في بيعها بل يحتاج الدعوى إلى الإثبات فإنها على خلاف مقتضى يد البائع عليها و فيه أنه ليس في الرواية عدم إثباته دعواه و أنه كان حكم على عليه السّلام بأخذه الوليدة و ابنها بمجرد الدعوى كما ان حكمه عليه السلام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 276

فإنها لا تزيد على الاشعار (1)

______________________________

بإمساك الولد يمكن كونه لحبسه على قيمته.

و ما ذكره المصنف (ره) من ظهور الرواية في كون الإجازة فيها مسبوقة بالرد ايضا لا يمكن المساعدة عليه فان- المخاصمة و دعوى أن الوليدة ملك له فعلا

لوقوع البيع عليها بغير اذنه و أنه يريد أخذها من مشتريها- لا تكون قرينة على (رد) البيع و إلغائه بالقول أو الفعل بل غايتها أنه لا يجزيه فعلا و كذا إطلاق حكم الامام عليه السّلام فإنه باعتبار عدم حصول الإجازة و لا يلزم من ذلك إنشاء الرد و إلغاء العقد الواقع.

و بعبارة أخرى حكم الامام عليه السّلام بأخذه الوليدة و ابنها باعتبار عدم تمام المعاملة فعلا لا لإلغاء إنشائها.

و بهذا يظهر أن أخذ أب البائع و إمساكه الوليدة و ابنها لا يكشف الا عن عدم إمضائه المعاملة فعلا لا عن إلغائها قولا أو فعلا من أولها كما هو المراد بردها و عدم اجازة المالك فعلا كاف في إلحاح المشترى على الامام عليه السّلام و مناشدته في خلاص الابن و أمه.

و المتحصل ان ما ذكر السيد اليزدي (ره) من أن الصحيحة تدل على نفوذ الإجازة حتى بعد رد المالك المعاملة برد فعلى و انه يمكن الالتزام بذلك فإن الإجماع على عدم نفوذ الإجازة بعد الرد دليل لبى و المتيقن منه عدم نفوذها بعد الرد القولي- لا يمكن المساعدة عليه لما ذكر من عدم الدلالة في الرواية على حصول الرد من مالك الجارية فعلا أو قولا فلاحظ.

(1) و الوجه في ذلك ان الحكم المذكور في الرواية حكم الواقعة خاصة لا إطلاق في الحكم المزبور و لا عموم و لو لم يكن في الرواية فرض سبق الرد لكان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 277

..........

______________________________

التعدي منها إلى سائر مواردها اجازة بيع الفضولي متعينا باعتبار عدم احتمال الخصوصية في المفروض فيها و لكن ظاهرها لحوق الإجازة بالبيع بعد رده و الحكم بنفوذ الإجازة في الفرض يتعين

توجيهه بمثل أن الأب كان كاذبا في نفيه الاذن في بيع ابنه فقول على عليه السّلام للمشتري خذ ابنه حتى ينفذ لك البيع تعليم حيلة له حتى يصل الى حقه الواقعي.

و الحاصل ان الإجازة في فرض الرواية ليست مصححة للبيع واقعا ليمكن التعدي منها.

نعم تعليق نفوذ البيع المزبور على إجازة الأب في قوله عليه السّلام (حتى ينفذ لك البيع) من تعليق الحكم على الوصف و فيه اشعار بكون اجازة المالك مصححة للمعاملة الواقعة على ماله فضولا.

أقول- قد ظهر مما ذكرنا عدم المجال لما ذكره المصنف (ره) من انه ان كان النظر في الاستدلال على صحة بيع الفضولي بلحوق الإجازة إلى نفس القضية الشخصية فالإجازة فيها باعتبار كونه مسبوقا بالرد لا يفيد صحة العقد و لا بد من توجيه الحكم فيها بأن البائع كان كاذبا في دعواه فعلم الامام عليه السّلام للمشتري حيلة حتى تصل بها الى حقه الواقعي و لا يمكن استفادة الحكم في البيوع الفضولية بلحوق الإجازة بها.

و اما إذا كان النظر الى قوله عليه السّلام للمشتري (خذ ابنه حتى ينفذ لك البيع) و قول ابي جعفر عليه السّلام في مقام الحكاية (فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز البيع) فيمكن استفادة الحكم في سائر البيوع الفضولية و انها تتم بلحوق الإجازة بها.

و الوجه في عدم المجال انه لم يذكر في الجواب حكم لمطلق بيع الفضولي ليؤخذ بإطلاقه و يقال ان تطبيق ذلك الحكم الكلى على المفروض في السؤال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 278

..........

______________________________

مع كونه غير مورده باعتبار تعليم الحيلة لوصول المشترى الى حقه.

بل الجواب حكم لخصوص الواقعة المفروضة التي لا يصححها الإجازة و لا تفيد فيها شيئا فكيف يمكن

استفادة الحكم في سائر البيوع الفضولية الا بالاشعار الذي ذكرنا خروجه عن قسم الدلالات.

ثم ان في الرواية من جهة فقهها إشكالين سواء قيل باستفادة حكم بيع الفضولي بلحوق الإجازة منها أولا.

الأول- انه كيف حكم سلام اللّه عليها بان السيد الأول يأخذ ابن الوليدة مع ان الولد المزبور حر لا يدخل في الملك و الوجه في كونه حرا قول المشترى (لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني) و انه لو كان المشترى عالما بان بيع الوليدة فضولي لكان الولد باعتبار كونه من زنا رقا لسيد الوليدة و لما كان اعتنائه عليه السّلام بمناشدة المشترى و الحاحه مناسبا بل الأنسب ان يجرى عليه الحد باعتبار كونه زانيا.

و الحاصل انه لا موجب لأخذ الولد الحر حتى مع فرض امتناع المشترى عن دفع قيمته و لو فرض جواز حبس الولد لقيمته لكان المتعين ان يحكم بأخذ الولد و لكن معلقا على امتناع المشترى عن دفع قيمته لا مطلقا.

و الثاني- انه كيف حكم للمشتري بأنه يأخذ البائع الابن و- ما قيل من ان أخذه لحبسه على استرداد ما أخذه من المشترى بعنوان ثمن الوليدة حيث ان المديون الممتنع يحبس لدينه- يدفعه قوله عليه السّلام: أخذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع فإنه على الاحتمال المزبور يلزم ان يحكم خذ ابنه حتى يسترد هو الثمن الذي أخذ منك أو يغرم أبوه ذلك الثمن لا ان يجعل غاية الأخذ إنفاذ البيع.

و لكن لا يخفى ان عجزنا عن فهم هذا الأمرين لا يضر بالاستدلال بها على ان بيع الفضولي يتم بلحوق الإجازة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 279

و ربما يستدل ايضا بفحوى صحة عقد النكاح (1).

______________________________

(1) و يستدل على

صحة بيع الفضولي و تمامه بإجازة المالك بفحوى ما ورد في تمام النكاح فضولا بلحوق الإجازة به كما إذا زوج الصغير غير وليه فأجاز النكاح بعد بلوغه أو تزوج العبد بغير اذن مولاه فاجازه المولى فإن صحة النكاح بلحوق الإجازة به مع ما فيه من الاهتمام من كونه تحليل فرج و تمليك بضع أي إنشاء حق الاستمتاع و يكون منه الولد يستلزم صحة بيع الفضولي بلحوق الإجازة به بالأولوية.

و أشار الى هذا الفحوى في غاية المراد و استدل بها في الرياض و ذكر انه لولاها لكان الحكم بصحة بيع الفضولي بلحوق الإجازة به مشكلا من جهة الإجماعات المنقولة على بطلان البيع المزبور.

و كيف كان فقد ذكر المصنف (ره) ان هذه الفحوى حسن الا انه ربما يضعفها ما ورد في رد العامة في مسألة تصرف الوكيل قبل بلوغ عزله إليه فإن العامة قالوا ان تصرف الوكيل في النكاح قبل بلوغ عزله اليه باطل لبطلان الوكالة فيه بالعزل واقعا بخلاف تصرف الوكيل في المعاوضة المالية فإنه محكوم بالصحة حيث لا يبطل وكالته فيها الا ببلوغ العزل و عللوا الفرق بان المال له عوض فلا مانع من نفوذ التصرف فيه، بخلاف النكاح فإنه لا عوض فيه بان تقع المعاوضة بين البضع و المال، فيقتصر في ثبوت ملك البضع على الأقل، و قد تصدي الإمام عليه السلام في معتبرة علاء بن سيابة لإنكار هذا التفصيل (و أنه ما أجوره و أفسده فإن النكاح اولى بالاحتياط فيه فإنه يكون منه الولد) و المستفاد من رده سلام اللّه عليه ان الحكم بالصحة في البيع يستلزم الحكم بها في النكاح بالأولوية دون العكس و على ذلك فما ورد في صحة نكاح الفضولي

بلحوق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 280

..........

______________________________

الإجازة به لا يدل على الصحة في البيع الفضولي بالفحوى.

ثم تعرض (ره) لما يستفاد من الرواية من كون الحكم بصحة نكاح الوكيل قبل بلوغ عزله اليه احتياطا مع ان في دوران المرأة بين كونها زوجة أو أجنبية لا يكون ترتيب آثار الزوجية من الاحتياط كما انه لا يكون ترتيب آثار الملك في مورد دوران المال بين كونه ملكه لصحة البيع و ملك غيره لفساد البيع من الاحتياط و وجه (ره) ذلك بان المراد منه الاحتياط بالإضافة أي ما يكون محذور مخالفة الواقع فيه أخف لا الاحتياط المطلق، يعنى التحفظ على الواقع على كل تقدير و ذلك فان الحكم ببطلان النكاح في مورد تردده بين الصحة و الفساد قد يكون تفريقا بين الزوجين فيتزوج الزوجة من آخر فيحصل الزنا بذات البعل بخلاف ما إذا حكم بالصحة فإنه على تقدير عدم ثبوت الزوجية واقعا يكون الوطي بالشبهة بغير ذات البعل و هذا أهون من الأول.

أقول: لا يخفى ان حكم العامة بصحة البيع لم يكن للاحتياط ليكون قوله عليه السّلام (فان النكاح اولى و أجدر أن يحتاط فيه لانه الفرج) ناظرا الى ان الاحتياط في النكاح يحصل بالحكم بصحته في مورد دورانه بين الصحة و الفساد، فان لازم ما ذكر البناء على صحة النكاح و رفع اليد عن أصالة الفساد في كل مورد تردد النكاح بين الصحة و الفساد حيث يكون البناء عليها أخف محذورا من البناء على الفساد و عدم ثبوت الزواج و لا أظن أحدا يلتزم بذلك مع ان المورد ليس من دوران الأمر بين المحذورين حتى لا يمكن فيه الاحتياط المطلق و التحفظ على الواقع

على كل تقدير فان مقتضى كون النكاح فرجا يحتاط فيه لزوم إيقاع الطلاق أو تجديد العقد عند الشك في العقد السابق.

و الظاهر بقرينة حكاية الوجه الاستحسانى المنقول عن العامة في حكمهم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 281

و يحصل الزنا بذات البعل (1)

______________________________

ببطلان النكاح و صحة البيع و بقرينة نقل الامام عليه السّلام قول على عليه السّلام في مسألة نكاح الوكيل قبل عزله اليه ان مراده عليه السّلام بالاحتياط في الصحيحة هو طرح الوجه الاستحسانى المزبور و الأخذ بقول على عليه السّلام حيث ان قوله عليه السّلام لا يقصر عن قول ابن عباس و عبد اللّه بن عمر و غيرهما مما يأخذون به و يرفعون به اليد عن الوجوه الاستحسانية.

و بعبارة أخرى الحكم بصحة النكاح في مسألة عزل الوكيل احتياط من جهة طرح الاستحسان فيها و الأخذ بقول على عليه السّلام فلا تمنع ذلك عن الفحوى المتقدمة.

اللهم الا ان يقال بمنع الفحوى فإن- أهمية النكاح و ترغيب الشارع الناس اليه لقوام العالم بالتوالد و التناسل الموقوف عليه مع النهى عن مقابله يعنى الزنا و السفاح- يقتضي التوسعة في سببه حتى لا يكون ضيق السبب حائلا بين الناس و الوصول اليه.

و هذا بخلاف البيع و الشراء فان لتحصيل المال أسباب أخرى كالمصالحة و الهبة المعوضة و غير ذلك و عليه فلو حكم الشارع بصحة النكاح فضولا بلحوق الإجازة فيحتمل كون ذلك للتوسعة في السبب في خصوص النكاح و لا يمكن مع هذا الاحتمال التعدي إلى البيع.

(1) هذا فيما إذا أحرز المرأة أو زوجها الثاني صحة النكاح السابق أو تردده عندهم بين الصحة و الفساد من غير معين للفساد أو الصحة و الا فلا

يتحقق عنوان الزنا كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 282

[الروايات الواردة في المضاربة]

وعد هذا خارجا عن بيع الفضولي بالنص (1)

______________________________

(1) يعنى مقتضى القاعدة الأولية ان لا يكون لبيع الفضولي صحة فعلية بدون اجازة المالك و يستثني من ذلك ما يكون من العامل في المضاربة كما إذا اشترط عليه في المضاربة شراء جنس فخالف و اشترى جنسا آخر فان هذا الشراء و لو مع ظهور الربح فضولي و لكن محكوم بالصحة الفعلية حتى مع عدم اجازة المالك و ذلك استيناس لحكم بيع الفضولي حيث يظهر منه انه لا يعتبر في صحة بعض البيوع الاذن السابق.

أقول- لا يرتبط هذه الاخبار بحكم بيع الفضولي و لا استيناس فيها و ذلك فان شراء العامل الجنس الآخر و صحة ذلك الشراء بظهور الربح حتى مع عدم لحوق اجازة المالك لا يوجب أنسا لبيع الفضولي الذي يكون مصححه لحوق الإجازة به بل في هذه الاخبار استيناس للموارد التي يكون التصرف فيها في مال الغير نافذا بلا اذن ذلك الغير أو إجازته كنفوذ التصدق بالمال المجهول مالكه و كبيع الوكيل قيل بلوغ عزله اليه.

و لو قيل بدلالة الاخبار على نفوذ شراء العامل مع ظهور الربح باعتبار لحوق اجازة المالك حيث ان المالك مع ظهور الربح يرضى بمعاملة العامل عادة، و إظهار هذا الرضا و لو بمطالبة الربح اجازة فلا يرتبط ايضا مدلولها بصحة الفضولي بإجازة المالك، فان مقتضى صحة البيع و الشراء فضولا انتقال تمام الربح الى المالك بل و لا يستحق العامل المزبور في الفرض حتى اجرة المثل باعتبار وقوع عمله بلا أمر المالك و اذنه.

و قد يقال في توجيه هذه الاخبار و تطبيق مدلولها على القواعد وجهان.

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 283

..........

______________________________

الأول- ما عن الإيرواني (ره) من ان اشتراط المالك على العامل جنسا أو عدم إخراج المال الى بلد أو بيع المال نقدا و غير ذلك يكون باعتقاد المالك دخالة هذه الأمور في الربح و كان المالك اشترط على العامل المعاملة التي فيها ربح فيكون الشراء المزبور داخلا في المضاربة و يستحق العامل الحصة المعينة له من الربح.

أقول اعتقاد المالك دخالة أمر في حصول الربح و اشتراطه على العامل لا يكون من اشتراط المعاملة التي فيها ربح، و لذا لو اشترى الوكيل ما عينه موكله و لم يحصل الربح كان شرائه نافذا و لو اشترى غير ما عينه كما إذا وكله في شراء حيوان و اشترى الكتاب و كان الربح في شراء الكتاب دون الحيوان كان الشراء فضوليا، و إذا وكلته الزوجة في تزويجها من زيد فزوجها الوكيل من عمرو باعتبار كون عمرو أصبح وجها و املى مالا لا يمكن الالتزام بلزوم هذا التزويج على المرأة و السر في ذلك ان الاعتقاد بدخالة شي ء في حصول الربح يكون داعيا الى اشتراط ذلك الشي ء و تخلف الداعي و عدم صواب الاعتقاد لا يسقط الاشتراط، هذا أولا.

و ثانيا لم يفرض في الرواية ان المال الذي شرط المالك على العامل شرائه لم يكن فيه ربح أو كان أقل ربحا مما اشترى العامل ليقال بان صحة شراء العامل مقتضى اشتراط المعاملة التي فيها ربح أو ما يكون ربحه أكثر.

و ثالثا ربما لا يكون غرض المالك مجرد انماء المال حتى لو كان في انمائه وقيعة عرفية كما في اتجار عامله مع الكفار، أو بشراء ما فيه حضاضة عرفية بل قد يكون غرضه الإنماء

بتجارة لا تكون فيها هذه الوقيعة و لو كانت ربحها أقل. الثاني كما عن السيد اليزدي (ره) و أوضحه بعض الأجلاء (دامت شوكته) ان هذه الروايات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 284

..........

______________________________

بعضها ظاهرة في موافقة القاعدة كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن رجل يعطى المال مضاربة و ينهى عن يخرج فخرج قال يضمن المال و الربح بينهما «1» و بعضها الأخرى محمولة على موافقتها كصحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل دفع الى رجل ما لا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة فذهب فاشترى به غير الذي أمره قال هو ضامن و الربح بينهما على ما شرط «2» و بيان ذلك ان شرط عدم الخروج الى بلد فلان، في الصحيحة الأولى شرط خارج عن أصل المضاربة التي مقتضاها الشركة في الربح و الاشتراط المزبور، مقتضاه ضمان العامل لرأس المال على تقدير مخالفة الشرط و ليس في ذلك أمر مخالف لمقتضى المضاربة و لا مقتضى الاشتراط و يحمل الصحيحة الثانية على صورة اشتراط شراء ضرب من المتاع بنحو يكون زائدا على أصل المضاربة لا أخذه في أصل المضاربة بنحو التقييد.

و لو قال ضاربتك بهذا المال لشراء الغنم على المناصفة في الربح كان شراء الغنم مأخوذا بنحو التقييد و لو قال ضاربتك بهذا المال لتتجر به على المناصفة في الربح و على ان تشترى غنما فشراء الغنم يكون من الشرط الخارجي و لا يوجب مخالفته إلا ضمان العامل لرأس المال و هذه الروايات و ان تكون مضمونها موافقة للقاعدة الا انها أجنبية عن تمام بيع الفضولي بلحوق الإجازة و قد ذكر ان الشاهد لحمل الاخبار

على صورة الاشتراط الخارجي هي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح و ليس عليه من الوضيعة شي ء الا ان يخالف أمر صاحب المال فان العباس كان كثير المال و كان يعطى الرجال يعملون

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (1) من أبواب المضاربة الحديث (1)

(2) الوسائل الجزء (13) الباب (1) من أبواب المضاربة الحديث (9).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 285

..........

______________________________

به مضاربة و يشترط عليهم ان لا ينزلوا بطن واد و لا يشتروا ذا كبد رطبة فإن خالفت شيئا مما أمرتك به فأنت ضامن للمال «1» حيث فسر مخالفة أمر صاحب المال الوارد في المستثنى بما عن العباس من الشرط الخارجي.

و الحاصل ان المفروض في هذه الروايات ليس تقييد الاذن للعامل في التجارة كما هو مقتضى نفس عقد المضاربة بل إلزام خارجي على العامل بان لا يشترى متاعا خاصا أو ان لا يسافر أو ان لا يشترى من شخص و يترتب على مخالفة هذا الإلزام ضمان العامل لرأس المال على تقدير مخالفته ما اشترط عليه.

و لذا وقع في حكاية قول عباس لعامليه فان خالفت شيئا مما أمرتك به فأنت ضامن المال.

و المتحصل انه يجب تكليفا على العامل موافقة الشرط لعموم قوله عليه السّلام (المسلمون عند شروطهم) و على تقدير المخالفة يترتب عليه الضمان.

أقول لا يخفى ما فيه اما أولا فإنه يكون اشتراط عمل على أحد المتعاقدين خارجا عن المعاملة فيما إذا كان مدلول المعاملة أمرا مغايرا لإلزام الطرف بالالتزام بذلك العمل كما إذا باع المتاع من زيد و اشترط عليه ان لا يملك ذلك المتاع من شخص آخر أو من

عمرو فان بيع المتاع عبارة عن تمليكه بعوض و اما تصرف زيد فيه بعد تملكه بالإبقاء أو تمليكه من آخر فهو خارج عن مدلول البيع فيجوز لبائعه ان يلزم المشترى حين بيعه بالالتزام بعدم تمليكه من شخص آخر أو من عمرو.

و اما إذا كان مدلول المعاملة أمرا لا يجتمع إطلاقه مع إلزام الطرف بالالتزام بذلك العمل كما في العقود الإذنية فإنه إذا أعار ثوبه من زيد و اشترط عليه ان لا يلبسه

______________________________

(1) وسائل الجزء (13) باب (1) من أبواب المضاربة الحديث (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 286

..........

______________________________

أيام المطر فهذا الشرط لا يجتمع مع إطلاق الإذن للمستعير في لبسه بمعنى ان الاذن في لبسه كما هو مدلول عاريته لا يكاد يعم اللبس أيام المطر و لذا لا يصح ان يصرح المعير بأني أذنت لك في لبسه حتى أيام المطر و لكن عليك الالتزام بترك لبسه أيام المطر في مثل ذلك لا بد من ورود القيد على متعلق الاذن فيكون المأذون فيه هو لبسه في غير أيام المطر سواء اتى ذلك في عقد العارية بصورة التقييد بان يقول أعرتك الثوب و اشترط عليك ان لا يلبسه أيام المطر و يفصح عن ذلك انه لو سئل المعير عن انك أذنت له في لبسه أيام المطر يقول لإبل نفيت الاذن فيه صريحا.

و السر في ذلك ان إلزام الطرف بترك فعل لا يجتمع مع الترخيص فيه بل لا بد من رفع اليد عن الإلزام و عقد المضاربة من العقود الإذنية حيث ان مدلولها الاذن للعامل في التجارة برأس المال على نحو المشاركة في الربح و إذا اشترط على العامل متاعا خاصا بأن يقول أذنت لك

في التجارة بهذا المال على نحو المناصفة في الربح على ان لا تشترى الحيوان فهو في الحقيقة الاذن في التجارة بغير الحيوان لأن إلزام العامل بالالتزام بترك تجارة غير الحيوان لا يجتمع مع الاذن في تجارة الحيوان.

و لذا لا يفرق بين ان يقول ضاربتك هذا المال لتتجر غير الحيوان أو يقول ضاربتك بهذا المال على ان لا تتجر بالحيوان.

فقد ظهر مما ذكرنا ان ما في قول عباس من اشتراطه على عامليه بان لا يشتروا ذا كبد رطبة لا يمكن حمله على الشرط الخارجي فضلا ما في صحيحة جميل و غيرها.

و اما ثانيا فإنه فرق بين التفسير و الاستشهاد على الحكم فإن الأول من قسم الحكومة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 287

..........

______________________________

يوجب سقوط الإطلاق عن المفسر بالفتح بخلاف الثاني فإنه لا يوجب تقييدا أصلا فإنه يصح الاستشهاد على الحكم العام ببعض موارد ثبوته المعروف من قبل.

و ما في صحيحة الحلبي من قوله عليه السّلام (الا ان يخالف أمر صاحب المال) مطلق يعم المخالفة فيما إذا كان امره بنحو التقييد في متعلق المضاربة و فيما كان امره بنحو الاشتراط و قوله عليه السّلام فان العباس إلخ استشهاد على الحكم و ان مخالفة أمر مالك رأس المال يوجب ضمان المال و لا فرق في الضمان بين اشتراط الترك أو تقييد متعلق المضاربة و لعله لذلك ذكر السيد اليزدي (ره) بان في الاستشهاد إشارة إلى صورة الشرط الخارجي لا انه ظاهر في إرادته بخصوصه.

و اما ثالثا فنفرض ان الروايات كلها ناظرة إلى صورة الاشتراط الخارجي و ان الشرط في المقام لا يوجب تقييدا في متعلق المضاربة فالحكم الوارد ايضا لا ينطبق على القاعدة فإنه بعد

كون العامل مأذونا في شراء ما شرط عليه ترك شرائه يقع الشراء لمالك رأس المال فكيف يكون خسارته على العامل فان النقص قد حصل في رأس المال باذن مالكه فلا موجب لكونه على العامل فان الشرط مقتضاه انقلاب يد العامل على رأس المال بالمخالفة إلى يد ضمان فيضمن تلفه و هلاكه و الخسارة غير التلف و في صحيحة الحلبي الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في الرجل يعطى المال فيقول له ائت أرض كذا و كذا و لا تجاوزها و اشتر منها قال فان جاوزها و هلك المال فهو ضامن و ان اشترى متاعا فوضع فيه فهو عليه و ان ربح فهو بينهما فقد ذكر سلام اللّه عليه الخسارة في مقابل هلاك المال و حكم بأنهما على العامل.

و الحاصل ان ما ورد في هذه الروايات حكم تعبدي و مع صحة إسنادها و تمام دلالتها يتعين الأخذ بمقتضاها و اللّه سبحانه هو العالم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 288

و النهى عن أكل المال بالباطل (1)

[الأخبار في الاتجار بمال اليتيم]

و من هذا القبيل الأخبار الواردة في اتجار غير الولي (2)

______________________________

(1) لا يخفى ان روايات الباب حاكمة على النهى عن تملك مال الغير بالباطل فان مع ترخيص الشارع في التملك المزبور، لا يكون الأكل أكلا بالباطل كما أنها بالإضافة الى ما دل على عدم حل المال بغير رضا صاحبه أخص مطلق فيرفع اليد بها عن إطلاقه و الوجه في كونها أخص ما تقدم من ان مقتضى اجازة المالك لمعاملة العامل انتقال تمام الربح الى المالك فيكون تملك العامل الحصة من الربح، تملك مال الغير بلا رضاه كما ان مقتضاها انه يجوز لمن انتقل إليه رأس المال

تملكه و لو بلا اجازة مالكه فيرفع بذلك عن إطلاق حديث عدم حل المال بغير رضا مالكه.

(2) و هذه الروايات لا تعم ما إذا اتجر الولي للطفل فان تجارته نافذة في حق الطفل و ليس على الولي ضمان كان مليا أولا فإن التفصيل في تلك الروايات بين كون العامل له مال أولا قرينة على ذلك لان اعتبار كون العامل مليا لأجل أن يعوض عن مال الطفل في صورة تلفه أو الخسارة، و هذا لا يجري في صورة اتجار الولي لمصلحة الطفل لعدم الموجب لضمانه بل يجرى الضمان في صورة اتجار الولي بمال الطفل لنفسه باستقراضه أو كان العامل بمال الطفل أجنبيا لم يكن له ولاية على مال الطفل أو وكالة فيه.

و بتعبير آخر إذا كان ولى الطفل مليا يجوز له الاستقراض بمال الطفل و الاتجار لنفسه و في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل ولى مال يتيم ا يستقرض منه فقال انه على بن الحسين قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 289

..........

______________________________

في حجره فلا بأس بذلك «1» و يرفع عن إطلاقها بمثل صحيحة ربعي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل عنده مال اليتيم فقال ان كان محتاجا و ليس له مال فلا يمس ماله و ان هو اتجر فالربح لليتيم و هو ضامن و في رواية منصور الصيقل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مال اليتيم يعمل به قال فقال إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال و ان كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت

ضامن للمال «2».

و كذا يجوز للولي المضاربة بمال الطفل فيما إذا راى ذلك صلاحا للطفل و هذا مقتضى ولايته على الطفل و ماله و ذكرنا ان الروايات الواردة في كون الربح لليتيم و الخسارة و الضمان للعامل لا تكون ناظرة الى هذه الصورة بقرينة اعتبار كون الولي مليا فان ملائته و عدمها لا دخل لهما في جواز المضاربة للطفل و في رواية أبي الربيع قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون في يديه مال لأخ له يتيم و هو وصيه أ يصلح له ان يعمل به قال نعم كما يعمل بمال غيره و الربح بينهما قال قلت فهل عليه ضمان قال لا إذا كان ناظرا له فان ظاهرها عدم الضمان للولي فيما إذا كان في اتجاره مراعيا لمال الطفل.

و اما رواية أسباط قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام كان لي أخ و هلك و اوصى الى أخ أكبر مني و أدخلني معه في الوصية و ترك ابنا صغيرا و له مال أ فيضرب به أخي فما كان من فضل سلمه لليتيم و ضمن له ماله فقال ان كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم ان تلف فلا بأس و ان لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم فإنها غير ظاهرة في اعتبار الملائة في الولي في صورة تجارته للطفل بل ظاهرها اعتبارها في صورة استقراض الولي و لا يكون فرض دفع الربح الى اليتيم قرينة على كون تجارته

______________________________

(1) الوسائل الجزء (16) باب (34) من أبواب العتق.

(2) الوسائل الجزء (6) الباب (2) من أبواب من يجب عليه الزكاة الحديث (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 290

..........

______________________________

لليتيم مع ان

الرواية ضعيفة سندا و لا يمكن الاعتماد عليها في رفع اليد عن القواعد العامة.

لا يقال يظهر من بعض الروايات جواز استقراض الولي من مال الطفل و لو مع عدم الملائة و في رواية البزنطي قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يكون في يده مال لأيتام فيحتاج اليه فيمد يده فيأخذه و ينوي أن يرده فقال لا ينبغي له ان يأكل إلا القصد و لا يسرف فان كان من نيته ان لا يرد عليهم فهو بالمنزل الذي قال اللّه عز و جل إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً.

(فإنه يقال) مع ظهورها في الترخيص في الاستقراض لقوته لا للتجارة و نحوها و معارضتها بما هو من قبيل الحاكم بالإضافة إليها كرواية زرارة و محمد بن مسلم معا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال (مال اليتيم ان عمل به الذي وضع على يديه ضمن و لليتيم ربحه قالا قلنا له قوله وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قال انما ذلك إذا حبس نفسه عليهم في أموالهم فلم يجد لنفسه فليأكل بالمعروف من مالهم لا يمكن الاعتماد عليها لضعف سندها.

و الحاصل ينحصر ضمان مال الطفل و كون تمام الربح لليتيم بموردين:

أحدهما- ما إذا كان العامل أجنبيا يعمل بمال الطفل من غير ولاية و وكالة عن وليه و ثانيهما- ما إذا لم يكن وليه مليا و قد استقرض مال الطفل و اتجر به لنفسه و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في مال اليتيم قال العامل به ضامن و لليتيم الربح إذا لم يكن للعامل مال و ان عطب أداه.

فإنه يرفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى الولي الملي المستقرض مال الطفل و

التجارة به لنفسه بما تقدم و قد ذكر كون الربح لليتيم في صورة عدم ملائة الولي في صحيحة ربعي المتقدمة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 291

و ربما يؤيد المطلب أيضا برواية ابن أشيم (1).

______________________________

ثم انه لا فرق في كون تمام الربح لليتيم بين كون الاتجار بعين مال اليتيم أو أدى العامل به ما عليه من ثمن ما اشتراه بذمته و في صحيحة زرارة و بكير معا عن أبي جعفر عليه السّلام قال ليس على مال اليتيم زكاة الا ان يتجر به ففيه الزكاة و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال فان هذه ايضا تعم ما إذا كان التاجر بمال الطفل وليا أو غيره.

فتحصل من جميع ذلك ان مفاد هذه الروايات أجنبي عن بيع الفضولي بل و لا استيناس فيها له و أن الحكم الوارد فيها تعبدي و هو الحكم على المعاملة بكون ربحها للطفل حتى فيما إذا كان ذلك على خلاف القواعد كما إذا اشترى غير الولي بثمن بذمته و دفع ما عليه من مال الطفل أو اشترى الولي غير الملي كذلك.

و بذلك يظهر أن ما قيل من أن حكم الشارع بثبوت الربح لليتيم اجازة للمعاملة الفضولية غير صحيح، فان مقتضى الإجازة في المثالين وقوع المعاملة للمتجر لا للطفل كما ظهر انه لا يمكن تطبيق الروايات على القاعدة بدعوى أنه إذا لم يجز للولي الاستقراض بمال الطفل و كان القرض محكوما بالبطلان تكون المضاربة واقعة على مال الطفل فيكون الربح له فان ظاهرها كون تمام الربح لليتيم و هذا لا يناسب صحة المضاربة كما ان كون الخسران على الذي وضع يديه بمال الطفل لا يناسبها. أضف الى ذلك انه إذا كان

اشتراء العامل بذمته و دفع مال اليتيم أداء لما عليه لا تقتضي القاعدة إلا بطلان الأداء لا دخول الربح في ملك اليتيم.

(1) أقول يحتمل كون العبد المأذون مأذونا حتى من قبل الورثة بالبيع و الشراء لهم بان كان لهم عنده مال غير الألف الذي دفع اليه مورثهم و على ذلك فمطالبتهم باب العبد المأذون، ليس من اجازة شراء الفضولي ليؤيد بهذه الرواية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 292

..........

______________________________

صحة عقد الفضولي بلحوق الإجازة به و يحتمل كون دعوى الورثة من جهة ان العبد المعتق بالكسر كان وكيلا من قبل أبيهم لا وصيا عنه حيث لم يصرح في الرواية بأنه أوصى الى العبد المدفوع اليه المال و بما ان الوكالة تبطل بموت الموكل فدعواهم ان الشراء كان بعين مالهم بمنزلة اجازة لشراء الفضولي.

ثم ان الحكم بعود المعتق بالفتح رقأ لمولاه الأول باعتبار ان الورثة و مولى العبد المأذون و مولى العبد الحاج لا دعوى لهم على العبد المأذون بان يطالبوه بحق لازم عليه بل المخاصمة تكون بين ورثة الميت و مولى العبد المأذون و مولى العبد الحاج و كل من الورثة و مولى العبد المأذون يدعى مالكية العبد الحاج بالشراء وكالة أو بإجازة شراء الفضولي و ينكر ذلك عليهم مولاه يعنى مالكه الأول و الأصل المعتبر و هو استصحاب عدم الانتقال مقتضاه كون مالكه الأول منكرا.

(لا يقال) لا مجال للاستصحاب المزبور حيث ان أصالة الصحة في الشراء تكون حاكمة عليه فإنه يقال إنما تجري أصالة الصحة مع إحراز تحقق أصل الشراء كما إذا شك في بعض شروط صحته و اما مع عدم إحراز وجود أصل المعاملة و تحقق عنوانها فلا مورد لأصالة صحتها

و المقام كذلك فإنه على إنكار مولى المعتق بالفتح لا يحصل الشراء أصلا.

(لا يقال) يؤخذ بإقرار العبد المأذون بأنه اشترى أباه بما دفعه اليه الرجل كما هو مقتضى قاعدة من ملك شيئا أي تصرفا ملك الإقرار بذلك التصرف.

(فإنه يقال) لا مجرى في المورد للقاعدة أيضا حيث يقبل إقرار المالك بالعمل اى اخباره عن وقوعه أولا وقوعه مع إحراز أنه سلطان للعمل المزبور في زمان اخباره لا بعد انقضاء زمان سلطنته على ذلك التصرف مثلا إذا أخبر الزوج بالرجوع في زمان عدة زوجته فان كان اخباره في زمان العدة يقبل منه و بعد انقضائه لا يقبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 293

..........

______________________________

و في المقام إقرار العبد المأذون بأنه اشترى بالمال الذي دفعه اليه الرجل إقرار بعد انقضاء زمان وكالته عن المورث فلا يسمع.

أضف الى ذلك ان القاعدة المزبورة موردها اختلاف الوكيل مع موكله لا مورد دعوى موكله على الآخر أو بالعكس بان يكون اخبار الوكيل موجبا لثبوت حق موكله على الآخر أو العكس كما إذا قال موكله باع وكيلي المتاع بمائة و قال المشترى بل اشتريته بثمانين فان اعتراف الوكيل بكون الثمن مأة لا يوجب تعين الثمن بل يحسب الوكيل على تقدير عدالته شاهدا و تفصيل الكلام موكول الى محله.

نعم في الرواية إشكال آخر و هو انه كيف حكم الامام عليه السّلام بصحة الحج مع اشتراط الحج بكون الحاج حرا أو يكون حجة بإذن مولاه و كيف يستحق الأجرة مع ان المال المدفوع اليه ملك الورثة.

و (الجواب) عن ذلك بان الرواية غير ناظرة إلى صحة الحج بل ظاهرها ان العبد الحاج قابل للرد الى مواليه و لكن حجه لتصرمه و انقضائه غير

قابل للرد ضعيف فان ظاهر مضى الحج صحته و ظاهر عدم رده عدم جواز استرداد ما دفع اليه بعنوان الأجرة على الحج.

و الحاصل ان عدم جواز حج العبد من غير اذن مولاه ليس من جهة حرمة تصرف العبد في ملك مولاه ليقال بأنه لا تثبت هذه الحرمة مع غفلة العبد عن بطلان عتقه فيعم الحج ما دل على مشروعية حج الإنسان عن نفسه أو غيره بل عدم جوازه باعتبار اشتراط اذن مولاه في حجه كما هو ظاهر قوله سبحانه عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ و ظاهر الروايات الواردة في حج العبيد و الإماء فلا حظ و الذي يسهل الأمر ضعف الرواية سندا فان الشيخ (ره) رواها بإسناده عن الحسين بن سعيد عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 294

و مما يؤيد المطلب صحيحة الحلبي (1).

______________________________

ابن محبوب عن صالح بن رزين عن ابن أشيم و صالح بن رزين و ان وقع في اسناد تفسير على بن إبراهيم الا ان ابن أشيم ضعيف.

(1) رواها الشيخ (ره) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن ابى عمير عن حماد عن الحلبي و ظاهر أخذ الثوب بوضيعة الا قاله بتنقيص من ثمنه فيكون النهى عن الأخذ المزبور كما هو مقتضى النهى عن المعاملة إرشادا إلى بطلانها و على ذلك فإذا باعه البائع ثانيا يكون بيعه من المشترى الثاني فضوليا و حيث ان مشتريه الأول المالك للثوب واقعا كاره للثوب يكون أخذه التفاوت عنده رده عليه اجازة للبيع الثاني.

و ربما يقال ان الرواية لا ترتبط ببيع الفضولي أصلا فإنه لم يفرض في الرواية ان المشترى الأول قد أجاز البيع الثاني و لعله لا يرضى بالبيع الثاني بعد

وقوعه لزيادة القيمة السوقية للثوب بعد إقالته و لو كان الحكم بصحة البيع الثاني باعتبار كونه فضوليا قد لحق به الإجازة لزم رد تمام الثمن فيه، على المشترى و استرداد المدفوع إليه بالإقالة الفاسدة بل الظاهر ان البيع الثاني بيع تام يقع للمشتري الأول حيث ان رده الثوب على بائعه بوضيعة إبراز منه لرضاه ببيعه بأكثر من ثمنه و مع هذا الإبراز يقع البيع الثاني من البائع مقارنا لرضاه المبرز فيصح.

(أقول) كيف يكون مع غفلة البائع و المشترى الأول عن بطلان الإقالة إبراز من المشترى الأول و الاذن منه للبائع بيعه بأكثر من ثمنه نظير ما إذا باع متاعه ببيع فاسد شرعا فإنه كيف يمكن الالتزام ان البيع المزبور مع الغفلة عن فساده توكيل للمشتري ببيعه بأزيد من الثمن المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 295

و يمكن التأييد له ايضا (1).

______________________________

نعم في مثل ما وكل الغير في بيع متاعه بالأقل باعتقاد ان متاعه لا يساوي أكثر من ذلك يكون ذلك توكيلا بأكثر من المقدار المزبور و قد ذكر نظير ذلك في توكيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عروة بشراء شاة واحدة بدينار فاشترى شاتين فان التوكيل المزبور يدل بالفحوى على توكيله في شراء شاتين بالمقدار المزبور.

و الحاصل الظاهر وقوع المعاملة المزبورة بنحو الفضولي و كراهة المشترى الثوب المزبور و أخذه ما زاد على المقدار المدفوع اليه عند رده عليه اجازة عملية للبيع المزبور كما ان أخذ ذلك التفاوت مبادلة معاطاتية بين المدفوع إليه أولا و مقدار مساويه الباقي بيد البائع و يتعين الالتزام بها سواء كان البيع الثاني من البيع الفضولي أو من البيع التام باعتبار الرضا المبرز بالإقالة.

(1) لا

يخفى ان حمل الموثقة على صورة كون شراء السمسار فضوليا ليجيره دافع الورق فيما أراد و يرده فيما لم يرد ضعيف غايته فإنه ان فرض ان مالك الورق قد اذن له في شراء المتاع فشرائه يخرج عن الفضولي لا محالة و ان لم يأذن له في شرائه فالشراء و ان يكون فضوليا الا ان لازم ذلك ان لا يكون للسمسار حق المطالبة بالأجرة على شرائه حتى بعد اجازة مالك الورق فان الموجب لاستحقاق الأجرة توكيله أو الاذن في الشراء و المفروض عدمهما.

و كذا لا تحمل على شراء السمسار لنفسه بان يكون الورق المدفوع اليه قرضا عليه فيشترى به المتاع لنفسه أو يوفى به دينه أي الثمن الكلى بذمته فان هذا لا يناسب توصيف السمسار بأنه يشترى بالأجر فان توصيفه به بمنزلة ذكر انه في فرض السؤال أيضا يشتري بالأجر و الا لم يكن للتوصيف المزبور معنى فان السمسار و هو الدلال شأنه أخذ الأجرة على شرائه و بيعه للغير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 296

[الأخبار الواردة في تحليل الخمس]

و ربما يؤيد المطلب بالأخبار الدالة (1)

______________________________

و أيضا ان السمسار مع شرائه لنفسه ثم بيعه لصاحب الورق، لا يستحق على الشراء المزبور أجرة أصلا غايته ان له ان يبيع ما اشتراه بالأكثر، فيتعين في فرض الرواية الشراء لصاحب الورق مع جعل الخيار له، و لعل نظر السائل ليس السؤال عن جواز هذا النحو من الشراء، بل عن عدم إعطاء صاحب الورق الأجرة على شراء السمسار في فرض عدم أخذه ما اشتراه السمسار.

و حاصل الجواب انه لا بأس بذلك بعد المقاولة بأنه لا يعطى أجرة على شراء متاع لا يريد أخذه، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) و توضيحه

ان مجرد اجراء النكاح و عقده، لا يكون محرما على العبد تكليفا فان إجرائه كسائر تكلمه لا يكون من المحرمات و لو مع عدم اذن صاحبه، و المراد من معصية السيد عدم حصول رضاه مع اعتبار حصوله في نفوذ نكاحه، و المستفاد من تلك الاخبار انه كلما كان نقص المعاملة و عدم نفوذها من جهة معصية أحد يعنى من جهة فقد رضاء من يعتبر في نفوذها رضاه، فتتم تلك المعاملة بحصول ذلك الرضا و لو بعد زمان، و هذا بخلاف المعاملات التي يكون عدم نفوذها باعتبار عدم رضاء الشارع بها كالنكاح في العدة، فإنه لا يحتمل عروض الصحة له.

و مما ذكرنا يظهر ان هذه الاخبار تفيد فيما كان نقص المعاملة من جهة اعتبار الرضا فقط كبيع الراهن بدون رضا المرتهن، و اما إذا كان عدم نفوذه من جهة عدم إضافته أيضا الى المالك كما هو مورد كلامنا، فلا.

و يستدل على صحة بيع الفضولي بروايات تحليل الخمس للشيعة مطلقا أو في خصوص المناكح و المساكن و المتاجر فان المراد بالمناكح الجواري التي تدخلن في الرق بالأسر، فهن اما ملك الامام عليه السّلام كما إذا وقعن في الأسر في الحرب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 297

..........

______________________________

بلا اذنه عليه السلام أو ان له عليه فيهن الخمس، كما إذا كان الحرب باذنه عليه السّلام فيكون شرائهن ممن عنده من الشراء فضولا و تحليلهن للمشتري فيما إذا كان شيعيا من لحوق الإجازة بالشراء المزبور فينتقل الخمس الى بدلهن و هو الثمن الذي يأخذه البائع.

و كذا الأراضي التي تكون ملكا للإمام عليه السلام، كالتي تؤخذ من الكفار بالحرب من غير اذنه عليه السّلام أو تكون له فيها

الخمس كالأرض المشتراة من الذمي فيما إذا تملكها باشترائها من المسلم فإنه إذا باعها الذمي من الشيعي يكون الشراء فضوليا بالإضافة الى خمس الأرض و تحليل تلك الأرض للمشتري اجازة لشرائها، و المراد بالمتاجر الأموال المشتراة المتعلقة بها الخمس بيد من لا يعتقد بالخمس، فان شرائها من البائع المزبور يكون من الشراء الفضولي و تحليلها للمشتري الشيعي اجازة لشرائها، كما ذكر.

بل ذكرنا في محله ان ظاهر اخبار التحليل هو تحليل الخمس مطلقا سواء كان من قبيل المناكح و المساكن أو المتاجر بالمعنى المزبور أولا، و مقتضى الجمع بينها و بين مثل صحيحة على بن مهزيار الدالة على ان الخمس في كل ما يفيد الرجل الى ان قال (ان يبلغ مواليه بإيصال حقه عليه السّلام اليه أو وكيله) هو ان الذي يتعلق الخمس بالمال في يده مكلف بإيصاله إلى أربابه و انه لم يتعلق بالخمس المزبور حل بالإضافة اليه و اما الذي يقع هذا المال بيده قبل إخراج خمسه لا يجب عليه إخراج الخمس السابق، و انه يحل له تمام ذلك المال.

و على ذلك فلو اشترى متاعا تعلق به الخمس في يد بايعه، يملك تمام ذلك المتاع كما هو مقتضى شمول اخبار التحليل للمشتري و ينتقل الخمس بثمنه المدفوع كما هو مقتضى عدم تحليل الخمس للبائع و إذا وصل الى يد الشيعي من غير معاوضة كما إذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 298

..........

______________________________

دفع المشترى ما فيه الخمس إلى البائع وفاء لما عليه من الثمن الكلى فيمكن أن يقال بضمان المشترى الخمس حيث ان دفعه اليه وفاء لما عليه من الثمن مع تحليل الخمس للبائع إتلاف منه للخمس فيضمن و كذا في موارد

دفعه الى المشتري مجانا بخلاف ما إذا كان انتقال ذلك المال إلى الشيعي بحكم الشارع فقط كما في موارد إرث المال الذي تعلق به الخمس بيد المورث، فان مقتضى تلك الاخبار حل ما فيه الخمس للوارث، و المورث لا يضمن الخمس حيث انه لم يدفعه ليضمن إتلافه، و هكذا.

و يشهد أيضا على ان من بيده تعلق الخمس بالمال، مكلف بإخراجه صحيحة الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة قال يؤدى خمسا و يطيب له و صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس و في موثقة عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل قال لا الا ان لا يقدر شي ء بأكل و يشرب و لا يقدر على حيلة فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه الى أهل البيت و في صحيحة ابن ابى نصر قال كتبت الى ابى جعفر عليه السّلام الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة فكتب بعد المؤنة، الى غير ذلك.

نعم ورد في بعض الروايات التحليل بالإضافة الى من تعلق الخمس بيده و لكن مدلولها تحليل شخصي لا يمكن التعدي أو استفادة الحكم الكلي، كروايتي مسمع بن عبد الملك و على بن مهزيار.

ثم ان الروايات الواردة في تحليل الخمس للشيعة قد تذكر شاهدة لتمام شراء الفضولي بلحوق الإجازة به بل قيل ان التحليل اجازة بنحو الكشف كما هو مقتضى قول على عليه السّلام (الا و ان شيعتنا من ذلك و آبائهم من حل) و ربما يذكر انه قد

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 299

..........

______________________________

تقدم عدم خروج البيع عن الفضولية بمجرد مفارنته برضا المالك واقعا بل لا بد من إبراز الرضا و عليه فيقل الكلام في ان مجرد إبراز الرضا كاف في خروجه عن الفضولية و ان لم يصل ذلك الإبراز إلى العاقد كما إذا باع مال الغير قبل وصول إبراز المالك رضاه اليه أو انه يعتبر في خروجه عن الفضولية وصول ذلك الإبراز إلى العاقد قبل عقده المعبر عن ذلك بالاذن الظاهر هو الثاني لأنه لا يصح استناد البيع الى المالك و انه قد باع ماله مع حصول العقد من العاقد قبل وصول ذلك الإبراز إليه فيكون الإبراز المزبور من الإجازة اللاحقة للبيع الفضولي أقول هذا الكلام عجيب فإنه إذا لم يكن الإبراز المزبور مصححا لاستناد البيع الى المالك، فكيف يعتبر ذلك الإبراز اجازة مع انه يعتبر في الإجازة كونها مصححة لاستناد العقد الى المجيز.

و بعبارة أخرى كما يعتبر في صحة الاستناد وصول إبراز الرضا من المالك الى العاقد كذلك يعتبر فيها وصول خبر البيع الى المالك و إظهار رضاه به بعد الاطلاع المعبر عن ذلك بالإجازة.

و الحاصل انه لا يعقل ان يكون إبراز الرضا من على عليه السّلام توكيلا للشيعة في الشراء أو اجازة منه لذلك الشراء حيث لا يعقل الوكالة لما بعد موت الموكل أو الإجازة للعقد الواقع بعد موته و الصحيح ان التحليل المزبور لا يرتبط بإجازة شراء الفضولي و لا بالتوكيل فيه ليقال انه كيف يصحح استناد الشراء الى الامام عليه السّلام بل هو من قبيل إعطاء الولاية لمن ينتقل اليه ما فيه الخمس على المعاملة عليه نظير إعطاء الموصي الولاية على الوصي على التصرف في

ثلثه بإجارته أو بيعه أو بيع منافعه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 300

و فيه ان دلالته على الحصر ممنوعة (1)

______________________________

و قد تقدم نظير ذلك في شراء الخراج و تقبل الأرض من السلطان حيث ذكرنا ان تحليل الخراج المأخوذ منه و تحليل تلك الأرض، إعطاء ولاية للمشتري و المتقبل في الشراء و التقبل.

(لا يقال) تحليل الخمس للشيعي لا يلازم الحكم بصحة شراء الخمس ليتكلم في انه بنحو التوكيل أو الإجازة أو من إعطاء الولاية بل مقتضاه أن يجوز للشيعي تملك ما فيه الخمس فإذا اشترى متاعا تعلق به الخمس بيد بايعه، فمقتضى اخبار التحليل، انتقال ذلك المتاع بتمامه إلى المشترى و لو تملك البائع تمام الثمن يكون ذلك تحليلا للخمس له فلا بد من القول بأنه لا يملك من الثمن المقدار الواقع مقابل خمس المتاع بل يبقى ذلك المقدار من الثمن في ملك المشترى فيجوز له الامتناع من دفعه الى البائع على تقدير تمكنه على الامتناع و كذا في مورد اشتراء المتاع بثمن فيه الخمس فإنه يكون تمام الثمن ملكا للبائع، و اما المتاع فخمسه يبقى في ملك البائع فيجوز له الامتناع عن دفعه الى المشترى و على تقدير دفعه لا يدخل في ملك المشترى.

(فإنه يقال) لسان اخبار التحليل ان التحليل لتسهيل الأمر على الشيعة في معاملاتهم و مناكحهم و معاشراتهم، و هذا يناسب إمضاء المعاملة الجارية على مال الخمس أو إعطاء الولاية على تلف المعاملة لا الاذن في تملك كل ما وقع بيده مما فيه الخمس و لو كان ذلك الوقوع عدوانا على من تعلق الخمس بالمال في يده أو على أرباب الخمس.

(1) قد تقدم في بيان صحة بيع المكره بلحوق الإجازة

به بيان كون الاستثناء في الآية منقطعا فلا دلالة فيها على الحصر و ان مقتضى تقييد التجارة بكونها عن تراض، عدم كونها بإطلاقها موجبة لتملك مال الغير و اما كون التجارة ناشئة عن التراضي بحيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 301

..........

______________________________

لا ينفع لحوق الإجازة بها فلا يعتبر باعتبار ان القيد كما ذكر غالبي لا يمنع عن التمسك في صحتها مع لحوق الإجازة بها بإطلاق حل البيع و عموم وجوب الوفاء بالعقد.

لا يخفى ان المنسوب الى أهل الكوفة قراءة تجارة بالنصب و الباقي بالرفع و على قراءة رفعها يكون عن تراض قيدا للتجارة أو خبرا عنها و الخبر في معنى القيد لها و اما على قراءة النصب فيحتمل ان يكون عن تراض خبرا بعد الخبر فمفاد الآية لا تتملكوا أموال الناس بالباطل و تملكوها بالتجارة و بالتراضي و المصالحة، و على ذلك فلا يكون في الآية، تقييد التجارة بكونها ناشئة عن التراضي و لكن غلبة توصيف النكرة و منها التجارة في الآية يوجب كون الظرف قيدا لا خبرا بعد خبر.

ثم انه (ره) قد قرب شمول الآية للعقد الفضولي بلحوق الإجازة به و ان مقتضى الآية صحته حتى على تقدير كون القيد قيدا غير غالبي و ان له مفهوما كسائر القيود و وجه التقريب ان خطاب النهى متوجه الى الملاك و انهم قد نهوا عن يأكل بعضهم مال بعض آخر بالوجه الباطل بل يجوز التملك بتجارة الملاك الناشئة عن رضاهم و من الظاهر ان التجارة قبل اجازة المالك لا تكون تجارته بل يتم استنادها اليه بإجازتها فتكون تجارته عن رضاه كما لا يخفى.

و قد ذكر اليزدي (ره) الصحيح في الجواب عن الاستدلال بالآية

على بطلان بيع الفضولي هو كون خطاب النهى متوجه الى الملاك بالتقريب المزبور و الا فدعوى ان الاستثناء فيها منقطع فلا يدل على الحصر غير صحيحة لأن الاستثناء المنقطع في نفسه مستحيل فإنه لا يصح ان يقال ما رأيت من العلماء أحدا إلا بطيخا و ما جائني

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 302

..........

______________________________

زيد الا عمرو و من الظاهر انه لو كان إلا في موارد الاستثناء المنقطع بمعنى (لكن) لصح كلا الاستعمالين و عدم صحتهما كاشف عن أن إلا في جميع موارد استعماله يستعمل في الاستثناء.

غاية الأمر يكون المراد من المستثنى منه ما يعم الاستثناء ادعاء بان يراد في قوله ما جائني من العلماء الا خادمهم العلماء و من يتعلق بهم و على ذلك ففي قوله سبحانه لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ لا يكون المستثنى منه شيئا من المذكورات فيها من الأكل و الأموال و الباطل بل المستثنى منه محذوف و هو بشي ء من الأسباب و المعنى لا تأكلوا أموالكم بينكم بشي ء من الأسباب فإنها باطلة الا ان يكون ذلك السبب تجارة عن تراض فقد حذف المستثنى منه و أقيم علته مقامه نظير قوله سبحانه وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ و إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ.

(أقول) لا يقاس آية النهي عن الأكل بشي ء من الآيتين في حذف الجزاء و قيام تعليله مقامه فان المذكور فيهما لا يصلح ان يكون جزاء مترتبا على الشرط الوارد فيهما و لكن الأمر في آية النهي عن الأكل ليس كذلك و ليس فيها تلك القرينة و لم يذكر فيها لا تأكلوا أموالكم بينكم فان أكلها

باطل بل قوله سبحانه بالباطل في نفسه ظاهر في كونه متعلقا بالأكل الوارد عليه النهى و انه عنوان لسبب الأكل لظهور الباء في السببية فيكون المنهي عنه هو الأكل الخاص و هو الأكل بسبب الباطل فيكون التجارة عن تراض من الاستثناء المنقطع فإنه لو لا الاستثناء لما تدخل في المستثنى منه.

و ما قيل في وجه استحالة استثناء المنقطع و عدم كون الا بمعنى لكن و الاستشهاد بالمثالين المتقدمين غير صحيح غاية الأمر ان لا يكون إلا في موارد استثناء المنقطع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 303

[الاستدلال على بطلان البيع فضولا]

و اما السنة (1)

______________________________

بمعنى لكن بل بمعنى الاستثناء و لو ادعاء و هذه الادعاء صحيحة فيما كان المستثنى مناسبا للمستثنى منه و لا يستلزم ان يكون المراد بالمستثنى منه معناه المجازي ليعم المستثنى فإذا قيل ما جائني من العلماء الا خادمهم فالمستثنى مع المستثنى منه يعد في العرف عائلة و الأكل بالتجارة مع الأكل بالأسباب الباطلة يعد تملكا بالسبب و هكذا و هكذا فلاحظ و تدبر.

(1) الروايات التي ذكرها في المقام على طوائف:

الأولى- ما تضمن النهى عن بيع ما ليس عنده و في النبوي المحكي في اخبار العامة قوله صلى اللّه عليه و آله لحكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك و في رواية سليمان ابن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و رواية حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه في مناهي النبي صلى اللّه عليه و آله قال و نهى عن بيع ما ليس عندك و عدم حضور المبيع عند البائع كناية عن عدم تمكنه على تسليمه لعدم ملكه حال البيع و ذلك للجزم بعدم اعتبار وجود المبيع في مكان يكون

البائع فيه حال البيع.

و على ذلك فتكون هذه مساوية للطائفة الثانية و هي- ما تضمن نفى البيع إلا إلا إذا تعلق بملكه كقوله في النبوي الآخر لا بيع الا فيما يملك بعد قوله لا طلاق إلا فيما يملك و لا عتق الا فيما يملك و هذا كما يظهر من الروايات المتعددة «1» إلغاء للبيع قبل الملك و إلغاء للطلاق قبل الزواج و العتق قبل الملك و لو بان يقول لو تزوجتك فأنت طلاق أو لو تملكتك فأنت حر.

الثالثة ما تضمن نفى الجواز عن بيع غير الملك و في التوقيع لا يجوز بيع ما ليس يملك

______________________________

(1) الوسائل الجزء (15) الباب (12) أبواب مقدمات الطلاق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 304

..........

______________________________

و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك (1) و لكن لا يخفى ان ظاهره عدم نفوذ بيع ما لا يملكه بايعه.

و اما انه لا يتم أيضا لمالكه بإجازته فلا تعرض له في الصحيحة بقرينة الحكم في ذيلها بوجوب البيع و لزومه فيما يملك فإن المقابلة المزبورة مقتضاها ان النفي و الإثبات بالإضافة إلى البائع فقط.

الرابعة صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال سئل رجل من أهل النيل عن ارض اشتراها بفم النيل و أهل الأرض يقولون هي أرضهم و أهل الأسنان يقولون هي من أرضنا فقال لا تشترها الا برضا أهلها «1» و رواية الحميري انه كتب الى صاحب الزمان عجل اللّه تعالى فرجه الشريف الى ان قال فأجابه الضيعة لا يجوز ابتياعها الا من مالكها أو بأمره أو رضى منه «2» و الرواية مرفوعة لعدم ذكر الطبرسي سنده إلى الحميري و المراد برضا المالك هو الرضا المحرز

بإظهاره و الا فلا عبرة بالرضا المعلوم بغيره و لا يخرج العقد به عن الفضولية كما مر بيانه عند التعرض لقضية عروة البارقي و كذا الحال في الرضا الوارد في صحيحة محمد بن مسلم و اعتبار رضا أهل الأرض في تلك الصحيحة باعتبار انهم ذوي اليد عليها.

و الحاصل مدلول الروايتين دخالة رضا المالك في تمام البيع و الشراء و هذا مما يقبله القائل بتمام بيع الفضولي بلحوق الإجازة به فان اجازة المالك إظهار لرضاه.

بالبيع و الشراء كما تقدم.

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب (2) أبواب عقد البيع الحديث (1).

(2) الوسائل الجزء 12 الباب (1) أبواب عقد البيع الحديث (3- 8- 2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 305

الظاهر من الموصول (1).

______________________________

الخامسة- رواية محمد بن القاسم الفضيل قال سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم و كتب عليها كتابا بأنها قد قبضت المال و لم تقبضه فيعطيها المال أم يمنعها قال قل له ليمنعها أشد المنع فإنها باعته ما لم تملكه «1» و لا يخفى ضعف الرواية سندا لعدم ثبوت توثيق لأبي عبد اللّه البرقي مع انها لا ترتبط بصحة بيع الفضولي بلحوق الإجازة و عدمها فان مدلولها عدم جواز القبض و الإقباض للبائع غير المالك و هذا أمر متسالم عليه بين القائلين بتمام بيع الفضولي بلحوق الإجازة به و بين المنكرين له.

(1) المراد بما الموصولة في قوله صلى اللّه عليه و آله العين الخارجي بقرينة ما ورد في صحة بيع الكلى على الذمة حالا أو سلما و لو مع عدم تملك شي ء منه حال البيع و قد ورد في بعض الروايات الرد على العامة حيث

انهم يجوزون بيع الكلى سلما و لا يجوزون بيع الكلى حالا من غير ان يكون البائع مالكا له حال البيع كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشترى الطعام من الرجل ليس عنده فيشترى منه حالا قال ليس به بأس قال قلت انهم يفسدونه عندنا قال و أي شي ء يقولون في السلم قلت لا يرون به بأسا يقولون هذا إلى أجل فإذا كان الى غير أجل و ليس عند صاحبه فلا يصلح فقال إذا لم يكن إلى أجل كان أجود «2».

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12 الباب (1) أبواب عقد البيع الحديث (3- 8- 2)

(2) الوسائل الجزء (12) الباب (7) من أبواب أحكام العقود الحديث (1) ص 374.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 306

و من البيع البيع لنفسه (1).

______________________________

و هذا الرد منه عليه السّلام مبنى على مسلك العامة من أخذهم في الأحكام بالاستحسان و القياس الى موارد النص و بما ان جواز السلم مورد النص عندهم و ان تسليم المبيع منه يكون بعد مدة لا يعلم تمكن البائع فيه عليه فيكون بيع الكلى حالا مع إحراز التمكن على تسليمه اولى بالجواز.

و بعبارة أخرى لو كان النهى عن بيع ما ليس عنده أو ليس ما يملكه مطلقا فلا بد من رفع اليد عن إطلاقه و حمله على صورة كون المبيع عينا خارجيا أو بنحو الكلي في الخارج.

(لا يقال) هذه الروايات مع ضعف إسنادها معارضة بما دل على جواز بيع الكلى على الذمة حالا فتحمل على رعاية التقية لوقوعها مورد التكذيب.

(فإنه يقال) ليس في الروايات المشار إليها ما يدل على تكذيب المنقول عن النبي صلّى اللّه عليه و آله

بل مدلولها جواز بيع الكلى على الذمة حالا أو سلما فتكون مقيدة للنهى المنقول و لا تصل النوبة مع الجمع العرفي بين المتعارضين الى طرح أحدهما أو حمله على رعاية التقية كما هو المقرر في بحث التعارض.

(1) و الوجه في ظهوره في ذلك هو السؤال الوارد فيه حيث سأل الحكيم النبي صلّى اللّه عليه و آله عن بيع الشي ء ثم اشترائه و تسليمه الى مشتريه.

و على ذلك فالمحتمل فيه أحد أمرين: الأول- كون النهي إرشادا إلى فساد البيع الذي إنشائه البائع غير المالك لنفسه و كونه لغوا لا يقع له و لا لمالكه حتى بالإجازة و يناسب ذلك للاستدلال به على بطلان بيع الفضولي و عدم صحته بالإجازة الثاني- كون النهي إرشادا الى عدم وقوع البيع المنشأ عن بايعه الفضولي بل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 307

..........

______________________________

يعتبر في وقوعه ان يبيعه بعد ان يملكه و هذا يناسب السؤال الوارد فيه و لا تعرض فيه لعدم وقوعه عن مالكه بإجازته و يرجع الى الاحتمال الثاني ما في روايتي خالد و يحيى الآتيتين في مسألة بيع الفضولي لنفسه أي مسألة وقوع بيع الفضولي لبائعه كما إذا باع ثم ملك و أجاز حيث ان الخبرين يذكران في تلك المسئلة وجها سابعا من الوجوه المقتضية لبطلان ذلك البيع.

(لا يقال) خصوص المورد في النبوي لا يكون موجبا لتخصيص عموم الجواب أو إطلاقه و ظاهر النهى عن بيع ما ليس عندك أو نفى البيع عنه عدم تمام ذلك البيع لا عن بايعه الفضولي و لا عن مالكه و لو بإجازته.

(فإنه يقال) لو سلم هذا الإطلاق أو العموم لزم رفع اليد عنه بالأخبار الخاصة الواردة في عقد الفضولي

و الدالة على ان المعاملة الفضولية تتم للمالك مع أجازته و ليس المراد حمل إطلاق النهي أو عموم نفى البيع على ما ذكر بقرينة وجوب الوفاء بالعقود أو دليل حل البيع فإن النهي أو النفي في النبوي بالإضافة إلى دليل وجوب الوفاء بالعقود أو دليل حل البيع خاص أو مقيد و من المقرر في محله ان إطلاق المخصص أو المقيد يكون مقدما ما على عموم العام و إطلاق المطلق بل القرينة على حمل النبوي تلك الأخبار الخاصة الدالة على تمام بيع الفضولي لمالكه مع أجازته.

و ذكر المحقق الإيرواني في تعليقته ان النسبة بين الطائفتين اى الاولى و الثانية و بين ما دل على تمام البيع فضولا بلحوق الإجازة به عموم من وجه فإن الطائفتين ظاهرتان في فساد البيع لنفسه سواء اجازه المالك أولا فهاتان خاصتان من جهة قصد الفضولي البيع لنفسه و عامتان بلحوق الإجازة به عدمه و ما دل على تمام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 308

و اما الروايتان فدلالتهما على ما حملنا (1).

و ان أبيت إلا عن ظهور الروايتين (2).

______________________________

بيع الفضولي بلحوق الإجازة به خاصة من جهة لحوق الإجازة به و عامة من جهة قصد الفضولي البيع لنفسه أو لمالكه فيجتمعان فيما إذا قصد الفضولي البيع لنفسه مع لحوق الإجازة به فمقتضى الطائفتين بطلانه و مقتضى ما ورد في تمام بيع الفضولي بلحوق الإجازة صحته فيتساقطان.

أقول لا يخفى ان الكلام في المقام في المسألة الاولى من مسائل بيع الفضولي و هي ما إذا قصد الفضولي البيع عن مالكه مع لحوق الإجازة به و إذا كان ذلك محكوما بالصحة كما هو مقتضى كونه أحد موردي الافتراق، فيحكم بصحته بلحوق الإجازة

به فيما إذا قصد الفضولي البيع لنفسه لعدم احتمال الفرق بين المسألتين على ما سيأتي مع انه بعد تساقط الإطلاق من الجانبين يكون المرجع إطلاق حل البيع و عموم وجوب الوفاء بالعقود.

أضف الى ذلك ان النبوي مفاده عدم وقوع البيع للبائع الأجنبي سواء اجازه المالك أم لا و اما وقوعه للمالك بإجازته سواء باع الفضولي لنفسه أو لمالكه فهو مفاد الروايات الخاصة الواردة في تمام بيع الفضولي بإجازة المالك فلا تعارض بينها و بين النبوي أصلا حيث ان المنفي في النبوي و هو وقوع البيع للبائع الفضولي لم يكن مورد الإثبات في تلك الروايات أصلا.

(1) المراد بهما روايتا خالد و يحيى.

(2) المراد بهما مكاتبة الحميري و صحيحة محمد بن مسلم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 309

و الجواب ان العقد (1).

______________________________

(1) ذكر (ره) أولا بأن إجراء العقد على مال الغير إذا لم يقصد ترتيب الأثر عليه بلا اجازة مالكه لا يكون تصرفا في ذلك المال خارجا ليكون محرما تكليفا و قد مر سابقا ان إجرائه لا يزيد على التكلم الذي لا يكون المتكلم متصرفا إلا في لسانه.

نعم إذا كان البيع علة تامة لترتيب الأثر عليه كما في بيع المالك أو الغاصب كان جواز العقد و حرمته تابعين لجواز ذلك الترتيب و حرمته.

أقول لا يكون بيع الغاصب أو المالك علة تامة أصلا فإن القبض و الإقباض أمر اختياري للمتعاقدين قد يترتب على البيع سواء كان صحيحا أو فاسدا و قد لا يترتب عليه و إذا كان ذلك القبض أو الإقباض تصرفا في ملك الغير فلا تكون حرمته موجبة لحرمة نفس العقد الذي لا يخرج في حقيقته عن التكلم بالألفاظ و قصد المعاني منها نعم

إذا كان البيع بنحو المعاطاة يكون نفس القبض أولا اقباض بقصد حصول البيع تصرفا في ملك الغير فيكون المحرم نفس القبض و الإقباض لا أحدهما بعنوان العقد كما لا يخفى.

و ذكر ثانيا انه لو فرض كون اجراء العقد على مال الغير تصرفا و لكنه من قبيل الاستضائة بضوء الغير و الاصطلاء بناره من قبيل التصرف الجائز عقلا.

(أقول) الاستضائة و الاصطلاء من قبيل الانتفاع بمال الغير الذي لا يكون فيه تصرف و هذا الانتفاع محكوم في الشرع بالجواز لعدم الدليل على حرمته و مجرد اجراء العقد على مال الغير فضولا لا يكون من التصرف و لا من مجرد الانتفاع بمال الغير كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 310

..........

______________________________

و ذكر ثالثا بأنه لا ملازمة بين العقد فضولا و بين حرمته حتى ما لو قلنا بحرمة التصرف و الانتفاع بمال الغير فإنه قد يعلم من الخارج و بالقرائن رضاء المالك بإجراء العقد على ماله و هذا لا يخرجه عن الفضولية كما مر في التكلم في قضية عروة البارقي و على ذلك فلا يمكن الحكم بفساد العقد فضولا في كل مورد بدعوى انه محرم.

و ذكر رابعا انه على تقدير الملازمة بين فضولية العقد و حرمته فلا يمكن الحكم بفساده فإن النهي عن المعاملة تكليفا لا يقتضي فسادها.

و ذكر خامسا انه على تقدير استفادة الفساد من الحرمة فالمستفاد فساد العقد من ناحية البائع الفضولي بمعنى عدم كونه سببا مستقلا للنقل و الانتقال لا الفساد حتى من جهة مالكه و لو مع إجازته بأن يكون العقد جزء السبب فيتم بإجازة المالك.

و بما ذكر ظهر انه لو كان قصد العاقد الفضولي ترتيب الأثر على العقد و فرض

سراية قبح هذا التجري إلى الفعل الخارجي يعني العقد فلا يكون قبح ذلك العقد أو حرمته من جهة التجري مقتضيا لفساده الا بمعنى عدم كونه سببا تاما.

أقول: ما ذكروه- من ان حرمة بيع الفضولي على تقديرها لا تلازم فسادها كما هو المقرر في محله من ان النهى عن معاملة تكليفا لا تقتضي فسادها- صحيح و اما- ما افاده من انه على تقدير اقتضاء حرمتها فسادها لا يحكم ايضا بفساد العقد الفضولي و انه لا يتم بلحوق اجازة المالك لان مقتضى حرمة البيع فساده بمعنى عدم كونه سببا تاما في حصول النقل و الانتقال و هذا مما يعترف به القائل بصحة بيع الفضولي، فإنه يترتب عنده النقل و الانتقال على البيع المزبور مع لحوق الإجازة به- لا يمكن المساعدة عليه فان تمام السبب للنقل و الانتقال ليس هو نفس العقد، بل هو مع رضا المالك،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 311

..........

______________________________

فتعلق النهى بنفس العقد في مورد مقتضاه انه لا يتم السبب بالعقد المزبور و لو مع لحوق رضاء المالك به، و هذا هو المراد بفساد بيع الفضولي.

و عن النائيني (ره) ان النهى عن معاملة انما لا تقتضي فسادها فيما إذا تعلق النهى بالسبب كما في النهي عن البيع وقت النداء فان مبغوضيته الإتيان بالإيجاب و القبول بما هو مفوت لصلاة الجمعة لا يقتضي مبغوضية ملكية المتاع للمشتري بإزاء الثمن و اما إذا تعلق النهى بالمسبب كالنهي عن بيع السلاح من أعداء الدين و بيع المصحف من الكافر فمقتضى تعلق النهى بالمسبب عدم تمكن المكلف على إيجاده بالسبب و يعتبر في صحة البيع سلطنة البائع على جعل ملكية المتاع للمشتري و عدم كونه محجورا

في هذا التصرف.

و لذا ذكر الفقهاء ببطلان الإجارة في الواجبات المجانية فإن إيجاب الشارع العمل على المكلف يوجب عدم سلطنته على ذلك العمل و كونه محجورا بالإضافة اليه و كذا ذكروا بطلان بيع منذور الصدقة فإن إيجاب الوفاء بالنذر و التصدق بذلك المال يوجب عدم كون المالك سلطانا على التصرف و انتقاله إلى الآخر بالبيع و نحوه.

و الحاصل ان النهى عن المسبب باعتبار اقتضائه الحجر على المالك في جعل ملكية المتاع للغير يوجب بطلان البيع.

(أقول) المنع عن البيع بمعنى المسبب حقيقته المنع عن اعتبار ملكية المتاع للمشتري و هذه الملكية أمر يعتبرها البائع و مبغوضيتها من المالك كما هو مدلول النهى عن المسبب لا ينافي إمضائها على تقدير حصولها.

و دعوى ان النهى يقتضي عدم تمكن المالك على إيجاده بالسبب فإن أريد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 312

..........

______________________________

عدم تمكنه حقيقة فبطلانه أوضح من ان يذكر.

و ان كان المراد عدم التمكن شرعا فلا معنى له الا مبغوضيته كما هو فرض حرمته تكليفا.

نعم إذا كان النهى وضعيا فمفاده عدم إمضاء المسبب و هذا خارج عن مورد الكلام.

و بالجملة النهي عن معاملة بمعنى النهى عن السبب أو المسبب لا يقتضي فسادها نعم إذا كان متعلق النهي التحريمي عملا يترتب على تمام البيع كحرمة القبض و الإقباض كما في بيع السلاح لأعداء الدين، حيث ان إقباضه شوكة لهم على المسلمين فيمكن دعوى ان حرمة الإقباض تنافي صحة البيع المزبور، فإنه لا يمكن ان يعمه دليل حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد فتأمل.

و اما مسئلة نذر التصدق بالمال فان وجوب الوفاء بالنذر و التصدق بذلك المال لا يوجب خروجه عن ملك الناذر كما انه لا يوجبه النهى

عن سائر التصرفات المنافية للتصدق به لأن الأمر بشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص.

و عليه فبيع المال المزبور و ان يلازم ترك الوفاء بالنذر الا ان البيع المزبور لم يتعلق به نهى فضلا عن كونه موجبا لفساده و المنسوب الى الفقهاء من التزامهم بفساد البيع المزبور خلافه محرز كما يظهر ذلك بالمراجعة إلى كلماتهم.

نعم إذا كان نذر الصدقة بمفاد نذر النتيجة لما صح بيع المال المنذور، لخروجه عن ملك الناذر بالنذر و دخوله في ملك المنذور لهم.

و اما مسئلة الإجارة على الواجبات فقد ذكرنا في ذلك البحث انه لا مانع من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 313

و ان الفضولي غير قاصد حقيقة (1) ان يسبقه منع المالك (2).

______________________________

أخذ الأجرة على الواجب إلا إذا كان متعلق الوجوب الإتيان بالعمل مجانا بمعنى إلغاء المالية عن ذلك العمل فإنه مع الإلغاء لم يصح أخذ الأجرة عليه حتى لو كان مستحبا فضلا عن كونه واجبا.

(1) قد نسب هذا الوجه الى السيد بحر العلوم ايضا و لعل مراده انه يعتبر في صحة البيع إنشاء الملكية حقيقة بان يرى العاقد بنظره ملكية المبيع للمشتري بإزاء الثمن، كما إذا كان العاقد مالكا أو وكيلا أو وليا على المالك و اما إذا كان العاقد فضوليا و يبيع المال للمالك متوقعا لإجازته كما هو الفرض في المقام فلا ريب في انه لا يرى ملكية المبيع للمشتري بإزاء الثمن فيكون كبيع الهازل في كونه لغوا.

و الجواب انه ان أريد انه يعتبر في صحة العقد ان يرى العاقد ملكية المبيع للمشتري بإزاء الثمن مطلقا فاعتبار ذلك في حقيقة الإنشاء ممنوع فإنه كيف يعتبره ملكا للمشتري بإزاء الثمن و لو مع عدم

قبول المشترى و ان أريد اعتبارها و لو معلقا فهو موجود في العاقد الفضولي أيضا فإنه يرى ملكية المبيع للمشتري معلقا على قبوله و اجازة المالك و مثل هذا التعليق لا يضر بصحة البيع فإنه تعليق على ما يتوقف حصول البيع عليه كما لا يخفى.

(2) المسئلة الثانية ما إذا سبق منع المالك بيع الفضولي و عن فخر الدين ان هذا البيع ممنوع عند بعض من قال بتمام بيع الفضولي بلحوق اجازة المالك و يشير الى ذلك كلام والده في التذكرة حيث حمل النبوي (أيما عبد تزوج بغير اذن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 314

..........

______________________________

مولاه فهو عاهر أى زان) بعد تضعيف سنده على تزوجه بعد كراهة مولاه و منعه، و مقتضى إطلاقه عدم اعتبار لحوق الإجازة و رضا مولاه و إذا كان النكاح مع سبق المنع عنه كذلك يثبت هذا في غيره ايضا حيث ان الفرق بين النكاح و غيره من هذه الجهة ضعيف و يظهر اعتبار عدم سبق منع المالك من المحقق الثاني أيضا حيث ذكر في بطلان بيع الغاصب وجود القرينة العامة و هي الغصب على عدم رضا المالك ببيعه.

و كيف كان و قد ذكر المصنف (ره) في وجه عدم تمام هذا البيع بلحوق الإجازة أمرين: الأول- ان الدليل على صحة عقد الفضولي و تمامه بالإجازة رواية عروة البارقي و هي لا تشمل صورة سبق المنع.

أقول مقتضى ذلك ان يعتبر أيضا في صحته بلحوق الإجازة رضا المالك به حال العقد واقعا كما هو المفروض في قضية عروة البارقي.

الثاني- ان بقاء النهي الى ما بعد البيع و عدم نسخة إلى حصوله بمنزلة رد البيع و فيه ان النهى السابق كاشف عن

عدم رضا المالك بالعقد بمعنى كراهته له و سيأتي إنشاء اللّه تعالى ان مجرد عدم الرضا بالبيع و كراهته له لا يكفي في رده بل لا بد فيه من إلغاء إنشائه حتى لا ينفع لحوق الإجازة به و استظهار كفايته من بعضهم في مسئلة حلف الموكل بعدم اذنه للوكيل في الشراء و بطلان الشراء بهذا الحلف ممنوع لان بطلان الشراء انما هو فيما إذا كان للحلف ظهور في إلغاء الموكل الشراء فعلا و الا فالشراء المزبور ايضا، قابل للحوق الإجازة.

و الحاصل ان ما دل على تمام بيع الفضولي بلحوق الإجازة به في المسألة الأولى جار مع مؤيداته في هذه المسئلة ايضا و التفصيل بين المسئلتين بلا وجه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 315

مضافا الى ترك الاستفصال في صحيحة محمد بن قيس (1) الصريح في منعه عما عداه (2) كما هو مورد صحيحة الحلبي المتقدمة في الإقالة بوضيعة (3) و فحوى الصحة في النكاح (4)

______________________________

(1) حيث ان الوارد فيها ان وليدتي باعها بغير اذنى و الدعوى المزبورة أى بيعها بغير اذنه يصدق مع النهى السابق عنه و بدونه و ترك الاستفصال في الجواب مقتضاه، عدم الفرق بين الصورتين و تمام البيع بلحوق الإجازة به، و لكن لا يخفى انه لو كان قد نهى ابنه عن بيع الوليدة لكان الأنسب أن يذكره في دعواه لا ان يدعى ان ابنه باعها بغير إذنه.

(2) يعني اشتراط رب المال على العامل صريح في منع العامل عن غير ما اشترط عليه كما لو اشترط عليه ان يشترى غير الحيوان فإنه صريح في منعه عن شراء الحيوان

(3) حيث كان المفروض فيها اقالة البائع مع جهله بفسادها و معه

يكون بيعه المتاع المزبور من المشترى الآخر بقصد كون البيع له.

(4) كان مراده ما ورد في نكاح العبد حيث يجعل نفسه في إنشائه طرفا في النكاح مع كونه فضوليا و لكن فيه ان الفضولية في النكاح لعدم رضا مولاه بالنكاح، و طرفا النكاح العبد و المرأة و المولى خارج عن طرفيه، و انما يعتبر رضاه في حصوله، و بعد الإجازة تثبت الزوجية المفروضة، بخلاف المقام، فإن الملكية المنشأة تكون للبائع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 316

مع ظهور صحيحة محمد بن قيس (1) لتوقع الإجازة (2).

و هذا ليس بيعا (3) مع اختصاصه ببيع الغاصب (4)

______________________________

الفضولي، و بعد الإجازة تثبت للمالك، فلا يستفاد صحة هذه من فحوى النكاح.

(1) لم يظهر وجه ظهورها في ان بيع الوليدة فيها من ابن مولاها كان بدعوى انها ملكه، بل من المحتمل كون بيعه بدعوى الاذن و الوكالة من أبيه.

نعم لا بأس بالتمسك بإطلاقها بمعنى ترك الاستفصال في الجواب.

(2) متعلق ببيع الغاصب يعنى قد يرضى المالك ببيع الغاصب الذي باع المال لرجاء ان يجيزه مالكه و يتملك ذلك المالك الثمن و هذا يتصور في بعض صور الاستيلاء على مال الغير على وجه الضمان.

(3) يعنى تمليك مال الغير للطرف مجانا، و تملك الثمن لنفسه من حقيقة البيع المفروض كونه نوعا من المعاوضة.

(4) يعني ما ذكر من عدم قصد المعاوضة حقيقة يكون في بيع الغاصب، حيث مع علمه بان المتاع ملك الغير لا يمكن له، إنشاء المعاوضة و القصد بتملك الثمن لنفسه و إعطاء مال الغير، بل يكون تمليكه المتاع من الهبة فضولا، و تملكه الثمن من المشترى تملكا مجانيا، و اما غير الغاصب كالجاهل بفساد الإقالة في صحيحة

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 317

قصد المعاوضة الحقيقية مبنى (1)

______________________________

الحلبي المتقدمة فهو يقصد دخول الثمن في ملك من يخرج المتاع عن ملكه، غاية الأمر يكون مشتبها في تعيين مالك المتاع، فيكون كما إذا باع الولي مال أحد الطفلين باعتقاد انه للطفل الفلاني فبان بعد ذلك انه كان للآخر منهما، فان مثل هذا الاشتباه لا يمنع عن قصد المعاوضة حقيقة.

(1) يعني كما ان في مورد الاستعارة يكون اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي و يكون تطبيق ذلك المعنى بالعناية و الادعاء كذلك في مورد بيع الغاصب يكون إنشاء المعاوضة و قصدها بصيغة بعت أو غيرها حقيقيا و يكون الغاصب قاصدا دخول أحد المالين في مورد خروج الآخر الا ان هذا الإنشاء منه بعد تنزيل نفسه و اعتباره مالكا للمبيع، و هذا التنزيل و النبأ هو المصحح لإنشاء المعاوضة، حيث يكون إنشائها بعد البناء المزبور، كإنشاء المالك من غير فرق بينهما.

نعم لو باع مال غيره لنفسه من دون البناء على كونه مالكا لم يحصل البيع لا له و لا للمالك حتى مع لحوق الإجازة و لذا ذكروا انه لو اشترى بماله لغيره بان يقصد تملك الغير المبيع من بائعه بإزاء ثمن يدفعه المشترى الى البائع بطل باعتبار ان مع القصد كذلك لا يتحقق المعاوضة.

و ربما ذكر بعض المحققين ان بيع الغاصب مال الغير لنفسه عكس ما ذكروه فيكون باطلا و لكن الأمر ليس كما ذكر فان عكسه ما إذا اعطى مال الغير و يقصد تملك الثمن من دون بناء أولا على كونه مالك المبيع فان هذا لا ينفعه الإجازة بخلاف صورة البناء على ملك المبيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 318

لان المفروض

(1)

______________________________

(1) هذا تعليل لعدم كون بيع الغاصب عكسا لما ذكروه و بيانه ان عكس ما ذكروه هو بيع مال الغير لنفسه بلا تنزيل نفسه أو اعتبار كونه مالكا للمبيع، بان يقصد خروج المبيع عن ملك آخر و دخول الثمن في ملك نفسه و هذا محكوم بالبطلان، و لا ينفعه اجازة المالك و لو فرض صحته بإجازته فرضا، يكون الثمن فيه ملكا للبائع لا المالك، كما انه لو فرض صحة شراء المال للغير بمال نفسه كان المال للغير، مع ان الكلام في بيع الغاصب في وقوع البيع للمالك مع أجازته، فلا بد من ان لا يكون المفروض في المقام عكس المسئلة المذكورة.

أقول قد يورد على ما افاده المصنف (ره) كما عن المحقق الإيرواني من ان المعاوضة المنشأة إذا كانت مبنية على الادعاء و التنزيل لا تكون المعاوضة حقيقة و خطاب حل البيع أو وجوب الوفاء بالعقد ناظر الى ما كان بيعا حقيقة و عقدا واقعيا و بتعبير آخر بناء الغاصب على تملك المتاع الذي باعه اما واسطة في العروض بان يبيع المتاع لعنوان مالكه و ادعى انطباق ذلك العنوان على نفسه.

و هذا خلاف الوجدان، لما سيأتي من ان المتاع ملك للشخص، لا للعنوان، و لا يحصل الإنشاء على العنوان المزبور، و اما واسطة في الثبوت بان يبيع المتاع لنفسه بدعوى انه مالك و يرد عليه ان هذا بيع صوري و في الحقيقة يخرج المتاع عن ملك مالكه و قد قصد دخول العوض في ملك الغاصب، فيرجع المنشأ الى تمليكين مجانيين فلا يعمه خطاب حل البيع و لا خطاب وجوب الوفاء بالعقد، اى العقد البيعي.

و لكن لا يخفى ما في الإيراد فإن بناء الفضولي على تملك المتاع

لا واسطة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 319

..........

______________________________

العروض و لا واسطة في الثبوت و ذلك فان دخول العوض في ملك معطي المعوض من لوازم البيع و مقتضاه و ليس بداخل في حقيقة البيع حيث ان البيع عبارة عن تمليك المال بالعوض و إذا قصد خلاف مقتضى البيع بان يكون معطي المعوض هو زيد، و يدخل العوض في ملك عمرو، فلا يتمشى من العاقد مع هذا القصد إنشاء البيع نظير ما ذكروه في اعتبار ان لا يكون الشرط في المعاملة على خلاف مقتضى العقد حيث مع كونه مخالفا لمقتضاه يبطل الشرط بل العقد و ذلك فإنه إذا باع المتاع من الآخر مثلا و اشترط عليه ان لا يكون له حق المطالبة بالمبيع و التصرف فيه أصلا فإن حق المطالبة بالمبيع و التصرف فيه و ان لا يدخل في مدلول البيع الا ان البناء على عدم حق المشترى في مطالبته بالمبيع و التصرف فيه الى الأبد، لا يجتمع مع قصد تمليك المتاع منه، فان جعل ملكيته له مع القصد المزبور بلا معنى.

و على ذلك فان باع الفضولي المتاع من زيد بقصد ان يتملك الثمن من زيد بلا بناء على تملك المتاع أولا، فلا يكون في البين إنشاء البيع حقيقة، حيث ان مع قصد خلاف مقتضى البيع، لا يحصل قصد البيع، بخلاف ما إذا قصد تملك المتاع و يأخذ ثمنه فان مع البناء المزبور، يمكن إنشاء البيع، و الحاصل ان البناء المزبور أمر زائد على مدلول البيع و لكن قصد خلافه لا يجتمع مع إنشاء البيع.

ثم ان تملك الغاصب المتاع و الثمن أمر لا يمضه الشرع فإن أجاز المالك البيع المنشأ من الغاصب يترتب

عليه مقتضاه الواقعي و هو دخول الثمن في ملك مالك المتاع نظير بيع المتاع في الإقالة الفاسدة كما هو مورد صحيحة الحلبي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 320

..........

______________________________

المتقدمة فإن بناء البائع على كونه مالكا للمتاع و الثمن المأخوذ من المشترى الثاني غير ممضى شرعا فيترتب على إجازة المشتري الأول البيع المزبور مقتضاه الشرعي و هو دخول الثمن في ملكه لأنه يعطى المعوض كما لا يخفى.

ثم انه ربما يذكر انه لا يعتبر في البيع دخول العوض في ملك من يخرج منه المعوض و ما ذكره العلامة (ره) من ان مقتضى البيع دخول الثمن في ملك من يخرج منه المثمن غير صحيح بل حقيقة البيع ليس إلا الإعطاء اللامجان و لو اعطى زيد المتاع للمشتري ليدخل الثمن في ملك شخص ثالث صح البيع و لذا يصح بيع الكلى على الذمة سلما أو حالا مع عدم كون ذلك الكلى ملكا للبائع و كذا يصح بيع الأوقاف و الزكوات و أمثال ذلك.

ثم ذكر هذا القائل الجليل انه إذا باع السارق متاع الغير من دون بناء على كونه مالكا لذلك المتاع بثمن يتملكه و اجازة المالك، وقع البيع للمالك و يدخل الثمن في ملكه، و مجرد اقتران البيع بقصد لغو لا يمنع عن الصحة.

أقول اما جواز بيع الكلى على الذمة فلا شهادة فيه على انه لا يكون البيع هو التمليك بعوض و انه ليس مقتضاه دخول الثمن في ملك من يعطى المعوض للمشتري و انما يكون شاهدا على انه ليس البيع في حقيقته إنشاء المعاوضة و المبادلة بأن يعتبر في البيع كون المبيع ملكا لبائعه و لكن لا شهادة في بيع الزكوات و الأوقاف أصلا فان

في بيع الزكاة أو الوقف العام بل الخاص ايضا يدخل العوض في ملك من يخرج عن ملكه المعوض و لو كان المخرج عن ملكه هو الجامع المنطبق على كل من الأصناف الثمانية أو العنوان العام أو الأشخاص المعبر عنها بالموقوف عليهم في الوقف العام أو الخاص.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 321

كان منافيا لصحة العقد (1).

______________________________

و اما ما ذكر أخيرا من انه لو أجاز المالك البيع فيما إذا قصد السارق تملك الثمن لنفسه من دون بناء منه على تملك المثمن صح البيع و مجرد اقتران الإنشاء بقصد لغو لا يمنع عن الصحة، ففيه انه قد تقدم ان البناء على كون المتاع مال الغير و القصد الى تملك الثمن من المعطى له لا يجتمع مع قصد إنشاء البيع فكيف يتم بإجازة المالك.

و اما ما هو المتعارف من ان المشترى يقول لمالك المتاع سلمه الى فلان بهذا الثمن فهو من الحقيقة توكيل للبائع في تمليك المتاع الى ذلك الشخص بعد دخوله في ملك المشترى، و كذا الحال فيما إذا قال للغير اشتر بمالي هذا كتابا لنفسك، فإنه أيضا في الحقيقة توكيل للعاقد في تمليك المبيع لنفسه بعد الاشتراء أو تمليك ذلك المال منه على ان يصرفه في شراء الكتاب.

(1) يعني إجازة ما قصده الفضولي تكون منافية لصحة العقد لان معنى صحة العقد بالإجازة وقوع المعاملة للمالك بدخول الثمن في ملكه، و عقد الفضولي مدلوله دخول الثمن في ملك الفضولي لا المالك، و ان فرض تعلق الإجازة بغير المقصود، بان يكون مقتضى الإجازة دخول الثمن في ملك المالك لا الفضولي، فلازمه كون الإجازة عقدا مستأنفا، لا إمضاء للعقد المنشأ سابقا، حيث ان دخول الثمن في

ملك المالك لم ينشأ لا أصالة و لا فضولا.

و أجاب عن الاشكال المحقق القمي في أجوبة بعض مسائله ان اجازة المالك في هذه الصورة تكون مصححة للعقد السابق و لا تكون مجرد إمضاء لمضمونه كما في المسئلتين الاولى و الثانية و التصحيح هو صرف البيع عن الفضولي و إضافته

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 322

فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز (1).

______________________________

إلى المالك نظير ما في مسئلة من باع شيئا ثم ملك فإنه كما تكون الإجازة في تلك المسئلة صرفا للبيع المزبور عن مالكه السابق الى العاقد، كذلك في هذه المسئلة تكون، صرفا لمضمون العقد عن العاقد فضولا و اضافة له الى المالك.

و هذا التصحيح كما صرح المحقق المزبور في موضع آخر في حقيقته، عبارة عن إنشاء تبديل في مضمون العقد، و لذا أورد عليه المصنف ان لازم ذلك ان تكون اجازة المالك عقدا مستأنفا يتضمن الإيجاب و القبول لا إيجابا مستأنفا لينضم الى القبول السابق فيلتئم العقد ليمكن احتماله كما حكاه كاشف الرموز عن شيخه، و ذلك فان قبول العقد السابق انما يتضمن تملك المبيع من العاقد و تمليك الثمن إياه و هذا القبول كما ترى لا يتضمن تملك المبيع من المالك و تمليك الثمن منه ليكون اجازة المالك، إيجابا متأخرا للقبول المتقدم، و كون الإجازة بمنزلة العقد المستأنف و قيامها مقام الإيجاب و القبول، خلاف الإجماع و خلاف العقل الحاكم بعدم تمام المركب و منه العقد الا باجزائه و هي في المقام الإيجاب و القبول المفروض كون أحدهما فعلا للبائع و الآخر للمشتري.

(1) و حاصله ان ما قصده الفضولي أمران: أحدهما- إنشاء البيع و حقيقته تمليك المال

بعوض لا مجانا و مقتضى ذلك ان يكون الثمن داخلا في ملك من يعطى منه المبيع و ثانيهما- دخول الثمن في ملك العاقد الفضولي سواء كان غاصبا أو معتقدا بكونه مالكا للمبيع خطاء و قصد الأمر الثاني لا ينافي الأول حيث ان قصد المعاوضة كما تقدم لا يجتمع مع قصد دخول الثمن في ملك العاقد فيما إذا لم يكن العاقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 323

..........

______________________________

بانيا على كونه مالكا للمبيع عدوانا أو اعتقادا، و اما مع البناء أو الاعتقاد، فلا ينافي إنشاء المعاوضة، و اجازة المالك انما تتعلق بالأمر الأول دون الثاني و إذا تمت المعاوضة بإجازة المالك، يترتب مقتضاها الواقعي، لا الادعائي و لا الاعتقادي كما لا يخفى.

و لكن هذا الجواب يجري في خصوص ما إذا قصد الفضولي فيه أمرين و اما إذا كان المنشأ المقصود واحدا و هو تملكه الثمن بإزاء المال المفروض كونه للغير أو قال المشتري الفضولي للبائع الأصيل تملكت منك الثوب بهذه الدراهم مثلا فقال البائع ملكتك أو قال البائع ابتداء ملكتك الثوب بهذه الدراهم فقال المشترى تملكت فالمنشأ في هذه الصورة أمر واحد و هو تملك الفضولي و هذا لا يصح للمالك بإجازته.

و أجاب (ره) عن ذلك بان إنشاء تملك الثوب لنفسه انما هو باعتبار كونه مالكا للدراهم اعتقادا أو بناء و الا لم يثبت عنوان البيع و المعاوضة.

و بتعبير آخر كونه مالكا للدراهم جهة تقييدية في تملكه الثوب فيكون تمليك الثوب بعنوان كونه مالكا للدراهم في الحقيقة تمليكا لعنوان مالك الدراهم حيث ان الثابت لشي ء من جهة تقييدية ثابت لنفس تلك الجهة، و على ذلك فتتم المعاملة لمالك الدراهم بإجازته.

أقول إنشاء الملك لعنوان مالك

الثمن و لو كان عنوانه جهة تقييدية قابل للمنع فإنه لا ينشأ في البيع المزبور الملكية إلا للأشخاص لا للعنوان الطبيعي ليقال بانطباقه على مصداقه الواقعي، و ان شئت قلت كل من المالين في الفرض ملك للشخص، لا الكلى و العنوان، فلا بد من ان يجعل الملكية للشخص.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 324

..........

______________________________

و المتعين في الجواب ان يقال ان إنشاء المشتري الفضولي تملك الثوب مثلا بالدراهم المفروضة، ملازم لإنشاء البيع بين الثوب و الدراهم، و هذه المعاوضة المستفادة من إنشاء تملكه، مورد لإمضاء المالك.

و الحاصل انه لا فرق بين كون المنشأ ابتداء هي المعاوضة بين المالين و يستفاد قصد الفضولي من القرينة كما في قول البائع الغاصب للمشتري بعت هذا المال بكذا و بين ان يكون المنشأ تملك الغاصب المال من الأصيل و يستفاد إنشاء المعاوضة بالتبع كما في قول المشترى الغاصب تملكت الثوب بهذه الدراهم.

بقي في المقام أمر لا بأس بالتعرض له و هو انه قد يقال ان البيع في حقيقته فعل البائع و ركنه الوحيد هو الإيجاب المتضمن لتمليك المال بعوض و اما القبول فلا يكون ركنا للبيع و لا العقد بل إمضاء لإيجاب البائع و تمليكه المال بعوض و بتعبير آخر الإيجاب من المالك يتضمن التمليك بعوض و يكون أصليا بالإضافة الى مال المالك و فضوليا بالإضافة إلى المشتري فقبول المشتري إجازة للإيجاب بالإضافة إلى الثمن.

و لذا لو لم يكن الإيجاب فضوليا من ناحيتي الثمن و المثمن فلا يحتاج الى القبول أصلا كما إذا باع الولي على الطفلين مال أحدهما بمال الآخر فإنه حيث لا فضولية في الإيجاب أصلا فلا يحتاج الى القبول الذي في حقيقته اجازة للإيجاب.

و

على ذلك فإذا اشترى الأصيل مال الغير بثمن و قال تملكت المال بكذا فهذا في الحقيقة إيجاب و اجازة المالك بعد ذلك، قبول لذلك الإيجاب، و اما إنشاء الفضولي قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 325

..........

______________________________

ذلك و قوله: بعت المال بكذا فهو أمر لغو لا يكون إيجابا و لا قبولا و المتحصل من هذا الكلام أمران أحدهما ان البيع فعل البائع فقط و حقيقته الإيجاب المتضمن لتمليك المال أو تملكه بعوض و اما القبول فهو إجازة للإيجاب فلا يحتاج اليه الا إذا كان الإيجاب فضوليا من ناحية الثمن أو المثمن و الثاني انه لا يعتبر الموالاة بين الإيجاب و القبول فاجازة المالك المجيز يعتبر قبولا لإيجاب الأصيل الذي يكون فضوليا من جهة الثمن أو المثمن فيكون الإيجاب المزبور أصليا من جهة كلا العوضين فيعمه إطلاق حل البيع أو عموم وجوب الوفاء.

أقول لا ينبغي الريب في انه لا يصدق عنوان البيع على الإيجاب و لو مع عدم حصول القبول من المشترى فلا يقال لزيد انه باع داره ما لم يحصل القبول من المشترى و لا بعد في ان يكون صدق عنوان على فعل شخص موقوفا على صدور فعل عن شخص آخر و نظير ذلك في غير المعاملات ما ذكرناه في عنوان غيبة المؤمن فإن غيبته عبارة عن كشف ما ستره اللّه عليه للناس و إذا لم يكن للمخبر عن سوء المؤمن مستمع لا يحصل عنوان كشف عيوبه و لكن الكشف عند وجود المستمع يستند إلى القائل و يطلق عليه المغتاب بالكسر.

و الحاصل انه بعد حصول الشراء من المشترى يطلق عنوان البيع على إيجاب الموجب و يقال انه باع داره أو غيرها من

أمواله.

ثم ان تمييز فعل البائع عن فعل المشترى يكون بالعرف فإنه ليس للشراء حقيقة غير ما عند العقلاء و لا ينبغي الريب في ان الاشتراء عندهم الذي يحصل بالقبول ليس بمعنى اجازة الإيجاب فان اجازة الإيجاب في مقابل رده يقوم مقام الاذن في الإيجاب و لذا يحصل اجازة الإيجاب و رده في مورد لم يكن للموجب فيه سلطنة على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 326

..........

______________________________

الإيجاب فمفاد القبول عندهم المصحح لإطلاق عنوان الاشتراء عليه في باب البيع عبارة عن إنشاء تملك المثمن بإزاء الثمن الا ترى انه لم يعهد من أحد القول بان انتقال الثمن الى ملك البائع و انتقال المثمن الى ملك المشترى يحصل من حين تمام الإيجاب بل كلهم متفقون على ان حصول النقل و الانتقال بعد تمام القبول.

و قد ذكرنا ان الأمر كذلك حتى في نظر المتعاقدين حيث ان الموجب يجعل ملكية متاعه للطرف من حين إنشاء الطرف تملكه و لكن المشهور في بيع الفضولي يلتزمون بالكشف و ان مبدء النقل و الانتقال يكون من حين تمام العقد لا من حين حصول الإجازة على ما سيأتي و لو كانت الإجازة من المالك الفضولي مساويا للقبول من المشترى في المفاد لما أمكن ذلك الا بالتعبد.

و الحاصل ان الناظر في المعاملات الدارجة بين العقلاء يمكن له الجزم بان اعتبار القبول في المعاملات ليس باعتبار انه اجازة لجهة فضولية في الإيجاب، الا ترى الهبة و هو تمليك المال للغير مجانا يحتاج الى القبول مع انه ليس في الهبة تصرف في مال الغير أصلا.

و قد ظهر مما ذكر انه لا يمكن حصول البيع بالإيجاب فقط حتى فيما كان الموجب وكيلا أو وليا بالإضافة

إلى مالك المثمن و مالك الثمن، فان قوله بعت هذا بكذا إنشاء لتمليك المال بالعوض و ذكرنا ان مجرد ذلك لا يكون بيعا بل لا بد في صدق عنوانه من إنشاء تملك المتاع بالثمن، و هذا الإنشاء لم يحصل من الوكيل أو الولي على الفرض.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 327

مع انه ربما يلتزم صحة أن تكون الإجازة لعقد الفضولي (1)

______________________________

(1) كان الكلام في المسئلة الى هنا مبنيا على ان صحة العقد بإجازة المالك مقتضاها وقوع المعاملة له بان يكون الثمن مثلا داخلا في ملكه بإجازته و قد نوقش في ذلك كما مر بأن الصحة بهذا المعنى مخالف لمضمون العقد، حيث ان مضمونه راجع الى تملك العاقد فضولا كما هو مقتضى بيعه لنفسه، و إرجاعه إلى المالك بإجازته التزام بكون الإجازة عقدا مستأنفا، لا انها إمضاء لمضمون العقد السابق.

و الكلام فعلا راجع الى ان صحة عقد الفضولي يمكن ان تكون على طبق مضمون العقد بان تكون اجازة المالك موجبة لوقوع المعاملة و تمامها للعاقد.

و تقرير ذلك بوجهين:- أحدهما- ان العاقد الفضولي يعتبر المال ملكا لنفسه أولا ليكون بيعه باعتبار ذلك موجبا لدخول العوض في ملكه، و كما ان الاذن في هذا النحو من البيع في الحقيقة، توكيل له في تملكه المال أولا ثم بيعه ليدخل العوض في ملك المأذون بأن يقول له بع مالي لنفسك أو اشتر لنفسك بمالي كذلك الحال في الإجازة حيث ان الإجازة، تفيد فائدة الإذن السابق.

و الوجه الثاني المنع عن كون لازم المعاوضة دخول أحد المالين في ملك من يخرج المال الآخر عن ملكه بل يكفي في تملك الثمن كون العاقد مأذونا في بيع مال الغير لنفسه كما

يكفي في تملك المبيع كونه مأذونا في الشراء لنفسه بمال الغير و الفرق بين الوجهين انه لو فرض فسخ البيع بأحد موجباته يرجع المال الى مالكه المجيز على الوجه الثاني لعدم صيرورته ملك العاقد قبل البيع بخلاف الوجه الأول،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 328

و يملك المثمن المشترى (1).

التزام تملك البائع الغاصب للثمن مطلقا (2).

______________________________

فإنه عليه، يرجع المال الى العاقد، باعتبار انه كان مالا له قبل المعاوضة.

و أورد المصنف (ره) على الوجه الأول بأن بناء العاقد و قصده تملك المال قبل بيعه، لا يفيد شيئا و لا يدخل بذلك المال في ملكه حتى فيما إذا كان باذن المالك فإنه لا بد في تملك المال من إنشاء تملكه قولا أو فعلا و لو بمثل ما إذا أنشأ ذلك بقوله بعت هذا المال لنفسي بكذا بان قصد به جعل المال له أولا ثم تمليكه للآخر و لكن المفروض في مثل الغاصب انه يعتبر المال ملكا قبل بيعه و يكون بيعه مجرد التصرف في ماله.

و بالجملة فالإذن السابق لا يفيد في هذا النحو من التملك الذي يكون بمجرد البناء و القصد فكيف إذا كان بالإجازة اللاحقة.

و بهذا يظهر الحال في مسئلة ما إذا قال له بع مالي لنفسك أو اشتر لنفسك بمالي فإنه إذا حصل من المأذون إنشاء تملك المال لنفسه و لو مقارنا للتصرف فيه ببيعه من الغير فهو و الا فلا يفيد الاذن المزبور شيئا و يكون بيعه واقعا عن المالك لا محالة.

و أجاب (ره) عن الوجه الثاني بما تقدم من انه لا يمكن في المعاوضة دخول أحد العوضين في ملك من لا يخرج المال الآخر عن ملكه و الا كان تمليك كل

من المالين مجانيا.

(1) المشترى بصيغة المفعول صفة للمثمن.

(2) المراد بالإطلاق تملك الغاصب الثمن من الأول في مقابل تملكه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 329

يظهر اندفاع اشكال آخر (1)

______________________________

آنا ما قبل التصرف فيه.

(1) لا يخفى ان هذا الاشكال لا يدفع بالالتزام بجعل ملك العوضين لعنوان مالك الثمن و المثمن بل يجرى حتى بناء على الالتزام المزبور، فان حاصل الاشكال انه في مورد بيع البائع الفضولي المال لنفسه و قبض الثمن من المشترى العالم بالحال لا يمكن ان تكون اجازة المالك نافذة لاستلزام نفوذها كون البيع بلا ثمن.

و بيان ذلك انه قد أورد على صحة البيع في المسئلة الثالثة بإجازة المالك بوجه آخر و هو ان المنسوب إلى الأصحاب عدم جواز رجوع المشترى الأصيل إلى البائع الغاصب بالثمن المدفوع اليه مع العلم بالحال فيما إذا رد مالك المبيع البيع المزبور و هذا الحكم، كاشف عن صيرورة الثمن ملكا للغاصب.

و على ذلك فاجازة المالك لا تفيد شيئا و لا يدخل الثمن في ملكه، لان البيع في الفرض بلا ثمن، و لعل نظر العلامة (ره) الى ذلك، حيث قال بعد الإشكال في صحة الفضولي مع جهل المشترى (ان الحكم في الغاصب مع علم المشتري أشكل) و أجاب المصنف (ره) عن ذلك بما توضيحه ان ملك الثمن للغاصب لا يحصل بمجرد العقد بل بالعقد يجعل ملك الثمن لمالك المبيع و ملك المبيع لمالك الثمن غاية الأمر يكون المشترى العالم بالحال دفعه الثمن الى الغاصب تسليطا للغاصب على الثمن مجانا فان اجازه المالك البيع و قلنا بكون الإجازة كاشفة يكون الثمن المزبور ملكا للمالك دون الغاصب لأن الإجازة تكشف عن دخول الثمن في ملك المالك المجيز قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 330

..........

______________________________

دفعه الى الغاصب فيكون دفعه الى الغاصب تسليطا للغاصب على مال غيره فلا يدخل في ملك الغاصب.

و الشاهد على ذلك أى تسليط الغاصب على الثمن يكون بالدفع دون العقد انه لو لم يدفع الثمن الى الغاصب لا يكون للغاصب انتزاعه سواء أجاز المالك البيع المزبور أم لا.

نعم للإشكال وجه بناء على كون الإجازة ناقلة و لكن يمكن القول ان تسليط الغاصب على الثمن، يكون مراعى بعدم اجازة المالك خصوصا إذا كان الشراء من الغاصب بتوقع اجازة المالك.

أقول لا يخفى انه لو كان المراد بالتسليط هو تمليك المال مجانا فكونه مراعى بعدم الإجازة يوجب بطلانه لانه من التعليق في الهبة فلا بد من ان يكون المراد منه هو الاذن في كل تصرف حتى الموقوف على الملك بان يتملك المال أولا ثم يتصرف فيه و ان بطلان تسليط المشترى الغاصب على الثمن، يبتنى على الكشف الحقيقي في الإجازة، و لو بان يكون الشرط في صحة عقد الفضولي وصف تعقبه بالإجازة فإن هذا الوصف يحصل للعقد من الأول على تقدير الإجازة، فيكون الثمن منتقلا في علم اللّه الى المالك المجيز من حين إنشاء عقد الفضولي، فتسليط المشترى الغاصب على الثمن المزبور يكون في الواقع تسليطا على مال الغير، فلا يصح.

نعم على القول بالكشف الحكمي و اعتبار ملكية المثمن و الثمن لطرفي العقد حين الإجازة من زمان العقد يكون التسليط المزبور حينه نافذا لكون الثمن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 331

الكلام في صحة بيع الفضولي (1) إذ المال مردد في باب الفضولي بين مالكه الأصلي و من وقع له العقد (2)

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب

إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 2، ص: 331

______________________________

ملكا للمشتري في ذلك الحين و بعد حصول الإجازة يعتبر التسليط المزبور إتلافا على المالك المجيز، فيضمن له المشترى بدله على ما سيأتي.

هذا مع ان أصل دعوى تسليط المشترى الغاصب على الثمن مجانا غير صحيح لان دفعه اليه كان بعنوان كونه بدل المثمن، و كما ان الغاصب كان بانيا على ملك المبيع و قد قصد تملك الثمن بإزائه كذلك يكون المشترى أيضا بانيا عليه و لذا قد دفع الثمن إلى البائع المزبور، فأين التسليط أو التمليك المجاني.

(1) ذكر في الرياض ان بيع الفضولي لنفسه باطل إجماعا كما صرح به جماعة كالعلامة في جملة من كتبه كالمختلف و التذكرة مدعيا عدم الخلاف فيه و ذكر المصنف (ره) ان الحكم بالبطلان في المسئلة الثالثة في الرياض و نسبة دعوى عدم الخلاف فيه الى العلامة اشتباه و ذلك فان الكلام في المسئلة الثالثة في وقوع البيع لمالك المال مع أجازته و قد تقدم ان البيع مع أجازته يقع له على المشهور الأقوى و لم يخالف فيه العلامة فضلا عن ذكره عدم الخلاف في بطلانه.

و اما فيما إذا باع مال الغير ثم تملك البائع ذلك المال و أجاز بيعه السابق فهذا باطل لا يقع للبائع و هذا هو الذي ذكر العلامة عدم الخلاف في بطلانه، و لا يرتبط بالمسئلة الثالثة، فما ذكر في الرياض اشتباه الا ان يريد البطلان في مسئلة وقوع البيع للبائع بعد تملكه، و لكن ظاهر عبارته لا يساعد على ذلك.

(2) المراد بمالكه الأصلي الذي ينتقل منه المال بتمام العقد كما ان المراد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 332

..........

______________________________

بمن وقع له العقد من ينتقل اليه المال بتمامه و لا فرق فيما ذكر من وقوع العقد عن المالك المجيز بإجازته و بطلانه مع رده بين كون المال المزبور ملكا قبل عقد الفضولي كما في مورد جريان البيع على العين الخارجية أو الكلي الثابت على الذمة من قبل أو ملكا بذلك العقد كما في مورد بيع الكلي الذي يثبت على الذمة بتمام البيع المزبور.

نعم قد يستشكل في جريان الفضولية في الكلي الذي يثبت على العهدة بالبيع و وجه الاشكال ان العوضين في باب البيع يعتبر ان يكونا مالين قبل وقوع المعاملة حيث انه تمليك مال بعوض و إذا باع الأصيل الكلى بذمته يكون عرضه الكلى المزبور للبيع موجبا لصيرورته مالا فإنه يبذل العقلاء بإزائه المال، فيقع البيع على ما صار مالا بعرضه للبيع، بخلاف ما إذا كان البائع فضوليا و اعتبر الكلى على عهدة الغير فضولا، فإنه لا يكون الكلى بذلك مالا، فلا يكون تمليكه بعوض من تمليك المال بالعوض.

و ربما يجاب عن ذلك بان تمليك الفضولي الكلي على عهدة الغير و ان لا يكون من قبيل تمليك المال بالعوض قبل اجازة ذلك الغير الا انه بإجازته يصير مالا، و هذا المقدار يكفي في تمام البيع و قد أورد على هذا الجواب بعض الأعاظم و هو الخمينى العزيز (دامت شوكته) بان اجازة المالك لا يصحح كون الكلى المزبور مالا لأن الإجازة إنشاء واحد و صيرورة الكلي مالا و تمليكه بعوض أمران مترتبان حيث يتعين ان يكون المثمن و الثمن مالين قبل إنشاء ملكية الأول بإزاء الثاني.

و ذكر ان المتعين في الجواب عن الاشكال هو الالتزام بأن

الكلي مع قطع النظر عن إضافته إلى ذمة أحد في نفسه مال فإنه يصح ان يقال ان الكر من الحنطة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 333

..........

______________________________

يساوي عشرين دينارا و المثقال من الذهب يساوى كذا من المال، و هذا شاهد لكون الكلى مع قطع النظر عن إضافته إلى ذمة الأصيل أو الأجنبي في نفسه مال يصح تقويمه و يكون تمليكه بعوض من تمليك المال بالعوض و الا فالإضافة لا توجب المالية، بل اعتباره في الذمة يوجب سلب ماليته، فإنه بالاعتبار في الذمة يكون من الكلي العقلي الذي لا موطن له في الخارج.

(أقول) لا يخفى ان اضافة الكلي إلى ذمة أحد ليس بمعنى تقييد الكلي الطبيعي الذي يصح اتصافه بالوجود و العدم بوجوده الذهني ليقال انه بهذا الاعتبار كلى عقلي لا موطن له في الخارج الا ترى ان الثمن في بيع النسية أو البدل في مورد القرض كلى بالذمة من غير خلاف و ان إعطاء الفرد منه للبائع أو الدائن خارجا بقصد إفراغ ذمته أداء لذلك الثمن وفاء للدين الذي على عهدته و لو كان المال على الذمة معناه تقييده بالوجود الذهني لما كان ما ذكر أداء و وفاء حيث انه لا موطن للموجود الذهني الا الذهن بل المراد من الذمة هو تعهد الشخص بذلك الكلي بأن يطبقه على الخارج بأداء فرده و لو لم يكن لفرده وجود فعلا، و هذا في مقابل اجراء المعاملة على الكلي في المعين، بان يكون مورد المعاملة الكلي الذي يصلح تطبيقه على أحد الأفراد المعينة المملوكة فعلا لبائعه.

ثم ان الكلى القابل للاتصاف بالوجود و العدم لا يكون مالا حيث لا يساوى مالا في اعتبار العقلاء بل اتصافه

بالمالية الفعلية و تساويه بالمال على تقدير الوجود فعلا كما هو الحال في بيع الفرد الفعلي أو الكلي في المعين أو على تقدير الالتزام بإعطائه و الوفاء به و لو مستقبلا و ان لم يكن موجودا بالفعل و عليه فان مع التزام البائع في بيع الكلي بإعطائه و تسليمه كما هو معنى اعتباره على ذمته يكون بيعه بالعوض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 334

..........

______________________________

من تمليك المال بالعوض و ان اعتبر الكلي في عهدة الغير فضولا و ملكه بعوض فهذا الكلى على تقدير اجازة الغير يصير مالا حيث معنى أجازته الالتزام بإعطائه.

و قد ذكرنا سابقا انه لا يعتبر في صدق عنوان البيع كون المبيع أو الثمن مالا قبل إنشاء البيع أو حين إنشائه و ان ما ذكر في تعريفه من أنه مبادلة مال بمال من قبيل شرح الاسم بل اعتبار المالية فيهما باعتبار ان لا يكون تملك أحدهما بإزاء الآخر من أكل المال بالباطل و على ذلك فبإجازة من اعتبر العاقد، الكلى بذمته، يكون المبيع مالا و قد ملك بعوض كما هو الفرض فيخرج التمليك المزبور عن كونه أكلا للثمن بالباطل، و ليس اجازة البيع في بيع الكلى على الذمة إلا الالتزام بإعطاء ذلك الكلى فيدخل الثمن في ملكه لما تقدم من ان مقتضى البيع دخول الثمن في ملك من يعطى عنه المعوض و المال في جميع ذلك مردد بين بقائه على حالته الأولية كما في فرض عدم اجازة من ينتقل منه المال أو انتقاله الى من ينتقل اليه كما في فرض أجازته و اما العاقد الفضولي فهو خارج عن طرفي المعاملة.

نعم لو وقع بينه و بين الأصيل منازعة في كون العقد

لنفسه أو لغيره بان كانت دعوى العاقد انه قد باع أو اشترى للغير و أنكرها عليه الأصيل و قال بعت و اشتريت لنفسك حلف الأصيل على عدم علمه بدعوى العاقد، و يثبت المال على ذمة العاقد، لأصالة العاقد و صحة العقد.

و الحاصل ان مع اجراء البيع على مال الغير أو مع اعتبار المال على ذمة الغير أو اضافة البيع للغير فان كان في البين اجازة من ذلك الغير فهو و الا يقع العقد باطلا واقعا غاية الأمر على تقدير منازعة الأصيل و العاقد يثبت العقد للعاقد ظاهرا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 335

..........

______________________________

و لكن المنسوب الى ظاهر جماعة في بعض فروع المضاربة وقوع العقد للعاقد واقعا، قال في الشرائع في باب المضاربة انه لو اشترى من ينعتق على رب المال فان كان باذنه صح الى ان قال و ان كان بغير اذنه و كان الشراء بعين المال بطل و ان كان في الذمة وقع الشراء للعامل، الا ان يذكر رب المال، و ظاهر ذلك وقوع الشراء للعاقد واقعا لانه لم يفرض في البين تنازع ليحمل العبارة على الحكم الظاهري، و ربما يذكر انه إذا اتفق البائع و القابل على وحدة قصدهما و لكن قال البائع بعتك المال و قبلت لنفسك، و قال المشترى بعت المال بثمن على عهدة زيد و اشتريته له يكون المورد من موارد التحالف، و اما إذا لم يتفقا على ذلك بان قال البائع بعتك المال، و قال المشترى نعم، و لكن قصدت الشراء لزيد، يكون المورد من موارد الدعوى و الإنكار، فإن المشتري لادعائه خلاف مقتضى ظهور الشراء يكون مدعيا، فلا بد من ان يحلف البائع على نفى

دعوى المشترى.

و انه لم يقصد ذمة زيد لا على نفى علمه بالقصد المزبور، كما هو ظاهر الشيخ (ره) لان نفى علمه لا ينافي دعوى المشترى، و حيث لا يمكن للبائع هذا الحلف لعدم طريق له الى العلم بقصد المشترى، فيرد الحلف على المشترى، و إذا حلف على قصده، يحكم ببطلان البيع، لكون البيع المزبور فضوليا لم يلحقه اجازة زيد، و في النتيجة يكون البيع كمورد التحالف محكوما بالبطلان.

(أقول) ظاهر كلام المصنف (ره) و جماعة انه يكفى في صحة البيع فيما إذا كان أحد العوضين كليا في الذمة تعيين العاقد صاحب الذمة بقصده فقط و ان لم يعينه عند إنشاء العقد بقرينة حالية أو مقالية، كما إذا قال البائع بعتك المال بعشرة دراهم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 336

..........

______________________________

و قال قبلت مع قصده كون عشرة دراهم على ذمة زيد أو كون الشراء له الذي يكون بمعنى ان زيدا صاحب الذمة فإن هذا مقتضى دخول المبيع الى ملكه، و لكن صحة هذا البيع لا يخلو عن تأمل، بل منع، لما ذكرنا من ان الكلى ما لم يضف إلى ذمة شخص لا يصلح جعله عوضا.

و ايضا المحتاج الى تعيين الذمة هو ذمة الغير لا ذمة العاقد فان قول البائع بعت المال بعشرة دراهم و ان يعم بيعه بالعشرة سواء كانت بذمة العاقد أو شخص آخر و لذا يصح للمشتري ان يقول في قبوله قبلت لزيد أو ما هو بمعناه الا ان مع عدم تعيين الغير ينصرف إطلاق القبول المتضمن لإضافة القابل تملك المتاع الى نفسه الى كون الثمن بعهدته و المفروض ان الذي ينصرف إليه الإطلاق غير مقصود و لم يجعل عوضا و ما

قصده العاقد من كون الثمن بعهدة زيد لم يذكر في العقد و لم ينصب عليه قرينة فالشراء باعتبار عدم تعيين العوض باطل.

و على ذلك فلو اختلف البائع و القابل فقال البائع بعتك المال بعشرة على عهدتك فقال المشترى اشتريته و لكن قصدت كون الثمن على عهدة زيد فيقدم قول البائع لكون قوله على طبق ظهور القبول و قول المشترى قصده الى كون الثمن على عهدة زيد على خلاف ظهور المزبور فيكون مدعيا، فيتوجه إلى البائع الحلف على عدم علمه بقصد القابل ان ادعى علم البائع بقصده، و لا يتوجه إلى البائع حلف أصلا إذا لم يدع القابل علم البائع بقصده و على التقديرين يحكم بكون الثمن على عهدة المشترى، و لا دليل في مثل الفرض على لزوم الحلف على المنكر، فضلا عن رده الى المدعى، و تفصيل ذلك موكول الى بحث القضاء، و لو قيل بكفاية تعيين القابل صاحب الذمة بقصده في صحة الشراء و وقوعه لزيد يكون الأمر في مقام الاختلاف ايضا كذلك، بل الأمر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 337

ظهر من ذلك التنافي (1).

______________________________

كذلك فيما إذا اختلفا في صورة العقد و قال البائع بعتك المال و اشتريته، و قال المشترى بل اشتريته لزيد بإضافة شرائى اليه، أو بتعيينه صاحب الذمة فيقدم قول البائع، لموافقته لأصل لفظي معتبر، و هي أصالة عدم ذكر المشتري القرينة على خلاف ظهور الشراء الذي أشرنا إليه، فيكون المشترى مدعيا لادعائه خلاف الأصل المزبور و يحلف البائع على نفى تعيين القابل كما لا يخفى.

(1) قد تقدم ان وقوع الشراء للغير يكون بإضافته إلى الغير تارة، و باعتبار الثمن في عهدته أخرى، و على ذلك فيقع

الكلام فيما إذا جمع العاقد بين المتنافيين و للجمع صورتان: الأولى- بأن أضاف الشراء الى الغير و اعتبر الثمن بذمته و الثانية- ان يضيف الشراء الى نفسه و يعتبر الثمن على عهدة الغير.

و قد ذكر المصنف (ره) في الصورة الاولى انه يحتمل بطلان الشراء لان قصد إنشاء الشراء لا يحصل من العاقد مع اعتباره العوض على عهدة الغير و قصده دخول المعوض الى ملكه، و يحتمل إلغاء أحد القيدين بالالتزام بحصول قصد إنشاء الشراء اما بان يكون قصده الشراء للغير لغوا فيصح الشراء للعاقد، و اما ان يلغى اعتبار المال على عهدته فيكون الشراء فضوليا.

و ذكر في الصورة الثانية انه لا يحتمل بطلان الشراء لحصول قصد إنشائه و يحتمل وقوع الشراء للغير لانه مع اعتبار الثمن على عهدة الغير يكون قصده الشراء لنفسه، مبنيا على بنائه بان ما على عهدة الغير، ملك له عدوانا أو اشتباها، و هذا هو الفرق بين هذه الصورة و الصورة الاولى.

و يحتمل وقوع الشراء لنفسه لأن إضافته إلى نفسه أولا، مقتضاه اعتبار المال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 338

يقع للمشتري لكل حال (1) و ان كان في الذمة لغيره و أطلق اللفظ (2)

______________________________

على عهدته، فيكون قصده ثانيا الثمن على عهدة الغير لغوا.

(أقول) لا فرق بين الاشتراء للغير بمال في ذمته كما هو الحال في الصورة الاولى و بين الشراء لنفسه بمال في ذمة الغير، كما هو الحال في الصورة الثانية في انه لا يمكن فيهما قصد إنشاء الشراء حقيقة، فإن مقتضاه كما تقدم دخول أحد العوضين في ملك من يعطى العوض الآخر.

و ما ذكر (ره) في الصورة الثانية من احتمال وقوع الشراء للغير باعتبار ان كون

الغير صاحب الذمة، مقتضاه دخول المعوض الى ملكه و اضافة العاقد الشراء الى نفسه مبنى على تملك ما في ذمة الغير غير صحيح، فإنه مع انه لا يخرج عن الاحتمال ان البناء على تملك ما بذمة الغير لا معنى له، و لا يقاس على الاستيلاء بعين خارجي مملوكة للغير كما لا يخفى.

و الحاصل ان الشراء حقيقة في الصورتين غير محقق فيحكم ببطلانه إلا إذا قيل بعدم كون مقتضاه دخول المعوض في ملك من يعطى عنه المعوض و لا تحتاج المسئلة إلى تأمل زائد.

(1) لعل المراد بكل حال وقوع البيع للمشتري سواء أجاز الشراء مالك الثمن أم لا، و وقوعه له مع اجازة المالك بمعنى دخول المبيع في ملك المشترى مع خروج الثمن من ملك المجيز، و وقوعه له مع عدم أجازته ثبوت بدل ذلك الثمن على المشترى.

(2) يعني لو اشترى المتاع بثمن بذمته و قصد كون الشراء للغير من غير ذكر ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 339

و يؤيده رواية البارقي (1)

______________________________

في العقد كما إذا قال بعد قول البائع بعت المال بعشرة دنانير قبلت فإن أجاز ذلك الغير وقع الشراء لذلك الغير، فيدخل المبيع في ملكه، و يثبت الثمن بذمته، و ان رد ذلك الغير نفذ الشراء على القابل، و يثبت الثمن بذمته، و الوجه في نفوذ اجازة الغير هو اضافة الشراء إليه في القصد، فيلغى اعتبار العاقد كون الثمن بذمته، كما ان الوجه في نفوذ الشراء على العاقد على تقدير رد ذلك الغير، هو كون الثمن بذمته فيلغى قصد كون الشراء للغير، و لا يضر في وقوعه عن العاقد بين وفاء العاقد ما بذمته بمال ذلك الغير أم لا.

(1) قد

ذكرنا سابقا انه ليس في تلك الرواية ما تكون قرينة على ان بيع الشاة أو شرائها كان بالمعاطاة و التمسك بإطلاق قوله (ص) فيها بارك اللّه في صفقة يمينك و عدم استفصاله عن عروة بأن بيع الشاة الواحدة بدينار كان بالإيجاب و القبول اللفظيين أو بالمعاطاة، و مقتضى ذلك، تمام المعاطاة الفضولية بالإجازة، يمكن دفعه بأنه يحتمل ان يكون عروة كان ملتفتا الى ان بيعه الشاة بدينار فضولي، يحتاج إلى اجازة النبي (ص) و حيث كان عالما بأنه لا بد في تمام بيع الفضولي بالإجازة وقوعه بغير المعاطاة فباعها بالإيجاب و القبول اللفظيين، و مع احتمال ذلك يكون حمل بيعه على الصحيح من غير جهة الإجازة، مغنيا عن الاستفصال، و لذا لم يسئل رسول اللّه (ص) عن حصول سائر شرائط البيع و عدمه.

نعم لا يجرى ذلك في صحيحة محمد بن قيس لان المفروض فيها عدم علم المشترى بكون البيع فضوليا و مقتضى حمل فعله على الصحة من غير جهة اجازة المالك لا يقتضي الشراء بغير المعاطاة، و لو كان في تمام بيع الفضولي وقوعه بغير المعاطاة معتبرا لكان الاستفصال عنه في الجواب متعينا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 340

لدل على عدم ترتب الأثر المقصود (1)

______________________________

(1) قد تقدم سابقا ان النهى عن عقد الفضولي لو كان مقتضيا فساده، لما يتم ذلك بإجازة المالك و ذلك فان العقد لا يكون بنفسه سببا تاما للنقل، بل هو مع رضا المالك و النهى لا يتعلق برضا المالك، و انما يتعلق بنفس العقد، و معنى صحته كونه جزء السبب للنقل و إذا حكم بفساده باقتضاء النهي ينتفي كونه جزء السبب، فلا يثمر معه اجازة المالك.

و ذكر النائيني

(ره) وجها آخر لعدم جريان تمام عقد الفضولي بإجازة المالك في المعاطاة الفضولية و هو ان إنشاء البيع بالإيجاب و القبول، يكون له بقاء، و يتعلق الإجازة بذلك الأمر الباقي، حيث ان تبديل المالين في الإضافة الحاصلة بإنشاء البيع المعبر عن ذلك بالمعنى الاسم المصدري، أمر مغاير لإنشائه المعبر عنه بالمعنى المصدري الذي ينقضي بانقضاء التكلم، و يتعلق الإجازة بذلك الأمر الاسم المصدري و هذا بخلاف إعطاء المالين فإنه ليس للإعطاء اسم مصدر الا العطاء المتحد مع الإعطاء خارجا و الإعطاء عبارة أخرى عن تبديل المالين من حيث المكان و تبديل المالين من حيث المكان، لا يتعلق به الإجازة.

و لكن لا يخفى ما فيه فإنه ليس المعاطاة مجرد الإعطاء و تبديل المالين مكانا، بل بقصد تبديلهما في الملكية، و المفروض ان هذا التبديل أمر اعتباري منشأ بالفعل و يتعلق به الإجازة كالتبديل المنشأ باللفظ.

هذا مع ما تقدم من ان البيع بمعنى اسم المصدر عين البيع بمعنى المصدر و تغايرهما بالاعتبار و ان البيع بهذا الاعتبار، قابل للبقاء اعتبارا، و لذا يتعلق به الفسخ بالخيار أو بالإقالة كما ذكرنا تفصيل ذلك في تعريف البيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 341

و قد يستدل على ذلك بان المعاطاة منوطة (1) و اما على القول بالإباحة (2)

______________________________

(1) و حاصله انه يعتبر في المعاطاة التراضي بالملك بناء على كونها مفيدة للملك أو التراضي بإباحة التصرف بناء على كونها مفيدة للإباحة، و من الظاهر ان التراضي بالملك أو الإباحة من شئون المالك، و لا معنى لحصوله من غير المالك.

و لذا ذكر الشهيد الثاني ان المكره و الفضولي قاصد ان اللفظ دون المدلول و ايضا يعتبر في المعاطاة حصول

القبض و الإقباض مقارنا بالتراضي على الملك، أو التراضي على الإباحة، و من الظاهر ان التراضي عليهما لا اثر له الا إذا صدر عن المالك أو بإذن منه.

و أجاب عن ذلك المصنف (ره) من ان اعتبار القبض و الإقباض في المعاطاة عند من اعتبرهما فيها لإنشاء الملك أو الإباحة كما يكون باللفظ، كذلك يكون بالفعل و كما ان في صورة إنشائهما باللفظ، يمكن الإنشاء من غير المالك و الوكيل فضولا كذلك في صورة إنشائهما بالفعل، و كما انه لا يعتبر رضا المالك مقارنا لإنشاء المالك أو الإباحة باللفظ، كذلك لا يعتبر مقارنته لانشائهما فيما إذا كان بالفعل، و دعوى اعتبار مقارنته لإنشاء الفعلي دون الإنشاء القولي تحكم.

(2) لا يخفى ان الإباحة في المعاطاة على تقديرها شرعية، لا مالكية، فإن المفروض في المعاطاة قصد الملك، لا الاذن لصاحبه في التصرف في ماله، فالقائل بالإباحة لا بد من ان يلتزم بورود التقييد في دليل إمضاء البيع، و نفوذه بالإضافة إلى البيع المعاطاتي قبل حصول أحد الملزمات، و يكون حصول أحدها في ذلك البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 342

مع ان حصول الإباحة قبل الإجازة (1)

______________________________

كالقبض في بيع الصرف و السلم شرطا لحصول الملك، و قبل حصول أحدها يكون كل من المالين مباحا للآخر، و مقتضى ذلك الاقتصار في التقييد على مورد اليقين، و هي صورة تعاطى المالكين، و في غيرها يرجع الى إطلاق حل البيع و نفوذه، فتكون النتيجة ان المعاطاة فضولا كالبيع اللفظي فضولا في حصول الملك بالإجازة في كشفها عن الملك السابق.

و الحاصل لا تكون في مورد المعاطاة فضولا الا حصول الملك لا الإباحة، و دعوى ان الإباحة في المعاطاة مالكية،

لأنها و ان تكون بقصد الملك الا انها تتضمن الإباحة المالكية الضمنية، أمر لا أساس لها، حيث انه لا معنى للإباحة المالكية الا الاذن في التصرف في ماله. و من الظاهر ان جعل المالك ملكية ماله للطرف، لا يجتمع مع الاذن له في التصرف في ماله، فان معنى البيع نقل المال و معنى الإباحة إبقاء المال في ملكه.

(1) هذا هو الوجه الثاني في عدم جريان الفضولي في المعاطاة على القول بالإباحة، و تقريره ان الإجازة معتبرة في بيع الفضولي بنحو الكشف، فتكون كاشفة عن صحة كل تصرف وقع من الأصيل في مال المالك قبل أجازته، و هذا الكشف بناء على الإباحة غير ممكن، إذ لا يعقل الكشف في الإباحة المالكية، و لا في الإباحة التي من الحكم التكليفي، فإن الأحكام التكليفية تكون للافعال المستقبلة لا الماضية التي انتهت أمرها بالوجود أو العدم، مثلا إذا باع الأصيل مال الآخر قبل إجازته فإنه بعد أجازته البيع الأول يحكم بصحة البيع الثاني أيضا لاعتبار وقوعه في ملك الأصيل، و هذا على القول بالملك.

و اما بناء على حصول الإباحة فلا يحكم بصحة البيع الثاني حتى بعد إجازة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 343

[الإجازة و حكمها]
اشارة

و استدل عليه كما عن جامع المقاصد و الروضة (1)

______________________________

المالك لما ذكرنا من ان الإجازة لا تكشف عن اباحة تصرفات الأصيل التي منها البيع الثاني لتكون الإباحة بالإضافة إلى التصرفات الموقوفة على الملك ملازمة لحصول الملك للمتصرف قبل تصرفه أو مقارنا له.

و الحاصل لا تعقل في الإجازة على القول بالإباحة في المعاطاة إلا النقل اى الالتزام بحصول الإباحة من زمان الإجازة و لعله الى ذلك أشار (ره) بقوله فافهم بعد احتماله تمام

البيع الثاني من الأصيل مع الإباحة الواقعية المكشوفة بالإجازة اللاحقة.

نعم هذا مبنى على ما هو الصحيح من كون الإجازة معتبرة بنحو الكشف الحكمي و اما بناء على الكشف الحقيقي فلا مانع عن كشف الإجازة عن كون تلك التصرفات مباحة من حين وقوع المعاطاة فضولا.

(1) يستدل على اعتبار الإجازة في عقد الفضولي بنحو الكشف بوجوه:

أولها ما عن المحقق و الشهيد الثانيين من ان الموضوع لوجوب الوفاء هو العقد، و يقتضي وجوب الوفاء به حصول الملك، و يعلم تمام العقد الموضوع لوجوب الوفاء، بإجازة المالك، و أورد عليه المصنف (ره) بان العقد أي الإيجاب و القبول لا يكون تمام الموضوع لوجوب الوفاء و تمام السبب لحصول الملك، بل تمامه هو العقد مع صدوره برضا المالك، و لا يعلم ذلك بإجازة المالك حيث لا تكشف الإجازة، عن مقارنة رضا المالك بصدور و العقد لا عن رضاه الفعلي في ذلك الزمان، و هذا ظاهر و لا عن رضاه التقديري بمعنى انه لو كان ملتفتا بالعقد لكان راضيا به، فإنه يمكن ان تكون أجازته لحصول البداء له و تغير اعتقاده الى صلاح العقد بعد كونه جازما بعد صلاحه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 344

..........

______________________________

نعم لازم القول بصحة الفضولي، هو الالتزام بان اجازة المالك يقوم مقام رضاه المقارن لصدور العقد و ان الإجازة أحد القيدين المعتبرين في العقد على سبيل التخيير. و على ذلك فكما يتم بالرضا المقارن الموضوع لوجوب الوفاء، و يحصل به الملك. كذلك بالإجازة اللاحقة.

و بعبارة أخرى الإجازة يكون بها تمام الموضوع لا ان تكون كاشفة عن تمام الموضوع و السبب قبلها.

اللهم الا ان لا تكون الإجازة بنفسها شرطا، بل الشرط لوجوب الوفاء تعقب العقد

بها، و هذا التعقب يحصل من الأول على تقدير حصول الإجازة في المستقبل، و يكون حصولها كاشفا عن اتصاف العقد به زمان صدوره و لكن هذا خلاف الظاهر حيث ان الشرط في تمام العقد نفس الرضا و طيب نفس المالك لا لحوقه.

لا يقال المراد بالشرط في المقام ما يكون لحوقه بالعقد موجبا لحصول الملك فإطلاق الشرط على الرضا باعتبار ان المؤثر في الملك الحاصل بالعقد لحوقه لا انه بنفسه دخيل.

فإنه يقال إطلاق الشرط على شي ء مقتضاه كون ذلك الشي ء بنفسه دخيلا و كون المراد بالشرط ذلك ظاهر الأدلة فإن ظاهرها كون رضا المالك و طيب نفسه معتبرا في التجارة و حل أكل مال الغير أو التصرف فيه و وجوب الوفاء بالعقد و لازم ذلك ان لا يحصل شي ء من ذلك قبل حصول الإجازة و لا يفيد فيه وصف لحوق الإجازة في العقد كما احتمل كفاية وصف لحوقها صاحب الفصول، و التزم به بعض المعاصرين و يتفرع على دخالة وصف لحوق الإجازة و كونه شرطا في تمام العقد انه لو علم الأصيل حصول الإجازة فيما بعد لجاز له التصرف في مال الطرف حتى الموقوف على كون المتصرف مالكا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 345

..........

______________________________

ثم انه لا بأس بالالتزام بما ذكر و ان المراد بالشرط لحقوقه في مثل اشتراط صوم المستحاضة بغسلها بعد الفجر أو للعشائين بان يقال بان المعتبر في صحة صومها عند طلوع الفجر اتصاف إمساكها عند الفجر بلحوق الاغتسال و لو في الليلة الاتية و يقال في الغسل يوم الخميس ان اتصاف المكلف بكونه لا يتمكن على الاغتسال يوم الجمعة دخيل في استحباب الغسل له يوم الخميس و اتصافه بكونه يدرك

مستقبلا هلال الشوال دخيل في وجوب الزكاة عليه من أول شهر رمضان.

و لكن مع ذلك قد يقال بامتناع تحقق وصف التعقب فعلا قبل حصول ذلك اللاحق و انه لا يمكن تصحيح مذهب الكشف بالالتزام بان الشرط في حصول الملك بالعقد تعقبه بالرضا و ان وصف التعقب حاصل حال العقد على تقدير حصول الإجازة فيما بعد فان المتضايفين متلازمين في القوة و الفعلية فاتصاف أحد بالأبوة لا ينفك عن اتصاف الآخر بالبنوة و اتصاف شي ء بالعلية لا ينفك عن اتصاف الآخر بالمعلولية و عنوان التعقب و التقدم و التأخر من الإضافات.

و الحاصل ان اتصاف شي ء بأحد الوصفين المتضايفين في زمان مع عدم اتصاف الآخر بالوصف الآخر في ذلك الزمان أمر غير معقول فلا يعقل ان يقال بحصول وصف التعقب بالإجازة للعقد قبل حصول الإجازة.

أقول الأوصاف الإضافية التي يوصف بها الشي ء ليست في حقيقتها الا باعتبار العقل و قياس أحد الموجودين بالآخر فان كن الموجودان متحدين زمانا يكون اتصاف أحدهما بوصف ملازما لاتصاف الآخر بالوصف الآخر المقابل لا محالة لفعلية الموجود الآخر في ذلك الزمان ايضا على الفرض كما في وصفي العلية و المعلولية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 346

..........

______________________________

أو الأبوة و البنوة و نحوهما و ان كان الموجود ان في زمانين كما في الموصوفين بوصفى التقدم و التأخر فلا يمكن اتصاف أحدهما بوصف في زمان ملازما لفعلية الموجود الآخر أو فعلية وصفه في ذلك الزمان فضلا عن لزومها لان تحققه فيه خلف.

نعم لا بأس بتوصيف ذلك الآخر بالوصف المقابل بلحاظ طرف وجوده و لو بملاحظته بالعنوان الإجمالي و يكفي في انتزاع وصف التقدم للموجود المتقدم ملاحظة المتأخر بعنوانه الإجمالي و لو ادعى

في فعلية وصف التقدم للمتقدم أو وصف التعقب له لزوم فعلية المتأخر لزم ان لا يوجد الموصوف الحقيقي بالتقدم و التأخر أصلا لأن الموصوف بالتأخر في ظرف وجود المتقدم معدوم و الموصوف بالتقدم في ظرف فعلية المتأخر قد انقضى عنه الوجود فأين فعلية الموصوفين و فعلية وصفيهما هذا بالإضافة إلى الاعتبار العقلي.

و اما جعل المتأخر موضوعا لحكم مقدم فهو أمر ممكن لا استحالة فيه كما يأتي فتصوير الملكية للطرفين من زمان العقد و جعل موضوعها تحقق الإجازة مستقبلا لا يوجب محالا فان المراد بشرط الحكم قيد الموضوع و لا يفرق في ذلك بين موارد كون ذلك الحكم وضعيا كالملكية كما في المقام أو كونه حكما تكليفيا و قد يعبر عن قيد موضوع الحكم في الأحكام التكليفية بالسبب كقولهم دخول الوقت سبب لوجوب الصلاة و الجنابة سبب لوجوب الغسل و طلوع الفجر سبب لوجوب الصوم.

و قد يعبر عنه بالشرط كقولهم الاستطاعة شرط لوجوب الحج و بلوغ المال حد النصاب شرط لوجوب الزكاة كما انه يعبر عن قيد الحكم الوضعي بالشرط كما يقال رضا المالك أو معلومية العوضين شرط في صحة البيع و حصول النقل و الانتقال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 347

..........

______________________________

و قد يعبر عنه بالسبب كما يقال التقاء الختانين أو خروج المنى سبب للجنابة و خروج البول أو غيره سبب للحدث الى غير ذلك.

و لكن كما ذكرنا ان ذلك مجرد تعبير و المراد في جميع ذلك قيد الحكم و موضوعه تكليفا كان أو وضعا و من الظاهر ان قيد الموضوع و منه اجازة المالك ليس شرطا باصطلاح الفلسفي في مقابل السبب و المانع من اجزاء العلة ليقال بعدم إمكان تقديم المشروط

على شرطه، فإنه من تقدم المعلول على علته زمانا، بل الشرط في المقام و هو قيد الموضوع، تابع لجعل الحكم.

فإنه قد يكون الحكم متقدما على موضوعه زمانا، و عليه فيمكن ان تكون اجازة المالك العقد شرطا في حصول الملك بنحو الشرط المتأخر بأن يجعل الشارع ملكية المال للطرف الأصيل بالعقد مراعى بحصول الإجازة، بحيث تكون الإجازة مع كونها بنفسها شرطا لحصول الملك كاشفة عن حصول الملك للأصيل بحصول العقد، و لكن اعتبار قيد للموضوع في خطاب الحكم أو غيره ظاهره، نحو الشرط المقارن، و اما المتقدم و المتأخر فاعتبارهما و ان كان ممكنا الا انه يحتاج إلى قرينة خاصة.

لا يقال إذا كان أمر شرطا للحكم يكون له دخل في ذلك الحكم لا محالة و الا لكان جعله شرطا بلا ملاك و إذا فرض دخالته فيه فكيف يحصل ذلك الحكم قبل حصوله.

(فإنه يقال) كما ذكرنا في بحث الأصول ان الحكم المجعول، غير جعله، كما هو شأن كل إنشاء مع منشئه، بخلاف الإيجاد، و الوجود فإنهما أمر واحد، و يختلفان بالاعتبار و ذلك الأمر، بلحاظ نفسه وجود و بلحاظه الى فاعله إيجاد، و اما الإنشاء و المنشأ، فهما متعددان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 348

..........

______________________________

مثلا الملكية التي يعتبرها العاقد بعنوان البيع أو غيره منشأ و قصد إبرازه بقوله بعت أو آجرت و نحوهما إنشاء و إذا كان في ملكية المال للطرف من حين العقد صلاح على تقدير اجازة المالك فيما بعد فيعتبرها الشارع كذلك، فلا تكون ملكية على تقدير عدم حصولها فيما بعد فدخالة الإجازة في الملكية ليست نظير دخالة الشرط الفلسفي في مشروطه، لان حصول الملكية يكون بالجعل و الاعتبار على الفرض، و

الداعي للجاعل الى جعلها، اعتقاد الصلاح في المجعول، كما يأتي توضيحه.

و الحاصل ان دخالة الشرط و هي الإجازة في المقام عبارة عن كونها قيدا لموضوع الملكية المجعولة من الشارع و هذا في الأحكام الوضعية.

و اما في الأحكام التكليفية كالوجوب و الحرمة فإنهما أيضا أمر إنشائي يحصل بالإبراز و الإنشاء و الجعل فالاستطاعة في وجوب الحج مثلا لا تكون دخيلة في حصول الوجوب نظير دخالة الشرط الفلسفي بل باعتبار كونها قيدا لموضوع وجوب الحج و الداعي إلى جعل وجوبه اعتقاد الجاعل الصلاح في الحج عند حصول الاستطاعة و حيث ان الصلاح و الفساد في موارد الوجوب النفسي و الحرمة النفسية يكون في متعلقهما فلا محذور في ترتب الصلاح أى الغرض على الفعل على تقدير مقارنته، بأمر يعبر عن ذلك الأمر بالشرط المقارن أو على تقدير تقدم أمر على ذلك الفعل أو تأخره عنه و يعبر عنهما بالشرط المتقدم أو المتأخر.

و بهذا يظهر ان ما ذكره صاحب الكفاية من ان الدخيل في شرط الحكم مقارنا كان أو متقدما أو متأخرا لحاظ ذلك المقارن و المتقدم و المتأخر خلط بين الدخالة في الجعل أي الداعي اليه و بين الدخيل في المجعول حيث ان الدخيل في الجعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 349

و بان الإجازة متعلقة بالعقد (1)

______________________________

هو لحاظ ذلك الأمر المقارن أو المتأخر أو المتقدم و لكن الدخيل في الحكم المجعول أي المأخوذ في موضوعه نفس ذلك الأمر كما لا يخفى.

و المتحصل من جميع ما ذكرنا انه لو تم دليل على ثبوت الملكية شرعا قبل حصول الإجازة فيلتزم به مع التحفظ على كونها شرطا في حصول الملكية، و لو بنحو الشرط المتأخر و لا

يلزم من ذلك أى محذور.

(1) الوجه الثاني للقول بالكشف ذكره ايضا الشهيد و المحقق الثانيان، و حاصله ان تعلق الإجازة بالعقد الصادر سابقا رضاء بمضمون ذلك العقد، و مضمونه نقل العوضين من حينه لا من حين الإجازة.

و أورد عليه المصنف (ره) بأمور الأول- ان الإجازة و ان تكون متعلقة بالعقد السابق الا ان مضمونه نفس النقل لا المقيد بكونه من حين العقد و بتعبير آخر يقع العقد في ذلك الزمان باعتبار ان العقد زماني لا ان معنى بعت بنحو الإنشاء هو النقل من ذلك الزمان، و ان شئت فلاحظ القبول بالإضافة إلى الإيجاب فإن القبول رضا بمضمون الإيجاب و لكن لا يحصل الملك بعد تمام الإيجاب و قبل القبول و ليس هذا الا باعتبار ان معنى الإيجاب هو نفس النقل، و في أي زمان يتم العقد يحصل الملك من ذلك الزمان و كما ان تمام العقد من المالكين يكون بعد القبول فيحصل الملك بعده كذلك تمام عقد الفضولي يكون بعد الإجازة فيكون الملك بعدها.

و أيضا بما ان مدلول العقد نفس النقل لا النقل من حينه، لم يكن الفسخ و إبطال مضمونه إلغاء للنقل من حين العقد بل يكون إلغاء لنفس النقل ففي أي زمان حصل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 350

..........

______________________________

الإلغاء، يبطل النقل من ذلك الزمان.

أضف الى ذلك انه لا ينبغي الإشكال في حصول الإجازة بقول المالك قد رضيت بكون مالي لزيد بكذا مع ان المالك المجيز لم يتعرض في القول المزبور لبيع ماله فضولا من زيد فضلا عن تعرضه بزمان نقله و قد ذكروا ان تمكين الزوجة من الزوج فيما إذا زوجها الآخر منه فضولا اجازة لنكاح الفضولي باعتبار ان

التمكين كاشف فعلى عن رضاه بالزوجية المنشأة من غير نظر الى زمانها من حيث المبدء.

أقول الإيراد المزبور على الاستدلال غير صحيح و ذلك فإن الملكية أمر اعتباري و إنشائها ليس من الإيجاد الحقيقي الذي يكون عين الوجود حقيقة و يتحد زمانهما لا محالة. بل الإنشاء كما تقدم توضيحه غير المنشأ و بينهما تعدد.

و لذا يمكن التفكيك بينهما فيمكن إنشاء الملكية المستقبلة بأن يكون الإنشاء فعليا، و المنشأ أمرا استقباليا، كما في الوصية التمليكية، و على ذلك فاللازم على العاقد في اعتبار ملكية المبيع للمشتري من تعيين المبدء فيكون الزمان المزبور قيدا للنقل أي الملكية، و لا يقاس الإجازة بقبول الإيجاب، فإن الموجب في إيجابه لا يجعل ملكية المبيع للمشتري مطلقا، حتى و لو لم يقع منه قبول بل الظاهر ان اعتبارها له معلق على قبوله بنحو الشرط المقارن، و هذا بخلاف اجازة المالك فإن الملكية المنشأة بالعقد لا تكون معلقة عليها كما يظهر الحال بملاحظة بيع الغاصب و على تقدير التعليق يكون بنحو الشرط المتأخر، كما إذا باعه لتوقع اجازة المالك.

و الحاصل ان الإجازة تتعلق بمدلول العقد الذي هو الملك من حينه و يدخل العقد بها في موضوع الإمضاء و اللزوم و قبل الإجازة لا يكون إمضاء و لا لزوم و اما قضية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 351

..........

______________________________

الفسخ فإنه إلغاء للعقد بقاء فيكون إلغاء الملكية أيضا في بقائها و لا منافاة بين ان يكون مبدء الملكية في الإجازة حين العقد و مبدئها في الإلغاء حين الفسخ، فان الفسخ لا يقابل الإجازة بل مقابل الإجازة، هو الرد و هو عبارة عن إلغاء العقد من أصله، و لا فرق فيما ذكر كله

بين ان تكون الإجازة بالقول أو بالفعل كتمكين الزوجة المزوجة فضولا، و لا يخفى ان مرادنا بمدلول العقد، ليس مدلوله بالدلالة الوضعية ليقال بان بعت مثلا إنشاء لا يدل على الزمان فكيف تكون دالا على مبدء الملكية، بل المراد الدلالة و لو بالقرينة التي أشرنا إليها من لزوم المبدء للمنشإ لا محالة.

و لا يخفى ان ما ذكره المصنف (ره) في الإيراد على الاستدلال الثاني على الكشف بقوله (و بتقرير آخر ان الإجازة من المالك قائمة) ليس تقريرا آخر للإيراد المزبور بل التقرير يناسب الرد على الاستدلال الأول الذي ذكر فيه ان العقد سبب تام للنقل و الانتقال و اجازة المالك كاشفة عن كون عقد الفضولي عند حدوثه تاما.

ثم انه (ره) ذكر الإيراد الثاني على الاستدلال المتقدم بقوله (و ثانيا لو سلمنا عدم كون الإجازة شرطا اصطلاحيا) و حاصله ان القول بالكشف لا يساعد عليه دليل بان يكون المبيع ملكا للمشتري شرعا و الثمن ملكا للمالك المجيز من حين العقد و لو قيل بتعلق الإجازة بالعقد السابق الذي مدلوله النقل من حينه أو ان الإجازة اللاحقة تجعل العقد السابق كأنه سبب تام للنقل و ذلك فان العقد الفضولي ما لم ينتسب الى المالك، لا يعمه دليل وجوب الوفاء به و خطاب حل البيع فإنه يصير بإجازة المالك عقده، و البيع بيعا برضاه، و لازم ذلك ان لا يكون نقل و انتقال قبل حصول الإجازة لأن حدوث ملكية المبيع للمشتري و انتقال الثمن إلى البائع يلازم حدوث وجوب الوفاء الذي يحدث بالإجازة كما ان حل البيع بمعنى حل التصرفات المترتبة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 352

و ثالثا سلمنا دلالة الدليل على إمضاء الشارع

(1)

______________________________

على البيع تحدث بالإجازة و من الظاهر ان حدوث الحلية المزبورة، ينتزع عنها النقل و الانتقال.

أقول هذا الإيراد أيضا غير صحيح و ذلك فان العقد و ان يكون بالإجازة منتسبا الى المالك المجيز من حين الإجازة و ان البيع بالإجازة يكون بيعا برضا المالك فيدخل العقد المزبور من حين الإجازة في موضوع الخطابين الا ان خطاب وجوب الوفاء بالعقد ليس حكما تكليفيا بالإضافة إلى البيع و نحوه حتى لو فرض ان البائع إذا أمسك بالمبيع و لم يسلمه إلى المشتري فقد عصى بعصيانين أحدهما التصرف في مال المشتري بإمساكه بالمبيع، و الثاني عدم وفائه بالعقد، بل هو إرشاد إلى لزومه، و عدم كونه قابلا للفسخ كما ان خطاب حل البيع ليس ناظرا إلى الحلية التكليفية بل الى الحل الوضعي أي الإرشاد إلى إمضاء الشرع، البيع من حيث المدلول، و إذا فرض ان مدلول البيع المزبور، ملكية المبيع للمشتري من حين تحقق العقد، يكون إمضائه بمدلوله عبارة عن اعتبار الشرع الملكية على طبق إنشاء العاقد. و رضا المالك المجيز به و قد ذكرنا في محله ان الملكية و نحوها من الأحكام الوضعية، قابلة للجعل بنفسها، و الالتزام بانتزاعها من التكليف بلا وجه.

(1) و هذا هو الإيراد الثالث على الاستدلال المتقدم. و حاصله لو سلم إمضاء الشارع عقد الفضولي على طبق اجازة المالك المفروض كونها رضاء بالعقد بمدلوله و هو النقل من حينه و لكن حكم الشارع و إمضائه يحدث عند حصول الإجازة. و لازم ذلك ان يكون ملكية المبيع للمشتري و ملكيته الثمن للمالك المجيز بالإضافة إلى الأزمنة بعد الإجازة حقيقية و بالإضافة إلى الأزمنة السابقة على الإجازة تنزيلية، بمعنى انه يترتب

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 2، ص: 353

..........

______________________________

بعد الإجازة الآثار الممكنة بالإضافة إلى تلك الأزمنة، كما إذا حصل للمبيع نماء بعد العقد و قبل الإجازة فإنه يحكم بعد الإجازة، بأن النماء المزبور ملك المشترى و هذا في الحقيقة قول بالنقل يشترك مع القول بالكشف في بعض الآثار، و الوجه في عدم كون الملكية بالإضافة إلى الأزمنة قبل الإجازة حقيقية هو عدم كون العقد في تلك الأزمنة سببا تاما للملكية حيث لم يكن معه رضا المالك الذي جزء السبب أو شرط له.

أقول و أنت خبير بأنه لا يمكن المساعدة على هذا الإيراد أيضا و انه يتعين الالتزام بكون الملكية كما أنها بالإجازة واقعية بالإضافة إلى الأزمنة اللاحقة كذلك انها واقعية بالإضافة إلى الأزمنة السابقة حيث ان التنزيل بجعل الآثار يكون في الموارد التي لا يمكن فيها جعل الموضوع بنفسه حقيقة كما في تنزيل الفقاع منزلة الخمر و اما الموضوع القابل للجعل بنفسه كالملكية التي لها آثار فلا موجب لجعل آثارها بل تجعل نفسها فيترتب عليها تلك الآثار.

و دعوى ان العقد لم يكن سببا تاما للملك في الأزمنة التي قبل الإجازة فقد تقدم انه لا سببية و لا مسببية في الملكية الشرعية بمعناهما المصطلح عند الفلسفي بل العقد مع رضا المالك بنحو الشرط المقارن أو بنحو الشرط المتأخر موضوع للملكية الشرعية.

و المتحصل الى هنا ان الاستدلال الثاني على الكشف مقتضاه الكشف الحكمي بخلاف الاستدلال الأول فإن مقتضاه كان الكشف الحقيقي.

لا يقال لا يمكن الالتزام بالكشف الحكمي فإنه كيف يعقل جعل ملكية متاع لزيد مثلا في زمان انقضى و قد كان المتاع فيه ملكا للآخر كما إذا اشترى زيد متاع عمرو فضولا فإنه ما لم تحصل الإجازة فالمتاع باق على

ملك عمرو و لو صار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 354

..........

______________________________

المتاع بعد الإجازة ملكا لزيد حتى في الأزمنة التي انقضت قبل الإجازة لزم كون المتاع المزبور في تلك الأزمنة التي قد انقضت ملكا لكل من عمرو و زيد مستقلا بل لا يمكن جعل ملكية المتاع لزيد في تلك الأزمنة إلا بإعادة الأزمنة المنقضية أو الالتزام ببقائها في الأزمنة اللاحقة و كل من الإعادة و بقائها أمر غير معقول اما الأول فظاهر و اما الثاني فلاستلزامه كون الزمان في زمان.

و الحاصل ان المتاع المزبور كان ملكا لعمر و في زمان واقعي قد انقضى و لا يمكن ان يكون المتاع المزبور لزيد في ذلك الزمان الواقعي لانقضائه و اما جعل الملكية بفرض ذلك الزمان الماضي فهو في الحقيقة ملكية في زمان فرضي موهوم مستلزم لكون كل من عمرو و زيد مالكا مستقلا لذلك المتاع في زمان واحد.

فإنه يقال الحل ما تقدم من الإنشاء و المنشأ غير الإيجاد و الوجود فإن الإيجاد و الوجود في الحقيقة واحد و اختلافهما بالاعتبار فقط و إذا كان الإيجاد في زمان يكون الوجود في ذلك الزمان لا محالة.

و إذا انقضى زمان فارغا عن وجود الشي ء فيستحيل إيجاد ذلك الشي ء في ذلك الزمان الماضي بأن يكون الإيجاد في الزمان اللاحق و الوجود في الزمان المنقضي الا ان يقع المستحيل و هو عود ذلك الزمان الماضي و كذا الحال في إيجاد شي ء استقبالي بأن يكون الإيجاد في الحال و الوجود في المستقبل فإنه أيضا لا يمكن الا ان يقع المستحيل و هو جر الزمان الاستقبال الى الحال و اما الإنشاء و المنشأ فلا استحالة في التفكيك بين زماني الإنشاء و

المنشأ فان الموصى لداره للغير بالوصية التمليكية يحصل إنشائه حال حياته و لكن منشئه و هي ملكية داره تحصل من زمان موته و كما ان الموصى حين الوصية يعتبر ملكية داره مثلا للغير و لا تكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 355

..........

______________________________

الملكية المعتبرة مطلقة بل مقيدة بالزمان المستقبل و يكفي في الوصية ان يلاحظ الموصى ذلك الزمان و يعتبر الملكية المقارنة له كذلك يمكن للمنشئ لحاظ الزمان الماضي و يعتبر الملكية المقارنة لذلك الزمان فان الاعتبار ليس من الإيجاد الحقيقي و المعتبر شبيه بأمر خيالي لو لم يكن عينه يجعله العقلاء و الشرع تنظيما لأمر معاش العباد و معادهم.

و من الفروع التي توضح المقام ما إذا اختلف الوارث مع الآخر في عين كانت مملوكة للمورث باعترافهما فقال الآخر قد تملكتها من المورث بالهبة و قال الوارث بل العين من تركة مورثه و انه لم يملكه لأحد في حياته فإنه لا ينبغي الريب في تقديم قول الوارث أخذا باستصحاب بقائها في ملك المورث الى زمان موته و من الظاهر ان هذه عبارة أخرى عن التعبد في الزمان اللاحق بالملكية السابقة و التعبد بها معناه جعل الملكية بالإضافة إلى الزمان السابق بعنوان الحكم الظاهري و اما قضية كون ملكية المتاع في زمان واحد لمالكين مستقلا فلا محذور فيه فيما إذا كان زمان الاعتبار متعددا و اى محذور في ان يعتبر ملكية المتاع لعمرو في زمان سابق بان يكون زمان الاعتبار سابقا على زمان المعتبر لغرض ثم يعتبر بعد انقضاء زمان المعتبر ملكيته في ذلك الزمان الماضي لزيد لغرض آخر و قد ذكرنا سابقا ان الأحكام الوضعية و منها الملكية لا تقاس بالتكليفية حيث

ان الأحكام التكليفية لا يمكن تعلقها بالافعال الماضية لأن الأفعال الماضية بانتهاء أمرها بالوجود أو العدم لا يفيد فيها النهى و الأمر و الترخيص و هذا بخلاف الأحكام الوضعية فإنها لا تتعلق بالافعال و ليست من سنخ البعث أو الزجر أو الترخيص و تقبل اعتبارها للأمور الماضية و المستقبلة كاعتبارها للأمور الحالية كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 356

..........

______________________________

فتحصل مما ذكرنا ان ما ذكره النائيني (ره) في وجه استحالة الكشف الحكمي من ان اعتبار ملكية مال لعمرو في زمان معين ثم اعتبار ملكية ذلك المال لزيد في ذلك الزمان بعينه غير ممكن لان المصحح للتعدد تعدد زمان المعتبر لا تعدد زمان الاعتبار و ان مع وحدة زمان المعتبر يكون الحال من قبيل الحكم بوجوب فعل في زمان ثم الحكم بحرمة ذلك الفعل في ذلك الزمان و لذا لا يمكن في مسئلة التوسط في الدار المغصوبة الحكم بحرمة التصرف فيها بالخروج قبل الدخول فيها و الحكم بوجوبه بعده لما ذكرنا في ان الفعل بعد انقضاء زمانه لا يقبل البعث اليه أو الزجر عنه أو الترخيص فيه و ان تعلق الحرمة بفعل مقتضاه وجود المفسدة الملزمة الخالصة فيه و تعلق الوجوب مقتضاه وجود المصلحة الملزمة الخالصة و الترخيص مقتضاه عدم ثبوتهما و لا يمكن حصول الملاكين في فعل واحد في زمان واحد بخلاف ملكية المال في زمان واحد فيمكن ان يتعدد الغرض فيها باعتبار تعدد زماني الاعتبار لأن المصلحة كسائر الأحكام الوضعية تكون في نفس اعتبارها.

لا يقال إذا كان كل من ملكية المال لعمرو في زمان و ملكية ذلك المال لزيد في ذلك الزمان مورد الغرض فيمكن اعتبارهما و لو مع وحدة

زمان الاعتبار أيضا.

(فإنه يقال) لا يمكن ذلك فان معنى اعتبار ملكية المال لعمرو في زمان مقتضاه استقلال عمرو في التصرف في ذلك المال في ذلك الزمان دون غيره و اعتبار ملكية ذلك المال لزيد في ذلك الزمان معناه استقلال زيد في ذلك الزمان للتصرف دون غيره و لا يمكن ذلك مع وحدة زمان الاعتبار بخلاف ما إذا كان زمان الاعتبار متعددا فان اعتبار الملكية لعمرو في زمان أو لا مقتضاه انه يجوز له في ذلك الزمان التصرف في ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 357

فالظاهر من صحيحة قيس الكشف (1).

______________________________

المال و بالإضافة إلى التصرفات الخارجية يكون الجواز بمعنى الترخيص و الإباحة تكليفا و بالإضافة إلى التصرفات المعاملية بمعنى نفوذها و صحتها و انه لا يجوز لغيره زيدا كان أو غيره التصرف في ذلك المال و عدم الجواز بالإضافة إلى التصرفات الخارجية هي الحرمة و بالإضافة إلى التصرفات المعاملية بمعنى عدم نفوذها.

ثم بعد اجازة عمرو المعاملة الفضولية و اعتبار ذلك المال لزيد في ذلك الزمان يكون مقتضى الاعتبار إمضاء تصرفات زيد في ذلك الزمان و كون نماء المال في ذلك الزمان له لا لعمرو كما لا يخفى.

و اما ما استدل به فخر المحققين على القول بالكشف بأنه لولاه لزم تأثير المعدوم في الموجود باعتبار ان المؤثر في الملكية هو العقد و لو قلنا بان اجازة المالك كاشفة عن حصول الملكية من زمان العقد فلا محذور و اما إذا قلنا بحدوث الملكية حين الإجازة لزم تأثير العقد المعدوم في ذلك الزمان في الملكية فلا يخفى ما فيه فإنه بعد الإحاطة بما ذكرنا من ان العقد لا يؤثر في الملكية الشرعية بل تلك الملكية

حكم شرعي مجعول للشارع يمكن ان يكون موضوعه الأمر المقارن للحكم زمانا و يمكن ان يكون تمام الموضوع أو بعض قيوده الأمر المتأخرين عن الحكم و ليس للموضوع أي تأثير خارجي في الحكم بل ثبوته على تقدير الموضوع لتحقق الجعل في ذلك الفرض و عدم تحقق الحكم مع عدم الموضوع لعدم الجعل مع عدمه و ان شئت الاستيناس للمقام فلاحظ الملكية شرعا في بيع الصرف و السلم فإنها تحدث حين حصول القبض في المجلس و العقد في ذلك الحين معدوم.

(1) وجه ظهورها في الكشف هو ما تقدم من دلالتها على سقوط قيمة الولد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 358

..........

______________________________

عن عهدة المشتري بإجازة المولى البيع الواقع على وليدته فضولا و اما التفرقة بين صحيحة ابى عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين فضولا و بين سائر الأخبار بدلالتها على الكشف الحقيقي بخلاف سائر الأخبار فباعتبار انه لم يذكر في تلك الاخبار حكم يناسب خصوص الكشف الحقيقي بخلاف الصحيحة فإن الوارد فيها و هو لزوم عزل نصيب الصغيرة و هو يناسب خصوص الكشف الحقيقي فقط كما يأتي توضيحه في التعليقة الاتية و الحاصل ان الحكم لأب البائع بأخذ ابن الوليدة لا يصح الا إذا كان الأخذ المزبور لقيمة الولد فقط أو مع قيمة ما استوفاها المشترى من سائر منافع الجارية.

ثم لا يكون إرساله بعد اجازة البيع الأعلى مذهب الكشف دون النقل فإنه على النقل لا يسقط قيمة الولد أو قيمة سائر منافعها التي استوفاها عن عهدة المشتري ليتعين على أب البائع إرسال الولد بخلاف القول بالكشف حقيقيا كان أو حكميا.

و اما وجه تعلق المشترى بالبائع الفضولي فلعله باعتبار ضمانه الثمن المدفوع إليه فأية كما كان

بيعه فضوليا كان قبضه الثمن فضوليا سواء كان المدفوع اليه نفس الثمن أو وفائه و انه إذا أجاز مولى الوليدة بيعها كانت إجازته إجازة للقبض المزبور ايضا و قد سأل المشتري هذه الإجازة عنه بقوله لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني.

و احتمال ان البائع كان مديونا للمشتري ببدل الثمن بمقتضى ضمانه و المشترى كان مديونا للمولى بقيمة الولد و قيمة منافع الجارية فلعل الإجازة معتبرة بنحو النقل و ان إرسال المولى ولد المشترى و إرسال المشتري البائع أي ابن المولى كان لإسقاط المولى دين المشترى في مقابل دين الابن البائع لا يمكن المساعدة عليها لان هذا الاسقاط لا يحتاج إلى إجازة بيع الجارية و ظاهر الرواية ان إرسال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 359

فإطلاق الحكم بالعزل منضما الى عموم الناس مسلطون (1).

______________________________

الولدين كان علاجه بإجازة البيع و لا تكون أجازته علاجا إلا إذا اعتبر الإجازة بنحو الكشف و ان تكون بحيث تعم اجازة قبض الثمن ايضا.

(1) المراد من إطلاق الحكم بالعزل عدم تقييده بصورة رضا الورثة و هذا الإطلاق بانضمامه الى عموم الناس مسلطون على أموالهم المقتضي لسلطنة سائر الورثة لجميع حصصهم من تركة الزوج الميت يفيد مسلك الكشف الحقيقي حيث بناء على هذا المسلك لا يكون لزوم عزل نصيب الزوجة تخصيصا لعمومه بخلاف مسلك النقل أو الكشف الحكمي فإنه بناء عليهما يكون المقدار المعزول ملكا لسائر الورثة واقعا و قد منعوا عن التصرف في ملكهم بتعين العزل عليهم.

(أقول) لا يمكن المساعدة على الاستظهار المزبور و ذلك لما تقرر في الأصول من بحث العام و الخاص انه إذا علم عدم شمول حكم العام لشي ء و دار أمر عدم الشمول بين ان

يكون بنحو التخصيص أو بنحو التخصيص فلا يمكن التمسك بعموم العام في إثبات كون الخروج بنحو التخصص لا التخصيص كما إذا قام دليل على عدم لزوم الاجتناب عن غسالة الاستنجاء و دار أمر الغسالة بين كونها تخصيصا في خطاب كون الماء المتنجس منجسا و بين ان يكون خروجها عن الخطاب المزبور بالتخصص بان تكون الغسالة المزبورة طاهرة فإنه لا يمكن إثبات طهارتها بالأخذ بعموم خطاب كون الماء المتنجس منجسا هذا أولا.

و ثانيا انه على الكشف الحقيقي يكون تعين عزل سهم الزوجة أيضا تخصيصا في خطاب اعتبار الاستصحاب فالمتعين ان العزل حكم ظاهري و احتياط في الواقعة التي من الشبهة الموضوعية كوجوب عزل نصيب الحمل و جعله أكثر ما يحتمل عادة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 360

..........

______________________________

و الحاصل ان الحكم بتعين عزل نصيب الزوجة مع احتمال إجازتها بعد بلوغها منضما الى عموم خطاب الاستصحاب مقتضاه عدم الكشف الحقيقي و قد أورد بعض الأعاظم على دلالة الصحيحة على اعتبار الإجازة بنحو الكشف أو غيره بأنه لم يظهر منها ان التزويج المفروض فيها فضولي و ان رضاء الصبي و الصبية به بعد بلوغهما اجازة لذلك التزويج الفضولي بل ظاهرها ان النكاح المزبور قد وقع من الوليين و ان ذلك النكاح جائز أي صحيح و لكن يكون لكل منها بعد بلوغهما الخيار في فسخه و إقراره و ان من شرط التوارث بين الزوجين المفروضين رضا كل منهما بالنكاح المزبور أى فسخه و إقراره و إذا مات أحدهما بعد رضاه به و قبل بلوغ الآخر يكون الإرث مشروطا برضاء الآخر بعد بلوغه و هذا ظاهر الرواية أي ظاهر جواز النكاح و فرض صدوره من الوليين و لا

موجب لحملها على نكاح الفضولي ثم حمل الرضا الوارد فيها على الإجازة و الاستظهار يكون اعتبارها بنحو الكشف نعم قوله عليه السلام في ذيلها (فان كان أبوها هو الذي زوجها) ظاهر في ان نكاح الأب لا يكون كنكاح غيره و لا يعتبر في نكاحه خيار الفسخ بل يلزم و يثبت التوارث و لو قيل بأن الأب يعم الجد أي أب الأب يكون نكاح الجد كنكاح الأب فيختص صدرها بنكاح غير الأب و الجد هذا مع ان الذيل معارض بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام عن الصبي يزوج الصبية قال إذا كان أبوهما اللذان زوجاهما فنعم جائز و لكن لهما الخيار إذا أدركا فإن رضيا بعد ذلك فان المهر على الأب قلت فهل يجوز طلاق الأب على ابنه في صغره قال لا «1».

______________________________

(1) الوسائل الجزء 14 الباب 6 من أبواب عقد النكاح الحديث (8).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 361

اما الثمرة على الكشف الحقيقي (1).

______________________________

و كذا معارض بذيل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره أ يجوز طلاقه و هو ابن عشر سنين قال فقال اما تزويجه صحيح الى ان قال فان ماتت أو مات يوقف الميراث حتى يدرك أيهما بقي ثم يحلف باللّه ما دعاه الى أخذ الميراث الا الرضا بالنكاح «1».

أقول إذا تسلم أطال اللّه بقائه ان قوله عليه السّلام في ذيل صحيحة ابى عبيدة الحذاء يكون دالا على نفوذ نكاح الأب و ثبوت التوارث معه و ان الأب يعم الجد فيلزم عليه ان يحمل الوليين في صدرها على غير الأب و الجد و من الظاهر ان غير الأب

و الجد لا يكون وليا شرعيا فيكون نكاحه فضوليا لا محالة و حمل الوليين على خصوص الوصي مع ان ولايته على النكاح الصغيرة غير محرزة حمل بعيد و أبعد منه حمله على نكاح الحاكم الشرعي لضرورة الطفل و اما معارضة ذيلها بصحيحة محمد بن مسلم و صحيحة الحلبي فلا يضر بالاستدلال فإنه لا يمكن العمل بمثلهما في مقابل غير واحد من الروايات الدالة على نفوذ نكاح الأب و الجد و عليه شهرة قديما و حديثا و تمام الكلام في ذلك موكول بكتابي النكاح و الإرث.

(1) لا تظهر الثمرة على الكشف الحقيقي بين كون الشرط في صحة المعاملة تعقبها بالإجازة أو تكون الإجازة بنفسها شرطا متأخرا و انه يجوز لكل من المالك المجيز و الأصيل التصرف فيما انتقل اليه قبل حصول الإجازة على تقدير إحراز حصولها فيما بعد سواء كان التصرف أمرا خارجيا أو اعتباريا و يأتي الاعتراف بذلك من المصنف في بيان الثمرة بين الكشف الحقيقي و الكشف الحكمي.

______________________________

(1) الوسائل الجزء 17 الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج الحديث (4).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 362

[و اما الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي]

و اما الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي (1).

______________________________

(1) إذا وطأ المشتري الجارية التي اشتراها من الفضولي قبل اجازة المالك فأولدها ثم أجاز الشراء مالكها فعلى القول بالكشف الحقيقي يكون الوطي المزبور حلالا واقعيا لوقوعه في لملك واقعا كما انه حرام واقعا على الكشف الحكمي و تكون الجارية المزبورة أم ولد للمشتري على الكشفين و هذا بناء على الكشف الحقيقي ظاهر لحدوث الوطي في الملك الواقعي للمشتري و على الحكمي باعتبار انه بعد الإجازة يملك المشتري الجارية حتى بالإضافة إلى الأزمنة السابقة و منها زمان الوطأ

و احتمل (ره) عدم كونها أم ولد بذلك لان الاستيلاد لم يحدث في الملك و ان حكم بملكية الجارية في ذلك الزمان للمشتري و لكن لا يخفى ما في الاحتمال من الضعف فان مقتضى اعتبار الجارية ملكا للمشتري زمان الاستيلاد مقتضاه كون الجارية أم ولد.

و ذكر السيد الخوئي أطال اللّه بقائه انه لا يحكم على الأمة بناء على الكشف الحكمي بأنها أم الولد لان ظاهر ما دل على انها لا يباع أو غيره من الأحكام ترتبها على أمة يحدث استيلادها في ملك الواطى و على الكشف الحكمي يكون الاستيلاد بقاء في ملكه نظير ما شرع في صلاته بقراءة سورة ثم تركها في الأثناء بالعدول إلى سورة أخرى فإنه بالعدول و إتمام السورة الثانية و ان تكون الأولى زائدة الا انها لا تحسب زيادة في الصلاة و لا تعمه قوله عليه السّلام من زاد في صلوته فعليه إعادتها فان ظاهره احداث الزائد لا جعل الحادث سابقا زائدا فيما بعد.

أقول إذا فرض مبدء الملكية المجعولة هو الزمان السابق يكون الاستيلاد بحدوثه محكوما بوقوعه في الملك لا محالة و لا يقاس بمسئلة الزيادة في الصلاة فان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 363

و لو نقل المالك أم الولد عن ملكه (1).

______________________________

مبدء اتصاف القراءة السابقة بالزيادة من حين العدول إلى السورة اللاحقة نظير ما أخبر القائل بأنه يفعل كذا صباح الغد مع بنائه على الفعل المزبور ثم بدا له صباح الغد فلم يفعله يكون اتصاف الكلام المزبور بالكذب بحسب نظر المتكلم من حين البداء له بل يقاس بما إذا اغتسل المكلف بماء مشكوك طهارته أخذا بأصالة طهارته.

ثم بعد الاغتسال و الصلاة علم بان الماء المزبور كان

متنجسا قبل الاغتسال و شك في وقوع المطهر عليه قبل اغتساله فإنه لا إشكال في ان الماء الى حين حصول هذا العلم و الشك كان محكوما بالطهارة و بعد حصولهما يحكم على الماء المزبور حتى بالإضافة إلى حين الاغتسال بالنجاسة مع انه يلزم عليه طال بقاه الحكم بصحة الاغتسال و لا أقل بعدم وجوب قضاء صلاة صلاها بذلك الغسل لأنهما مقتضى قاعدة الطهارة السابقة أو أصالة عدم وجوب قضائها.

(1) و حاصله انه لو اشترى الأمة فضولا فأولدها و نقلها مالكها عن ملكه ثم أجاز الشراء المزبور فعلى الكشف الحقيقي يحكم ببطلان النقل المزبور و بصحة الشراء لأن الإجازة تكشف عن وقوع نقله في ملك المشترى واقعا و يحتمل بطلان اجازة الشراء لان النقل سابقا بمنزلة رده الشراء المزبور و سيأتي ان من شرط نفوذ الإجازة عدم سبقها بالرد هذا على الكشف الحقيقي.

و على الكشف الحكمي فيحكم بصحة النقل المزبور و على المالك المجيز أداء عوض الأمة أى قيمتها إلى المشتري جمعا بين صحة النقل المزبور و بين المعاملة مع الجارية المزبورة بعد الإجازة معاملة ملك المشترى بالإضافة إلى الأزمنة الماضية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 364

..........

______________________________

و يكون المقام نظير ما إذا فسخ ذو الخيار العقد مع نقل المال عن ملكه قبل ذلك فان بعد فسخه عليه بدل المال جمعا بين نفوذ نقله و رجوع ذلك المال بالفسخ الى مالكه الأول.

و الحاصل ان ضابط الكشف الحكمي انه يترتب آثار الملكية بالإضافة إلى الأزمنة السابقة بعد حدوث الإجازة فإن كان الجمع بين تلك الآثار و تصرف المالك قبل أجازته ممكنا فهو و الا كما إذا أتلف المالك المال حقيقة أو شرعا كالعتق بطلت

الإجازة لفوات محلها و ان يحتمل الرجوع اليه بالبدل مع الإتلاف أيضا جمعا بخلاف الكشف الحقيقي فإنه بالإجازة ينكشف كون المال ملكا للغير واقعا من حين عقد الفضولي فيبطل كل تصرف من المالك لا حق بالعقد المزبور.

أقول مجرد تلف المال أو العتق لا يوجب التنافي بينه و بين اجازة عقد الفضولي فإنه بعد أجازته يرجع الأصيل إلى المالك المجيز ببدل المال المتلف أو المعتق كما في مسئلة البيع بشرط الخيار للمشتري فإنه إذا تلف المبيع في يد المشتري أو أعتقه فيرجع إليه البائع بعد الفسخ ببدل التالف أو المعتق بل التنافي بين الإجازة و التصرف من المالك المجيز يتصور في موارد لا يكون فيها الرجوع الى المالك المجيز بالبدل كما إذا زوج الفضولي المرأة من زيد ثم المرأة مع جهلها بالحال زوجت نفسها من عمرو فإنه لا يمكن الجمع بين نفوذ النكاح الثاني و اجازة النكاح الأول و في مثل ذلك لا ينبغي الريب في نفوذ النكاح الثاني و فساد النكاح الأول و ذلك فان النكاح الثاني بحصوله يعمه ما دل على مشروعية النكاح و نفوذه و مع هذا الشمول لا تفيد إجازتها النكاح الأول حيث لا يمكن ان يعمل ذلك الدليل بل يمكن ان يقال الأمر كذلك حتى على الكشف الحقيقي لا لكون النكاح الثاني ردا للنكاح الأول

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 365

..........

______________________________

حيث نفرض وقوع النكاح الثاني غفلة عن النكاح الأول بل لأن الإجازة المصححة للنكاح الأول إجازة الخلية لا اجازة ذات البعل.

و اما إذا لم يكن تصرف المالك المجيز منافيا لصحة عقد الفضولي بإجازته فقد يقال كما عن المصنف (ره) و غيره بأنه يجمع بين التصرف الثاني و

عقد الفضولي بإجازته برجوع الأصيل إلى المالك المجيز ببدل ذلك المال نظير رجوع من عليه الخيار إلى المشتري بعد فسخ الشراء ببدل المبيع التالف حقيقة أو حكما.

و لكن لا يخفى انه لا يمكن المساعدة على الجمع بذلك في المقام بل المتعين هو الالتزام بان تصرف المالك في المبيع و نقله الى الغير أو إتلافه يوجب ان لا يبقى مورد للإجازة لا لكون التصرف المزبور ردا فعليا لعقد الفضولي ليقال بان تصرفه مع غفلته عن جريان العقد فضولا على ماله لا يكون من الرد الذي من الإنشائيات و لا يحصل بدون القصد سواء كان بالفعل أو بالقول بل لان المعتبر في الإجازة ان تكون موجبة لاستناد عقد الفضولي إلى المالك المجيز بان يصح ان يقال انه باع ماله أو آجره أو صالحه الى غير ذلك و لا تكون الإجازة مع التصرف المزبور مصححة لذلك لان نفوذ ذلك التصرف يوجب كون المالك أجنبيا عن المال المزبور و لا تكون أجازته موجبة لان يقال انه باع داره و آجرها أو صالحها الى غير ذلك.

و هذا هو السر فيما يأتي من ان من شرط الإجازة ان يكون المجيز مالكا للمال الذي جرى عليه العقد فضولا لو لا أجازته و بتعبير آخر المصحح لاستناد عقد الفضولي إلى المجيز بإجازته كونه مالكا للمال لولاها و المفروض انه مع التصرف المزبور لا يكون مالكا لتكون جازته باعتباره مصححة للاستناد بل الأمر كذلك في صورة تلف المال فان المال بعد تلفه في يد مالكه لا يعتبر ملكا له و لا يقاس بما إذا اشترى متاعا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 366

[الثمرة بين الكشف و النقل]

و للشهيد الثاني في الروضة عبارة توجيه المراد

منها (1).

______________________________

بشرط الخيار له و تصرف في ذلك المال بالنقل أو تلف في يده فإنه يكون له فسخ الشراء و يرجع البائع إليه ببدل المبيع و ذلك فان الخيار حق له متعلق بالعقد الواقع و التصرف في المبيع إذا لم يكن بقصد إسقاط الخيار لا يوجب سقوطه فيكون له فسخه و يتعين عليه بعد الفسخ دفع البدل و الإجازة في المقام ليست من قبيل الحق المتعلق بالعقد و لذا لا يكون للمالك المجيز إسقاطها بل اعتبارها لكونها مصححة لاستناد عند الفضولي اليه و وجه التصحيح ما ذكرنا من كونه مالكا للمال لولا الإجازة.

فتحصل مما ذكرنا انه على الكشف الحكمي يكون تلف المال أو تصرف مالكه بنقله الى الغير أو عتقه موجبا لانقضاء مورد الإجازة فيصح تلك التصرفات و يلغو عقد الفضولي.

بل يمكن ان يقال ان الحال كذلك حتى على الكشف الحقيقي فإن المعقول منه هو الالتزام بكون الإجازة شرطا متأخرا أو ان الشرط تعقب العقد بالإجازة و ما هو شرط متأخرا و لحوقه شرط هي اجازة المالك لولاها لا مجرد اجازة المالك حال العقد و يأتي بقية الكلام في ذلك في بحث اشتراط كون المجيز مالكا.

(1) قال في الروضة و تظهر الفائدة يعني فائدة القولين الكشف و النقل في النماء فان جعلناها كاشفة فالنماء المنفصل للمبيع المتخلل بين العقد و الإجازة للمشتري و نماء الثمن المعين للبائع و لو جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز انتهى.

و ذكر المصنف (ره) ان توجيه المراد من هذه العبارة بأن تحمل هذه العبارة على خلاف ظاهرها اولى من الأخذ بظاهرها و التكلف في تطبيق ذلك الظاهر على القواعد و توضيح ذلك ان نماء المبيع المتخلل بين العقد و الإجازة للمشتري

و نماء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 367

و منها ان فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل (1).

______________________________

عين الثمن للبائع على الكشف الحقيقي أو الحكمي و النماء المزبور يكون للمالك الأصلي على النقل و مراد الشهيد من المالك المجيز هو المالك الأصلي الشامل لمالك المبيع و مالك الثمن مع فرضه الفضولية في العقد من الطرفين فيصح ان يقال انه بناء على النقل يكون نماء كل من المبيع و الثمن للمالك المجيز اى لمالكهما الأصلي و هذا الحمل اولى من الأخذ بظاهرها بان يقال إذا كان العقد فضوليا من طرف البائع مثلا يكون نماء المبيع و الثمن له على النقل اما نماء المبيع فظاهر حيث ان المبيع لا يخرج عن ملكه قبل الإجازة على الفرض و اما نماء الثمن له فلان الأصيل بإقدامه على المعاملة الفضولية قد رفع يده عن الثمن و عن نمائه من حين العقد.

و الاولى المذكور في كلام المصنف (ره) من قبيل الاولى في آية إرث اولى الأرحام و ذلك فان تعليل ظاهر كلام الشهيد الثاني بما ذكر ضعيف غايته و مجرد إقدام المشتري الأصيل على المعاملة الفضولية لا يوجب خروج الثمن عن ملكه حين العقد حتى يتبعه نمائه بل قد لا يعلم المشتري بأن البيع من البائع المزبور فضولي.

(1) يعني إذا فسخ الأصيل العقد ثم اجازه المالك فعلى الكشف الحقيقي يحكم ببطلان فسخ الأصيل فإنه بناء عليه يعلم بوقوع فسخه بعد تمام العقد بخلاف ما إذا قيل بالنقل فإنه بناء عليه يحكم ببطلان الإجازة و كونها لغوا لان لكل من المتعاقدين إلغاء إنشائه قبل تمام العقد جزءا أو شرطا بالإجماع.

أقول ينبغي ان يذكر هذه ثمرة بين الكشف الحقيقي

المبنى على كون الشرط في تمام العقد تعقبه بإجازة المالك و بين غيره سواء قيل بالنقل أو بالكشف الحكمي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 368

..........

______________________________

أو الحقيقي المبنى على كون الإجازة بنفسها شرطا متأخرا فإنه بناء على جميع ذلك يكون تمام العقد بنفس الإجازة فيكون الفسخ المزبور قبل تمامه فلا تفيد الإجازة بعده.

و لكن نوقش في الثمرة كما تعرض لها المصنف (ره) بما حاصله انه لا اثر لفسخ الأصيل و انه يتم العقد بلحوق الإجازة على الكشف و النقل و ذلك فان العقد سبب للنقل مع حصول شرطه و الشرط في المقام بناء على النقل أو الكشف على بعض فروضه هي الإجازة و إذا حصلت يترتب الأثر على العقد السابق لتمام السبب معها و ترتب الأثر على تمام السبب من أحكام الوضع يعنى غير موقوف على إرادة أحد المتعاقدين ليكون فسخه موجبا لبطلان هذا الترتب و لكن المناقشة ضعيفة لان من شرط صحة العقد و ترتب الأثر عليه عدم تخلل الفسخ قبل تمام السبب و مع تخلل الفسخ كما ذكر لا يتم العقد بشرطه ليترتب عليه أثره.

اللهم الا ان يمنع عن هذا الاشتراط بعدم ثبوت الإجماع المدعى و مقتضى الإطلاقات عدم اعتباره. مثلا إذا أنشأ البائع البيع و فسخه قبل قبول المشتري أو قبل حصول شرطه، فمقتضى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بطلان الفسخ المزبور.

و ذكر النائيني (ره) انه فرق بين فسخ الإيجاب قبل القبول و بين الفسخ بعد الإيجاب و القبول و قبل حصول سائر الشرائط فإن فسخ الإيجاب قبل القبول لا بأس به حيث لا يتم عنوان العقد الا بعد القبول بخلاف الفسخ بعد الإيجاب و القبول و قبل حصول سائر الشرائط

فإن الفسخ المزبور غير جائز كما هو مقتضى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

نعم إذا قام في مورد دليل خاص على جواز الفسخ قبل حصول سائر الشرائط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 369

..........

______________________________

أيضا يلتزم به كما في الهبة و الوقف قبل القبض و اما مع عدم قيامه فمقتضى خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وجوب إنهاء العقد و عدم جواز فسخه و هذا حكم تكليفي انحلالي يتعلق بكل من البائع و المشترى و ليس من النقل و الانتقال الذي من قبيل الحكم الوضعي و الحكم التكليفي المزبور يترتب على العقد و ان لم يترتب عليه الحكم الوضعي باعتبار عدم حصول بعض الشرائط و الإجازة في المقام شرط للحكم الوضعي حيث لا يحصل النقل و الانتقال بدون حصولها.

و الحاصل وجوب الوفاء و عدم جواز الفسخ موضوعه العقد الذي يحصل بالإيجاب و القبول و على ذلك فلا يجوز للأصيل فسخ العقد قبل اجازة المالك المجيز سواء قيل بأن إجازته كاشفة عن تمام العقد قبله أو قيل بالنقل و لا يقاس الفسخ على القول بالنقل بفسخ الموجب إيجابه قبل قبول المشتري.

أقول وجوب الوفاء بالعقود لا يمكن ان يكون حكما تكليفيا بالإضافة إلى مثل البيع و الإجازة من المعاملات، فان الوفاء بالعقد بمعنى عدم فسخه لإيراد من تحريمه حرمة مجرد التكلم بلفظ فسخت و نحوه مع قصد انحلال العقد مع بقاء العقد بحاله فتحريم الفسخ يمكن فيما إذا كان الفسخ مقدورا و حاصلا بالإنشاء المزبور و إذا فرض حصول الفسخ في موارد حرمته لا يكون خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ دالا على لزومها و عدم انحلالها بالفسخ كما يتمسك هو (ره) و غيره بالخطاب المزبور لا ثبات لزوم المعاملات فالمتعين ان يكون وجوب الوفاء

بالعقود بالإضافة إلى مثل البيع حكما وضعيا و إرشادا إلى لزومها و من الظاهر ان العقد المحكوم باللزوم في مثل البيع و الإجارة مما يكون من العهد المشدود هو العقد المنتسب الى المالكين و ما لم تحصل الإجازة لم يتحقق ذلك العهد و لا يترتب الحكم باللزوم سواء قيل بأن الإجازة ناقلة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 370

و منها جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل (1).

______________________________

أو كاشفة بكشف حكمي أو حقيقي بمعنى كون الإجازة بنفسها شرطا متأخرا.

نعم إذا قيل بعدم كون الإجازة بنفسها شرطا بل الشرط تعقب العقد بالإجازة فيمكن ان يقال انه لا يكون لفسخ الأصيل أثر لوقوع ذلك الفسخ بعد تمام العقد لان وصف التعقب يحصل للعقد من حين إنشائه فتحصل عما ذكرنا ان مع تخلل الفسخ بين العقد و الإجازة لا تحصل بالإجازة عنوان العقد المشدود المنسوب الى المالكين نظير تخلله بين إيجاب مالك المبيع و قبول المشترى بل الأمر كذلك فيما إذا تخلل الفسخ بعد حصول العقد المشدود و قبل حصول بعض الشرائط المعتبرة في ترتب الأثر على ذلك العقد كما إذا فسخ البائع بيع الصرف قبل حصول القبض في المجلس فان الحكم على العقد باللزوم باعتبار مدلوله الممضى شرعا و ما لم يحصل إمضاء مدلوله بحصول ذلك الشرط لا يحكم عليه باللزوم و إذا حصل الفسخ قبل حصوله لا يحصل العقد المشدود بحصول الشرط لان المفروض إلغائه قبل حصوله.

(1) هذه أيضا ثمرة بين القول بالكشف الحقيقي و بين غيره من النقل و الكشف الحكمي فإنه بناء على النقل أو الكشف الحكمي يجوز للأصيل التصرف فيما انتقل عنه و لو بتصرف ينافي انتقال المال

عنه و ذلك فان المال بناء عليهما قبل الإجازة ملكه فيجوز له ترتيب آثاره تكليفا و وضعا فلو باع جارية من فضولي فللبائع الأصيل وطيها قبل الإجازة و ان استولدها صارت أم ولد فيفوت محل الإجازة باعتبار انه لا يجوز بيع أم الولد و كذا إذا زوجت نفسها من آخر فضولا يجوز لها التزويج من غيره و يخرج نكاح الفضولي عن جواز لحوق الإجازة به الى غير ذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 371

..........

______________________________

و الحاصل انه بناء على النقل و الكشف الحكمي لا يحصل تمام الموضوع لوجوب الوفاء بالعقد قبل الإجازة ليمنع وجوبه على الأصيل عن ترتيب آثار بقاء ملكه فلا يصح ما يظهر من المحقق الثاني من عدم جواز هذا النحو من تصرف الأصيل حتى بناء على النقل حيث ذكر في بيع العين بالثمن المغصوب انه لا يجوز تصرف البائع الأصيل و لا المشترى الغاصب في تلك العين لاحتمال حصول الإجازة سيما على القول بالكشف انتهى.

و ربما يقال بجواز التصرفات للأصيل ظاهرا حتى على الكشف باعتبار انه لا يعلم حصول الإجازة و انتقال المال عنه واقعا و مقتضى أصالة عدم انتقاله و بقائه في ملكه جوازها.

نعم حصول الإجازة فيما بعد كاشف عن بطلان تلك التصرفات فيأخذ المالك المجيز العين مع بقائها و بدلها مع تلفها.

و لكن منع المصنف (ره) عن ذلك و ذكر انه بناء على الكشف أي الحقيقي منه لا يجوز للأصيل التصرف المنافي للإجازة حتى مع علمه بعدم حصول الإجازة و ذلك فإنه بناء على هذا الكشف يكون الموضوع لوجوب الوفاء و هو نفس العقد حاصلا فيجب على الأصيل الوفاء به و هذا الوجوب يمنعه عن ترتيب آثار بقاء

الملك الى ان يحصل الرد من المالك المجيز حيث يكون إلغاء العقد و إبطاله برده فقط.

لا يقال كيف لا يجوز الأصيل التصرف في المال المحتمل بقائه في ملكه و لا يجوز له التصرف في المال الآخر مع أنه لو لم يجز له التصرف في الأول واقعا لجاز التصرف في الآخر بمقتضى المبادلة بينهما.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 372

..........

______________________________

فإنه يقال لا يجوز له التصرف المنافي فيما كان ملكا له كما لا يجوز له التصرف في المال الآخر مطلقا و ذلك فان العقد الموضوع لوجوب الوفاء به و ان كان بمعنى مطلق العهد الحاصل بالإيجاب و القبول الا ان التكليف بالوفاء قرينة على ان المراد هو العهد على نفسه و ما هو عهد المكلف على نفسه هو انتقال ماله الى ملك المشترى أي صاحب الثمن و التكليف بالوفاء به يمنعه عن التصرف في ماله بما ينافي الإجازة المتوقعة و التصرف في المال الآخر لا يعمه وجوب الوفاء و لا يناسبه حيث انه لا يكون من العهد على نفسه.

لا يقال قد تقدم جواز هذه التصرفات للأصيل بناء على النقل و الكشف الحكمي مع ان العهد على نفسه موجود عليهما أيضا.

فإنه يقال قد مر ان تمام الموضوع لوجوب الوفاء هو نفس العقد بناء على الكشف الحقيقي فلا يجوز للأصيل نقضه بخلاف النقل أو الكشف الحكمي فإن الموضوع له لا يكون العقد فقط بل العقد مع قيد الإجازة حتى لو قيل في تصحيح الكشف الحقيقي بكون الشرط تعقبه بالإجازة و يجب الوفاء به مع الشرط المزبور لكان مقتضى أصالة عدم حصول الشرط في صورة الشك في الإجازة جواز التصرف ظاهرا بخلاف ما لو قيل بأن الإجازة

في المستقبل كاشفة عن كون العقد من الأول تمام الموضوع لوجوب الوفاء.

لا يقال انتقال المال عن الأصيل و دخوله في ملك الآخر و ان كان عهدا على نفسه الا انه مشروط بحصول أمر و هو انتقال الثمن عن الآخر إليه بإزاء ماله و لا يعلم هذا الشرط غالبا لاحتمال عدم حصول الإجازة فيكون المقام نظير النذر المشروط في ماله حيث ذكروا أنه يجوز للناذر التصرف في المال المزبور قبل حصول الشرط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 373

..........

______________________________

فإنه يقال فرق بين النذر المشروط و المقام فان العهد في باب النذر كما هو قضية الشرطية في قول الناذر معلق و مراعى بخلاف المقام حيث يكون احتمال الإجازة و انتقال المال اليه داعيا له الى تمليك ماله بإزاء المال الآخر كما هو ظاهر قول البائع بعتك هذا المال المزبور بذلك فلا يكون حصول الشراء من الآخر و لو احتمالا شرطا و تقديرا في الإيجاب المزبور.

أقول ما ذكر (ره) من انه على الكشف لا يجوز للأصيل التصرف المنافي للإجازة حتى مع إحرازه عدم الإجازة مستقبلا بدعوى ان وجوب الوفاء بالعقد يمنعه عن التصرف المزبور ضعيف و ذلك فان كون الإجازة كاشفة عن الملكية و تعلق الوفاء بالعقد من الأول مرجعه الى اعتبار الإجازة بنحو الشرط المتأخر بأن يكون الموضوع لوجوب الوفاء و هو العقد، له قيد و ظرف تحقق ذلك القيد، هو الاستقبال و إذا لم يحرز حصولها في المستقبل فأصالة عدم حصولها مقتضاها جواز تصرف الأصيل في ماله و لو حصلت بعد ذلك تكون كاشفة عن بطلان ذلك التصرف و وقوعه على ملك الغير كما مر.

و مما ذكرنا يظهر ضعف ما ذكر في القواعد من

ترتب أحكام المصاهرة على التزويج فضولا هذا أولا.

و ثانيا ان وجوب الوفاء بالعقد اما تكليف بعدم جواز نقضه عملا بان يتصرف في المال الذي ملكه الغير و هذا التكليف من جهة حرمة التصرف في مال الغير و الإمساك به و لا يكون الا بعد حصول الملكية لذلك الغير و اما إرشاد إلى لزوم العقد و عدم نفوذ فسخه و الموضوع في اللزوم و عدم لزوم الفسخ هو العقد المنسوب الى المالكين الذي لا يحصل الا بعد الإجازة و بعبارة أخرى وجوب الوفاء حتى على القول بكونه تكليفا انحلاليا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 374

..........

______________________________

يعم كلا من الأصيل و المالك الآخر و يكون الموضوع لحكم كل منهما العقد المنسوب إليهما فقبل اجازة الطرف الآخر لا يتم الموضوع حتى في حق الأصيل و على ذلك فيجوز لكل منهما التصرف المنافي قبل الإجازة بل يجوز لهما التصرف المنافي بعد تمام الإيجاب و القبول المنتسبان المالكين و قبل حصول تمام شرائط صحته كالتصرف في بيع الصرف و السلم قبل القبض و ذلك فان خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و ظاهره لزوم العقد و عدم جواز نقضه بعد الفراغ عن تمامه فما لم يحصل الشرط المعتبر فيه فلا يتم العقد.

لا يقال على ذلك لا يمكن الحكم بلزوم العقد فيما إذا لم يكن في البين خطاب آخر دال على تمامه و إمضائه حدوثا مثلا مقتضى قوله أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ ظاهره إمضاء كل بيع فيمكن عند الشك في لزوم بيع و جوازه كالمعاطاة التمسك بعموم وجوب الوفاء بالعقود و الحكم بلزومها و اما إذا لم يكن خطاب على إمضاء عقد فلا يمكن التمسك المزبور.

و الحاصل يلزم على ما ذكر ان

لا يصلح خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ للتمسك به في صحة عقد و فساده.

فإنه يقال لا بأس بالتمسك بخطاب وجوب الوفاء لا ثبات صحة عقد و لزومه فان الموضوع لوجوب الوفاء و إن كان هو العقد التام الا ان المراد هو التام بحسب اعتبار العقلاء كما ان الموضوع للحلية في خطاب حل البيع هو البيع بحسب اعتبار هم حيث انه ليس للعقد و البيع حقيقة شرعية و إذا كان العقد التام بحسب نظرهم محكوما باللزوم يكون محكوما بالصحة أيضا لا محالة.

غاية الأمر إذا ثبت شرط لتمام العقد شرعا كاعتبار القبض في بيع الصرف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 375

إلا إذا فسخت على اشكال في الأم (1).

______________________________

يكون ذلك تقييدا لموضوع وجوب الوفاء و لو بلسان الحكومة بمعنى ان تمام العقد في مورده يكون بعد القبض.

و المتحصل مما ذكرنا انه يجوز للأصيل التصرف فيما انتقل عنه على النقل و الكشف الحكمي و يخرج عقد الفضولي مع التصرف المنافي عن القابلية للحوق الإجازة و لا يجوز على الكشف الحقيقي سواء كان الشرط تعقب بالإجازة أو نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر فيما إذا علم الإجازة فيما بعد و اما إذا لم يعلم يكون جواز التصرف حكما ظاهريا.

و اما الفسخ فيجوز للأصيل سواء كان قوليا أو فعليا حتى على الكشف الحقيقي الذي يلتزم فيه بكون الإجازة شرطا متأخرا كما تقدم.

لا يقال كيف يمكن على الكشف استصحاب عدم الإجازة و الحكم للأصيل بجواز تصرفه فيما انتقل عنه و لو بما ينافي الإجازة مع ان المستفاد من صحيحة عبيدة الحذاء المتقدمة الإمرة بعزل حصة المزوجة فضولا من زوجها المتوفى عدم الاعتبار باستصحاب عدم الإجازة.

فإنه يقال المستفاد من الصحيحة المشار إليها

عدم الاعتبار بالاستصحاب لتجويز تصرف سائر الورثة في جميع التركة و اما عدم الاعتبار به بالإضافة إلى تصرفات الأصيل في نكاح الفضولي فضلا عن تصرفات الأصيل في سائر العقود فلا دلالة لها عليه كما لا يخفى.

(1) يعنى يجوز للمباشر أى للأصيل نكاح الخامسة و أخت المنكوحة فضولا و أمها بعد رد المنكوحة و لكن في جواز نكاح أمها إشكال و وجه ان نكاح البنت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 376

و في الطلاق نظر (1).

______________________________

في زمان ما و لو مع عدم الدخول بها كاف في حرمة أمها إلى الأبد بخلاف نكاح الخامسة أو نكاح أخت المنكوحة فإن حرمة الخامسة أو الأخت ما دام زوجاته الأربع أو الأخت في حباله و مع رد المنكوحة فضولا لا يكون دخول كما انها تخرج عن حباله فلا يحرم عليه بنتها.

(1) يعنى لوارد الزوج الأصيل طلاق المنكوحة فضولا قبل إجازتها أوردها ليجوز له بالطلاق المزبور نكاح الخامسة أو التزويج بأختها أو بنتها أو أمها ففي الطلاق المزبور اشكال حيث انها إزالة علقة الزوجية فيكون بعد تمام النكاح لا قبلها نعم لو كان النكاح فضوليا من ناحية الزوج دون الزوجة فلا يجوز للزوجة نكاح نفسها من شخص آخر قبل رد الزوج أو إجازته و لو أراد الزوج المزبور طلاق الزوجة المزبورة فلا إشكال في صحته لان طلاقه كاشف عن أجازته النكاح فيكون الطلاق بعد تمام النكاح و حصول الزوجية كما لا يخفى.

بقي الكلام في مسئلة النذر المشروط فنقول ان كان الشرط المفروض فيه قيدا لأصل النذر و التعهد كما إذا قال ان جاء ولدي من سفره فلله على التصدق بمالي هذا فلا ينبغي الإشكال في جواز تصرف الناذر

في نذره قبل حصول الشرط لانه ما دام لم يحصل الشرط لم يجب عليه التصدق بالمال المزبور حتى لا يجوز ضده الخاص و بعد حصوله لا يكون التصدق المزبور مقدورا حتى يجب عليه من غير فرق بين ان يكون حال التصرف عالما بحصول الشرط فيما بعد أو عدمه و دعوى عدم جواز التصرف قبل حصول الشرط مع العلم بحصوله مستقبلا لكونه تفويتا لملاك ملزم لا يمكن المساعدة عليها فإنه لا طريق لنا الى تحصيل العلم بالملاك الملزم غير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 377

..........

______________________________

الأمر بالفعل و مع عدمه قبل حصول الشرط كما هو الفرض لم تصح دعوى تفويته و بتعبير آخر يكون التصدق بالمال المزبور نظير سائر الواجبات المشروطة أو الموقتة في عدم وجوب حفظ القدرة عليها قبل حصول الشرط و الوقت.

و ان كان الشرط قيدا للمنذور بان كان النذر فعليا و التقدير للمنذور نظير الواجب المعلق كما إذا قال اللّه على التصدق بمالي هذا عند مجي ء ولدي يكون وجوب الوفاء بالنذر فعليا و مقتضى فعليته إبقاء المال مع العلم بحصول الشرط و اما إذا احتمله لم يجب عليه الا بقاء بل يجوز التصرف أخذا بأصالة عدم حصول الشرط فان القيد الاستقبالي في الواجب المعلق على ما هو التحقيق يرجع الى شرط الوجوب بنحو الشرط المتأخر و أصالة عدم حدوثه في ظرف يثبت عدم وجوب ذلك الفعل نعم إذا كان في هذه الصورة و في الصورة السابقة قصد الناذر إبقاء المال الى زمان يحتمل حصول الشرط لزم الوفاء بنذره على ما هو عليه قصده.

ثم انه إذا تصرف في المال المنذور بما ينافي الوفاء بالنذر فان كان في موارد جوازه فلا إشكال

في صحة ذلك التصرف و نفوذه و اما إذا تصرف فيه في مورد كون وجوب الوفاء فعليا أو لزم إبقاء المال يكون التصرف المنافي غير جائز تكليفا لا لحرمة نفسه لعدم اقتضاء الأمر بالنذر النهى عنه بل باعتبار ترك الوفاء بالنذر معه و لكن المعاملة نافذة وضعا لأن النهي عن معاملة لا يقتضي فسادها فضلا عما إذا لم يتعلق بها نهى كما ذكرنا و دعوى فسادها باعتبار تعلق الحق بالمال أو لعدم التمكن على تسليم ذلك المال الى الطرف مع وجوب الوفاء بالنذر لا يمكن المساعدة عليها فإنه لا يوجب النذر حقا للمنذور له بالإضافة إلى المال و لذا لا يسقط وجوب الوفاء بالنذر بإسقاط المنذور له مع انه لا دليل على ان تعلق كل حق بالمال يمنع عن التصرف فيه فان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 378

ثم ان بعض متأخري المتأخرين (1).

______________________________

ما في كلمات الأصحاب في شرائط العوضين كون ملكهما طلقا تعبير عن موارد خاصة قد تعلق النهى فيها بالبيع كما في بيع الوقف و أم الولد و نحوهما فلا يجري في موارد لم يكن فيها ذلك النهى و انه بعد التصرف لا مانع من شمول خطابي حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد لذلك التصرف لسقوط وجوب الوفاء بالنذر بخروج المال عن ملك الناذر كما هو مقتضى الخطابين.

و الحاصل ان القدرة على التسليم المعتبرة في ظرفه و هو تمام المعاملة حاصل في المقام أيضا لأن تسليم المال المنذور الى مشتريه كبيعه منه لا يكون في نفسه محرما و انما الحرام ترك الوفاء بالنذر و لذا لا يفرق في فرض ترك الوفاء بالنذر بين ان يبيع المال من الغير و يسلمه

إليه أوان لا يبيع أصلا بل لو كان بيعه حراما كما إذا حلف على ترك بيعه لم يكن حرمة البيع تكليفا موجبا لفساده و انتفاء القدرة على تسليمه فإنه يكفي في صحة البيع التمكن على التسليم و لو بنفس إنشاء البيع و إمضائه كما لا يخفى.

(1) حكى عن كاشف الغطاء انه ذكر ظهور الثمرة بين القول بالكشف و النقل في موارد: الأول- ما إذا خرج أحد المتبايعين و نفرضه الأصيل بعد العقد و قبل الإجازة عن قابلية كونه مالكا لموته أو عروض الكفر كما إذا ارتد سواء كان ارتداده عن فطرة أو غيرها مع كون المبيع عبدا مسلما أو مصحفا فيصح على الكشف دون النقل و كون المبيع عبدا مسلما أو مصحفا قيد للارتداد غير الفطري فقط و كان المرتد الفطري لا يملك شيئا بعد ارتداده و ينتقل أمواله التي كانت له قبل ارتداده الى ورثته فخروجه عن قابلية كونه مالكا يعم كل مبيع و اما المرتد غير الفطري فلا يملك العبد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 379

..........

______________________________

المسلم و المصحف و يملك سائر الأموال و احتمال رجوع القيد الى مطلق الارتداد ضعيف و الا لكان الأنسب أن يقول بعروض كفر كما إذا ارتد مع كون المبيع عبدا مسلما أو مصحفا لا كون عدم القابلية لتملك المصحف أو العبد المسلم من أحكام الكفر معروف فلا حاجة الى التصريح بالتعميم لقسمي الارتداد فالتصريح بالتعميم قرينة على التفصيل المزبور.

و لكن ذكرنا في كتاب الإرث ان غاية ما دلت عليه الروايات انتقال أموال المرتد الفطري إلى ورثته بارتداده و اما ما يملك و يكسبه بعد ارتداده فلا دلالة لها على حكمه و مقتضى عموم أدلة

إمضاء المعاملات و إطلاقاتها جواز التكسب له وضعا و تكليفا كسائر الناس.

ثم ان بطلان البيع على النقل في فرض موت الأصيل مختص بما إذا كان العوض كليا بذمته و الا فلو كان كلا العوضين عينا خارجية يكون العقد قابلا للإجازة غاية الأمر على الكشف تثبت المعاملة لمن كان مالكا حال العقد و على النقل تقع على ملك الورثة فتحتاج إلى إجازتهم و كذا الحال في الخروج عن القابلية بالارتداد الفطري فإنه إذا كان الثمن كليا بذمته يصح البيع له بناء على كون الإجازة كاشفة و لا يمكن ان يصح له و لا للورثة على النقل بخلاف ما إذا كان العوض عينا خارجية فإنه يكون معه البيع بناء على النقل فضوليا حتى بالإضافة إلى الورثة فيحتاج إلى إجازتهم.

نعم لا يعتبر كون الثمن كليا على العهدة في غير الفطري لأن الثمن الشخصي لا ينتقل بارتداده الى ورثته فيكون بيع المصحف منه بإزاء الثمن المزبور غير قابل للإجازة على مسلك النقل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 380

ربما يعترض على الأول بإمكان ظهور الأدلة (1).

______________________________

المورد الثاني ما إذا خرج أحد العوضين بعد العقد و قبل الإجازة عن قابلية المعاملة عليه فبناء على الكشف يصح البيع السابق بالإجازة حيث يثبت الملك بالإضافة إلى زمان كان فيه العين قابلة له بخلاف مسلك النقل.

و الثالث ما إذا طرء القابلية على أحد العوضين أو على أحد المتبايعين بعد ما كان غير قابل في زمان العقد كما إذا أسلم الكافر الذي اشترى العبد المسلم أو المصحف حال كفره فإنه يصح بالإجازة على النقل دون الكشف و مثل ذلك ما إذا قارن العقد فقد بعض شرائط الصحة و تجدد الشرط المزبور قبل

الإجازة.

(1) المعترض هو صاحب الجواهر (ره) فإنه اعترض على الثمرة في الموارد الثلاثة بأنه يحكم ببطلان البيع فيها على كلا المسلكين اما في المورد الأول فإن ظاهر الأدلة اعتبار استمرار قابلية الأصيل للتملك الى حين الإجازة لتكون كاشفة عن حصول المالك له من حين العقد الى حينها و اما في المورد الثاني فإنه يعتبر ايضا بقاء العوضين قابلا للملك الى حين الإجازة حيث يعتبر في اجازة المالك ان يكون مالكا لو لا الإجازة و مع خروج المال عن قابلية الملك لا تكون الإجازة عن المالك المزبور و اما في المورد الثالث فان العقد المزبور غير قابل للإجازة على الكشف و النقل لفقد شرط صحة العقد مع قطع النظر عن رضا المالك على الكشف و كون إنشاء العقد في مورد غير قابل له على النقل.

و تسلم المصنف (ره) الاعتراض على المورد الثالث و منعه في الأولين حيث قال في المورد الأول انه ليس في البين ما يدل على اعتبار بقاء قابلية المتبايعين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 381

..........

______________________________

للمالكية إلى حين الإجارة بل الأمر بالعكس فان بعض الروايات ظاهرة و بعضها صريحة في عدم اعتبار بقاء القابلية و المراد من بعض الروايات الظاهرة ما ورد في اتجار العامل في المضاربة بغير متاع اشترط مالك رأس المال الاتجار به حيث لم يستفصل فيها بين بقاء الطرف في تجارة العامل على الحياة حين الإجازة و عدمه و نحوها ما ورد في الاتجار بمال اليتيم و مراده من بعض الصريح رواية ابن أشيم الواردة في العبد المأذون الذي اشترى أباه و أعتقه و يدل على عدم الاعتبار فحوى الخبر الوارد في تزويج الصغيرين و ذلك فان

كلا من الزوجين في النكاح كالعوضين و البيع ركن و إذا دلت الرواية على عدم اعتبار بقاء الركن الى حين الإجازة كان عدم اعتبار بقاء المتبايعين على القابلية أولى لعدم كونهما ركنين في البيع.

و ايضا يدفع اعتبار كون الإجازة كاشفة عن تملك المتملك و استمراره الى حين الإجازة ما ذكروه في مسئلة ترتب العقود على مال المالك من ان اجازة السابق من العقود تكون موجبة لصحته و صحة اللاحق فان تملك الأول في الفرض المكشوف عنه بالإجازة غير باق الى حينها كما هو مقتضى صحة العقود المترتبة عليه.

أقول يمكن ان يقال دعوى صاحب الجواهر اعتبار بقاء الأصيل على قابلية المالكية لتكون الإجازة كاشفة عن تملكه المال المنقول اليه و استمرار ذلك التملك الى حينها لو لا نقله الى الغير و في فرض ترتب العقود على مال المجيز يكون عدم البقاء لنقل الأصيل لا لسقوطه عن قابلية المالكية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 382

الذي يصلح ردا لما ذكر في الثمرة الثانية (1).

مضافا الى إطلاق رواية عروة (2).

______________________________

(1) الموصول مع صلته وصف لخبر تزويج الصغيرين لا للفحوى يعنى الخبر المزبور صالح لرد ما ذكر صاحب الجواهر في اعتراضه على الثمرة في المورد الثاني و وجه صلاحه له أن الزوجين في عقد النكاح بمنزلة العوضين في عقد البيع و إذا دل الخبر المزبور على صحة النكاح بالإجازة في فرض خروج أحدهما بالموت عن قابلية الزواج كان مقتضاه صحة البيع أيضا بالإجازة في فرض خروج أحد العوضين عن قابلية الملك بالتلف و نحوه.

(2) و هذا وجه ثان لرد ما ذكر صاحب الجواهر (ره) في اعتراضه على الثمرة الثانية من اعتبار بقاء العوضين على المالية إلى حين

الإجازة و وجه الرد ان إطلاق رواية عروة البارقي يعني عدم استفصال النبي صلّى اللّه عليه و آله منه حين أجازته عن بقاء الشاة التي باعها عروة بدينار واحد أو تلفها دليل على عدم اعتبار بقائها حال الإجازة.

أقول ما ذكر (ره) من ظهور بعض الروايات و صريح بعضها الأخرى غير تام و لا دلالة كما تقدم في ما ورد في المضاربة و الاتجار بمال اليتيم على حكم بيع الفضولي أصلا كما ان رواية ابن أشيم المفروض فيها دفع المال الى العبد المأذون لم يفرض فيها موت الأصيل الذي هو مولى العبد المعتق بالفتح و لا موت المالك المجيز الذي هي الورثة و اما الدافع فلم يكن طرفا في عقد الفضولي أصلا.

و رواية عروة البارقي واردة في قضية خاصة فلعل النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يعلم بقاء الشاة المبيعة فضولا و لبعد تلف الشاة في تلك المدة القصيرة و خبر تزويج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 383

..........

______________________________

الصغيرين باعتبار تضمنه لحكم تعبدي و هو لزوم الحلف على المجيز بان إجازتها لا تكون لأجل الميراث غير صالح للتعدي منه الى غير مورده فضلا إلى سائر العقود.

ثم انه اعترض النائيني (ره) على الثمرة في المورد الثاني بأنه يحكم بفساد عقد الفضولي و عدم صحته بالإجازة سواء على الكشف أو النقل اما على النقل فظاهر و اما على الكشف فإنه مقتضى فساد البيع بتلف المبيع قبل القبض و لكن لا يخفى ما فيه فان تلف أحد العوضين قبل الإجازة لا يلازم كونه قبل القبض حيث يمكن كون العين المبيعة فضولا عند مشتريها بنحو العارية أو إجارتها من مالكها ثم اشترائها من بائعها فضولا و

تلفها قبل اجازة مالكها و يصح هذا الشراء بإجازته على الكشف دون النقل.

فقد تحصل من جميع ما تقدم انه لا يمكن الأخذ بالأخبار الخاصة في إثبات الثمرة في الموارد الثلاثة المتقدمة أو عدم ثبوتها و الصحيح انه يمكن إثبات الثمرة بين النقل و الكشف في الموردين الأولين بالأخذ بإطلاق حل البيع و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فان مقتضاهما تمام بيع الفضولي بالإجازة على الكشف الحقيقي و لا يمكن تصحيحه بها على النقل و الكشف الحكمي لأن مع سقوط الأصيل عن قابلية المالكية لا يمكن جعل الملكية له حال الإجازة و لو كان مبدء الملكية من السابق و كذا في صورة سقوط الشي ء عن قابلية الملك.

و بتعبير آخر الموضوع للحلية أو وجوب الوفاء هو البيع و العقد المنتسب الى المالكين و مع سقوط الأصيل عن صلاحية الانتساب أو سقوط أحد العوضين عن المالية لا يكون حال اجازة العقد المنتسب إليهما أو تمليك مال بعوض و اما المورد الثالث فالثمرة غير تامة بإطلاقها فإنه لا يعتبر في جميع الشروط حصولها من حين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 384

بظهور الثمرة في تعلق الخيارات (1) و حق الشفعة (2) و احتساب مبدء الخيارات (3).

______________________________

العقد بل الشرائط مختلفة و يكفي في بعضها حصولها بعد العقد فلا بد من ملاحظة اعتبار كل منها سواء قيل بالنقل أو الكشف.

(1) كما إذا تغيرت القيمة السوقية أو تعيب المبيع بعد العقد و قبل الإجازة و لم يعلم به المشتري الأصيل حتى أجاز المالك فإنه على النقل يثبت له خيار الغبن أو خيار العيب لكون المبيع عند تحقق البيع معيوبا أو مشتريه مغبونا بخلاف القول بالكشف الحقيقي بمعنى كون الشرط في تمام البيع

تعقبه للإجازة كما لا يخفى.

(2) كما إذا باع الفضولي نصف الأرض المملوكة للغير من زيد بنحو المشاع ثم باع مالكها نصف تلك الأرض من آخر ثم أجاز بيع الفضولي فإنه بناء على مسلك الكشف لا يثبت حق الشفعة لمن اشترى نصفها المشاع من مالكها حيث ان تملك المشترى من البائع الفضولي نصف الأرض كان قبل تملكه بل يثبت حق الشفعة للمشتري من البائع الفضولي بخلاف القول بالنقل فإنه عليه يثبت الشفعة للمشتري من المالك.

(3) اما خيار الحيوان فإن مبدأه على النقل حين الإجازة لأن مشتري الحيوان يصبر حينها صاحبا له بخلاف الكشف الحقيقي فإن كونه صاحبه من زمان العقد و اما مبدء خيار المجلس أو القبض المعتبر في بيع الصرف أو السلم فبناء على ان الإجازة شرط متأخر يكون تحقق البيع بشرائطه حين الإجازة كما هو الحال على النقل و الكشف الحكمي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 385

و الايمان و النذور (1) ان الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي (2)

______________________________

و الحاصل أن مجلس البيع أو القبض مجلس حصول الإجازة الا على الكشف الحقيقي بمعنى كون الشرط في تمام البيع هو تعقبه للإجارة فإنه على ذلك الكشف يكون مجلس البيع مجلس العقد كما لا يخفى.

(1) فإنه إذا حلف المشتري الأصيل التصدق بالمبيع قبل الإجارة ثم أجار المالك فإنه يبطل الحلف المزبور على النقل و يصح على الكشف.

(2) و حاصله ان الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس خلافا في معنى قول المالك أجزت العقد أو رضيت به أو نحوهما بل الخلاف في ان الملكية و غيرها من أحكام المعاملة تترتب من حين العقد لكون الإجازة معتبرة بنحو

الكشف أو أنها تترتب من حين الإجازة و يرجع ذلك الى البحث عن نحو اعتبار رضا المالك و انه معتبر بالنحو الشرط المقارن أو الأعم منه و من الشرط المتأخر أوان المعتبر تعقب العقد بالإجازة و كيفية الاعتبار يظهر بملاحظة أدلة اعتبار الرضا و وجوب الوفاء بالعقود و الروايات الخاصة التي مداليلها لا يرتبط بمعنى الإجازة.

بل يمكن ان يقال انه على الكشف يترتب تلك الأحكام من حين العقد حتى فيما إذا كان مراد المالك من قوله أجزت و نحوه الرضا بالعقد من حين الإجازة و على النقل يترتب تلك الأحكام من حين الإجازة حتى فيما إذا أراد المجيز الرضا بالعقد من حين العقد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 386

ظاهر رواية البارقي وقوعها بالكناية (1).

و الظاهر ان الفعل الكاشف (2).

فيه نظر (3).

______________________________

أقول الصحيح هو التفصيل و ذلك لما ذكرنا سابقا ان العقد مدلوله النقل من حينه و لو بضميمة قرينة خارجية و هي عدم إمكان الإهمال في الأمر الاعتباري من جهة المبدء و حيث ان الإجازة عبارة عن إظهار الرضا بالنقل المزبور يكون مقتضى أدلة الإمضاء هو الكشف الحكمي و لو أظهر المالك رضاه بالنقل من حين إظهاره الرضا لا من حين العقد فلا يكون ذلك رضاء بمضمون ذلك العقد ليكون موجبا لتمامه و شمول أدلة الإمضاء له.

و الحاصل أن الإجازة لا تصحح عقد الفضولي إلا إذا تعلقت بمضمون العقد و مدلوله نعم بناء على ان مضمونه مطلق النقل أو من حين تمام ماله الدخل في المعاملة كما هو مقتضى مسلك النقل تكون اجازة العقد من حين العقد رضاء بمضمونه بالإضافة الى جميع الأزمنة التي منها زمان حصول الإجازة فيصح.

(1) المراد بالكناية ذكر

شبه اللازم و ارادة الملزوم أو بالعكس و في قوله (ص) للعروة (بارك اللّه) تبريك له في بيعه و هذا لا يكون الا بعد فرض وقوع البيع و تمامه.

(2) بان يكون الفعل المزبور كاشفا نوعيا عن ارادة المالك ثبوت العقد و تمامه فيكون من الأمارة المعتبرة من باب الكشف النوعي.

(3) يعني في تمامية الاستقراء المزبور تأمل بل لو لا شبهة الإجماع على اعتبار الإنشاء في الإجازة لكان الأقوى كفاية رضا المالك بأي وجه علم حصوله.

أقول قد ذكرنا سابقا ان العقد ربما يكون فضوليا باعتبار عدم رضا من يعتبر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 387

..........

______________________________

رضاه في صحة العقد و تمامه و هذا القسم يكفى فيه إحراز الرضا بأي وجه كان نظير رضا السيد بنكاح عبده أو رضا العمة و الخالة بنكاح بنت الأخ أو بنت الأخت بل لو انكشف الرضا بوجه معتبر قبل العقد لم يكن فضوليا و ربما يكون العقد فضوليا باعتبار عدم انتساب العقد الى من يعتبر في شمول دليل الاعتبار له انتسابه اليه و هذا القسم لا يكفى فيه العلم بحصول الرضا مطلقا بل يعتبر إنشاء رضاه بالعقد ليتم انتسابه اليه سواء كان الإنشاء بفعله أو قوله و ليس فيما ذكر المصنف من الوجوه دلالة على كفاية مجرد إحراز الرضا في هذا القسم.

و يظهر ايضا حال الفسخ أو الرد و انه لا يكفى فيهما مجرد إحراز عدم الرضا بل يعتبر الإنشاء و إلغاء العقد بفعل أو قول عمن له ولاية الفسخ أو الرد.

لا يقال كيف يعتبر في الفسخ أو الرد أو الإجازة الإنشاء و لا يكفى فيها مجرد عدم الرضا مع أنهم ذكروا أنه لو حلف على نفى الاذن

في المعاملة التي أوقعها الوكيل انفسخت المعاملة حيث ان غاية ما يدل عليه الحلف المزبور عدم الرضا بتلك المعاملة و لا يدل على قصد الحالف بإلغائها و ذكر سلام اللّه عليه في بعض اخبار خيار الحيوان فإن أحدث المشتري حدثا قبل ثلاثة أيام فذلك رضى منه فلا شرط قيل و ما الحدث قال ان لامس أو قبل أو نظر منها الى ما كان يحرم عليه قبل الشراء حيث ظاهره ان مجرد الرضا ببقاء العقد مسقط للخيار و لا يحتاج معه الى قصد الاسقاط و في صحيحة ابن بزيع قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها ثم أفاقت فأنكرت ذلك ثم ظنت انه يلزمها ففزعت منه فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر و لا سبيل للزوج عليها فقال إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 388

[الأمور المعتبرة في الإجازة]

الثالث من شروط الإجازة أن لا يسبقها الرد (1).

______________________________

منها قلت و يجوز ذلك التزويج عليها فقال نعم «1» فإنه يتعين حملها على صورة التزويج بالوكالة حيث ان إنشاء العقد لا يتحقق من السكران الفاقد للقصد فيكون توكيلها في حال السكر موجبا لكون الزواج فضوليا و رضاها بعد إفاقتها بالنكاح إجازة.

أقول اما قولهم بانفساخ البيع بحلف الموكل فلا بد من أن يراد عدم تمام تلك المعاملة فتكون فضولية و الا فلا مورد للانفساخ حقيقة في الفرض حيث أن حقيقته بطلان المعاملة بقاء بعد تمامها حدوثا و اما ما ورد في خيار الحيوان فلا نضائق بأن إظهار الرضا بإبقاء العقد الى تمام الثلاثة بالفعل

كاظهاره بالقول عبارة أخرى عن إسقاط الخيار على كلام يأتي التعرض له في بحث الخيارات و اما صحيحة ابن بزيع فالمفروض فيها إظهار الرضا بالفعل كما لا يخفى.

(1) و حاصل ما ذكره (ره) في هذا الأمر هو أنه يعتبر في نفوذ الإجازة و تمام العقد بها ان لا يسبقها الرد و الوجه في ذلك مع ظهور الإجماع بل تصريح بعض بالإجماع ان المجيز بإجازته يكون أحد طرفي العقد فان كان مالكا للمبيع يكون بايعا و ان كان مالكا للثمن يكون مشتريا و تقدم سابقا أن تخلل الإلغاء من أحد طرفي العقد قبل تمامه يوجب ارتفاع عنوان العقد الذي بمعنى المعاهدة و العهد المشدود و أيضا تأثير الرد قبل الإجازة في إلغاء العقد السابق و جعله كالعدم مقتضى قوله عليه السّلام الناس مسلطون على أموالهم لان مقتضى سلطنة المالك على ماله ان يكون له قطع علاقة الأصيل عن ملكه.

______________________________

(1) الوسائل الجزء (14) الباب (14) من عقد النكاح الحديث (1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 389

..........

______________________________

أقول دعوى الإجماع التعبدي في المقام كما ترى و ايضا عدم صدق عنوان العقد على الإيجاب و القبول الصادرين عن الأصيل و الفضولي بإلغاء المالك ممنوع و لا يقاس بصورة إلغاء البائع إيجابه قبل قبول المشتري أو إلغاء المشتري قبوله قبل حصول شرط تمام البيع فان انتفاء عنوان العقد مع الإلغاء المزبور لو لم يكن مقطوعا فلا ينبغي في عدم إحراز عنوان العقد معه و ايضا لا يكون قبل تمام عقد الفضولي بإجازة المالك علاقة للأصيل في مال المالك المجيز ليجوز للمجيز قطع تلك العلاقة لان العلاقة و هي الملك للأصيل غير حاصل قبل الإجازة و لا علاقة أخرى

حتى يقطعها المالك و كون عقد الفضولي بحيث لم انضم إليه اجازة المالك لتملك الأصيل ماله ليس من تعلق حق الأصيل بذلك المال بل هو مقتضى تحقق بعض الموضوع للحكم في كل مورد كما لا يخفى. و مع الإغماض عن ذلك فإثبات جواز قطع علاقة الأصيل عن ملك صاحبه كاثبات صحة مطلق العقد فضولا بإجازة المالك خارج عن مدلول الرواية كما ذكرنا في بحث المعاطاة فإن مدلولها السلطنة على التصرفات المشروعة المتعلقة بالأموال من المعاملات و نحوها و أنها ثابتة لملاكها و اما ان أى تصرف في المال مشروع فليست واردة في مقام بيان ذلك و لعله الى ذلك أشار في ذيل كلامه بقوله فتأمل.

و عن النائيني (ره) انه كما لا يصح الرد بعد الإجازة كذلك لا تصح الإجازة بعد الرد و فيه أن القياس مع الفارق فإن بالإجازة يتم العقد و ينتقل المال الى ملك الطرف الآخر و خروج المال ثانيا عن ملكه و عوده الى مالكه الاولى يحتاج الى سبب ناقل أو موجب لفسخ العقد و لم يثبت ان الرد سبب ناقل بل مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود لزوم العقد و عدم جريان الرد و الفسخ فيه بخلاف الرد السابق على الإجازة فإن كونه موجبا لإلغاء عقد الفضولي بحيث لا يتم موضوع النقل و الانتقال بالإجازة اللاحقة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 390

نعم الصحيحة الواردة في بيع الوليدة (1).

الرابع الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك على ماله (2).

______________________________

يحتاج الى دليل.

(1) قد ذكرنا عند التعرض لها في أدلة صحة عقد الفضولي بإجازة المالك أنه لا ظهور للصحيحة في نفوذها مع سبق الرد فراجع.

و اما الاستدلال على عدم قدح الرد قبل

الإجازة بصحيحة ابن بزيع المتقدمة فلا يخفى ما فيه لعدم الملازمة بين إنكار النكاح و رده فإنه قد تقدم تعين حملها على وقوع النكاح بنحو التوكيل باعتبار أن إنشاء النكاح كإنشاء سائر العقود لا يقع من السكران الفاقد للقصد و الالتفات و حيث أن التوكيل المزبور وقع حال السكر يكون النكاح المزبور فضوليا و إنكار الزوجة بعد إفاقتها يمكن أن يكون لعدم التفاتها الى وقوع النكاح بتوكيلها و بعد ما استيقنت بوقوعه أقامت مع الزوج المزبور لتوطين نفسها للرضا به و لو حمل التزويج المفروض على التزويج بالمباشرة لكون سكرها خفيفا لا ينافي القصد و الالتفات فيخرج النكاح المزبور عن الفضولي و لا يرتبط الوارد فيها بمسئلة الإجازة بعد الرد بل يكون حكما تعبديا و أنه يعتبر فيمن زوج نفسها حال السكر الخفيف رضاها بذلك النكاح بعد ارتفاع ذلك السكر.

(2) و بتعبير آخر نفوذ العقد و تمامه بالإجازة كسائر آثار الملك من الأحكام و إذا فرض إرث المبيع فضولا تكون اجازة الورثة البيع موجبة لتمام ذلك البيع باعتبار كونهم مالكين للمبيع و يثبت في حقهم ما ثبت لسائر الملاك و يأتي عدم اعتبار اتحاد المجيز مع المالك حال العقد في نفوذ الإجازة و الفرق بين إرث الإجازة و نفوذ إجازتهم لكونهم مالكين يظهر فيما إذا لم يرث بعضهم من المال المزبور كما إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 391

..........

______________________________

المبيع فضولا عقارا حيث ان الزوجة لا ترث من العقار فلا تكون لها اجازة بيع الفضولي أو رده.

و ايضا لكل من الورثة أن يجيز البيع في حصته لأنها ملكه بخلاف ما إذا قيل بإرث الإجازة بدعوى أنها كحقي الخيار و الشفعة من

الحقوق القابلة للإرث فإنه بناء عليه يكون الموروث حقا واحدا فكل من سبق من الورثة إلى إعمال ذلك الحق ينفذ فيصح البيع الواقع على تمام المال أو يعتبر اجتماعهم على الرد أو الإجازة.

و قد يقال أن اجازة الورثة بما أنهم ملاك المال لا لارثهم الإجازة حتى و ان قلنا بأن الإجازة كالخيارات من الحقوق الا أنها تختلف عن الخيارات في أن الخيارات تورث و الإجازة لا تورث و ذلك فإن الورثة بما انهم ملاك المال لهم حق إجازة العقد الواقع على مالهم بالأصالة و إذا كان لهم بالأصالة هذا الحق فلا يعقل ان يكون لهم الإجازة بإرثها لأن حق الإجازة لا يتعدد لشخص واحد بالإضافة إلى عقد واحد و لا يقاس بتعدد الخيار لشخص واحد في بيع واحد كما إذا اشترى حيوانا بشراء غبن فإن للمشتري المزبور خيار المجلس و الحيوان و الغبن و هذا لا مانع عنه لان الخيارات لاختلاف أحكامها متعدد بخلاف الإجازة.

و الحاصل أن الإجازة و ان قيل بأنها من الحقوق الا أنها كحق القسم للزوجة غير قابلة للإرث و فيه ما لا يخفى فإن الورثة لا يمكن لكل منهم اجازة بيع الفضولي الواقع على المال إلا بالإضافة إلى حصته من المال فإنه غير مالك لتمام المال بخلاف الإجازة الموروثة فإنها حق واحد ثابت لطبيعى الورثة أو لمجموعهم حيث كان لمورثهم حق واحد و لا تتبعض على كل تقدير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 392

لان مرجع اجازة القبض إلى إسقاط (1) يحتاج الى دليل معمم (2)

______________________________

(1) المراد من ضمان الثمن ضمان تسليمه فإنه على عهدة المشتري فلا يجب عليه بعد اجازة القبض أخذ ذلك الثمن من البائع الفضولي و

دفعه الى المجيز و ذلك فان تسليم الثمن الى المجيز حق للمجيز على المشترى فيجوز له رفع يده عن حقه بإجازته القبض المزبور و مرجع إجازة الإقباض إلى حصول المبيع بيد المشترى برضاه و بتعبير آخر إجازة الإقباض إظهار للرضا بحصول المبيع في يد المشترى و أنه لا يكون بين المبيع و المشترى أي مانع فيترتب على حصوله بيده ما يترتب على القبض الصحيح كعدم جواز استرداده ليتسلم الثمن و أن تلفه في يد المشترى بعد ذلك لا يكون من تلف المبيع قبل القبض.

(2) يعني إذا كان الثمن في العقد فضولا كليا على عهدة المشترى و فرض قبض البائع الفضولي ذلك الكلي ففي نفوذ إجازة المالك بالإضافة إلى القبض المزبور اشكال و وجهه أن المدفوع إلى البائع فضولا كان بعنوان الوفاء (بما) على الذمة لا بعنوان مبادلة ما على ذمته بالمدفوع ليكون الدفع معاملة أخرى قابلة للحوق الإجازة بها و الكلى على العهدة انما يتعين في المدفوع فيما أخذه المستحق مباشرة أو تسبيبا كما في موارد ولاية القابض أو وكالته و المفروض في المقام عدم ولاية القابض أو وكالته عن المالك المجيز.

أقول إجازة القبض في الحقيقة اذن للبائع فضولا في الإمساك بما دفع اليه ثمنا أو وفاء بالثمن فيكون إمساكه بقاء من قبض المستحق و لا يعتبر في القبض الموجب لتعين الثمن بالمدفوع كون القبض بحدوثه من قبض المستحق الا ترى انه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 393

و عن المختلف أنه حكى عن الشيخ (ره) (1)

______________________________

لو كان لزيد عنده الف دينار أمانة و باع متاعا من زيد بألف دينار بذمته و قال للبائع الألف الذي لي عندك خذه بحساب الثمن فإنه

لا ينبغي الريب في تمام القبض بذلك.

و الحاصل أن اجازة القبض في الحقيقة توكيل فيكون البائع الفضولي مأذونا في استيفاء الثمن و الإمساك به و هذا بخلاف ما إذا كان الأثر مترتبا على الفعل الحدوثى فإنه لا يفيد فيه الإجازة اللاحقة مثلا للحاج ذبح هديه بالاستنابة كما إذا أمر الآخر بذبحه و اما إذا ذبح الآخر هدية بتخيل أنه هدي نفسه أو عدوانا أو بقصد النيابة عن مالكه فلا يجدي اجازة المالك في إسقاط وجوب الهدى عن نفسه.

ثم ان اجازة القبض التي في الحقيقة توكيل تكون كسائر العقود الإذنية في عدم تعقل الكشف فيها حيث أن الاذن لا يحصل الا حال الإجازة و إذا تحقق الإجازة يحكم بتمام عقد الفضولي فيما إذا كان القبض شرطا في صحة ذلك العقد كما في الهبة فإنه تدخل العين الموهوبة في ملك الموهوب له المجيز من حين إجازة القبض أو كان القبض الخاص شرطا كما في بيع الصرف و السلم فان مع رضا المالك المجيز يكون الثمن في يد البائع فضولا يحصل القبض في مجلس انتساب البيع الى المجيز هذا مع بقاء المعوض و العوض الى زمان اجازة البيع و إجازة القبض و اما مع تخلل تلفهما أو تلف أحدهما قبلها فيدخل المقام في المسئلة المتقدمة من تلف أحد العوضين أو كلاهما قبل الإجازة كما لا يخفى.

(1) هذا استشهاد لما ذكره في أول التنبيه من ان اجازة العقد لا تكون اجازة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 394

وجهان (1).

الإجازة ليست على الفور (2).

______________________________

للقبض و الإقباض.

لا يقال كيف لا تكون إجارته اجازة لإقباض المبيع مع فرض حصوله بيد المشترى و تملكه إياه بالإجازة.

فإنه يقال يجوز للمالك المجيز

مع إجارته البيع أخذ المبيع من يد المشترى ليتسلم منه الثمن و بإجارته الإقباض يسقط هذا الحق.

(2) يتعين في الفرض الحكم ببطلان البيع فإنه لا مجال لصون إجازته عن اللغوية أو حملها على الإجازة النافذة مع تصريحه بخلافها و عدم اعترافه الا بالبيع الفاسد و البيع اللغو و قد ظهر مما ذكرنا الى هنا انه إذا وقع التقابض في بيع الصرف بين الأصيل و الفضولي فبإجازة المالك البيع و القبض يتم البيع و كذا في قبض الثمن في بيع السلم.

لا يقال كيف يعتبر التقابض في مجلس البيع مع عدم اقتضاء الإجازة حصوله في ذلك المجلس فإنه يقال المراد من التقابض في ذلك المجلس عدم تأخره الى ما بعد مجلس العقد لا حدوثه فيه و لو كان مال كل من المتبايعين عند الآخر من قبل و قال أحدهما للآخر في مجلس آخر بعت ما عندك بما عندي و قال الآخر قبلت يتم بيع الصرف.

(1) لا يعتبر في تمام العقد بالإجازة وقوعها في أول أزمنة الإمكان بل في أي زمان فرض حصولها يكون العقد داخلا في أدلة الإمضاء و وجوب الوفاء بالعقود و هذا هو المراد من اقتضاء العمومات عدم الفورية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 395

فالأقوى تداركها بالخيار أو إجبار المالك (1).

______________________________

و اما صحيحة محمد بن قيس فدلالتها على عدم الفورية باعتبار أنه مقتضى نفوذ الإجازة فيها بعد امتناع المالك عنها و إلحاح المشترى و إلجائه الى على عليه السّلام و تعليمه طريق الوصول إلى اجازة المالك كما لا يخفى.

و اما المؤيدات المذكورة بعد الصحيحة فمقتضى إطلاقها نفوذ الإجازة حتى مع لحوقها بالعقد في آخر أزمنة إمكانها فإن ما ورد في المضاربة و

الاتجار بمال اليتيم مطلق لم يستفصل فيهما عن رضا مالك رأس المال أو ولى الطفل بتجارة العامل أو المتصرف في مال الطفل بمجرد اطلاعهما أو بعده كما لا يخفى.

(1) قد مر آنفا ان الموضوع لوجوب الوفاء هو العقد التام و البيع قبل انتسابه الى كلا الطرفين لا يكون عقدا حيث أنه عهد مشدود و عليه فلا يجب على الأصيل قبل اجازة المالك شي ء ليجبر ضرر تأخير المالك في رده و إجازته بخيار أو جواز إجبار المالك على الإجازة أو الرد بل لا مجال للخيار أو الإجبار على تقدير لزوم العقد على الأصيل فيما إذا كان مقدما على المعاملة الفضولية و في فرض عدم اقدامه كما إذا كان جاهلا يكون البائع فضوليا يرتفع لزوم العقد عليه لكونه ضرريا فيجوز له التصرف فيما انتقل عنه و معه يخرج عقد الفضولي عن قابلية لحوق الإجازة به لان مع التصرف يتلف أحد العوضين و هو مخرج للعقد عن قابلية لحوقها على النقل و الكشف الحكمي كما تقدم.

و الحاصل أن حرمة تصرف الأصيل فيما انتقل عنه لم تكن لخروجه عن ملكه على النقل و الكشف الحكمي بل باعتبار أنها مقتضى لزوم العقد عليه و إذا انتفى اللزوم جاز تصرفاته بل إلغائه البيع كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 396

هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما و خصوصا. (1)

______________________________

(1) اختلاف الإجازة مع العقد في العموم و الخصوص تارة يكون باعتبار العوضين و أخرى باعتبار الاشتراط و عدمه بان يبيع الفضولي شيئين بثمن كذا و يجيز المالك بيع أحدهما أو ان يبيع الفضولي متاعا و يجيز المالك بيع نصف ذلك المتاع بنحو المشاع أو يبيع

الفضولي بشرط كذا فيجيز المالك بلا شرط أو يبيع بلا شرط و يجيزه المالك مع الاشتراط و إذا كانت الإجازة مختلفة مع العقد في العوضين باعتبار الكل و الجزء فلا يوجب ذلك بطلان الإجازة بل يتم معها البيع في البعض و ضرر تبعض الصفقة على الأصيل يجبر بالخيار نظير ما إذا باع المالك متاعين بثمن و ظهر أحدهما غير مملوك فإنه يتم البيع بالإضافة إلى الآخر و يثبت خيار التبعض للمشتري.

و الوجه ما ذكرنا سابقا من انحلال البيع الى البيوع المتعددة بالإضافة إلى الأبعاض المشاعة للعوضين و بالإضافة إلى الجزء الخارجي المعين فيما كان بيعه مع الآخر بنظر العرف من بيع المتعدد و الإجازة كما تقدم من أحكام الملك فيجوز للمالك اجازة بعض تلك البيوع.

و بهذا يظهر الفرق بين الإجازة و خيار الفسخ حيث لا يجوز لذي الخيار الا فسخ البيع بتمامه و وجه الظهور أن الإجازة من آثار الملك فللمالك ان يبيع بعض ماله كما ان له ان يبيع كله و لكن بخلاف الخيار فإنه حق و سلطنة على فسخ العقد و ظاهر أدلة الخيار ثبوت حق واحد بالإضافة إلى البيع المنشأ ابتداء لا ثبوت حقوق متعددة بالإضافة إلى البيوع المنحلة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 397

..........

______________________________

و ذكر المصنف (ره) بطلان الإجازة فيما كان العقد مشروطا بشرط على المالك فأجاز المالك العقد بلا شرط و لا يقاس الفرض بإجازة بيع البعض و ذلك فان البيع كما تقدم ينحل الى البيوع المتعددة بالإضافة إلى أبعاض العوضين فتكون اجازة بعضها نافذة بخلاف الاشتراط في العقد فان العقد لا ينحل بالإضافة إلى الشرط حتى يصححه الإجازة و لذا يكون بطلان الشرط في عقد موجبا

لبطلانه بخلاف بطلان البيع في الجزء.

و ذكر النائيني (ره) انه يحكم بصحة البيع دون الشرط فان الشرط في المعاملات التزام آخر غير التزام العقدي فاجازة الثاني و عدم إجازة الأول أمر ممكن غاية الأمر يكون عدم اجازة الشرط من قبيل تعذر الشرط الذي يوجب للمشروط له و هو الأصيل في المقام الخيار.

أقول الشرط كما ذكر التزام آخر و لا يكون جزءا لأحد العوضين ليجري عليه حكم الجزء و ارتباطه بالعقد ليس هو مجرد الظرفية و الاتحاد معه في الزمان كما هو مقتضى قولهم الشرط التزام في الالتزام ليمكن اجازة العقد دون الشرط بل وجه ارتباطه بالعقد أن أصل الالتزام المعاملي من المشروط له معلق على التزام الآخر بالشرط أى المشروط فقوله بعت المال بكذا على ان تخيط لي هذا الثوب معناه ان أصل البيع من البائع معلق على التزام المشتري بالخياطة لا أنه معلق على نفس الخياطة المعبر عنها بالمشروط.

و الحاصل يكون الإيجاب في الفرض معلقا على الشرط بمعنى المصدري أي الالتزام بالخياطة و هذا التعليق لا يقتضي بطلان البيع لان المعلق عليه و هو الالتزام بالخياطة حاصل بالقبول و ما يحتمل عدم حصوله هو الشرط بمعنى المشروط لا يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 398

..........

______________________________

الإيجاب معلقا عليه.

و الحاصل أنه إذا قبل المشتري الإيجاب المزبور و التزم بالخياطة تتم المطابقة المعتبرة بين الإيجاب و القبول و يتم البيع حتى و ان لم يفعل المشترى ما التزم على نفسه بترك الخياطة غاية الأمر يثبت للآخر معه خيار تخلف الشرط لان مرجع التزامه بالخياطة ثبوت حق الفسخ للبائع على تقدير عدم حصول الشرط بمعنى المشروط.

و بهذا يظهر أن فساد الشرط في البيع أو

غيره لا يوجب فساد أصل البيع أو سائر العقد كما ذكر المصنف (ره) فان في موارد فساده يكون التطابق بين الإيجاب و القبول حاصلا لحصول الالتزام من الطرف الآخر و فساد الشرط معناه عدم وجوب الوفاء للالتزام المزبور أي الإتيان بالمشروط.

و الحاصل أنه يعتبر في تمام البيع تطابق الإيجاب و القبول فيما إذا كان البيع من أصليين و التطابق بينهما و بين الإجازة فيما إذا كان البيع فضوليا حيث ان الإجازة إمضاء للعقد بمضمونه و مصححه لاستناده الى المالك و إذا كان بيع الفضولي على شرط كما إذا باع الفضولي المتاع بألف على ان يخيط للمشتري الثوب و أجاز المالك البيع بدون الشرط المزبور لم يحصل التطابق لان قبول المشترى البيع كان معلقا على التزام مالك المبيع بخياطة ثوبه و لم يحصل فتبطل الإجازة كما لا يخفى.

لا يقال يلزم على ذلك بطلان الإجازة في صورة وقوع البيع على تمام المتاع و اجازة المالك البيع في نصفه فإنه إذا قال البائع الفضولي بعت المتاع بكذا و قبله المشترى فالبيع المزبور و ان ينحل الى بيع كل نصف الا ان بيع كل نصف بشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 399

..........

______________________________

بيع النصف الآخر و لذا لو ظهر بعض المبيع غير مملوك للبائع يثبت للمشتري خيار تبعض الصفقة.

و الحاصل إذا أجاز المالك البيع في نصف المتاع لم تكن إجازته مطابقة للإيجاب و القبول حيث أن قبول المشترى كان على تقدير التزام مالك المبيع لبيع النصف الآخر و الإجازة وقعت على البيع بدون ذلك التقدير فلم تحصل المطابقة المعتبرة.

فإنه يقال ما ذكرنا من انه يعتبر تطابق الإجازة و العقد فلا مناص من الالتزام به في كل

مورد لما بين من أن المصحح لاستناد البيع بمدلوله الى المالك هي الإجازة فكيف تكون مصححة للاستناد مع الاختلاف و لكن إذا كان الشرط بمعنى المشروط هو الفعل كما إذا قال بعتك المتاع بكذا على ان أخيط لك ثوبا و قال المشترى قبلت فما يكون الإيجاب و القبول معلقا عليه هو الالتزام بأمرين أحدهما الفعل أي الخياطة و الثاني الالتزام بثبوت الخيار للمشتري على تقدير عدم الفعل و إذا كان الشرط أى المشروط غير فعل فما علق عليه الإيجاب و القبول هو الالتزام بأمر واحد و هو ثبوت الخيار على تقدير عدم حصول المشروط كما إذا قال بعتك هذا العبد بكذا على أنه كاتب و قبله المشترى فان مرجع اشتراط كون العبد كاتبا الى ثبوت الخيار للمشتري على تقدير عدم الوصف و إذا باع شيئين و قبله المشترى يكون المشروط في بيع كل منهما ثبوت الخيار على تقدير عدم تمام البيع في الآخر لا الفعل و على ذلك فلو قال الفضولي للمشتري بعتك هذين المتاعين بكذا و قبله المشترى يكون إجازة المالك بيع أحدهما مع الالتزام بثبوت الخيار للمشتري المزبور إجازة موافقة للبيع المجاز كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 400

..........

______________________________

و ذكر (ره) فيما إذا كان العقد مطلقا و الإجازة مشروطة بشرط على الأصيل وجوها ثلاثة الأول- تمام العقد بالإجازة المزبورة و لزوم الشرط على الأصيل في فرض رضاه بالشرط نظير رضا الموجب بالشرط الذي يشترطه عليه القابل في قبوله و مع عدم رضاه يلغو الإجازة.

و الثاني- صحة العقد بالإجازة المزبورة و لا يلزم الشرط على الأصيل حتى في فرض رضاه فإنه من الشرط بعد الإيجاب و القبول.

و الوجه الثالث

الذي قواه (ره) بطلان الإجازة و عدم صحة عقد الفضولي بها حتى مع رضا الأصيل لأن الإجازة مع الشرط أمر واحد و إذا بطل شرطها باعتبار وقوعها خارج المعاملة تكون الإجازة باطلة.

أقول الأظهر صحة الإجازة مع رضا الأصيل بالشرط فيتم عقد الفضولي بها و يجب على الأصيل رعاية الشرط أخذا بعموم وجوب الوفاء بالعقود و نفوذ الشروط لان الشرط في الإجازة مع رضا الأصيل به لا يكون شرطا ابتدائيا بل هو شرط في البيع حيث ان تمامه و استناده الى المالك يكون بالإجازة فيكون إلزام المالك إلزاما في بيعه نظير إلزام المشترى في قبوله البائع بأمر و رضا البائع به بعد القبول فلا حظ و تدبر.

بقي في المقام أمور: الأول- ما ذكرناه في صورة اختلاف الإجازة مع عقد الفضولي بالجزء و الكل بان كان المبيع في عقد الفضولي الكل و المجاز البعض ناظر الى أن اختلاف المزبور لا يضر بالتطابق المعتبر بين العقد و الإجازة لا أنه لا يعتبر التطابق بينهما و فيما إذا كان عقد الفضولي على شرط و أجاز المالك العقد دون الشرط لا يحصل التطابق المعتبر بين العقد المجاز و الإجازة و لذا تبطل الإجازة و كذا فيما كان العقد بلا شرط و إجازة المالك مع الاشتراط فإنه لا يحصل التطابق مع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 401

..........

______________________________

عدم رضا الأصيل بالشرط المزبور و يحصل مع رضاه به.

و الحاصل لا ينبغي الخلاف و الاشكال في اعتبار التطابق بين العقد المجاز و الإجازة في الصور الثلاث حيث ان الإجازة إمضاء للعقد باعتبار مدلوله و انما الخلاف في تحقق التطابق و عدمه في تلك الصور فيكون النزاع و الخلاف في الصور

الثلاث صغرويا بعد الاتفاق على الكبرى.

الثاني- قد ذكرنا انحلال البيع باعتبار الأجزاء المشاعة للمبيع في كل بيع و بالإضافة إلى أجزائه الخارجية في خصوص ما كان المبيع بنظر العرف متاعين أو أكثر قد جمع بينهما في عقد واحد و اما في غير ذلك فلا يكون انحلال بالإضافة الى الاجزاء الخارجية و الشاهد للانحلال في الموردين و عدم انحلاله في غيرهما هو العرف و قد ذكر بعض الأعاظم (دامت شوكته) في الاستدلال على عدم انحلال البيع بأنه إذا باع كتابا فلا يصح ان يقال ان البيع المزبور قرارات و بيوع متعددة بعدد صفحات الكتاب و أنه لو انحل البيع بالإضافة الى الاجزاء المشاعة يتعين الالتزام بان البيع الواحد بيوع الى غير النهاية حيث أن الجزء المشاع لا يقف على حد و أن الإنشاء كالاخبار في عدم الانحلال و كما انه لا ينحل الخبر بالإضافة إلى مدلوله مثلا إذا قال كل ما في الأرض جماد لا يمكن ان يلتزم بان المخبر قد كذب كذبا متعددا بعدد ما في الأرض من الحيوان و الإنسان و النبات و الشجر كذلك لا يمكن الالتزام بتعدد البيع فيما إذا قال بعت الدار بكذا و قال الآخر قبلته فإنه لا ينحل الى بيوع متعددة و كذا الحال في النذر و الحلف و نحوهما فإنه إذا قال اللّه على صوم كل جمعة يكون النذر واحدا و لو ترك الصوم في جمعة واحدة لحصل الحنث و وجبت الكفارة و لا يجب الصوم بعده لا انه نذر الصوم كل جمعة و جمعة على سبيل الاستقلال و الاستيعاب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 402

..........

______________________________

و لكن قد التزم هذا القائل الجليل بالانحلال فيما

إذا باع ما يملك و ما لا يملك و فيما إذا كان المتاع لاثنين فباعه أحدهما و فيما إذا جمع بين متاعين مالكهما في إيجاب البيع و قبل المشترى بيع أحدهما أو باعهما فضولي و أجاز المالك بيع أحدهما و لا انحلال في غير ذلك.

أقول اما الاستشهاد بعدم انحلال البيع بان بيع الكتاب لا ينحل عرفا الى بيع كل ورقة ورقة من أوراقه فقد ذكرنا أن مع وحدة المتاع لا ينحل بيعه الى الاجزاء الخارجية و انما يكون الانحلال بالإضافة إلى أجزائه المشاعة و هذا الانحلال لا يستلزم البيوع الى غير النهاية لان الاجزاء المشاعة و ان لا تقف الى حد الا ان عدم وقوفها لا يلازم عدم وقوف بيعها و ذلك فإنه يعتبر في البيع ان تكون للمعوض كالعوض مالية و لا تكون المالية في الاجزاء المشاعة للمتاع الا الى حد معين فإن المالية للجزء كما يأتي في مسئلة تقسيط الثمن ان يكون له قيمة في بيعه بانفراده و عليه فنصف العشر من الكيلو من الحنطة إذا فرض كونه خمسين حبة فلا ينحل بيع الكيلو اليه حيث ان الخمسين من حبة الحنطة لا مالية لها بل و لا غرض في تملكها.

ثم انه لا فرق بين الإنشاء و الاخبار في الانحلال و عدمه و ان الانحلال فيهما باعتبار الدلالة و المدلول لا باعتبار الدال و بتعبير آخر ان الدال و ان لا يتصف بكونه دالا الا مع فرض المدلول له كما انه لا يكون مدلول الا مع فرض الدال عليه كما هو الحال في كل متضايفين الا ان الانحلال يكون في ناحية الدلالة و المدلول لا في ناحية الدال و عليه فان كان موضوع الحكم

عنوانا ينطبق على الدال كحرمة الكذب حيث ان الكذب عبارة عن التكلم بكلام لا يكون المقصود منه مطابقا للواقع فلا يتعدد ذلك الحكم و لو كان مدلول ذلك الكلام منحلا الى المتعدد بخلاف ما إذا كان الموضوع عنوانا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 403

[في شرائط المجيز]

بنى على نفوذ منجزات المريض (1)

______________________________

ينطبق على الدلالة أو المدلول فإنه يتعدد بتعدد هما كما في حرمة الاغتياب كما ذكرنا في المكاسب المحرمة فإنها كشف ما ستره اللّه على المؤمن من العيب و إذا قال المخبر كل أولاد زيد قد شربوا الخمر فقد اغتاب بعدد أولاده حيث ان الاغتياب ينطبق على الكشف و الدلالة لا على الدال كما لا يخفى.

و اما النذر أو العهد فكل منهما عنوان للالتزام و يتعدد بتعدد الملتزم به و إذا قصد الناذر في قوله للّه على صوم كل يوم جمعة الالتزام بصوم كل جمعة على سبيل الاستغراق و الاستقلال فيتعدد الحنث بخلاف ما إذا كان الملتزم به صوم مجموع تلك الأيام و يشهد لانحلال الالتزام بتعدد الملتزم به سقوط بعض الدين بأداء ذلك البعض أو بإبراء الدائن.

الثالث- ما ذكرنا من ان شرط غير الفعل يرجع الى اشتراط الخيار و ان البيع و الشراء يكون معلقا على التزام الطرف بذلك الخيار كما إذا اشترى عبدا و اشترط كونه كاتبا ينحصر بما إذا كان المبيع عينا خارجيا و اما إذا كان بنحو الكلى على الذمة فمرجع الاشتراط الى تقييد المبيع و لو دفع الى المشتري عبدا لا يكتب فلا يكون للمشتري الا استبدال لا فسخ البيع كما ان رجوع الاشتراط الى جعل الخيار يختص بما إذا لم يكن الشرط عنوانا مقوما للمبيع و إذا

اشترى فلزا و اشترط كونه ذهبا فبان مذهبا فإنه يبطل البيع لا انه يثبت للمشتري الخيار و تمام الكلام في باب الشروط إنشاء اللّه تعالى.

(1) يعنى بناء على نفوذ منجزات المريض تكون إجازته مفيدة في صحة عقد الفضولي بتمام مدلوله على النقل و الكشف و بناء على انها كالوصية في نفوذها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 404

لا فرق فيما ذكر بين القول بالكشف و النقل (1).

لامتناع تصرفه في العين (2).

______________________________

من ثلث التركة فيكون صحة الإجازة مراعى بان يكون المال الجاري عليه العقد فضولا بمقدار ثلث تركة المجيز أو أقل.

(1) اما على النقل و الكشف الحكمي فظاهر حيث ان تصرف المالك في ماله يكون بإجازته فيعتبر كونه حال الإجازة مالكا للتصرف و اما بناء على الكشف الحقيقي فالإجازة الكاشفة عن الملك بالعقد هي اجازة المالك الذي يجوز له التصرف في ماله حيث ان الإجازة لا بد من كونها بنحو لو كانت مقارنة للعقد كان العقد مفيدا في النقل و الانتقال بلا فرق بين اعتبار الإجازة بنحو الشرط المتأخر أو بتعقب العقد بها.

(2) اى لا يجوز تصرف الأصيل في العين التي اشتراها لإمكان عدم الإجازة و لإمكان عدم المقتضي يعني عدم دخول تلك العين في ملكه و لا في الثمن لا مكان عدم تحقق الإجازة.

أقول لا يخفى ان احتمال الإجازة لا يمنع عن الأخذ بأصالة بقاء الثمن في ملكه فيجوز تصرفاته ظاهرا مع ان هذا مبنى على لزوم العقد على الأصيل قبل الإجازة فقد تقدم منعه سابقا و ان لزومه على تقديره يسقط في موارد الضرر.

و اما الاستدلال على اعتبار المجيز حال العقد بأنه لو امتنع العقد في زمان امتنع دائما فقد أجاب

عنه المصنف (ره) مضافا الى النقض بما إذا كان مالك المال حال العقد في مكان لا يمكن الوصول إليه انه لا ملازمة بين عدم إمكان تمام العقد في زمان و عدم إمكان تمامه بعد ذلك و بتعبير آخر إذا امتنع الشي ء في زمان ذاتا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 405

..........

______________________________

لامتنع دائما.

و اما إذا كان امتناعه في زمان بالغير فيمكن ان يخرج إلى الإمكان بل الوجوب بعد ذلك بتمام علته.

و الحاصل يحتمل ان يكون المراد بالمجيز ذات المجيز أى من يكون شأنه إجازة العقد و لكن احتمال عدم اعتبار هذا المجيز حال العقد أو الجزم بعدمه لا يفيد شيئا في المعاملات المالية كالبيع فإنه لا يمكن تخلف مال عن المالك أو من له ولاية على مالك ذلك المال.

نعم يصح في مثل النكاح كما إذا زوج الفضولي صبيا من صبية لا يكون لهما أب أوجد بناء على عدم ولاية غير الأب و الجد عليهما حتى الامام عليه السّلام فان ولايته على نكاحهما مورد المناقشة و يحتمل ان يكون المراد بالمجيز من يتمكن على الإجازة حين العقد و إذا كان المالك بعيدا عن مكان العقد بحيث لا يمكن وصول خبره إليه إلى مدة يكون العقد المزبور على الاعتبار غير قابل للإجازة.

ثم انه لا دليل على اعتبار المجيز حال العقد باحتماليه فان البيع أو غيره يستند الى المجيز فيكون بيعا له بإجازته فيعتبر ان يكون حال الإجازة مالكا للتصرف و اما قبلها فكون ذات المجيز أو مع تمكنه على إجازته غير دخيل في تمام عقد الفضولي أضف الى ذلك ما ورد في نكاح الصغيرين حيث لم يستفصل فيه عن وجود الولي عليهما حين العقد أو

عدمه و كذا إذا كان المراد بالمجيز وجود من تصح إجازته حال العقد فإذا بيع مال اليتيم بنصف قيمته السوقية ثم تنزلت القيمة بحيث تكون إجازته صلاحا فيصح بالإجازة بناء على عدم الاعتبار بخلاف ما إذا قيل بالاعتبار فإنه لا بد من تجديد العقد و لكن اعتبار وجود المجيز بهذا المعنى ضعيف ايضا يدفعه عدم الاستفصال في مثل خبر نكاح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 406

على خلاف فيه (1) فالأولى منع تسليم دفع الاعتراض (2) الثالث لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف (3)

______________________________

الصغيرين و الإطلاق أو العموم الشامل للعقد بعد لحوق الإجازة به.

و لا يخفى ان اعتبار وجود المجيز حال العقد باحتمالاته الثلاثة على تقديره ينبغي ان يعد في شرائط المجاز لا من شرائط المجيز الذي يلحق إجازته بعقد الفضولي كما في الشرطين الأول و الثالث.

(1) أى على خلاف في ولاية الوصي.

(2) يعني الاولى الالتزام بورود الاعتراض مع فرض كون المراد بالمجيز من يكون شأنه اجازة العقد فضولا و ان أريد وجود المجيز المزبور مع تمكنه على الإجازة فيمكن فرض عدم هذا المجيز في العقد الجاري على الأموال فضولا حتى مع فرض ولاية المجتهد و العدول لإمكان عدم تمكنهم على إجازته باعتبار عدم اطلاعهم على العقد المزبور.

(3) هذا الأمر ناظر الى ان من يجيز العقد فعلا و انه هل يعتبر في نفوذ إجازته ان يكون حال العقد ايضا نافذ التصرف بحيث لو كانت إجازته في ذلك الزمان لتم بها العقد أو انه لا يعتبر في نفوذ إجازته إلا كونه جائز التصرف حال الإجازة فتصح إجازته فعلا و لو لم تكن له الإجازة في ذلك الزمان سواء كان عدم نفوذ إجازته

سابقا لعدم المقتضي أو للمانع و المراد بعدم المقتضى عدم الملك أو الوكالة أو فقد سائر القيود المعتبرة في المالك و المراد بالمانع تعلق حق الغير بالمال الذي وقع مورد العقد فضولا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 407

..........

______________________________

و في المقام مسائل ثلاث: ندرجها في مسألتين تبعا للمصنف (ره): الاولى- ما إذا بيع المال و كان حال البيع فاقدا لما يعتبر في البائع من القيود من كونه بالغا أو عاقلا أو رشيدا أو عدم الحجر عليه بتعلق حق الغير بماله و صار حال الإجازة واجدا لتلك القيود.

و الثانية ما إذا بيع المال حال عدم ملكه ثم ملك المال و أجاز البيع اما الأولى فنقول إذا بيع المال حال جنونه أو صغره أو سفهه ثم أفاق أو بلغ أو صار رشيدا فأجاز البيع فإنه لا ينبغي الريب في صحة البيع المزبور باعتبار انه يتم بالإجازة الموضوع لاعتبار المعاملة و إمضائها حيث يتم بها استناد المعاملة المفروضة إلى المالك البالغ الرشيد و الاستناد السابق على تقدير المباشرة في إنشاء البيع كان ملغى لخروج بيع الصغير و المجنون و السفيه عن موضوع الإمضاء و لزوم الوفاء لا باعتبار تعلق حق الغير بالمال بل لقصور أنفسهم و إذا باع مع المانع أى مع تعلق حق الغير بماله ثم ارتفع ذلك المانع بسقوط ذلك الحق تتم المعاملة و يشملها دليل الاعتبار من غير حاجة الى الإجازة حيث ان استنادها الى المالك العاقل البالغ الرشيد كان من قبل و انما لم يشملها دليل الاعتبار لتعلق حق الغير بالمال الذي وقع مورد المعاملة ففي أي زمان سقط ذلك المانع يشملها دليل الاعتبار.

و ان شئت فلاحظ المعاملة التي يكون القبض شرطا

في تمامها فان دليل الاعتبار لا يعمها ما لم يحصل القبض ففي أي زمان حصل القبض يعمها دليل اعتبارها.

لا يقال لا يقاس المقام بمسئلة اعتبار القبض في الهبة و الوقف فان ما دل على عدم انتقال المال عن ملك الواهب أو الواقف الى ان يقبض العين مقتضاه ترتب الإمضاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 408

..........

______________________________

على الهبة أو الوقف بعد القبض بخلاف بيع المالك المال مع كونه رهنا أو محجورا عليه للفلس فان بيعه في حدوثه مستند الى مالكه و مع ذلك لا يعمه إطلاق حل البيع أو عموم وجوب الوفاء بالعقد باعتبار أن إمضائه أو لزوم الوفاء به مناف لتعلق حق الغير بالمال و بعد ارتفاع المانع و سقوط الحق دخوله في الإطلاق و العموم يحتاج الى التوضيح.

فإنه يقال قد ذكرنا في بحث الأصول انه كلما دار أمر الفرد بين خروجه عن تحت العام أو المطلق إلى الا بدو خروجه عنهما الى زمان يتعين الالتزام بالثاني للاقتصار على المتيقن لان طرح ظهور العام أو الإطلاق بالإضافة الى ما بعد ذلك الزمان بلا موجب.

و مما ذكرنا يظهر انه لو باع الراهن أو المفلس عين الرهن أو عين ماله فأجاز المرتهن أو الغرماء البيع لا تكون إجازتهم كاشفة عن النقل و الانتقال من حين العقد لا بكشف حقيقي و لا بكشف حكمي بل تكون إجازتهم كفك الرهن أو ارتفاع الفلس موجبا لانتقال العوضين من حين الإجازة و ذلك فان المال بالإضافة إلى الأزمنة السابقة غير قابل للنقل و الانتقال و في أي زمان سقط الحق عن المال و صار ملك طلق يقبل النقل من ذلك الزمان و لا يقاس بإجازة المالك في بيع

الفضولي المعروف حيث التزمنا فيه بالكشف الحكمي باعتبار أن المال كان قابلا للنقل في زمان سابق الا ان البيع الناقل لم يكن مستندا الى المالك أو من له ولاية النقل و بإجازته يستند النقل من ذلك الزمان الى المجيز على ما تقدم.

و على ذلك فإذا بيع المال حال صغره أو جنونه أو سفهه ثم صار المالك بالغا أو أفاق أو صار رشيدا فأجاز البيع المزبور تكون إجازته كاشفة بخلاف ما إذا باع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 409

[من باع شيئا ثم ملكه]

الثانية ان يتجدد الملك بعد العقد فيجيز المالك الجديد (1)

______________________________

المال ثم فك الرهن فإنه يتعين الالتزام في الثاني بالنقل كما لا يخفى.

(1) المسئلة الثانية- ما إذا كان المجيز غير مالك للمال حال العقد، و لهذه المسئلة صور، و لكن العمدة البحث في جهات: الاولى- ما إذا باع غير المالك، لنفسه ثم ملك المال، و أجاز البيع، و الثانية- ما إذا باع المال لنفسه ثم ملكه و لم يجزه، و الثالثة هل فرق بين ما إذا باع غير المالك لنفسه ثم ملكه أو اجازه أو لم يجزه، و بين ما إذا باع المال لمالكه ثم ملكه و أجاز أو لم يجز.

فنقول قد يقال بان غير المالك إذا باع المال لنفسه ثم ملكه و اجازه يصح البيع المزبور، و بتعبير آخر لا يعتبر في المجيزان يكون مالكا للمال حين إنشاء عقد الفضولي، كما هو ظاهر المحقق في باب الزكاة من المعتبر، حيث ذكر انه لو باع المالك النصاب قبل إخراج الزكاة أو رهنه صح البيع و الرهن بالإضافة الى غير مقدار الزكاة فإن أدى الزكاة من مال آخر، قال الشيخ صح البيع و الرهن في

تمام النصاب، و فيه إشكال لأن حصة الزكاة مملوكة لأرباب الزكاة و إذا أدى المالك الزكاة من مال آخر ملك تلك الحصة بملك جديد، فافتقر بيع تلك الحصة إلى إجازة جديدة، كما في مسئلة من باع شيئا ثم ملك انتهى. فان ظاهر هذا الكلام ان المحقق (ره) يرى تمام البيع فيما إذا باع المال ثم ملكه و اجازه.

بل يمكن ان يستظهر مما حكاه عن الشيخ (ره) عدم الحاجة في تمام البيع المزبور إلى الإجازة، و لكن الاستظهار قابل للخدشة، فإنه يحتمل ان يكون تعلق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 410

..........

______________________________

الزكاة من قبيل الكلى على الذمة، و ان العين الزكوية كالرهن لذلك الكلى، فلو امتنع مالك النصاب عن أداء ما عليه من الزكاة، يجوز لوليها الأخذ بتلك العين لاستيفاء ما على عهدة مالك النصاب، نظير أخذ المرتهن بالعين المرهونة، لاستيفاء ما على عهدة الراهن في فرض امتناعه عن أداء دينه، و على ذلك فالعين الخارجية بتمامها ملك لمالك النصاب، غاية الأمر يتعلق بها حق الزكاة، و يسقط ذلك الحق بأدائها من مال آخر، نظير ما إذا باع الراهن العين المرهونة ثم فك الرهن بأداء دينه فإنه قد مر عدم الحاجة في صحة هذا البيع إلى الإجازة، كما يحتمل ان يكون تعلق الزكاة بالعين الخارجية كتعلق حق الجناية بالعبد في جنايته خطاء بان يجوز لمالك النصاب بيعه بتمامه و يصح منه البيع، كجواز بيع العبد الجاني، و تتعلق الزكاة بذمة المالك، غاية الأمران المالك لو امتنع عن أداء الزكاة و إفراغ ذمته منه، يجوز لولي الزكاة أخذ الزكاة من النصاب بإبطال البيع المزبور، و فسخه في مقدارها، كما في امتناع مولى العبد الجاني

من أداء أرش الجناية فيمكن ان يكون ظاهر كلام الشيخ (ره) في عدم الحاجة الى الإجازة مبنيا على ذلك، فلا يرتبط عدم الحاجة الى الإجازة في الفرع المزبور بمسئلة من باع شيئا ثم ملك.

و ذكر السيد اليزدي (ره) في تعليقته ان تعلق الزكاة بالنصاب لا يحتمل كونه من قبيل تعلق حق الجناية بالعبد الجاني خطاء لان المعروف بينهم انه يجوز للساعي و الحاكم تتبع العين فيما إذا باع المالك النصاب قبل أداء الزكاة من مال آخر.

(أقول) ان كان مرادهم من تتبع العين فيما إذا لم يؤد الزكاة بعد بيع النصاب تتبعها مع امتناع المالك من مال آخر فحق الرهانة و حق الجناية مشتركان في ذلك،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 411

..........

______________________________

و ان كان مرادهم تتبعها و لو من غير امتناعه فالأمر أيضا كذلك لان جواز تتبع العين لا يلازم جواز تملكها مطلقا بل جواز التملك يكون بعد امتناع المالك من أداء الزكاة من مال آخر سواء كان تعلقها من قبيل حق الرهانة أو من قبيل حق أرش الجناية.

و الحاصل- ان الفرق بين تعلق حق الرهن و تعلق حق الجناية بعدم تمام بيع العين المرهونة إلا بفك الرهن أو اجازة المرتهن بخلاف بيع العبد الجاني خطاء فإنه يتم، و لكن يكون للمجنى عليه أو وليه حق فسخ بيعه في فرض امتناع مولاه البائع عن أداء أقل الأمرين من قيمته و أرش الجناية- غير مناف لما هو المعروف بينهم من جواز تتبع العين و في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام رجل لم يزك أبله أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى قال

نعم تؤخذ منه ذكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدى زكاتها البائع «1» و ظاهرها لا ينافي كون الزكاة من قبيل حق الرهن أو حق أرش الجناية.

و لكن الأظهر عدم كون الزكاة من قبيلهما، و لا من قبيل الكلي في المعين لعدم حساب التالف على مالك النصاب فقط، كما لا تكون من الإشاعة في العين، كما هو مقتضى إيجاب الشاة في نصاب الإبل، بل بنحو الإشاعة في المالية و يجوز للمالك التصرف في بعض النصاب فيما إذا كان قصده إخراجها من الباقي، لأن القصد المزبور عزل للزكاة في الباقي، و يصح بيع تمام النصاب مع إخراج الزكاة من مال آخر و لو بعد البيع، و تمام الكلام في محله.

______________________________

(1) وسائل الجزء (6) باب 12 من أبواب زكاة الانعام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 412

و بهذا القول صرح الشهيد (ره) في الدروس (1)

______________________________

(1) اى صرح الشهيد (ره) في الدروس بصحة البيع فيما إذا باع المال لنفسه ثم ملكه و أجازه، و هذا ايضا ظاهر المحكي عن الصيمري، و لكن المحكي عن المحقق الثاني في تعليق الإرشاد هو البطلان، و مال اليه بعض المتأخرين، و الأقوى هو القول بالصحة للأصل و العمومات.

أقول- لعل مراده (ره) من الأصل هو الإطلاق و العموم في أدلة إمضاء البيع و وجوب الوفاء بالعقود فيكون العمومات السليمة عطفا تفسيريا، و لو كان مراده بالأصل أصالة عدم اشتراط كون المجيز مالكا حال إنشاء العقد، فقد ذكر (ره) في موارد من أن مقتضى الأصل العملي في موارد المعاملات هو الفساد، لأصالة عدم ترتب الأثر عليها.

لا يقال- ما الفرق بين المقام اى ما إذا شك في شرطية ملك المجيز حال العقد في

صحة البيع، و بين الشك في شرطية شي ء لمتعلق الأمر على ما هو المعروف في دوران أمر الواجب بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، حيث يرجع هناك بأصالة عدم الشرطية، و لا يرجع إليها في المقام.

فإنه يقال- المراد بأصالة عدم الشرطية في دوران أمر الواجب بين كونه مطلقا أو مشروطا هي البراءة عن وجوب المشروط و الفرق بين هناك و المقام ان الحكم المفروض في مسئلة دوران الواجب بين الأقل و الأكثر واحد يتردد متعلقة بين كونه الطبيعي بنحو اللابشرط، أو كونه بشرط شي ء فتجري أصالة البراءة في ناحية تعلقه بالطبيعي بشرط شي ء، بعد معارضة استصحاب عدم تعلق الوجوب بالطبيعي بشرط شي ء مع أصالة عدم تعلقه بالطبيعي بنحو اللابشرط و أصالة البراءة عن وجوب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 413

و ربما لا يجرى فيه ما ذكر هناك (1).

______________________________

الطبيعي المشروط بشي ء لا يعارضها أصالة البراءة عن وجوب الطبيعي بنحو لا بشرط، لان رفع التكليف على تقدير تعلقه بالطبيعي بنحو اللابشرط خلاف الامتنان، و لكن لا يجرى ذلك في مثل المقام مما يكون الحكم فيه انحلاليا كحل البيع أو وجوب الوفاء بالعقد فان كل بيع يكون مجيزه مالكا حال إنشائه تعلق به الحل و لزوم الوفاء جزما و الشك في تعلق حل آخر أو وجوب الوفاء بالبيع الآخر أيضا و هو البيع الذي لا يكون مجيزه حال إنشائه مالكا للمال، و استصحاب عدم تعلق الحل و الإمضاء و وجوب الوفاء به يجرى بلا معارض، و لذا يحتاج في الحكم بصحة البيع فيما إذا باع شيئا ثم ملك و أجاز إلى إثبات الإطلاق و العموم في أدلة الإمضاء و لزوم العقد.

(1) يعنى ربما لا يأتي

في توجيه الصحة في هذه المسئلة ما وجه به صحة البيع فيما إذا بيع المال فضولا و أجازه من كان مالكا له زمان العقد حيث تقدم في توجيه الصحة هناك ان العاقد و لو قصد البيع لنفسه الا انه في الحقيقة قاصد البيع للمالك حال العقد فان قصده البيع لنفسه مبنى على كونه مالكا للمال و لو عدوانا فيتم البيع للمالك بإجازته بخلاف المقام فان البيع واقع في الحقيقة للمالك حال العقد لا للبائع المفروض كونه مجيزا.

(أقول) قد ذكرنا في تلك المسئلة ان البيع لا يقع للمالك لان حقيقته تمليك عين بعوض و المراد بوقوعه للمالك هو انتسابه اليه و هذا الانتساب و ان لا يدخل في حقيقة البيع الا انه يعتبر في صحته و نفوذه و يتحقق بمباشرة المالك لإنشاء البيع أو بكون إنشائه بإذنه أو بإجازته.

و الحاصل قصد الفضولي البيع لنفسه لغو و قصد زائد على أصل إنشاء البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 414

الثاني حيث جوزنا بيع غير المملوك (1).

______________________________

و ينتسب البيع الى المالك بالإجازة سواء كان المالك المجيز مالكا للمال حال العقد أيضا أم لا.

(1) و حاصله قد التزمنا بان عقد الفضولي المعروف يتم بإجازة مالك المال مع كون العاقد غير مالك للمال و لم يكن عقده بإذن المالك و برضاه كما انه لم يكن قادرا على تسليم المال لان ملك المال و الرضا و التمكن على التسليم يعتبر في المالك حال العقد الذي يجيزه لأنه البائع حقيقة و المفروض في مسئلة من باع شيئا ثم ملك و أجاز ان المالك المزبور لم يجز العقد بل اجازه من تملك المال بعد ذلك العقد و أجاب (ره) عن

ذلك بأنه لا يعتبر في تمام عقد الفضولي ملك المجيز المال حال العقد بل يكفى فيه ملكه حال الإجازة و الرضا لان الوجه في اعتبار كل ذلك عدم حل المال للغير بغير طيب نفس مالكه و رضاه و كون تصرف الغير في المال المزبور بلا رضاه ظلما و تعديا على المالك و ان سلطنة التصرف في المال تثبت للمالك لا لغيره و مع اجازة المالك الجديد يراعى كل ذلك و اما التمكن على التسليم فلا بعد في اعتباره في مالك المال حال العقد لأن الإجازة تصحح العقد الذي لا يكون فيه نقص من غير جهة اجازة المالك.

(أقول) لا وجه لاعتبار القدرة على التسليم في المالك حال العقد بل يعتبر التمكن فيمن يجب عليه الوفاء بالعقد في ظرف استحقاق الطرف المطالبة بالمال و بإحراز هذا التمكن حال العقد ينتفي الغرر و يتم البيع كما هو مقتضى إطلاق أدلة الإمضاء و عموم دليل وجوب الوفاء بالعقد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 415

الإجازة حيث صحت كانت كاشفة على الأصح مطلقا (1).

______________________________

(1) و حاصله ان اعتبار الإجازة يكون على الأصح بطور الكشف لا النقل كما تقدم سابقا و اعتبارها بالنحو المزبور لا يختص بمورد دون مورد بل كلما فرض نفوذ الإجازة و صحتها فاللازم كونها كاشفة لأن الدليل على اعتبارها بنحو الكشف مطلق يعم جميع مواردها و حيث ان اعتبارها في المقام بنحو الكشف بان تكون إجازة البائع المجيز كاشفة عن تمام الملك للطرفين من حين العقد مع الأصيل غير ممكن لاستلزام ذلك دخول المال في ملك الأصيل قبل دخوله في ملك البائع فلا بد من القول بعدم نفوذ الإجازة و كونها لغوا حيث لا دليل

على اعتبارها في المقام بالنحو الآخر.

و فيه ان ما ذكر من اعتبار الإجازة بنحو الكشف لا يختص بمورد دون مورد صحيح الا انه ليس لازم ذلك تمام الملك للطرفين من حين العقد فضولا اى من زمان إيجابه و قبوله و لذا تكون في الهبة الفضولية كاشفة عن تمام الملك للمتهب من حين حصول القبض و بما ان من شرط تمام الملك للأصيل انتقال المال اليه من البائع المجيز لانه المالك حال الإجازة و بها يستند البيع اليه فيكون انتقال مال المجيز إلى الأصيل من زمان كون المجيز مالكا و هذا معنى كون الإجازة معتبرا بنحو الكشف و ليس في الالتزام بذلك أى محذور لا محذور فقد المقتضي أي فقد الدليل على اعتبار الإجازة فإنه يكفي في اعتبارها إطلاق دليل إمضاء المعاملات و عموم وجوب الوفاء بالعقود على ما مر آنفا و لا محذور المانع سواء كان من ناحية العقل أو من الشرع بان قام دليل على إلغاء هذا النحو من الكشف.

لا يقال إذا كان في المقام انتقال المال إلى المشتري الأصيل من حين تملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 416

..........

______________________________

المجيز المتاع تكون أجازته نظير تخصيص المالك حال العقد إجازته في عقد الفضولي المعروف بزمان متأخر عن زمان العقد.

فإنه يقال هذا التخصيص يمنع عن صحة الإجازة فيما إذا كان انتقال المال إلى الأصيل من حين العقد ممكنا و لا يمكن الانتقال كذلك في المقام و كذا لا يضر في إجازة البائع كونها رضاء بالعقد الذي مدلوله النقل من حينه و وجه عدم القدح ان المال غير قابل للانتقال الا من زمان تملك المجيز فيكون عموم الإجازة بالإضافة الى ما قبل ذلك الزمان

ملغى نظير الإجازة فيما إذا كان القبض فيه شرطا للانتقال.

أقول لا يخفى ان اجازة البائع في المسئلة تتعلق بالعقد السابق بتمام مدلوله و هو جعل ملكية المال للمشتري من حين ذلك العقد و لكن لا يتبع الإمضاء الشرعي تلك الإجازة الا من زمان تملك المجيز جمعا بين مثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و ما دل على عدم سلطنة الإنسان بمال الغير فيكون التفكيك في المقام نظير عدم تبعية الإمضاء الشرعي للبيع في الصرف و السلم الا من حين حصول القبض و لو أجاز البائع في المسئلة بعد تملكه المال العقد السابق لا بتمام مدلوله كما لو صرح بإجازته ذلك العقد بإمضائه بعض مدلوله و هي الملكية من حين تملكه فلا تكون أجازته مطابقة لمدلوله من غير فرق بين المقام و اجازة عقد الفضولي المعروف كما إذا أجاز المالك فيه على مسلك الكشف بنحو النقل حيث تقدم فساد تلك الإجازة.

و الحاصل إجازة البائع العقد من حين تملكه المتاع غير الحكم بانتقال المتاع إلى المشتري الأصيل من ذلك الحين فإن الثاني يتعين الالتزام به و اما الأول فلا تصحح البيع السابق لما تقدم من انه لا بد من مطابقة الإجازة مع مدلول العقد.

و ذكر النائيني (ره) في المقام انه فرق بين عقد الفضولي و تمامه بإجازة المالك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 417

الرابع ان العقد الأول (1).

______________________________

حال العقد و بين مسئلة من باع شيئا ثم ملك و أجاز حيث ان الإجازة في الثاني لا تؤثر شيئا و الوجه في ذلك ان من شرط الإجازة و نفوذها عدم رد العقد قبلها و ان مع الرد لا يبقى عقد ليتعلق به الإجازة و بيع

المالك المال من البائع رد فعلى لذلك العقد فلا ينفعه إجازة البائع بعد تملك المال.

و لكن لا يخفى ما فيه فإنه كما تقدم سابقا لا اثر لرد المالك و ان عقد الفضولي لا يكون معه ملغى و على تقدير الالتزام بنفوذ الرد فلا ينبغي الريب في ان الرد من الأمور الإنشائية يحتاج الى القصد و المفروض في المقام ان المالك باع المال من بايعه و لم يرد إلغاء العقد السابق و ينتفي ببيعه قابلية عقد الفضولي لإجازة المالك حال العقد حيث يخرج ببيعه عن كونه مالكا للمال و يبقى قابليته لإجازة البائع الذي تملك المال من مالكه.

أضف الى ذلك انه ربما يكون تملك البائع فضولا المال لا بالمعاملة مع المالك بل بالإرث و نحوه و معه لا مجال لتوهم الرد.

(1) و بتعبير آخر صحة الإجازة من البائع موقوفة على تمام البيع الثاني ليتملك البائع المزبور المال من مالكه الأصلي ليجيز بيعه الأول الذي كان فضوليا ففي زمان البيع الثاني لا بد من كون المال ملكا لمالكه الأصلي ليجعل ملكه للبائع المجيز بالبيع المزبور كما يلزم ان يكون ملكا للمشتري في البيع الأول الذي اشتراه من البائع الفضولي باعتبار ان ذلك مقتضى اعتبار الإجازة و صحتها بنحو الكشف.

و الحاصل يجتمع ملكان في زمان واحد في مال واحد و هذا غير ممكن.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 418

فيكون صحة الأول مستلزمة لكون المال المعين ملكا للمالك و المشترى معا في زمان واحد (1).

______________________________

لا يقال يأتي هذا الإشكال في كل بيع فضولي فإن صحة الإجازة موقوفة على كون المجيز مالكا حال الإجازة حيث يعتبر في تمام البيع فضولا اجازة المالك و صحة إجازته و اعتبارها

بطور الكشف مقتضاها كون المال في زمان الإجازة ملكا للمشتري في ذلك البيع الفضولي فاجتمع في مال واحد في زمان واحد ملكان.

فإنه يقال يكفي في الإجازة و نفوذها الملك الظاهري للمجيز الحاصل له بالاستصحاب بخلاف صحة البيع الثاني في مسئلة من باع شيئا ثم ملكه بالشراء و أجاز البيع الأول فإن الاشتراء لا يتم الا مع ثبوت الملك حقيقة للمالك الأصلي.

(1) يعني يكون صحة بيع البائع فضولا بلحوق أجازته مستلزمة لكون المتاع ملكا للمالك الأصلي ليشتريه البائع منه و يجيز البيع الأول و ان يكون ملكا للمشتري من البائع فضولا في ذلك الزمان كما هو مقتضى كون الإجازة كاشفة فوجود الثاني أي صحة بيع المالك الأصلي يقتضي عدم صحة بيع البائع فضولا و ان لا يكون المتاع ملكا للمشتري الأول و صحة بيع البائع أي الأول فضولا يقتضي بطلان بيع المالك الأصلي و ان لا يكون مالك الأصلي في زمان البيع الثاني مالكا للمتاع فيلزم ان يكون المالك الأصلي في زمان مالكا و ان لا يكون في ذلك الزمان.

و لا يخفى ان الوجه الرابع كما ذكر مبنى على كون إجازة البائع بعد تملكه المال كاشفة عن حصول الملك للمشتري من حين العقد الأول و لكن قد تقدم في الجواب عن الوجه الثالث ضعفه و ان أجازته تكون كاشفة عن حصول الملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 419

نعم يبقى في المقام الاشكال الوارد (1).

______________________________

للمشتري من حين تملك المجيز فإنه أول زمان إمكان انتقال ذلك المال الى ملك المشترى عن ملك المجيز.

(1) الاشكال العام مبنى على مسلك الكشف الحقيقي فإنه بناء عليه يكون المال قبل حصول الإجازة ملكا للمشتري كما هو مقتضى اعتبارها

بنحو الكشف و يكون ملكا للمجيز لتكون أجازته نافذة حيث يعتبر ملك المجيز و إذا انضم هذا الاشكال العام إلى الإشكال الجاري في خصوص المقام يلزم كون المال قبل وقوع البيع الثاني ملكا لثلاثة المالك الأصلي ليصح بيعه من العاقد و للعاقد فإنه مقتضى تلقى المشترى الملك منه و للمشتري كما هو مقتضى اعتبار الإجازة بنحو الكشف و ما ذكر في دفع الاشكال العام بكفاية المالك الظاهري الحاصل للمجيز بالاستصحاب فاسد لان استناد البيع الى المجيز و كشف أجازته عن حصول الملك للطرف يتوقف على كون ذلك المجيز مالكا و إذا أحرز بعد ذلك عدم كونه مالكا فلا يفيد أجازته حيث لا أثر للحكم الظاهري بعد انكشاف الواقع فيكون الفرض كما إذا انكشف ان المال كان ملكا لشخص آخر.

و الحاصل ان اعتبار الملك في المجيز شرط واقعي.

و ايضا ما ذكره في المقام التفرقة بين نفوذ الإجازة و نفوذ البيع الثاني من اعتبار الملك الواقعي في الثاني دون الإجازة فإن الإجازة إسقاط حق يكفى فيه الملك الظاهري لا يمكن المساعدة عليه فان تمام بيع المالك يكون بإجازته فيلزم كونه مالكا واقعا بل إذا لم يكن له ملك واقعا أو حق كذلك فكيف يصح منه الإسقاط.

أقول لو قام الدليل على اعتبار الإجازة بنحو الكشف الحقيقي فلا بد من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 420

و الخامس ان الإجازة المتأخرة (1).

______________________________

الالتزام بان المعتبر في الإجازة كون المجيز مالكا لو لا الإجازة و لا وجه لما يظهر من المصنف (ره) من التزم بالإشكال العام و انه يلزم عليه اجتماع ملكين مستقلين في مال واحد على مسلك الكشف الحقيقي كما لا يخفى.

(1) و هذا الوجه ايضا مبنى

على كون الإجازة كاشفة عن حصول الملك للمشتري الأصيل من حين وقوع البيع الأول فإنه عليه تكون إجازة البائع البيع الأول بعد تملكه المال كاشفة عن حصول ملك ذلك المال للمشتري من حين البيع الأول فيكون بيع المالك الأصلي ذلك المال من البائع الأول مصادفا لملك المشتري الأصيل واقعا فيتوقف نفوذ البيع الثاني على اجازة ذلك المشترى نظير ما صدر البيع الثاني الصادر عن أجنبي و أجاز المالك الأصلي البيع الأول فإن معها تكون صحة البيع الثاني الصادر عن الأجنبي موقوفة على إجازة المشتري الأول بلا كلام و حيث ان في المقام صحة البيع الأول موقوفة على إجازة البائع فضولا تكون النتيجة توقف نفوذ كل من إجازتي المشتري الأول و البائع فضولا على الأخرى و تكون صحة كلا البيعين موقوفة على إجازة المشتري الأول لاعتبار رضاه في تمام البيع الثاني و لتوقف تمام البيع الأول على البيع الثاني الموقوف على أجازته على الفرض.

و لازم ذلك عدم استحقاق المالك الأصلي شيئا من الثمن و المثمن بل يكون المبيع للمشتري الأول بلا ثمن فيما إذا كان مقدار الثمن في البيع الأول مساويا لمقداره في البيع الثاني لأن الثمن في البيع الأول يستحقه البائع عليه و يستحق المشترى المزبور الثمن في البيع الثاني على البائع باعتبار مصادفة ذلك البيع ملكه واقعا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 421

السادس- ان من المعلوم انه يكفى (1)

______________________________

و بهذا يظهر ان المشترى المزبور يستحق المبيع بأقل من الثمن في البيع الأول فيما إذا كان الثمن فيه أكثر من الثمن في البيع الثاني و تسحقه مع زائد فيما إذا كان الأمر بالعكس.

(1) و حاصل هذا الوجه أن بيع المالك الأصلي المال

من العاقد الفضولي فسخ فعلى لبيع الفضولي فلا يكون ذلك البيع قابلا للإجازة و الوجه في كونه فسخا فعليا ان عقد الفضولي لا يزيد على العقد الخياري و كما ان تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه ببيعه من آخر فسخ فعلى لذلك البيع الخياري كذلك تصرف المالك الأصلي في ماله ببيعه من العاقد الفضولي أو غيره فسخ و إبطال لبيع الفضولي بل يكون تصرف المالك الأصلي أولى بالفسخ من تصرف ذي الخيار حيث يمكن ان يقال ان البيع بعد انعقاده لا يكون ملغى الا بالفسخ القولي بخلاف إلغاء بيع الفضولي فهو باعتبار عدم تمامه قبل الإجازة يكون ملغى بالفعل قطعا.

و أجاب المصنف (ره) عن هذا الوجه بان مجرد تصرف المالك الأصلي في ماله الجاري عليه البيع فضولا لا يكون ردا و إلغاء لعقد الفضولي حتى لا يكون قابلا للإجازة بل غاية الأمر يكون تصرفه موجبا لفوت محل الإجازة اما مطلقا كما إذا زوجت المنكوحة فضولا نفسها من الآخر أو بالإضافة إلى المتصرف فقط كما في مسئلة بيع المالك الأصلي فإن للتملك اجازة البيع الجاري على ذلك المال فضولا و قياس تصرف المالك الأصلي بتصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه فاسد لان تصرف ذي الخيار فيما انتقل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 422

السابع- الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي (ص) عن بيع ما ليس عندك (1)

______________________________

عنه لا يمكن الا بفسخ البيع الخياري و إبطاله بخلاف تصرف المالك الأصلي فإن المال باعتبار عدم تمام البيع فضولا باق على ملكه فيجوز له التصرف فيه مع إمكان إجازة البيع الأول و لحوق الإجازة به من مالكه الجديد.

نعم لو كان قصد المالك الأصلي من تصرفه إلغاء البيع

الأول يكون تصرفه مع القصد المزبور ردا لذلك العقد فلا يصلح بعده للحوق الإجازة.

أقول قد تقدم في ذيل نقل هذا الوجه عن النائيني (ره) انه لا موجب لرفع اليد عن عموم وجوب الوفاء بالعقد و إطلاق دليل حل البيع بالإضافة إلى البيع الأول فيما إذا اجازه المالك الجديد حتى في مورد قصد المالك الأصلي إلغاء ذلك البيع فإنه ذكرنا عدم الأثر لقصده الإلغاء و لا يمكن إثباته بحديث سلطة الناس على أموالهم.

(1) الأخبار المذكورة في هذا الوجه على طوائف ثلاث: الاولى بعض الاخبار الضعاف الحاكية لنهي النبي (ص) عن بيع ما ليس عندك كروايتي الحسين ابن زيد و سليمان بن صالح «1» و النهى المزبور يعم ما إذا كان بيع ما ليس عنده من بيع الكلي أو الشخصي و لكن يتعين رفع اليد عن إطلاقه بالحمل على صورة كون المبيع شخصا لما نشير الى الروايات المعتبرة الدالة على جواز بيع الكلى على العهدة مع عدم ملك الشخص حال البيع كما ان النهى المزبور اما إرشاد إلى فساد

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب (7) من أبواب أحكام العقود الحديث (2- 5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 423

..........

______________________________

بيع ما ليس عنده بالإضافة الى كل من بايعه و مالك المال أو الى فساده بالإضافة إلى بائعه فقط.

و على الأول يرفع اليد عن الإطلاق بالإضافة إلى مالك المال لما تقدم من الدليل على صحة بيع الفضولي و تمامه بإجازة المالك و على التقديرين يكون مقتضى النهى عدم تمام ذلك البيع بالإضافة إلى بائعه سواء تملك المال و أجاز بيعه أم لا بل الظاهر إرادة صورة تملكه لان عدم تمام البيع بالإضافة إلى بائعه في غير صورة

تملكه لا يحتاج الى البيان.

و أجاب المصنف (ره) عن الاستدلال بأنه لا نظر في النهي المزبور إلى صورة إجازة بائعه بعد تملكه لأن المنفي بالنهي الإرشادي الصحة التي يراها المتبايعان بحسب معاملتهم و هي انتقال ذلك المتاع إلى المشترى و انتقال الثمن إلى البائع بحيث يكون للمشتري حق إلزام البائع بتحصيل ذلك المتاع و للبائع حق إلزام المشتري بأخذه و التصرف في الثمن و اما الصحة التي يلتزم بها في المقام و هي ترتب أثر المعاملة على البيع بإجازة بائعه بعد تملكه المتاع أخذا بإطلاق دليل حل البيع و عموم وجوب الوفاء بالعقد فلا دلالة للنهى المزبور على نفيها.

أقول لا يخفى أن إلزام المشتري البائع بتحصيل المبيع و دفعه اليه و كذا جواز تصرف البائع في الثمن من آثار انتقال المالين و إذا كان النهى المزبور بيانا لعدم حصول النقل و الانتقال شرعا يكون مقتضى إطلاقه عدم حصوله حتى فيما أجاز البيع بايعه بعد تملكه المال.

و لو كان مدلول النهى عدم حصول النقل و الانتقال بمجرد البيع المزبور لما صح التمسك به في دفع دعوى حصول النقل و الانتقال في بيع ما ليس عنده بعد تملك البائع المال و حصول التقابض بين البائع و المشترى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 424

..........

______________________________

و الحاصل ان المنفي بالنهي هي صحة المعاملة شرعا و هي حصول النقل و الانتقال كما في النهي عن بيع في سائر الموارد و مقتضى إطلاقه و عدم تقييده بمثل قوله الا ان يجيزه إذا صار المال عندك عدم صحته بإجازة بايعه.

نعم بالإضافة إلى اجازة المالك حال العقد فيرفع اليد عن إطلاق النهى على تقديره بما دل على تمام بيع الفضولي بإجازته

أى بالروايات الخاصة الدالة على صحة بيع الفضولي بإجازة المالك حال العقد لا بإطلاق خطاب حل البيع و عموم وجوب الوفاء بالعقد كما لا يخفى.

الطائفة الثانية ما تضمن النهى عن بيع الكلى مع عدم ملك الشخص حال البيع كما هو ظاهر صحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يجيئني الرجل يطلب منى بيع الحرير و ليس عندي منه شي ء فيقاولني عليه و أقاوله في الربح و الأجل حتى يجتمع على شي ء ثم اذهب فاشترى له الحرير فأدعوه إليه قال أ رأيت ان وجد بيعا هو أحب إليه مما عندك أ يستطيع ان ينصرف اليه و يدعك أو وجدت أنت ذلك أ تستطيع ان تنصرف اليه و تدعه قلت نعم قال فلا بأس «1» فلا بد من ان يحمل النهي في هذه على الكراهة أو على التقية لأنها معارضة بالروايات المعتبرة الدالة على جواز بيع الكلى مع عدم تملك الفرد منه حال البيع كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشترى الطعام من الرجل ليس عنده فيشترى منه حالا قال لا بأس به قلت انهم يفسدونه عندنا

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (8) من أبواب أحكام العقود الحديث (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 425

..........

______________________________

قال و أي شي ء يقولون في السلم قلت لا يرون به بأسا يقولون هذا إلى أجل و إذا كان الى غير أجل و ليس عند صاحبه فلا يصلح فقال إذا لم يكن إلى أجل كان أجود ثم قال لا بأس بان يشترى الطعام و ليس هو عند صاحبه حالا و الى أجل الحديث «1» و قريب منها غيرها

و اما صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال سألته عن رجل أتاه رجل فقال ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو نسية فابتاعه الرجل من اجله قال ليس به بأس إنما يشتريه منه بعد ما يملكه «2» فقد يقال بظهورها في خصوص بيع العين الخارجية.

و لكن لا يخفى ما فيه فان ظهورها في تعلق الشراء الثاني بنفس ما ابتاعه البائع و ان لا ينكر الا انه لم يفرض فيها ان ما ابتاعه البائع كانت عينا خارجية أو كليا على العهدة و يبيعه من طالبه بعد قبضه بل يعم ما إذا كان ما اشتراه كليا و يبيعه من الطالب قبل قبضه و نظيرها صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل أمر رجلا يشترى له متاعا فيشتريه منه قال لا بأس بذلك انما البيع بعد ما يشتريه «3».

و الحاصل ان مقتضى تعليل الجواز فيهما بقوله انما البيع بعد ما يشتريه أو بأنه انما يشتريه منه بعد ما يملكه عدم جواز بيع الشي ء قبل تملكه حتى فيما كان البيع ملحوقا بإجازة بايعه غاية الأمر يحمل الصحيحتين على خصوص بيع العين الخارجية لما تقدم من جواز بيع الكلى قبل تملك الشخص.

الطائفة الثالثة ما ورد في بيع العين الخارجية كمصححة يحيى بن الحجاج

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب (7) من أبواب أحكام العقود الحديث (1)

(2) الوسائل الجزء 12 الباب (8) من أبواب أحكام العقود الحديث (8)

(3) الوسائل الجزء 12 الباب (8) من أبواب أحكام العقود الحديث (6)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 426

..........

______________________________

قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قال لي اشتر لي هذا الثوب

و هذه الدابة و بعينها أربحك فيها كذا و كذا قال لا بأس اشترها و لا تواجبه قبل ان تستوجبها أو تشتريها «1» و رواية خالد بن الحجاج قال قلت لا بعبد اللّه عليه السّلام الرجل يجي ء فيقول اشتر هذا الثوب و أربحك كذا و كذا قال أ ليس ان شاء أخذ و ان شاء ترك قلت بلى قال لا بأس إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام «2» و مقتضاهما انه لا بد من إنشاء البيع مع المشترى بعد تملك المتاع بان لا يكون في البين إلزام و التزام معاملي بالإضافة الى كل من البائع و المشترى من قبل و لو كان البيع في مسئلة من باع شيئا ثم ملك و أجاز نافذا لكان في البين إلزام و التزام معاملي من قبل على المشترى للزوم العقد عليه من الأول أو من حين تملك البائع و رضاه ببيعه مع أن ظاهر الروايتين ان المشترى لا بد من أن يكون مختارا حتى بعد تملك البائع و رضاه بالبيع منه و هذا لا يكون الا مع فساد البيع الأول و عدم تمامه بإجازة بائعه.

و لكن في النفس بالإضافة إلى الروايتين احتمال آخر و هو أن يكون الثوب أو الدابة المفروض فيهما كان ملكا للمشتري و طلب من الرجل اشترائه منه نقدا و يبيعه منه ثانيا نسية كما هو قسم من بيع العينة و معه يكون بيع الرجل الثوب أو الدابة قبل تملكه محكوما بالبطلان و لو قيل في مسئلة من باع شيئا ثم ملك و أجاز بصحة البيع الأول و ذلك فان الثوب أو الدابة بيعه من المشترى قبل تملكه من بيع المال من من مالكه و هذا

أمر باطل و في رواية حسين بن المنذر قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يجيئني الرجل فيطلب العينة فاشترى له المتاع مرابحة ثم أبيعه إياه ثم أشتريه منه

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب (8) من أبواب أحكام العقود الحديث (13)

(2) الوسائل الجزء (12) الباب (8) من أبواب أحكام العقود الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 427

و منه يظهر الجواب عن الاخبار (1).

______________________________

مكاني قال إذا كان بالخيار إنشاء باع و إنشاء لم يبع و كنت أنت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر فلا بأس فقلت ان أهل المسجد يزعمون ان هذا فاسد و يقولون ان جاء به بعد أشهر صلح قال انما هذا تقديم و تأخير فلا بأس «1».

و المتحصل من جميع ما ذكرنا أنه يتعين الحكم بالبطلان في مسئلة من باع شيئا ثم ملك و أجاز لا بمجرد بعض الروايات الحاكية لنهي النبي (ص) عن بيع ما ليس عندك ليقال انها ضعيفة سندا لا يمكن الاعتماد عليها و لا بهاتين الروايتين ليقال انهما غير ظاهرتين في المفروض في المقام بل للنهى المستفاد من صحيحتي محمد بن مسلم و منصور بن حازم و يرفع اليد عن عموم ذلك النهي بالإضافة إلى بيع الكلى و يشير الى ان مجرد تملك البائع و أجازته لا يفيد في المقام مصححة الحسن بن زياد الطائي قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انى كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير إذن مولاي ثم أعتقني اللّه بعد فأجدد النكاح قال فقال علموا انك تزوجت قلت نعم قد علموا فسكتوا و لم يقولوا لي شيئا قال ذلك إقرار منهم أنت على نكاحك «2» و نحوها صحيحة

معاوية بن وهب «3» و وجه الإشارة ان مع عتق العبد يكون نكاحه بيده و لو كان لحوق أجازته بنكاحه السابق موجبا لتمامه لما كانت حاجة الى الاستفسار عن علم مولاه بنكاحه و سكوته كما لا يخفى.

(1) يعنى يظهر مما تقدم من ان الصحة التي يلتزم بها في المقام ترتب الأثر

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12 الباب (5) من أبواب أحكام العقود الحديث (4)

(2) الوسائل الجزء (14) الباب (26) من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث (3).

(3) الوسائل الجزء (14) الباب (26) من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 428

..........

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 2، ص: 428

______________________________

على البيع السابق بإجازة بائعه بعد تملكه المتاع أخذا بإطلاق دليل حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد و نفى هذه الصحة لا يستفاد من قوله (ص) لاتبع ما ليس عندك و انما يستفاد منه نفى الصحة التي يراها المشترى و البائع بحسب البيع السابق و هي انتقال المتاع إلى المشترى و انتقال الثمن البائع بحيث يكون للبائع التصرف في ذلك الثمن و للمشتري إلزام البائع بتحصيل المتاع بلا حاجة الى إجازة البائع ثانيا- الجواب عن سائر الاخبار و انها ايضا ناظرة إلى نفى هذه الصحة خصوصا بقرينة قوله عليه السّلام في صحيحة يحيى بن الحجاج (و لا تواجبه البيع) اى لا تتم البيع مع المشترى المزبور قبل شرائك.

لا يقال إجازة البائع ثانيا في مورد تلك الأخبار مفروضة حيث ان دفع البائع المال بعد تملكه إلى المشتري إجازة فعلية و

النهى عن البيع مع فرض هذه الإجازة مقتضاه فساد ذلك البيع و عدم صحته بلحوق أجازته.

فإنه يقال لا يكون الدفع اجازة حيث انه وقع بعنوان الوفاء بالبيع الذي حصل قبل تملك البائع و يرى البائع انه يلزم بالعمل به و هذا لا تحسب اجازة فإنه يعتبر في الإجازة إظهار رضاه به من غير جهة الالتزام السابق كما هو مقتضى ما دل على دخل طيب النفس في صيرورة المال حلالا للغير.

لا يقال لا يمكن الحكم بصحة البيع السابق بإجازة بايعه لان صحته بها ينافي ما في رواية خالد بن الحجاج حيث ذكر فيها أ ليس ان شاء أخذ و ان شاء ترك و وجه المنافاة أنه بناء على صحة البيع السابق و تمامه بإجازة بايعه لا يكون للمشتري الامتناع و رفع اليد عن البيع حتى قبل إجازة بايعه لما تقدم سابقا من لزوم عقد الفضولي على الأصيل و لو قبل اجازة المالك مع ان ظاهر الرواية خلاف ذلك و ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 429

ثم ان الواجب على كل تقدير هو الاقتصار على مورد الروايات (1).

______________________________

البيع السابق لا يوجب على المشترى أمرا.

فإنه يقال قوله (ع) (ا ليس ان شاء.) و لو بقرينة صحيحة يحيى بن الحجاج كناية عن انه لا يكون قبل تملك البائع البيع اللازم على الطرفين و لا ينافي حصول اللازم من طرف المشترى فقط.

(1) لا يخفى عدم حسن التعبير فان المراد انه لو قيل بفساد البيع فيمن باع شيئا ثم ملك و أجاز للأخبار المتقدمة فلا بد من الاقتصار في الحكم بالبطلان بمدلول الاخبار و هو ما إذا وقع بيع الشي ء عن البائع منجزا فإنه في هذه الصورة

لا يفيد إجازة البائع بعد تملك المال.

و اما إذا باع الشي ء معلقا على اجازة بيعه بعد تملكه المال أو باعه معلقا على تملكه المال فيما بعد فإنه يحكم فيهما بتمام البيع السابق بإجازة بيعه بعد تملكه لخروج الفرضين عن الاخبار.

و يظهر ذلك ايضا من العلامة في التذكرة و المختلف حيث علل المنع بالغرر و بعدم قدرة البائع على التسليم و مع تعليق البيع على تملكه المال أو على أجازته بعد تملكه لا يحصل البيع قبل الشرط ليكون غرريا أو لم يكن متمكنا على تسليم المال بل فعليته تكون مع حصول الشرط و لا يكون في ذلك الزمان في البين غرر و لا العجز عن التسليم.

أقول تقييد البيع بإجازة بائعه بعد تملك المال أو بنفس تملكه و ان يقتضي عدم حصول البيع الا بعد فعلية الإجازة أو بعد تملك المال حيث ان المشروط لا يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 430

..........

______________________________

فعليا الا بحصول شرطه و مع فعلية البيع كما ذكرنا لا يكون فيه غرر اى جهالة في وصول المال إلى المشترى و يحصل القدرة على التسليم لأن القدرة المعتبرة هي القدرة عند تمام البيع و في ظرف لزوم الوفاء بالعقد الا ان مع ذلك يحكم ببطلان البيع في الصورتين أخذا بإطلاق ما دل على اعتبار إنشاء البيع بعد الشراء و التملك كما هو ظاهر صحيحتي محمد بن مسلم و منصور بن حازم المتقدمتين فان مقتضاهما ان البيع لا يقع لبائعه إلا إذا كان إنشائه بعد تملك المال.

و بتعبير آخر كون البائع مالكا شرط في إنشاء البيع و وقوعه له.

هذا مع ان البيع موقوفا على تملك بايعه أو إجازته بعد تملكه من التعليق

المبطل للمعاملة.

لا يقال قد تقدم سابقا انه لا مانع من تعليق المعاملة على ما يتوقف عليه صحتها فإنه يقال نعم و لكن قد ذكرنا في المسألة ان تملك البائع ما باعه و اجازة بيعه بعده لا يصحح البيع السابق فلا يكون تعليق البيع على أحدهما موجبا لخروجه عن التعليق المبطل.

و يشير الى ما ذكرنا مثل صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن رجل قال ان تزوجت فلانة فهي طالق و ان اشتريت فلانا فهو حر و ان اشتريت هذا الثوب فهو للمساكين فقال ليس بشي ء لا يطلق الا بعد ما يملك و لا يعتق الا بعد ما يملك و لا يصدق الا بعد ما يملك «1» حيث ان ظاهرها اعتبار وقوع الإنشاء حال فعلية الملك.

ثم انه بقي في المقام انه كيف يمكن للبائع بيع المال عن نفسه منجزا و

______________________________

(1) الوسائل الجزء (15) الباب (12) من أبواب مقدمات الطلاق الحديث (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 431

و لو باع عن المالك فاتفق انتقاله إلى البائع (1).

______________________________

كيف تتم المعاملة كذلك مع بناء المشترى و البائع ان المبيع ملك للغير و لا يجرى هنا ما ذكر في بيع الغاصب سابقا لان بيع الغاصب كان مبنيا على تملك المال قبل بيعه و لو عدوانا بخلاف المقام حيث ان المشترى في المسألة يتملك المال من بايعه مع بنائهما انه ملك الغير و لذا يكون بعد بيعه بصدد شراء ذلك المال من مالكه ليسلمه إلى المشترى.

و يمكن الجواب عن ذلك بأنه لا مانع عن تمليك المال بإزاء الثمن باعتبار البائع نفسه مالكا لذلك المال عند بيعه لا عدوانا بل باعتبار أن عليه

تحصيل ذلك المال و تسليمه الى المشتري نظير ما إذا باع المشترى المبيع من ثالث زمان خيار البائع ثم فسخ البائع البيع حيث يعتبر بالفسخ كون البائع مالكا للمبيع مع انه ملك للثالث و كما ان الاعتبار من جهة رجوع البائع ببدله إلى المشتري كذلك اعتبار البائع في المقام مالكا باعتبار ان عليه تخليص ذلك المال و تسليمه الى المشتري.

(1) لا يبعد انصراف اخبار لا تبع ما ليس عندك عن بيع المال لمالكه فاتفق انتقاله إلى البائع و أجاز لأنها ناظرة الى عدم وقوع البيع عن البائع الذي قصد البيع عن نفسه الا ان المذكور في صحيحة محمد بن مسلم ليس به بأس و قوله عليه السّلام انما يشتريه بعد ما يملك يعمه فان ظاهره اعتبار وقوع إنشاء البيع بعد تملك المال و في الفرض المزبور لم ينشأ البيع بعد تملكه.

و الحاصل ان دعوى خروج الفرض عن مورد الاخبار كدعوى خروج الفرضين المتقدمين بلا وجه نعم دعوى بطلان الإجازة في الفرض لا لما ذكرنا بل لأن الإجازة لا متعلق لها في الفرض لان البيع السابق المنشأ يكون عن المالك الأصلي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 432

و لو باع لثالث معتقدا لتملكه (1).

______________________________

و لا معنى لإجازته بعد خروج المال عن ملكه و البيع عن البائع المجيز غير منشأ لا يمكن المساعدة عليها لما تقدم سابقا من ان البيع عبارة عن تمليك المال بالعوض و اما تعيين مالك المثمن أو الثمن فلا يدخل في حقيقة البيع و مقتضى المعاوضة دخول الثمن في ملك من يخرج عن ملكه المعوض و اسناد الغاصب البيع لنفسه و قصده تملك الثمن كان باعتبار بنائه على انه مالك

المثمن فلا ينافي إنشاء المعاوضة و قصدها.

و فيما نحن فيه أيضا حقيقة البيع عبارة عن تمليك العين بعوض و حيث ان المثمن حال إنشاء البيع كان لمالكه الأصلي فقصد دخول الثمن في ملكه لا ينافي إنشاء المعاوضة بل يلائمها ثم إذا انتقل ذلك المال إلى البائع فبعد تملكه و أجازته البيع لا يختلف الإجازة عن العقد المجاز.

(1) يعني إذا باع البائع المال عن ثالث اعتقادا بأنه مالكه حال البيع أو عدوانا كما إذا كان ذلك الثالث غاصبا لذلك المال و أجاز هذا البيع مالكه الواقعي حال العقد فلا ينبغي الإشكال في صحته لان الفرض داخل في مسألة بيع الفضولي المعروف و اما إذا اتفق انتقال ذلك المال الى الثالث الذي بيع عنه أو الى نفس البائع و أجاز ذلك الثالث أو البائع فالظاهر ان هذا يدخل في مسئلة من باع شيئا ثم ملك و أجاز فيحكم بفساده.

و وجه دخوله فيها انه فد استفيد من الاخبار المتقدمة فيها ان اجازة المالك الجديد لا يصحح العقد المنشأ حال عدم ملكه المال فتدبر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 433

ثم انه قد ظهر مما ذكرنا في مسئلة المذكورة (1).

______________________________

(1) و حاصله انه إذا لم يصح البيع في المسألة السابقة أي فيما إذا باع المال ثم ملكه و أجاز بيعه لم يصح البيع فيما إذا باع المال ثم ملكه بطريق الأولوية لأن المفروض في المسألة الثانية عدم اجازة البيع السابق و عدم رضاه به بعد تملكه المال و يزيد هذه على السابقة في ان مقتضى سلطنة المالك على ماله و عدم حله لغيره الا بطيب نفسه عدم تمام البيع السابق بمجرد تملك المال حيث يكون ظاهر رواية

السلطنة و اعتبار طيب نفس المالك في تملك الغير ماله سلطنته و طيب نفسه حال كونه مالكا.

لا يقال مقتضى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم لزوم البيع السابق و تمامه باتفاق انتقال المال إلى بائعه و لذا ذكر في الإيضاح انه بناء على تمام بيع الفضولي و صحته بإجازة المالك يصح بيع البائع لنفسه بمجرد اتفاق ملكه المال الذي باعه قبل ذلك من غير حاجة الى إجازته.

فإنه يقال ان بيعه السابق كان خارجا عن عموم وجوب الوفاء بالعقد فيستصحب الخروج بعد اتفاق ملكه و المقام من موارد استصحاب الخروج لا التمسك بعموم العام حيث ان عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالإضافة إلى الأزمنة استمراري لا أفرادي و على تقدير الإغماض عن ذلك يكون عموم وجوب الوفاء بالعقود معارضا بعدم حل المال للغير إلا بطيبة نفس مالكه فيرجع الى أصالة الفساد هذا مع جريان فحوى ما ورد في نكاح العبد بدون اذن مولاه و ان عتقه لا يفيد في صحة النكاح السابق حتى مع رضاء العبد بالنكاح المزبور بعد عتقه الذي بمنزلة كونه مالكا لنفسه بل كان المجدي في تمامه سكوت مولاه بعد اطلاعه على نكاحه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 434

و لو باع وكالة عن المالك (1).

المسألة الثالثة- ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف (2).

______________________________

ثم انه لا يجرى عموم وجوب الوفاء فيما إذا باع المتاع عن المالك أو عن ثالث فاتفق ملك ذلك البائع حيث انه لم يكن العقد في إنشائه مستندا إلى البائع ليقال بشمول وجوب الوفاء له بعد ملكه فالبيع في الفرض مع عدم لحوق الإجازة به من بايعه باطل لان شمول العموم له أشكل من الفرض السابق.

أقول قد

تقدم ان خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ظاهره العقود المنتسبة الى الملاك بان يكون استناد العقد الى المالك حال كونه مالكا لا حال كونه أجنبيا فيكون خروج بيع الأجنبي عن العموم المزبور بالتخصص قبل تملكه المال و بعده.

و الحاصل ان المقام ليس من قبيل خروج فرد عن العام بالتخصيص ثم وقع الشك في بقاء خروجه أو ثبوت حكم العام له ثانيا كما لا يخفى.

(1) و لو باع عن المالك وكالة ثم بان انعزاله عن الوكالة حال إنشاء البيع بموت الموكل و نحوه فلا ينبغي الريب في عدم وقوع البيع للبائع سواء أجاز البيع أم لا لأن البائع أجنبي عن المال نعم يقع البيع للوارث مع أجازته حيث ان الفرض بالإضافة إلى الوارث يدخل في مسألة بيع الفضولي المعروف و التقييد بالانعزال باعتبار ان مع عزله و ظهوره بعد البيع يقع البيع للموكل حيث دلت الرواية على ان بيع الوكيل قبل عزله اليه نافذ على الموكل.

(2) كان المفروض في المسئلة الاولى كون المجيز مالكا حال العقد و لكن مع الحجر عليه لسفه أو رهن المال و في المسألة الثانية عدم كون المجيز مالكا حال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 435

..........

______________________________

العقد مع تجدد ملكه بعده و في المسألة الثالثة أي هذه المسألة يكون المفروض ملك البائع و عدم الحجر عليه أو ولايته و لكن مع الاعتقاد بالخلاف بان يعتقد بان المال ليس له بل لغيره أو انه لا ولاية له على مالك المال.

و يقع الكلام في هذه المسألة في صور أربع الأولى- ما إذا باع المال عن مالكه باعتقاد انه لا ولاية له على مالك المال فظهر كونه وليا و المراد بالولاية ما تعم الولاية

الشرعية و الوكالة كما إذا باع الجد مال الطفل باعتقاد عدم ولايته عليه أو باع مال الغير جاهلا بكونه وكيلا أو مأذونا عن قبله في بيعه و ينبغي القول بصحة المعاملة في الفرض و تمامها بلا حاجة الى لحوق الإجازة بها و الوجه في ذلك ان تمام العقد من الولي يتوقف على استناده اليه و رضاه به و المفروض حصولهما حيث ان العقد كان بإنشائه و رضاه بانتقال مال الطفل الى الغير بالعوض و كذا إذا كان العاقد مأذونا واقعا أو وكيلا فإنه يكفي في استناد معاملة المأذون أو الوكيل الى المالك أو موكله إظهاره رضاه بالمعاملة سواء كان ذلك الإظهار عند المأذون أو عند الآخرين أو كان إظهاره بنحو يصل الى المأذون أو السائرين بعد المعاملة أو لم يكن إظهار المالك الا عند نفسه و لذا لو كان العاقد على مال الغير في مكان يراه مالك المال و كتب المالك عند المعاملة أو قبلها في ورقة رضاه بتلك المعاملة و لم يعلم العاقد أو سائر الناس ما كتبه الا بعد المعاملة صح استناد تلك المعاملة إلى المالك.

و بتعبير آخر إظهار المالك رضاه بمعاملة الغير قبل إنشائها أو حينه يوجب خروج تلك المعاملة عن الفضولية.

و عن السيد اليزدي (ره) انه يحتاج العقد المفروض في المقام إلى إجازة العاقد في موردين أحدهما ما إذا كان إظهار المالك رضاه ببيع الآخر عند نفسه فقط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 436

..........

______________________________

فان هذا الرضا لا يصحح استناد البيع الصادر عن الغير اليه حيث لا فرق بين البيع المزبور و بين البيع الصادر عن الأجنبي المقارن لطيب نفس المالك واقعا و قد تقدم عدم خروج العقد

بمجرد ذلك عن الفضولية.

و ثانيهما ما إذا باع مال المولى عليه باعتقاد عدم الولاية ثم ظهرت ولايته على المال و الوجه في الحاجة الى الإجازة عدم رضاء الولي بتمليك المال بما هو ولى و يعتبر في نفوذ التصرف في مال المولى عليه اذن الولي و رضاه بما هو ولى و لذا لو كان ملتفتا إلى انه ولى فربما لا يرضى بالبيع المزبور و يختار فردا آخر من المعاملة و هذا كاشف عن عدم رضاه بها بما هو ولي.

أقول لا يبعد اعتبار الإجازة في المورد الأول فإنه لا ينبغي الريب في اعتبار استناد البيع الصادر عن الأجنبي إلى مالك المال بالإذن أو الإجازة و قد ذكرنا مرارا ان كلا من الاذن و الإجازة من الأمور الإنشائية و يكون الإبراز مقوما لهما و مجرد إظهار المالك عند نفسه رضاه بالمعاملة التي يصدر عن الغير أو صدرت عنه لا يكون إذنا أو اجازة بل لا بد من كون الإظهار بحيث يصل الى الغير سواء كان ذلك الغير هو العاقد أو غيره و بتعبير آخر لا يكون في الحقيقة إظهار فيما إذا كان الإبراز بحيث لا يصل الى الغير و لا يبعد ان يكون المحكي عن القاضي في المقام يرجع الى ما ذكر.

و اما المورد الثاني فلا يحتاج العقد فيه الى الإجازة فإن استناد البيع إلى الولي حاصل بمباشرته لإنشاء العقد و لا فرق بين رضا الولي بذلك العقد و بين رضا الأجنبي به الا في نفوذ رضا الأول و عدم الأثر لرضا الثاني و احتمال دخالة رضا الولي بالمعاملة مع التفاته بأنه ولي مدفوع ببعض الإطلاقات الواردة في نفوذ نكاح الأب و الجد و يتعدى الى مثل بيعهما

باعتبار عدم احتمال الفرق في ذلك بين المعاملات.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 437

الثانية ان يبيع لنفسه و انكشف كونه وليا (1).

______________________________

(1) و اما الصورة الثانية فهي ما إذا باع الولي أو المأذون لنفسه مع غفلته عن كونه وليا أو مأذونا و قصده البيع لنفسه يكون ببنائه على تملك المال عدوانا أو اشتباها و على كل تقدير يصح البيع للمولى عليه من غير حاجة الى الإجازة فإن الحاجة إلى الإجازة اما لتصحيح استناد البيع إلى الولي أو المالك أو باعتبار دخالة رضاهما في انتقال المال بالعوض و المفروض حصول الاستناد بمباشرة العقد أو الاذن و كذا الرضا.

و اما قصده البيع لنفسه بان يتملك الثمن بإزاء المبيع اشتباها أو عدوانا فقد تقدم في تصحيح بيع الغاصب للمالك مع إجازته انه لا اثر للقصد المزبور و غير داخل في حقيقة البيع.

لا يقال لا يصح البيع المفروض في المقام للمولى عليه لعدم ولاية العاقد على البيع بهذا النحو كما ان اذن المالك لا يعمه في موارد الوكالة.

فإنه يقال قد تقدم ان قصد المزبور أمر زائد على إنشاء المعاوضة و البيع و المفروض تمام البيع من سائر الجهات التي منها عدم كونه فسادا لمال المولى عليه فلا وجه لبطلانه أو احتياجه إلى الإجازة.

نعم لا يتم ذلك فيما إذا باع الولي لنفسه مال المولى عليه اشتباها فان رضاه بكون المال للمشتري بإزاء الثمن باعتبار كونه مالكا و لم يعلم رضاه بالانتقال على تقدير كون المال للمولى عليه و لذا لا يجوز الأخذ فيما لو اذن الولي للغير في أخذ مال يعتقد انه ملكه و لكن الغير يعلم بان المال ليس للولي و انما يأذن له في أخذه

اشتباها و انه على تقدير التفاته يمكن ان لا يرضى بالأخذ.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 438

الثالثة ان يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا (1).

______________________________

و بتعبير آخر ما يذكر في الصورة الثالثة في وجه الحاجة الى الإجازة يجري في الفرض أيضا.

(1) الصورة الثالثة ما إذا باع المال عن الغير باعتقاد ان الغير مالكه ثم ظهر ان المالك هو لا الغير و قد يمثل لذلك ما لو باع مال أبيه باعتقاد حياته ثم ظهر انه حال البيع كان ميتا.

و يقع الكلام في هذه الصورة في جهتين: الاولى- في صحة البيع و فساده بمعنى كونه لغوا لا يترتب عليه أي أثر و الثانية- توقف تمامه على اجازة العاقد أو عدم توقفه عليها.

اما الجهة الأولى فقد قيل ببطلان البيع لوجوه الأول- ان المنشأ هو البيع للغير و هو غير قابل للإجازة و البيع لنفسه لم ينشأ ليلحق به الإجازة.

الثاني ان البيع المزبور وقوعه للبائع يكون على وجه التعليق و تقديره ان مات ابى فقد بعته و التعليق يوجب بطلانه.

و الثالث ان العاقد غير قاصد للبيع فان مع اعتقاده حياة أبيه و انه مالك المال و لم يأذن له في بيعه لا يحصل إنشائه و قصده حقيقة و لكن لا مجال لشي ء مما ذكر فان قصد بيع المال عن الغير لاعتقاد ان الغير مالكه تمليك في الحقيقة عن المالك و ما ذكرنا ثانيا في كون هذا البيع من البيع المعلق ينافي الأمر الأول حيث ان مقتضى التعليق كون المنشأ البيع لنفسه و مقتضى الوجه الأول وقوع البيع لغيره.

و بالجملة يكفي في حصول عنوان البيع أو المبادلة إنشائها و قصد كونها له أو لغيره غير داخل

في أصل البيع و المبادلة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 439

..........

______________________________

و بهذا يظهر ما في الوجه الثالث و ان العاقد كالعابث حيث يبيع المال عن الغير مع اعتقاده كون ذلك الغير مالكا من غير كونه مأذونا أو وكيلا عنه و وجه الظهور ان إنشاء المعاوضة و قصدها لا ينافي الاعتقاد بان المالك هو الغير و لم يأذن له في بيع المال كما في البيع فضولا.

و اما الجهة الثانية و ان تمام البيع للعاقد يحتاج إلى إجازته أو انه لازم له بلا حاجة إليها فقد قيل بعدم الحاجة لأن البيع من الأول مستند الى العاقد باعتبار حصوله بإنشائه فلا معنى لإجازة بيع نفسه و لان رضا العاقد بكون المال المعين الخارجي للمشتري بإزاء الثمن كاف في رضاه بملك ماله للمشتري و ان لم يلتفت الى كونه ماله فان صدور العقد عن المالك اولى و أقوى من اذنه و أجازته.

و ذكر المصنف (ره) ان الأظهر وفاقا لجماعة توقف تمامه على اجازة العاقد بعد التفاته الى كونه مالك المال و ليس الوجه في الاحتياج إلى إجازته ما ذكره في جامع المقاصد حيث قال ان العاقد لم يكن قاصدا لنقل المال إلى المشتري منجزا بل كان قصده هو النقل مع اجازة المالك حيث باع المال عن الغير باعتقاد ان الغير مالكه ثم أورد على نفسه بان قصد العاقد بيع المال كاف في النقل و توضيح الإيراد ان توقف انتقال المال شرعا على اجازة المالك أو بمجرد العقد ليس من مدلول العقد ليعتبر قصده أو يقدح عدم قصده أو قصده معلقا أو منجزا بل الانتقال المزبور حكم شرعي و المنشأ الذي مدلول العقد هو النقل في اعتبار

العاقد و هو منجز بل عدم قصده النقل شرعا الا مع حصول الإجازة لا يضر على الكشف حيث يكون النقل على ذلك المسلك قبل حصولها و يمكن ان يكون قصد النقل عند حصولها مضرا على مسلك الكشف.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 440

..........

______________________________

بل الوجه في الحاجة الى الإجازة هو ان يخرج تملك المشترى المال بإزاء الثمن عن عنوان الأكل بالباطل و دخوله في عنوان التجارة عن تراض فان رضا العاقد بنقل المال إلى المشترى مع غفلته عن كون المال ملكه لا يوجب كون البيع المزبور تراضيا من المالك.

و بتعبير آخر قصد العاقد بكون المال الخارجي ملكا للمشتري بإزاء الثمن يوجب حصول إنشاء البيع و اما كون ذلك البيع تراضيا معامليا منه فلا يكون الا مع رضاه بالبيع بعنوان كونه مالك المال و لذا لا يجوز للمأذون التصرف فيما لو اذن المالك فيه باعتقاد ان المال للغير و المأذون يعلم بان المال ليس للغير بل للمبيح و لكن بحيث لو التفت الى ان المال له لا يرضى بتصرفه.

و لو قال ان هذه زوجتي فطلقها و بعد الطلاق ظهر انها كانت زوجة المباشر للطلاق فلا يصح و كذا لو قال هذا عبدي فأعتقه و بعد العتق ظهر انه كان عبدا للمباشر فإنه يحكم ببطلان العتق.

و الحاصل ان في البين أمرين أحدهما إنشاء البيع و حصول عقده و الثاني رضا من يعتبر استناد البيع اليه و إذا أنشأ المالك البيع لنفسه أو لغيره يحصل إنشاء البيع المفروض في المقام و هو تمليك عين خارجية بإزاء الثمن و قصد كونه لنفسه أو لغيره لا اثر له في حصول إنشائه و اما الأمر الثاني و هو اعتبار

رضاه ليكون بيعه تجارة عن تراض فيتوقف على رضاه بالبيع المنشأ مع الالتفات الى كونه مالك المال و مجرد رضاه بكون تلك العين بإزاء الثمن مع الاعتقاد بان المال للغير و ان رضاه بالبيع المزبور من رضا الأجنبي فلا يفيد في انتساب البيع اليه بمعنى كونه تجارة عن تراض.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 441

ان هذا الحق للمالك من باب الإجازة لا من باب خيار الفسخ (1).

______________________________

و بتعبير آخر اعتقاد العاقد ان المال للغير و قصده البيع عن المالك بالإضافة إلى البيع لا تكون جهة تقييدية لما ذكرنا من ان قصد كونه لنفسه أو لغيره خارج عن حقيقة إنشاء البيع و اما بالإضافة إلى رضاه بانتقال المال الى الطرف بإزاء الثمن جهة تقييدية حيث لم يرض بانتقال المال منه الى الآخر بإزاء الثمن المزبور بل إنما رضي بانتقاله إلى الآخر من ناحية الغير نعم لو أجاز العاقد البيع بعد التفاته الى كونه مالك المال يتم البيع و يصير تراضيا معامليا له.

و بهذا يظهر ان الإجازة انما تفيد في العقود حيث تجري الفضولية فيها و اما في الإيقاعات نظير ما أعتق عبدا باعتقاد أنه عبد الغير ثم بان أنه عبده فيحكم ببطلان العتق لعدم جريان الفضولية في الإيقاعات و ايضا يظهر أنه لا تهافت في كلام من حكم في المسألة بتوقف البيع على اجازة العاقد بعد التفاته الى كونه مالك المال و بين حكمه ببطلان العتق المزبور و انما يكون التهافت ممن حكم في مسألة البيع بلزومه و عدم حاجته إلى الإجازة و في مسألة العتق بالبطلان حيث ان مقتضى الحكم بلزوم البيع كفاية الرضا به و لو مع عدم الالتفات الى كونه

مالك المال و مقتضى الحكم ببطلان العتق عدم كفاية الرضا المزبور.

(1) يعنى كما ان الإجازة في عقد الفضولي مصححة للعقد بحيث يتم بها استناده الى المالك و يكون تراضيا معامليا له كذلك استناد العقد في المقام الى المالك و رضاه المعتبر بمدلوله يحصل بها فيكون العقد متزلزلا حدوثا بخلاف موارد الخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 442

..........

______________________________

التي يكون البيع فيها تاما حدوثا و متزلزلا بقاء و بتعبير آخر ثبوت الخيار الذي في حقيقته ملك فسخ العقد و ازالة بقائه فرع حدوث البيع بان يكون إنشائه و استناده الى من يعتبر استناده اليه و رضاه بمدلوله مفروغا عنه و يثبت الخيار لتضرر أحد المتعاملين باعتبار خصوصيته في أحد العوضين ككونه معيوبا أو فيه غبن فيكون الضرر في لزوم البيع.

و هذا بخلاف البيع في المسألة فإنه في حدوثه غير تام لتوقف حدوثه على رضا المالك بالبيع مع التفاته الى كونه مالكا للمال.

و الحاصل أنه لا وجه لما ذهب اليه صاحب الجواهر (ره) من ان البيع في هذه الصورة كبيع المتعلق به الخيار متزلزل بقاء فان الضرر في المقام كالضرر في إجازة بيع الفضولي المعروف يكون في أصل انتقال المال عن مالكه اما لجهله بأصل الانتقال كما في بيع الفضولي المعروف أو لجهله بكون المال له كما في مفروض الكلام.

أقول الضرر هو النقص في المال أو في غيره من العرض و النفس و نحوهما و هو يحصل في موارد الغبن أو العيب بأصل البيع حيث يخرج به ماله عن ملكه بعوض معيوب أو بالأقل كما إذا باع المتاع بأقل من ثمن المثل أو اشترى المال بأكثر منه و لو جرت قاعدة اللاضرر في تلك

الموارد تكون مفادها فساد العقد لا انتفاء لزومه و لكن الصحيح انه لا مجرى للقاعدة في موارد ثبوت الخيار كما لا مجرى لها في البيع المفروض في المقام و لا في البيع في مسألة بيع الفضولي المعروف لما ذكرنا من ان عدم تمام البيع في المقام و في مسألة بيع الفضولي باعتبار عدم استناد المعاملة الى من يعتبر استنادها اليه بحيث تكون تراضيا معامليا له و في مورد الغبن و العيب باعتبار اشتراط السلامة أو عدم النقص في المالية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 443

ثم ان الحكم بالصحة في هذه الصورة غير متوقفة (1)

______________________________

في ناحية العوضين و مرجع الاشتراط كما تقدم الى جعل الخيار في صورة التخلف و حيث لا امتنان في رفع الحكم عن البيع المجعول فيه الخيار فلا تجري فيه قاعدة نفى الضرر لعدم ثقل على المكلف في وضع البيع المزبور و إمضائه كما لا يخفى.

(1) يعنى لو قيل ببطلان بيع الفضولي و عدم تمامه بإجازة المالك فلا يكون ذلك ملازما للقول بالبطلان و عدم تمام العقد بإجازة العاقد فيما إذا باع ماله عن الغير باعتقاد ان المال له.

و الوجه في عدم الملازمة ان العمدة في وجه القول ببطلان بيع الفضولي النهي الوارد عن بيع ما ليس عنده و هذا لا يجري في المقام حيث ان المفروض فيه اجراء المالك البيع على ماله.

نعم لو بنى بطلان بيع الفضولي على حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير يتعين البطلان في الفرض أيضا لأن قبح التصرف لا يختص بصورة كون المال للغير واقعا بل يعم مورد التجري أيضا.

أقول لا مجال لمثل المصنف ره ممن لا يرى في التجري قبحا فعليا بل

يلتزم فيه بالقبح الفاعلي فقط دعوى التعميم المزبور و لكن لو بنى الحكم ببطلان بيع الفضولي على اعتبار مقارنة طيب نفس المالك لإنشاء العقد كان اللازم الحكم بالبطلان في الفرض ايضا باعتبار ان اللازم حصول طيب نفس المالك مقارنا للإنشاء بما هو مالك و هذا غير حاصل في المقام أيضا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 444

[شرائط العقد المجاز]

و في عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالثة (1) يشترط كونه جامعا لجميع الشروط (2)

______________________________

(1) الظاهر عدم توقف تمام البيع في الصورة الرابعة على الإجازة لأن الحاجة إليها اما لتصحيح استناد البيع الى المالك أو لرعاية رضاه بملكية المال للطرف بإزاء الثمن بما هو مالك و المفروض حصول كلا الأمرين في الفرض كما هو مقتضى بيع المالك المال لنفسه و لو باعتقاد انه عدوان على الغير كما لا يخفى.

(2) إذا باع الفضولي صبرة من الحنطة من زيد بمأة دينار و زيد يعلم كيل الصبرة و لكن لا يعلمه البائع و فرض ظهور مقدار الصبرة وكيلها لمالكها فأجاز البيع المزبور فظاهر ما ذكر المصنف (ره) في هذا الأمر عدم تمام البيع المزبور و ذلك فإن الإجازة تكون مفيدة في بيع يكون ذلك البيع تاما حين إنشائه من غير جهة الإجازة و لا يكون البيع في الفرض كذلك باعتبار جهالة كيلها و عدم تعينه حال البيع لغير المشترى.

و بتعبير آخر يجب حصول الشرائط المعتبرة في المتعاقدين لكل من الأصيل و البائع فضولا ليعتبر إنشائهما و كذا سائر الشرائط في نفوذ البيع و صحته يعتبر حصولها حال إنشاء البيع حيث ان ظاهر دليل اعتبارها حصولها في إنشاء البيع و أدلة اعتبار اجازة المالك مقتضية لتمام البيع فيما

إذا كان تاما عند إنشائه من غير جهة رضاه و اذنه و كما لا يكفى حصول تلك الشرائط بعد الإيجاب و قبل القبول في سائر البيوع كما إذا باع المالك متاعا مجهولا جنسه أو قدره للمشتري و لكن ظهر المتاع جنسا و قدرا للمشتري قبل قبوله كذلك في المقام.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 445

..........

______________________________

بل لو قيل بالصحة في المثال باعتبار ان العلم بالمبيع قبل القبول علم بحال المبيع قبل تمام إنشاء البيع فلا يمكن القول بالصحة في المقام حيث ان الإجازة لا تكون جزء البيع ليكون حصول الشرط قبلها من حصول الشرط قبل تمام البيع بل البيع كما تقدم في أول الكتاب هو الحاصل بالإيجاب و القبول فلا تكون الإجازة مقومة لعنوان البيع عرفا و لو أطلق عليها الجزء فهو باعتبار كونها مقومة لعنوان البيع المؤثر أي البيع المنتسب الى المالك.

و الحاصل لا يكفي في صحة بيع الفضولي و تمامه بالإجازة حصول الشرائط من زمان البيع بالإضافة إلى الأصيل على الكشف فقط بان لا يعتبر حصولها على النقل بالإضافة إليه أيضا بل المعتبر حصولها مطلقا أي بالإضافة إلى الأصيل و البائع من زمان العقد و لو على مسلك النقل حيث ان مقتضى ما تقدم ان كل مورد يتم العقد بالاذن السابق يتم بالإجازة أيضا و اما إذا لم يكن الاذن السابق مفيدا كما في نقص العقد من جهة سائر الشرائط فلا يفيده الإجازة اللاحقة.

نعم لو كان الدليل على الاشتراط مقتضاه حصول ذلك الشي ء في ترتب الأثر الشرعي على البيع من غير ظهور في اعتبار حصول ذلك الشرط من حين إنشاء البيع كالقدرة على التسليم حيث ان اعتبارها لأجل ان لا يكون

البيع غرريا كما تقدم سابقا فيكفي أن يحرز عند العقد حصولها في ظرف استحقاق التسليم و كذا في إسلام مشتري المصحف أو العبد المسلم حيث ان انتقالهما الى الكافر مناف لعلوم الإسلام و ذل الكفر و مجرد إنشاء الملكية حال كفر المشترى مع إسلامه حين تمام البيع لا يكون علوا للكفر على الإسلام كما لا يخفى.

لا يقال العلم بالعوضين و مقدارهما يعتبر في صحة البيع و لكن المعتبر علم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 446

الثاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما بالتفصيل (1) و لذا يخاطب المجيز بعدها بالوفاء بالعقد السابق (2).

______________________________

المتبايعين لا الأجنبي و استناد البيع الى المالك يكون بإجازته و على ذلك فاللازم اعتبار علم المالك بمقدار المبيع و الثمن و لو من زمان إنشاء البيع لا العاقد الفضولي فإنه من الأجنبي بالإضافة إلى البيع المزبور كما هو ظاهر المصنف (ره) في الأمر الثاني.

فإنه يقال الإجازة بمنزلة الإذن التفويضي في اعتبار العرف و العاقد فضولا و ان كان أجنبيا عن المال الا ان مع اجازة المالك يعتبر العاقد منزلة المأذون المفوض لا مجرد المأذون في إجراء الإيجاب و القبول و في مثل ذلك يعتبر علم المأذون بمقدار العوضين لا المالك كما يأتي.

(1) بأن يكون العوضان معلومين للمجيز تفصيلا و إذا كان عقد الفضولي بيعا يعتبر علم المجيز بذلك البيع و إذا كان صلحا يعتبر علمه و تعيين الصلح له.

و لا يخفى أن عد ذلك من شرائط صحة الإجازة أولى من عده من شرائط العقد المجاز.

(2) هذا استشهاد لكون الإجازة في معنى العقد و وجهه ان شمول دليل وجوب الوفاء بالعقد للمالك يكون بعد أجازته و شموله بعدها و عدم

شموله قبلها كاشف عن كون الإجازة بمنزلة العقد.

و لكن لا يخفى ما في الاستشهاد و ذلك فان المجيز و ان يضاف العقد بعد إجازته إليه فيعمه ما دل على وجوب الوفاء على المتعاقدين الا ان نسبة العقد اليه بعد أجازته ليست من جهة كون أجازته عقدا أو منزلته لئلا تقبل التعليق أو عدم التعيين بل بإجازته

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 447

الثالث- المجاز اما العقد (1).

______________________________

يستند العقد العقد الصادر سابقا اليه كاستناده اليه بالاذن فالذي لا يقبل التعليق أو عدم التعيين هو العقد الصادر سابقا و اما أجازته فليست من العقود.

و بتعبير آخر الإجازة اللاحقة لا تزيد على الاذن السابق و كما ان المالك بمجرد اذنه للغير في بيع ماله لا يكون بايعا و لا يعمه ما دل على لزوم البيع و وجوب الوفاء به بل الاذن يوجب استناد البيع الصادر عن المأذون اليه و ذلك البيع الصادر لا يقبل التعليق أو الجهالة كذلك الحال في الإجازة اللاحقة.

لا يقال لو لم تكن الإجازة في العقود فلا ريب في أنها إيقاع و التعليق في الإيقاعات أيضا يوجب بطلانها.

فإنه يقال مضافا الى عدم تمام الإجماع على بطلان كل إيقاع بالتعليق بل مورده هي الإيقاعات التي لها عناوين خاصة كالطلاق و العتق و نحوهما ان الإجماع المزبور على تقديره مقتضاه علم المجيز بوقوع العقد لا اعتبار علمه بتعيين العوضين أو نوع العقد فإن الإجازة يصحح استناد العقد الى المجيز كالاذن و يكفى فيه الإجازة مطلقا و بنحو العموم و قد تقدم ان الإجازة ليست بمنزلة الاذن في مجرد إنشاء العقد بان يكون المأذون نظير الإله في إنشاء العقد بل بمنزلة الإذن التفويضي بحيث تكون

المساومة و المناقشة في تعيين الثمن و المثمن بعهدة المأذون و في مثله يعتبر علم المأذون بمقدار الثمن و المثمن و لا يعتبر علم المالك.

(1) المجاز اما العقد الواقع على نفس مال الغير و اما العقد الواقع على عوضه و المراد بالعوض الأعم من العوض الاولى لمال المالك أو العوض لعوضه و قوله (ره) على كل منهما اى على كل تقدير يكون المجاز أول عقد وقع على المال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 448

..........

______________________________

الأصلي للمالك أو على عوضه أو يكون المجاز آخر العقد المتعلق بأحدهما أو يكون عقدا بين سابق و لاحق واقعين على مورده اى على المال الأصلي للمالك أو على بدله أو بالاختلاف بان يقع السابق على العقد المجاز على عين ذلك المال و اللاحق على بدله أو بالعكس و يجمع الكل اى كل فروض العقد المجاز بيوع ثمانية ثلاثة منها واقعة على عين مال المالك المجيز المفروض كونه عبدا (1) بيع العبد بفرس (2) بيع العبد بكتاب (3) بيع العبد بدينار و اثنان منها واقعا على عوض مال المالك اى على عوضه الاولى و هما (4) بيع الفرس بدرهم (5) و بيع الدينار بجارية و ثلاثة منها واقعة على بدل بدل المالك و هي (6) بيع الدرهم برغيف (7) و بيع الدرهم بحمار (8) و بيع الرغيف بعسل و إذا أجاز مالك العبد العقد الواقع على العبد بكتاب تكون أجازته ملزمة له و لما بعده فيما وقع على مورده اى فيما وقع اللاحق على عين المال الأصلي للمالك و هو بيع العبد بدينار و هذا بناء على الكشف ظاهر.

و اما بناء على النقل فيبني على ما تقدم من

اعتبار ملك المجيز حين العقد و عدمه يعنى بناء على النقل تكون صحة العقد اللاحق مبتنيا على عدم اشتراط ملك المجيز حال العقد فان المجيز له و هو بايع العبد بالدينار لم يمكن مالكا للعبد حال بيعه على هذا المسلك و هي فسخ بالنسبة الى ما قبله يعنى إجازة بيع العبد بالكتاب فسخ بالإضافة الى ما قبل هذا البيع و هو بيع العبد بفرس سواء على الكشف أو النقل فان البيع الأول لا يصح بالإضافة إلى مالك العبد اى مالكه الأول.

و اما صحة ذلك البيع الأول بالإضافة الى من ملك العبد بإجازة مالكه الأول فمبني على عدم اشتراط كون المجيز مالكا حال العقد و المالك الجديد هو المشترى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 449

و اما العقود الواقعة على عوض مال المجيز (1).

و اما إجازة العقد الواقع على العوض (2).

______________________________

الثالث للعبد على الكشف بلا كلام و هو أو المشتري الثاني على النقل و اجازة كل منهما العقد الأول أي بيع العبد بفرس داخل في مسألة من باع ثم ملك و أجاز كما لا يخفى.

(1) قد تقدم ان العقود الواقعة على عوض مال الغير خمسة اثنان منها واقعان على عوضه الابتدائي و هما بيع الفرس بالدرهم و بيع الدينار بالجارية حيث ان كلا من الفرس و الدينار عوض في البيوع الجارية على نفس العبد و ثلاثة منها جارية على عوض مال الغير اى على عوض عوض العبد و هي بيع الدرهم برغيف و بيع الدرهم بحمار و بيع الرغيف بعسل فالأول من هذه البيوع و هو بيع الفرس بالدرهم يتوقف تمامه و صحته على اجازة المالك الأصلي للفرس.

و قوله (ره) و اما العقود

الواقعة على عوض مال المجيز من تتمة فرض اجازة المالك بيع عبده بالكتاب فان مع أجازته تكون صحة بيع الفرس بالدرهم موقوفا على اجازة المالك الأصلي للفرس و بدونها لا تصح و اللاحق و هو بيع الدينار بالجارية يكون صحيحا بمجرد اجازة مالك العبد هذا البيع يعنى بيع العبد بالكتاب فإنه بناء على اعتبار أجازته يكون بيع العبد بالدينار و بيع الدينار بالجارية كلاهما صحيحا.

(2) يعني إجازة مالك العبد العقد الواقع على العوض لعوض العبد يعنى بيع الدرهم برغيف صحتها و نفوذها موقوفة على دخول الدرهم في ملك المالك الأصلي للعبد و دخوله في ملكه موقوف على أجازته بيع الفرس بالدرهم و بيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 450

و ان وقعت من شخص واحد انعكس الأمر (1).

______________________________

عبده بالفرس و لذا قال (ره) فهي ملزمة للعقود السابقة عليه سواء وقعت تلك العقود على نفس مال المالك اعنى بيع العبد بالفرس أو على عوضه و هو بيع الفرس بالدرهم كما أنها ملزمة للعقود اللاحقة على تقدير جريان اللاحق على المعوض اى على المعوض في بيع الدرهم برغيف و هو بيع الدرهم بالحمار فإن الإجازة المزبور تكون كاشفة عن دخول الدرهم في ملك صاحب الرغيف فيتم له بيع ذلك الدرهم بالحمار.

و اما العقد اللاحق الجاري على العوض في ذلك العقد المجاز اى بيع الرغيف بالعسل فصحته موقوفة على اجازة المجيز له مستقلا و هذا هو المراد من قوله (ره) و اما الواقعة على هذا البدل المجاز اى بيع الرغيف بالعسل فحكمها حكم العقود الواقعة على المعوض ابتداء.

(1) يعنى لو وقع البيوع المتعددة من شخص واحد بان يقع العوض في كل بيع معوضا في بيعه

الآخر كما فرضنا ان البائع فضولا باع العبد المفروض كونه للغير بالفرس أولا و باع الفرس بالدرهم ثانيا و باع الدرهم بالرغيف ثالثا و باع الرغيف بالعسل رابعا فان اجازة أي من البيوع الأربعة تكون اجازة له و لما قبله لا البيع الذي بعده و هذا هو المراد من ترامى الأثمان بأن يقع الثمن في كل بيع مثمنا في بيعه الآخر الصادر عن واحد كما في المثال.

و قد يقال انه كيف يجوز للمالك اجازة العقد الجاري على بدل ماله و كيف تكون أجازته ملزمة للعقود الجارية على عين ماله أو بدله فان بيع الدرهم بالرغيف مثلا أجنبي عن مالك العبد فكيف يجوز له أجازته بل يتعين اجازة بيع العبد بالفرس

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 451

..........

______________________________

أولا ثم اجازة بيع الفرس بالدرهم ثم اجازة بيع الدرهم بالرغيف و دعوى ان اجازة بيع الدرهم بالرغيف مستلزمة لإجازة البيوع السابقة أو انها بنفسها اجازة للعقود السابقة فاسدة فإن المفروض ان الإجازة تعلقت ببيع الدرهم بالرغيف و لو كانت هذه اجازة للعقد لسابق لصح السابق دون اللاحق.

و اما الاستلزام فالأمر في دعواه أفسد لأن إجازة بيع الدرهم بالرغيف فعل اختياري له مباد و اجازة بيع العبد بالفرس فعل اختياري آخر يكون له مباد و لا يعقل ان يكون أحد الفعلين الاختياريين مستلزما لفعل اختياري آخر نعم اجازة اللاحق تكشف عن الرضا بالعقد السابق عليه و لكن الرضا لا يكفي في إجازة العقد كما تقدم.

أقول يرد عليه النقض ببيع ذي الخيار و الواهب فإنهم ذكروا ان بيع ذي الخيار المال المنتقل عنه فسخ للبيع السابق و كذا بيع الواهب المال الموهوب رجوع في الهبة مع ان

كلا من البيع و الفسخ و الرجوع كالإجازة فعل اختياري و حله انه يمكن ان ارادة أحد الفعلين موجبا لانقداح ارادة الفعل الآخر كما في إرادة ذي المقدمة بالإضافة إلى الفعل الآخر الذي مقدمة له و الفسخ و الرجوع مقدمة لبيع ذي الخيار و الواهب كما ان اجازة العقد السابق مقدمة للعقد اللاحق و بما ان كلا من الفسخ و الرجوع و الإجازة كالتمليك من الأمور الإنشائية و يحتاج بعد الاعتبار إلى الإبراز يكون إبراز الأمر الاعتباري الموقوف على الأمر الاعتباري الأول إبرازا للأمر الأول أيضا.

و ايضا ما تقدم من عدم كفاية الرضا في خروج العقد عن الفضولية هو مجرد الرضا الباطني من دون إظهار و في المقام اجازة العقد الجاري على البدل يكون مبرزا للرضا بالبيوع السابقة أيضا كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 452

فليس مرادهما ان يعقد على الثمن الشخصي (1) ثم ان في شمول الحكم (2) فقال الأول (3)

______________________________

(1) يعني ليس مرادهما ان يعقد اشخاص على الثمن الشخصي بان يشترى الفضولي ثوبا بعشرة دنانير و باع الآخر تلك العشرة بمأة درهم و باع الثالث تلك العشرة بمأتين درهم فان حكم وقوع البيوع المتعددة من اشخاص على الثمن الشخصي المملوك للغير حكم البيوع المتعددة من أشخاص الواقعة على المفروض كونه للغير في ان اجازة السابق من البيوع يكون موجبا لصحة اللاحق على الكشف.

(2) يعنى ما تقدم من أن للمالك إجازة أي من العقود الجارية على عين ماله أو بدله فيه اشكال فيما إذا دفع المشترى الثمن إلى البائع فضولا مع علمه بالحال.

أقول لو تم الاشكال لكان مقتضاه عدم صحة اجازة المالك العقد الواقع على عوض ماله مع دفع

العوض المزبور إلى البائع فضولا مع العلم بالحال و كذا لا يصح اجازة العقد الجاري على عين ماله بذلك العوض و اما العقود الجارية على عين ماله بغير ذلك العوض من الأثمان المختلفة ممن وصلت تلك العين إلى أيديهم فلا بأس بإجازتها.

(3) يعنى قال قطب الدين في توضيح الإشكال الذي أشار إليه العلامة في قواعده أن المشترى العالم بالحال يكون دفعه الثمن إلى البائع الغاصب تسليطا له على الثمن و لو تلف ذلك الثمن في يد البائع المزبور لا يكون للمشتري الرجوع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 453

قال في محكي الحواشي ان المشترى مع علمه بالغصب (1)

______________________________

اليه لعدم الضمان في مورد تسليط الغير على ماله مجانا و في جواز رجوعه اليه مع بقائه وجهان و على أى حال فلا ينفذ اجازة مالك المبيع في الثمن المزبور فيما إذا تلف بفعل المسلط بالفتح يعنى بفعل البائع فضولا كما إذا دفع هذا البائع ذلك الثمن عوضا لمتاع اشتراه و هذا وجه عدم نفوذ اجازة مالك المبيع في الثمن المزبور.

و اما وجه نفوذها أن الثمن قبل دفعه الى البائع الغاصب قد جعل عوضا للعين المملوكة للغير و عدم اتصاف ذلك الثمن بكونه عوضا لها لأجل عدم صدور البيع عن ذلك الغير و إذا أجاز تكون إجازته بمنزلة صدور البيع عنه فيكون الثمن المزبور عوضا.

أقول ما في كلامه (ره) من ان في رجوع المشترى الى الثمن مع بقائه وجهين ضعيف بل لا ينبغي الإشكال في جواز رجوعه إليه فإن دفعه اليه مع علمه بالحال اما تمليك مجاني أو إباحة مالكية و لا كلام في جواز الرجوع في الهبة المجانية و الإباحة المالكية.

(1) حاصل ما ذكر

الشهيد (ره) انه لا يصلح لمالك المبيع اجازة العقد الجاري على الثمن بل لا يصح له اجازة العقد الجاري على المبيع بذلك الثمن و ذلك فان دفع المشترى العالم بالحال ذلك الثمن إلى البائع الغاصب تسليط للغاصب على الثمن المزبور و اذن له في إتلافه و إذا اشترى الغاصب بذلك الثمن متاعا يكون اشترائه إتلافا للثمن على المشترى الأول فيملك الغاصب المتاع الذي اشتراه بذلك الثمن و لا تنفذ اجازة المالك في الثمن لصيرورته ملكا لبائع المتاع قبلها بل لا تنفذ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 454

و يحتمل ان يقال لمالك العين حق تعلق بالثمن (1)

______________________________

إجازته في بيع ماله بذلك الثمن فضولا باعتبار ان الثمن المزبور كان كالمال المأذون في إتلافه فلا يؤثر فيه الإجازة بعد صيرورته ملكا لآخر و لو نفذ اجازة العقد الجاري على ماله بذلك الثمن يكون المبيع بلا عوض فيكون الإشكال في صحة العقد المترتب على الثمن و في صحة العقد الجاري على المبيع بذلك الثمن.

أقول لا وجه للإشكال أصلا سواء على الكشف أو النقل بل على كل منهما يجوز لمالك المبيع اجازة العقد الجاري على عين ماله أو بدله و ذلك فان دفع المشترى العالم بالحال الثمن إلى البائع فضولا ليس فيه إنشاء آخر ليكون ذلك الإنشاء من الهبة مجانا أو إباحة مالكية بل الدفع المزبور بعنوان الوفاء بالعقد حيث ان الغاصب كما يبيع مال الغير لنفسه بعد البناء على كونه مالكا و هذا البناء مصحح لحصول عنوان البيع كذلك المشترى العالم بالحال يدفع الثمن اليه باعتباره ايضا مالكا للمبيع و بما ان هذا البناء غير ممضى شرعا فلا يجوز للبائع المزبور التصرف في الثمن.

(1) كان

مراده انه بناء على مسلك النقل ايضا يحتمل تقديم اجازة المالك لتعلق حقه بالثمن قبل تملك الغاصب الثمن مجانا و هذا الاحتمال كما يذكر المصنف (ره) ضعيف فان تملك الغاصب الثمن غير موقوف على شي ء بخلاف تملك المالك المجيز فإنه موقوف على بقاء ذلك الثمن في ملك المشترى الى حين أجازته و هذا غير حاصل في الفرض.

و أضف الى ذلك انه لا حق للمالك المجيز في الثمن أصلا فان الحق بمعنى الملك غير ثابت و بمعنى غيره غير معهود و قد تقدم أن جواز اجازة المالك من أحكام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 455

[في الرد و أحكامه]
اشارة

فافهم (1) بما هو صريح في الرد (2) لأصالة بقاء اللزوم (3)

______________________________

الملك شرعا لا من الحق في عقد الفضولي فضلا عن الثمن المقرر فيه.

(1) لعله إشارة الى ان حكمهم بتملك الغاصب الثمن ليس لوجه تعبدي ليؤخذ به في مورد اليقين بل تعليلهم ذلك الحكم بان دفع المشترى الثمن إلى البائع الغاصب مع علمه بالحال تسليط له على ذلك الثمن مقتضاه كونه للتحفظ على قاعدة التسليط.

(2) بل يكفى ما يكون ظاهرا في الرد لان اعتبار الظهور يعم المقام بل يأتي كفاية دلالة الفعل و لا يختص الاعتبار باللفظ.

(3) لا يخفى ان رجوع الوفاء بالعقد بالإضافة إلى الأصيل كما تقدم سابقا غير ثابت ليستصحب و على تقديره فاستصحابه لا يثبت اضافة العقد الى المجيز بإجازته بعد احتمال إلغاء العقد قبلها فإنه من إثبات الموضوع باستصحاب حكمه نظير استصحاب بقاء وجوب الصلاة و إثبات عدم خروج وقتها بل ما نحن فيه من قبيل ما إذا قبل القابل الإيجاب في زمان يحتمل إلغاء الموجب إيجابه بالشبهة الحكمية أو الموضوعية فإن المتيقن

في مثله الحكم ببقاء الإيجاب و ضمه الى القبول المحرز بالوجدان و يثبت البيع بذلك فان ترتب البيع المضاف الى المالكين على الإيجاب و القبول شبيه بترتب المسبب الجعلي على السبب حيث يمكن فيه إثبات جزء السبب بالوجدان و الجزء الآخر بالأصل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 456

و كذا يحصل بكل فعل مخرج له عن ملكه (1) و التزويج (2)

______________________________

(1) يعنى يحصل الرد بكل فعل يكون ذلك الفعل مخرجا للمال عن ملك المجيز و الخروج يكون بالنقل و الإتلاف و شبههما كالعتق و النكاح و لكن لا يخفى ان مجرد هذه التصرفات لا تكون ردا للعقد السابق بمعنى إلغائه بل لا يكون معها العقد السابق قابلا للإجازة.

نعم إذا قصد بها إلغائه تكون ردا كسائر الأفعال المراد بها رده.

و الحاصل عدم قابلية العقد للإجازة بمجرد تلك التصرفات ليس لكونها ردا فعليا للعقد السابق بل انها مخرجة للعقد عن قابلية لحوق الإجازة و لذا لا تبقى معها للإجازة مورد حتى بناء على عدم اشتراط الإجازة بعدم مسبوقيتها للرد كما لا يخفى.

(2) كما إذا زوج غير الولي و الوكيل المرأة من رجل ثم زوجت نفسها من آخر فان مع التزويج الثاني لا يبقى مورد لاجازتها النكاح الأول و الظاهر ان التزويج كالعتق مثال لشبه النقل و الإتلاف و الوجه في عدم بقاء مورد للإجازة معها هو ان مثل هذه التصرفات من المالك صحيحة لوقوعها في زمان كونه مالكا و إذا صحت فلا يبقى مجال لإجازة عقد الفضولي لفوات مورد الإجازة فإن الإجازة تؤثر فيما إذا كان المجيز مالكا للمال لو لا أجازته و المفروض مع التصرفات المزبورة خروج المال عن ملكه قبل أجازته و صيرورته

أجنبيا بالإضافة إلى المال المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 457

و اما التصرف الغير المخرج عن الملك (1)

______________________________

و بهذا يظهر نفوذ تلك التصرفات و عدم صحة الإجازة حتى على الكشف الحقيقي فإنه يعتبر عليه ايضا ان يكون المجيز مالكا لو لا أجازته.

و الحاصل ان مع شمول خطابات الصحة و النفوذ للتصرفات المزبورة لا يبقى مورد في العقد السابق لعموم وجوب الوفاء و حل البيع و نحوه كما لا يخفى.

(1) إذا لم يكن تصرف المالك موجبا لخروج المال عن ملكه و لكن تكون صحته منافية لنفوذ الإجازة كان التصرف المزبور كالتصرف الموجب لخروج المال عن ملكه في كونه مفوتا لمورد الإجازة كاستيلاد المالك أمته التي بيعت فضولا أو إجارته الدار التي بيعت فضولا أو تزويجه أمته التي بيعت فضولا و الوجه في كونها أيضا مفوتة لمورد الإجازة ان نفوذ الإجازة مع صحة تلك التصرفات غير ممكن و إذا فرضت صحة تلك التصرفات باعتبار وقوعها في ملكه فيمتنع وقوع الآخر يعني إجازة العقد فضولا أو ان يكون الآخر يعنى الإجازة تكون مبطلة لتلك التصرفات أو ان تقع الأخر يعنى الإجازة على غير وجهها بان يكون انتقال المبيع إلى المشترى في العقد فضولا بعد انقضاء مدة الإجارة أو انتقاله اليه خاليا عن المنفعة التي وقعت مورد التمليك في الإجارة و حيث ان إبطال الإجازة تلك التصرفات أو وقوع الإجازة على غير نحو الكشف عن انتقال المبيع إلى المشترى من حين العقد غير ممكن فيتعين الأول يعني كون الإجازة فاسدة.

نعم إذا انتفع المالك بماله بالسكنى أو باللبس و نحوهما فلا ينافي ذلك نفوذ الإجازة بنحو الكشف غاية الأمر يثبت على المالك بعد إجازته أجرة المثل للمشتري

باعتبار أنه قد فوت عليه المنفعة بسكناه أو لبسه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 458

و دعوى انه لا دليل على اشتراط قابلية التأثير من حين العقد (1).

______________________________

(1) لو تمت هذه الدعوى لكانت نتيجتها صحة الإجازة مع التصرفات التي لا تخرج العين عن ملك مالكها و صحة الإجازة عبارة عن كونها موجبة لانتقال المبيع مثلا إلى المشتري بعد انقضاء مدة الإجارة حتى لو قيل بان مدلول العقد هو النقل من حين العقد و ان الإجازة تتعلق بهذا المدلول و لكن تأثيرها في النقل يكون من زمان كونه قابلا و هو في الفرض زمان انقضاء الإجارة.

و أجاب (ره) عن ذلك بان نفوذ الإجازة على الوجه المذكور بان يكون الانتقال من زمان انقضاء الإجارة خلاف إجماع أهل الكشف فإنهم يلتزمون بأن الإجازة تكون كاشفة عن حصول النقل و الانتقال من حين العقد فيما كان مجيزه مالكا حال العقد و بما ان المجيز في الفرض مالك حال العقد فلا بد من كون إجازته كاشفة عن النقل و الانتقال من حين العقد و لازم ذلك عدم إمكان الإجازة مع صحة التصرفات المزبورة.

أقول الظاهر التفصيل في المقام و هو انه لا يصح الإجازة بعد استيلاد الأمة المبتاعة فضولا لما تقدم سابقا من ان استناد البيع الى المالك يكون بإجازته سواء على النقل أو الكشف و عليه فاجازة المالك بيع أمته بعد استيلادها بيع لام الولد فلا تصح كما هو مقتضى النهى عن بيع أمهات الأولاد الظاهر في الإرشاد إلى فساد بيعهن.

و اما إجازة بيع الدار بعد إجارتها فلا بأس بها فان الفرض لا يزيد عما إذا آجر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 459

نعم لو

قلنا بأن الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي (1).

______________________________

المالك داره سنة مثلا ثم باعها من آخر فإنه يصح الإجارة و البيع معا غاية الأمر مع جهل مشتري الدار بالإجارة يثبت له خيار الفسخ باعتبار ان نقص منفعتها و لو بالإجارة عيب و يثبت هذا الخيار في مفروض الكلام باعتبار حدوث العيب في الدار قبل اجازة بيعها.

و بهذا يظهر الحال في إجازة بيع الأمة التي زوجها سيدها قبل اجازة بيعها و انه يصح البيع و التزويج معا غاية الأمر يثبت لمشتريها خيار الفسخ باعتبار ان التزويج في الأمة عيب.

(1) لا يقال لو صح هذا الكلام بان كانت اجازة المالك كاشفة عن حصول النقل و الانتقال من حين العقد فضولا بحيث يكون استيلاد الأمة بعده واقعا على غير ملكه لجرى ذلك في القسم الأول من الأفعال أيضا بأن تكون اجازة المالك كاشفة عن حصول النقل و الانتقال من حين العقد فضولا فلا يكون العتق أو النقل و الهبة و التزويج و نحو ذلك نافذة لوقوعها على ملك الغير واقعا.

فإنه يقال فرق بين هذا القسم و التصرفات السابقة فإن مع تلك التصرفات و نفوذها لا يكون المجيز مالكا لتنفذ إجازته فإن من شرط الإجازة وقوعها عن المالك لو لا الإجازة بخلاف مثل الاستيلاد و اجارة البيت أو تزويج الأمة المملوكة فإن مع هذه التصرفات لا ينتفي ملك المالك حتى لا تنفذ أجازته.

ثم ان الظاهر عدم الفرق في ذلك بين الالتزام بكون الإجازة كاشفة محضا أو كون لحوقها بالعقد شرطا فان الكاشف اجازة المالك لو لا الإجازة كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 460

بقي الكلام في التصرفات الغير المنافية لملك المشترى من حين العقد (1).

______________________________

(1) يقع

الكلام في نفوذ الإجازة بعد تصرف المالك في ماله تصرفا لا يمنع عن ملك المشترى من حين عقد الفضولي كتعريض المالك المال للبيع بعد وقوع العقد عليه فضولا أو إيقاع البيع الفاسد عليه بعد العقد فضولا.

و ذكر (ره) ان مثل هذه التصرفات فيما كانت مع التفات المالك الى تعلق العقد فضولا بماله تكون ردا و فيما لم يكن ملتفتا الى تعلق العقد بماله فلا رد و يجوز أجازته بعدها و استشهد على كونها مع الالتفات المزبور ردا بوجوه:

الأول- انطباق عنوان الرد الوارد في بعض الروايات عليها مثل ما ورد في تزويج العبد بغير اذن مولاه و في موثقة زرارة ذلك الى مولاه ان شاء فرق بينهما و ان شاء أجاز أو من زوجته أمه و هو غائب من قوله عليه السّلام و ان شاء قبل و ان شاء ترك.

و لكن أورد (ره) على هذا الوجه بان مدلول الرواية ان للمجيز ترك عقد الفضولي و اما كيفية تركه و أنه إذا تركه يكون كالرد القولي بحيث يخرج المالك المجيز عن كونه أحد طرفي العقد و انه لا ينفعه أجازته بعد ذلك فلا دلالة للرواية عليه.

الوجه الثاني- ان الرد اللفظي كان موجبا لخروج المجيز عن صلاحية كونه أحد طرفي العقد و هذا المانع موجود في الرد الفعلي أيضا بمعنى أنه لا يحتمل الفرق بين الرد فعلا و رد ذلك العقد قولا في الخروج المزبور.

و الوجه الثالث فحوى حصول الفسخ في العقد الخياري بالفعل كوطي البائع الأمة التي باعها بخيار أو بيعها من آخر أو عتقها زمان خياره فان حصول الفسخ بمثل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 461

..........

______________________________

هذه الأفعال باعتبار دلالتها على حل ذي

الخيار العقد و إذا اعتبر دلالة الفعل على حل العقد و إزالته التي في الحقيقة رفع لأثر العقد المؤثر بالفعل اعتبرت دلالته على إلغاء العقد المتزلزل من حيث الحدوث.

أقول مجرد التفات المالك الى العقد فضولا لا يوجب كون مثل تعريض ذلك المال للبيع ردا للعقد السابق فضولا لإمكان كون التعريض لاحتمال ان يباع المال بأزيد من الثمن في عقد الفضولي و كان من قصده اجازة ذلك البيع مع عدم وجدان من يشتريه بالأزيد.

و الحاصل أنه لا بد في إنشاء الرد قصده و مجرد الالتفات الى وقوع العقد لا يلازم قصده و الحكم بحصول الفسخ في مثل وطي البائع الأمة التي باعها أو عتقها بعد بيعها حكم ظاهري مستفاد من دليل حمل فعل الغير على الصحيح و حصول الفسخ واقعا موقوف على قصد البائع و إنشائه بالفعل و هذا الكلام لا يجري في مثل تعريض المال للبيع أو إجراء العقد الفاسد فإنه لا مجال في مثلها لأصالة الصحة فيكون الحكم بالرد بذلك موقوفا على قرينة دالة على قصده إنشاء الرد كما لا يخفى.

هذا كله مع الالتفات الى العقد فضولا و اما مع عدمه فلا يكون مجرد الفعل ردا الا ان يقوم دليل خاص على كون فعل ردا كما في الرجوع في عدة الطلاق و ذلك لما أشرنا إليه مرارا من أن الرد كالإجازة من الإنشائيات و هي لا تحصل بدون القصد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 462

و في حكم ما ذكرنا الوكالة و الوصاية (1) لو لم يجز المالك فان كان المبيع في يده فهو (2)

______________________________

(1) يعنى لا يحصل فسخ الوكالة و الوصاية بمجرد ارادة الفعل المنافي لبقاء عقدهما من دون قصد فسخهما

نعم جواز إنشاء فسخهما بالفعل أوضح من جواز فسخ البيع للزوم البيع في نفسه و هما من العقود الجائزة و الأمر في فسخها و إنشائها أهون.

(2) و حاصله انه لا موضوع لرجوع المالك الى غيره مع عدم أجازته العقد فيما إذا كان المبيع بيده و اما مع كونه بيد غيره فله أخذه منه مع بقائه و لو استوفى الغير من منافعه يرجع اليه ببدل تلك المنفعة أيضا كما هو مقتضى قاعدة إتلاف مال الغير بل له الرجوع الى بدل غير المستوفاة على خلاف تقدم في البحث عن أحكام بيع الفاسد هذا مع بقاء المبيع.

و اما مع تلفه فيرجع المالك الى من تلف بيده فيأخذ منه قيمة يوم تلفه على قول و أعلى القيم من يوم ضمانه الى يوم تلفه على قول آخر و لو كانت الزيادة في يد أحد الشخصين الذين جرى يدهما على المبيع كما إذا نقصت قيمته بعد وقوعه بيد الآخر فيختص الأول بالرجوع اليه بتلك الزيادة باعتبار عدم اشتغال ذمة الآخر بتلك القيمة في زمان حيث لم يجريده على المبيع في زمانها على الفرض.

أقول لا يختص رجوع المالك بمن يكون المبيع بيده كما هو ظاهر (ره) بل له الرجوع الى كل من جرى يده على المبيع و ان تلف في يد غيره كما هو مقتضى ضمان اليد و يكون رجوع المالك إليه بإلزامه بأخذ المبيع من الغير و رده عليه نعم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 463

..........

______________________________

لا يبعد ان لا يكون للمالك الرجوع إليه بأخذ قيمة المبيع منه مع عدم تمكنه على تحصيل المبيع و تمكن المالك على أخذه ممن يكون بيده كما ان للمالك مع تلفه الرجوع

الى كل من جرت يده على المبيع غاية الأمر لو رجع الى من تلف بيده فلا يرجع ذلك الى غيره بخلاف ما لو رجع المالك الى غيره فان الغير مع دفع قيمة المبيع الى المالك يرجع الى من تلف في يده فيأخذ قيمته منه و ذلك لما ذكرنا في البحث في أحكام بيع الفاسد من ان الضامن بدفعه البدل يملك التالف فان كان تلف المال بيده فلا موجب لرجوعه الى غيره لانه قد تسلم المبيع سابقا منه.

و اما إذا كان تلفه بيد غيره فان له الرجوع بما ملكه بدفع البدل الى كل من جرى يده على المال المزبور بعده الى ان يستقر الضمان على من تلف بيده.

ثم انه قد تقدم سابقا ان المستفاد من صحيحة أبي ولاد ان المعيار في الضمان بقيمة يوم حدوث الضمان و عليه فان رجع المالك الى من تلف المال بيده و أخذ منه قيمة يوم دخوله في ضمانه فلا يرجع ذلك الضامن الى غيره و ان رجع المالك الى غيره و أخذ قيمة العين منه يوم دخولها في ضمانه يرجع ذلك الغارم الى من تلف المال بيده بقيمة العين يوم دخولها في ضمان من تلف المال بيده سواء كانت أقل مما دفعها الى المالك أو أكثر كذا الحال بالإضافة إلى منافعها.

و لو كانت العين فاقدة لوصف في يد الضامن الأول ثم صار موصوفا به في يد من تلف المال بيده فليس للمالك الرجوع الى الضامن الأول ببدل ذلك الوصف حيث لم يأخذ العين بذلك الوصف ليكون ضامنا بالإضافة اليه و لا يقاس الوصف بالمنافع حيث ان المنفعة و هي قابلية العين للانتفاع بها أمر فعلى مأخوذ بتبع أخذ العين كما

لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 464

و لا يقدح في ذلك اعترافه بكون البائع مالكا (1).

______________________________

(1) إذا كان اعتراف المشترى بكون الثمن للبائع مبنيا على قاعدة اليد القاضية بأن المبيع كان ملكا له فبظهور عدم ملك البائع للمبيع بالبينة أو حتى حكم الحاكم ينتفي الاعتراف المزبور كما هو مقتضى كون الاعتراف من جهة الأخذ بظاهر اليد و إذا كان اعتراف المشترى بكون الثمن للبائع لاعتقاده بان المبيع للبائع حتى بعد علمه بقيام البينة على انه للعير لا للبائع فلا يجوز له الرجوع الى البائع بالثمن حتى مع أخذ الغير المبيع من يده بالمرافعة مع البائع أو معه عند الحاكم لأن أخذ الغير باعتقاده ظلم و إضرار فلا يجوز له تدارك هذا الضرر بإضرار البائع و إذا لم يعلم حال اعتراف المشترى كما إذا لم يذكر عند اعترافه بأنه مبنى على يد البائع للمبيع أو انه يعلم بان المبيع له فهل للحاكم الأخذ بظاهر إقراره ليحكم بأن الثمن ملك للبائع و ليس للمشتري الرجوع به اليه أو يقدم ظاهر الحال و ان اعترافه مبنى على قاعدة اليد لم يذكر المصنف (ره) ترجيح أحد الوجهين على الآخر و ربما يذكر أنه يحمل اعتراف المشترى على كونه مبنيا على قاعدة اليد لا للأخذ بظاهر الحال فان الظهور ليس ظهورا لفظيا ليكون معتبرا و ظاهر الحال لا يخرج عن مطلق الظن الذي لا يغني من الحق شيئا بل لأن البينة القائمة على كون المبيع للغير بالدلالة الالتزامية تدل على كون الثمن المزبور ملك للمشتري و دليل اعتبارها كما يقتضي اعتبارها في الدلالة المطابقية كذلك يدل على اعتبارها في الدلالة الالتزامية.

نعم لو أحرز أن الاعتراف من

المشترى كان مطلقا يكون موجبا لإلغاء تلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 465

و ان كان عالما بالفضولية (1)

______________________________

الدلالة الالتزامية باعتبار انه لا مجال للبينة مع الإقرار على نفسه بخلافها و انه يقدم الاعتراف عليها.

أقول الظاهر ان الأمر بالعكس فان ظهور الاعتراف هو الاخبار عن الواقع و مقتضى دليل نفوذ الإقرار على المقر حتى مع البينة هو طرح البينة في دلالتها الالتزامية لأنه لا اعتبار للبينة مع الاعتراف كما هو المقرر في باب القضاء.

نعم إذا أحرز أن الاعتراف مبنى على قاعدة اليد التي لا مجال لها مع البينة الكاشفة عن الواقع لا يكون في البين اعتراف ليكون موجبا لإلغاء البينة.

هذا مع انه لا يلزم ان يكون حكم الحاكم بان المبيع للغير بالبينة بل يمكن كونه لليمين المردودة من البائع و معه لا يكون في البين تلك الدلالة الالتزامية.

(1) يقع الكلام فيما إذا كان المشترى عالما بعدم ملك البائع للمبيع و مع ذلك قد دفع الثمن إليه في جهات: الاولى في جواز رجوعه إلى البائع بذلك الثمن مع بقائه.

الثانية- في جواز تصرف البائع في ذلك الثمن.

الثالثة في جواز رجوع المشترى الى البائع بذلك الثمن مع تلفه و ذكر المصنف (ره) في الجهة الأولى جواز رجوعه إلى البائع بالثمن وفاقا للعلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني لوجوه ثلاثة:

الأول- انه ليس في البين ما يكون موجبا لدخول الثمن في ملك البائع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 466

..........

______________________________

المزبور.

الثاني انه لو كان مجرد دفع المشترى الثمن إلى البائع المزبور مع علمه بعدم ملكه موجبا لانتقال ذلك الثمن اليه لزم القول بدخول الثمن في ملك البائع في جميع الموارد التي يدفع المشترى

فيها الثمن إلى البائع مع علمه بفساد البيع و لو كان فساده من سائر الجهات غير عدم ملك البائع لأن تسليط البائع على الثمن مجانا مع علمه بعدم ملكه جار في جميعها.

و الثالث انه لو كان دفع الثمن إلى البائع المزبور موجبا لملكه لزم عدم كون العقد قابلا لإجازة المالك لان المفروض عدم بقاء الثمن في ملك المشترى ليكون بإجازة المالك ملكا له.

أقول ما ذكر (ره) أولا من انه ليس في البين ما يوجب انتقال الثمن إلى البائع الفضولي صحيح و لكن لو فرض انتقاله اليه يكون الانتقال المزبور من الهبة المجانية التي يجوز للواهب الرجوع فيها مع بقاء العين كما هو الفرض.

و ما ذكر ثانيا من أنه لو كان دفع الثمن إلى البائع الفضول موجبا لدخوله في ملكه لزم الالتزام بالانتقال في جميع الموارد التي يدفع المشترى فيها الثمن إلى البائع مع علمه بفساد البيع غير صحيح فإنه يمكن القول بان في سائر الموارد التي يكون البائع فيها مالكا للمبيع يكون دفع الثمن بإزاء المبيع بعنوان المعاوضة و حيث لا تكون المعاوضة ممضاة شرعا فلا يدخل الثمن في ملك البائع بخلاف المقام فان المفروض فيه عدم كون المبيع ملك البائع حتى في علم المشترى فيكون دفعه الثمن اليه من تمليكه مجانا لا بعنوان المعاوضة.

و كذا لا يصح ما ذكر (ره) ثالثا فإن الإجازة من المالك كاشفة عن انتقال الثمن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 467

[رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات]

و اما لو كان تالفا (1)

______________________________

الى ملك المالك من حين العقد فلا ينفذ تصرف المشترى في الثمن المزبور فان دفعه الى البائع تسليط للبائع على ملك الغير و لعله (ره) أشار الى ذلك بالأمر بالتأمل.

و

بتعبير آخر حيث ان العقد لازم من طرف الأصيل كما هو مقتضى مذهب الكشف عند المصنف (ره) يكون تمليك المشترى الثمن إلى البائع أو للآخر و لو بإنشاء التمليك محكوما بالبطلان فلا يمنع هذا التمليك الفاسد المفروض إنشائه بالفعل مانعا عن نفوذ اجازة المالك.

و كيف كان فقد ظهر مما ذكرنا في الجهة الأولى الحال في الجهة الثانية و انه لا يجوز للبائع فضولا التصرف في الثمن المزبور فإنه تصرف بلا مجوز لان المجوز يكون بالملك أو اذن المالك المعبر عنه بالإباحة المالكية أو اذن الشارع المعبر عنه بالإباحة الحكمية و قد تقدم عدم حصول ملك الثمن للبائع كما ان المفروض عدم الإباحة الحكمية و اذن المشترى و رضاه بتصرف البائع بعنوان ان الثمن ملكه بإزاء المبيع لا الاذن في تصرفه مع بقائه في ملك المشترى كما لا يخفى.

(1) هذا شروع في الجهة الثالثة و هي جواز رجوع المشترى الى البائع بالثمن مع تلفه و قد منع المشهور عن ذلك بل في المحكي عن العلامة و ولده و الشهيد و المحقق الثانيين الإجماع عليه و قد اختاره المصنف (ره) و ذكر ان عدم الضمان مقتضى تسليط المشتري البائع على الثمن من غير تضمين.

و بيان ذلك ان ضمان اليد الجاري في سائر موارد الضمان لا يجري في المقام لانه لا ضمان في مورد جعل المالك الغير أمينا بماله لحفظه كما في الوديعة، أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 468

..........

______________________________

للانتفاع به، كما في العارية، أو لاستيفاء ما ملكه من منفعة ذلك المال، كما في الإجارة.

و الحاصل ان قاعدة على اليد قد خصصت في موارد الاستيمان، و إذا لم يكن ضمان في تلك الموارد يكون

عدم الضمان في المقام أولى فإنه إذا لم يكن للغير ضمان مع عدم اذن المالك في التصرف في المال، كما في الوديعة، يكون عدم الضمان مع الاذن في إتلافه أولى و كذا الضمان الثابت في سائر الموارد بقاعدة الاقدام، لا يجري في مورد الكلام لأن البائع الفضولي لم يقدم على ضمان الثمن من كيسه، بل أقدم على ضمانه بالمثمن الذي ملك الغير حتى في علم المشترى.

و بتعبير آخر لم يجعل المشتري البائع ضامنا على الثمن بان تكون خسارة تلفه عليه فيخرج من كيسه ليكون تضمين، بل تسليطه البائع على الثمن في مقابل مال الغير بمنزلة تمليك ذلك الثمن له مجانا.

(لا يقال) دفع المشترى الثمن إلى البائع يكون بعنوان تضمينه غاية الأمر كما ان البائع يعتبر نفسه مالكا للمبيع و بهذا الاعتبار يصح له قصد عنوان المعاوضة، كذلك المشترى يعتبره مالكا لذلك المبيع و يقصد عنوان المعاوضة حتى مع علمه بعدم كونه ملكا للبائع شرعا و التضمين المعاملي عين قصد المعاوضة، لا انه أمر آخر كما لا يخفى.

و بعبارة أخرى قصد المعاوضة من المشترى التي معنى التضمين حقيقي و انما يكون الادعاء و الاعتبار في أحد طرفي المعاوضة و التضمين و لو لم يكن في المقام تضمين، لم يثبت الضمان للبائع في مورد ظهور المبيع ملكا للغير حتى مع جهل المشتري لأن المفروض فيه جعل البائع ضامنا للثمن بذلك المثمن الذي كان في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 469

..........

______________________________

الواقع ملك الغير، و معه لا يخرج شي ء من كيس الضامن فلا يكون في الحقيقة تضمين حيث ان التضمين عبارة عن جعل عهدة الثمن على شخص ليخرج عوضه من كيسه.

و أجاب (ره) عن ذلك

بما حاصله ان التضمين و التمليك بالعوض في موارد علم المشتري ادعائي بالإضافة إلى البائع الفضول و حقيقي بالإضافة إلى مالك المبيع و الشاهد لذلك انتقال الثمن الى المالك بإزاء المبيع بمجرد أجازته و اما ثبوت الضمان في مورد ظهور المبيع ملك الغير فهو باعتبار ان المشترى لا يرضى بتصرف البائع في الثمن بلا عوض ليكون عدم الضمان فيه مستفادا من فحوى عدم الضمان في مثل الوديعة، فيدخل المثال في عموم ضمان اليد.

و الحاصل ان الضمان في صورة جهل المشترى بعدم ملك المبيع للبائع ليس للإقدام و التضمين، بل لقاعدة اليد و كذا يثبت ضمان البائع بالثمن في موارد علم المشترى بفساد البيع من سائر الجهات لا من جهة علمه بعدم كون البائع مالكا للمبيع حيث ان التضمين و هو قصد خروج البدل من كيس البائع في تلك الموارد حقيقي غاية الأمر لا يكون هذا الضمان المعاملي ممضى شرعا و لذا يثبت فيه التضمين أو ضمان اليد كما لا يخفى.

(أقول) قد ذكرنا ان التضمين المعاملي عبارة عن قصد المعاوضة و إنشائها و إذا فرض ان المتبايعين أي البائع الفضول و المشترى قد قصدا المعاوضة فبانشائها يحصل التضمين المعاملي و اما ضمان اليد فهو تابع على الاستيلاء على مال الغير مع عدم إسقاط ذلك الغير احترام ماله، و جعله للأخذ مجانا و المفروض في مورد الكلام ان المشترى لم يجعل الثمن للبائع مجانا و الا كان الثمن له مجانا فيجوز له تصرفه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 470

نعم لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض الملك (1)

______________________________

فيه مع ان المصنف (ره) صرح في الجهتين المتقدمتين بعدم انتقال الثمن إلى البائع و انه

لا يجوز له التصرف فيه.

و ما ذكر (ره) من ان دفع المشترى الثمن إلى البائع مع علمه بالحال ليس الا كدفعه الى شخص ثالث غير البائع فضولا مع علمه بالحال في ان هذا الدفع لا يكون فيه تضمين لا يمكن المساعدة عليه فان دفعه الى الثالث المزبور مع الاذن له في التصرف كيف يشاء، عبارة عن تمليك المال له مجانا، و لذا يجوز لذلك الثالث التصرف فيه، بخلاف البائع فضولا، حيث ان دفع الثمن اليه بعنوان الوفاء بالمعاوضة و لذا لا يجوز له التصرف فيه كما مر.

و الحاصل ان مقتضى دليل ضمان اليد في سائر المقامات ثبوت ذلك الضمان في المقام ايضا و الاقدام على الضمان المعبر عنه بالتضمين، ليس بموجب مستقل للضمان نعم مع الاقدام على عدم الضمان لا يتم موضوع ضمان اليد كما تقدم بيانه سابقا.

(1) قد ظهر مما ذكرنا ثبوت الضمان حتى في مورد عدم قبول العوض الملك شرعا و ان دفع الثمن إلى بائع الخمر بعنوان المعاوضة على الخمر لا يكون إسقاطا لحرمة الثمن، بان ينتقل الثمن إلى بائع الخمر مجانا بل يكون الدفع بعنوان الوفاء بالمعاوضة المزبورة و لذا لا يجوز لبائع الخمر التصرف فيه، كيف و قد دل النص على كون ثمن الخمر أو الكلب سحتا و لو كان تسليط البائع على الثمن تمليكا مجانيا لكان التمليك من الهبة الصحيحة، و لما كان الثمن سحتا للبائع كما نقول بتلك الهبة فيما إذا قال المالك بعتك المتاع بلا ثمن مع قصد تمليك المتاع، فإنه يجوز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 471

..........

______________________________

للقابل التصرف في المتاع المزبور من غير ضمان، لصيرورته ملكا له مجانا، على ما هو الأظهر،

من جواز إنشاء المعاملة بكل لفظ يدل عليها، و لو بالقرينة.

و نظيره ما إذا جعل العوض ما لا يعتبر مالا لأحد في بناء العقلاء كما إذا قال بعتك المال بماء البحر و قبله المشترى. فان دفع البائع المال الى القابل يعتبر من القبض في الهبة، كما في قوله بعتك المال بلا ثمن فلاحظ و تدبر.

(1) يعني إطلاق قولهم كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، يقتضي ضمان البائع فضولا الثمن المدفوع اليه، و لو مع علم المشترى بالحال نعم يحتمل ان لا تقتضي القاعدة الضمان، فإنه يحتمل ان يكون المراد بمدخول كل في قولهم كل عقد، الفرد الخارجي من العقد، و حيث ان الفرد لا يمكن اتصافه بالصحة و الفساد معا، فلا بد من حمل الصحة و الفساد فيه على التقدير، و الفرض، بان يكون معنى القاعدة ان كل فرد من افراد العقد كان فيه ضمان على تقدير صحته يكون فيه ضمان على تقدير فساده ايضا و كل فرد لا يكون فيه ضمان على تقدير صحته لا يكون فيه ضمان على تقدير فساده ايضا، و من الظاهر ان البيع بلا ثمن و الثمن المدفوع في الفرض على تقدير صحته، لم يكن فيه ضمان بان يخرج بدل المال من كيس الطرف فعلى تقدير فساده، لا يكون ايضا فيه ضمان.

و لكن هذا المعنى في أصل القاعدة و عكسها ضعيف فان المراد بمدخول كل نوع المعاملة أو صنفها و يكون في ضمن ذلك النوع أو الصنف فرد صحيح و فرد فاسد، و إذا لم يكن في الفرد الصحيح منهما، ضمان لم يكن في فاسده ايضا ضمان و مقتضى ذلك ان يكون في البيع بلا ثمن و في الثمن في

محل الكلام ضمان، لانه مقتضى ثبوت الضمان في الفرد الصحيح من البيع، اللهم ان يطبق عدم الضمان في مسألة البيع بلا ثمن و في محل الكلام على تلك القاعدة بان لا يراد من أصلها و عكسها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 472

و دفع المشترى الثمن اليه لكونه واسطة (1) لو اشترط على البائع الرجوع بالثمن (2) المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن (3)

______________________________

الفرد الخارجي من العقد أو خصوص النوع المتعارف أى المسمى باسم خاص بل الأعم عنه و من النوع الغير المتعارف الذي لا يكون مسمى باسم خاص و يكون فيه صحيح و فاسد فعلا كما في تمليك المال مجانا فان هذا النوع الغير المتعارف كما يعم تمليك العين مجانا بقوله وهبتك المال و نحوه المعبر عنه بالهبة، كذلك يعم تمليك العين أو المنفعة مجانا كما في قوله بعتك المال بلا ثمن أو آجرته بلا اجرة و ما إذا دفع المشترى الثمن إلى البائع فضولا مع العلم بالحال.

(أقول) هذا لا يوجب انطباق عدم الضمان في مورد الكلام على القاعدة المزبورة فإن العقد فيها يشمل المتعارف ايضا كالبيع و يكون مقتضى شمولها له ثبوت الضمان في مورد الكلام باعتبار ثبوت الضمان في البيع الصحيح، فيقع التكاذب و التنافي مدلولها، كما لا يخفى.

(1) الظاهر ان هذا من سهو القلم، فإنه كيف يثبت ضمان التلف على البائع فضولا فيما إذا جعله المشتري أمينا بالثمن لإيصاله إلى مالك المبيع على تقدير أجازته.

(2) الوجه في الضمان مع الاشتراط المزبور عدم حصول تسليط البائع مجانا على الثمن المزبور، و لكن في صحة الاشتراط تأمل بل منع.

(3) ما يغترم المشترى للمالك زائدا على الثمن على أقسام: الأول- ان

يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 473

..........

______________________________

ذلك في مقابل العين، كما إذا تلف العين بيد المشترى و أخذ منه مالكها قيمتها و هي عشرون مثلا و كان الثمن المسمى عشرة فالعشرة الزائدة على الثمن المسمى قد اغترمها المشترى للمالك في مقابل العين.

الثاني- ان تكون الزيادة في مقابل ما استوفاها المشترى من منافع العين، كما إذا أخذ المالك أجرة السكنى أو عوض اللبن أو الصوف أو الثمرة الى غير ذلك مما استوفاها المشترى من العين المبيعة له فضولا.

الثالث- ان لا يحصل للمشتري بإزاء تلك الزيادة نفع أصلا كالنفقة التي صرفها للعين في المدة التي كانت بيده، و كقيمة الغرس الذي قلعه المالك بعد أخذه الأرض من يد المشترى، و اما بدل نقص بعض صفات العين أو أجزائها في يد المشترى فهو من القسم الأول كما لا يخفى.

و ذكر المصنف (ره) انه ليس للمشتري الرجوع الى البائع في شي ء من هذه الغرامات الثلاث فيما إذا كان عالما بالحال، و بان المبيع ليس لبائعه، و اما إذا كان جاهلا بالحال فيجوز له الرجوع عليه في القسم الثالث بلا خلاف.

و استدل على عدم جواز رجوعه فيه بأمور: الأول- قاعدة الغرور و المراد به في المقام، إيقاع البائع المشترى في الغرامة المزبورة ببيعه إياه ما ليس له من غير بيان و هذا بخلاف البيع مع علم المشترى بالحال أو مع بيان البائع، فإن الإيقاع في خطرات الضمان لا يكون فيه من البائع، و قوله (و متلف عليه ما يغرمه) اما عطف تفسيري للغرور أو بيان وجه آخر لضمان البائع و هي قاعدة إتلاف مال الغير حيث دفع البائع المبيع إلى المشترى من غير بيان فضولية البيع

إتلاف للمال على المشترى المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 474

..........

______________________________

و الحاصل ان ضمان البائع في المقام نظير ضمان شاهد الزور، ضرر المشهود عليه فيما إذا تم الحكم و اعترف بعده ببطلان شهادته، و في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق فقطع يده حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا هذا السارق و ليس الذي قطعت يده و انما شبهنا ذلك بهذا فقضى عليهما ان غرمهما نصف الدية و لم يجز شهادتهما على الآخر «1» و صحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في شاهد الزور قال ان كان الشي ء قائما بعينه رد على صاحبه و ان لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل «2».

أقول الحكم في الشاهد ليس للغرور و الخدعة كما هو ظاهر الصحيحة الأولى فيعم ضمان الشاهد ما إذا كانت شهادته للاشتباه و اعتقاد الخلاف.

و الحاصل ان ظاهر ما ورد في ضمان شاهد الزور أو رجوع الشاهد كون ضمانه للإتلاف على المشهود عليه، و من الظاهر ان تطبيق قاعدة الإتلاف على شهادته تعبد، لان التلف على المشهود عليه قد حصل بفعل الحاكم و الشاهد معا، و لذا لو رجع الشاهد قبل حكم الحاكم لا يغرم شيئا، و بتعبير آخر لا يمكن استفادة حكم المقام مما ورد في ظهور بطلان شهادة الشاهد، أو رجوعه بعد الحكم عن شهادته، كما لا دلالة لذلك على اعتبار قاعدة الغرور، و لعل هذا الحكم لسد شهادة الزور و التشديد على الناس، لئلا يتسامحوا في شهاداتهم و لو كان الحكم بضمان الشاهد

في مسألة رجوعه عن شهادته و في مسألة شهادة الزور، لكون الحاكم متلفا للمال بغرور الشاهد أو كون الحاكم

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (14) من أبواب الشهادات الحديث (1).

(2) الوسائل الجزء 18 الباب 11 من أبواب الشهادات لحديث (3).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 475

..........

______________________________

نظير من قدم اليه طعام الغير فأكله جهلا بالحال لصح رجوع المشهود عليه الى الحاكم أيضا غاية الأمر يكون قرار الضمان على الشاهد كما لا يخفى.

و نظير ما ورد في شاهد الزور أو رجوع الشاهد ما ورد في ان تدليس ولى المرأة و ظهور حالها بعد الدخول بها و انه موجب لكون المهر المسمى على وليها المدلس، فإنه لا يمكن استفادة حكم غير التدليس في النكاح منه، فراجعه.

نعم وردوا في بعض الموارد، ما استظهر منه اعتبار قاعدة الغرور، كرواية إسماعيل بن جابر قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نظر الى امرأة فأعجبته فسئل عنها فقيل هي ابنة فلان فأتى أباها فقال زوجني ابنتك فزوجه غيرها فولدت منه فعلم بها بعد أنها غير ابنته و أنها أمة قال ترد الوليدة على مواليها و الولد للرجل و على الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل و خدعه «1» و لكن الرواية ضعيفة سندا و دلالة أما سندا لوقوع محمد بن سنان فيه و اما دلالة فباعتبار أن غاية مدلولها، ان تغرير الرجل الزوج و إيقاعه في ضرر قيمة الولد، موجب لكون تلك القيمة على الغار، و اما تغريره في غير تلك القيمة من الغرامات فضلا عن التعدي من النكاح الى غيره من المعاملات فلا يستفاد منها و يأتي ان ضمان قيمة الولد

في مثل الفرض حكم تعبدي.

الثاني قاعدة نفى الضرر فان عدم ضمان البائع لما اغترمه المشترى ضرر عليه، و فيه ان قاعدة نفى الضرر مقتضاها نفى الحكم الشرعي الذي تكون رعايته موجبا لتضرر المكلف، و عدم الضمان ليس من الحكم المجعول، و على تقدير الإغماض عن ذلك فكما ان عدم الضمان ضرر على المشترى، كذلك الضمان ضرر

______________________________

(1) الوسائل الجزء (14) الباب (7) أبواب أحكام العيوب و التدليس الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 476

..........

______________________________

على البائع، و ليس بيع البائع خصوصا مع غفلته عن الواقع و اعتقاده بكون المبيع له، اقداما منه على الضرر الحاصل من ضمان غرامة المشتري كما لا يخفى.

الأمر الثالث صحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجي ء مستحق الجارية قال يأخذ الجارية المستحق و يدفع اليه المبتاع قيمة الولد و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه «1».

فان الولد الحر إما من قبيل النفع الحاصل للمشتري، أولا، و على الأول يكون دلالتها على جواز رجوعه في الغرامة التي لم يحصل في مقابلها نفع بالفحوى و على الثاني تكون الغرامة المزبورة من القسم الثالث بل توصيف القيمة بالتي أخذت منه فيه إشعار بالعلية و ان الموجب لرجوع المشترى الى البائع هو أخذ المال منه.

أقول هذه الرواية لا دلالة لها على حكم المقام أصلا لا بالفحوى، و لا بغيرها و ذلك فان دفع قيمة الولد الى المالك حكم تعبدي، باعتبار كون الولد في الإنسان تابعا للأب فيكون الولد في المفروض حرا و ليس لمالك الأم إلا أخذ الأم و أجرة المثل لمنافعها التي استوفاها المشتري، أو

فاتت بيده، و إذا كان دفع القيمة حكما تعبديا فمن المحتمل ان يكون رجوع المشترى الى بائعها بتلك القيمة حكما تعبديا آخر، و اما ما ذكر من ان توصيف القيمة بالتي أخذت منه اشعار لعلة الحكم، ففيه من المحتمل ان يكون قوله عليه السّلام التي أخذت منه من قبيل تقييد القيمة، لا توصيفها، بان يكون المتعين الرجوع بتلك القيمة، لا قيمة الولد يوم الرجوع، و

______________________________

(1) الوسائل الجزء (88) الباب (14) من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث (5).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 477

و اما السكوت عن رجوع المشترى الى البائع (1) مع ان رواية زرارة ظاهرها عدم التمكن (2)

______________________________

قد قرر في بحث الأصول أنه لا دلالة في التقييد على علة الحكم، و لا يستفاد منه المفهوم.

(1) و عن صاحب الحدائق (ره) عدم جواز رجوع المشترى الى البائع بغير الثمن، من الغرامات، و علل ذلك بعدم ذكر جواز رجوعه إليه في صحيحة زرارة و رواية زريق و في الأولى رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها الى أرضه فولدت منه أولادا ثم ان أتاها من يزعم أنها له و اقام على ذلك البينة قال يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها «1» و أشار المصنف (ره) الى الجواب عنه، بأن رواية زرارة و رواية زريق «2» لا دلالة لهما على عدم جواز رجوع المشترى الى البائع، لأن السكوت أى عدم التعرض فيهما على جواز رجوع المشترى الى البائع الفضول بالغرامات باعتبار عدم كون الروايتين في مقام البيان من هذه الجهة، و انهما في مقام بيان وظيفة المشترى مع مالك المال، و

على تقدير دعوى إطلاقهما فيرفع اليد عنه بالتقييد الوارد في سائر الروايات و سائر ما دل على ضمان البائع الفضولي.

(2) و ذلك فان المفروض فيها شراء الجارية من سوق المسلمين و ظهور المالك بعد ما ولدت من المشترى أولادا و من الظاهر أن الأمة المبتاعة في السوق في ذلك

______________________________

(1) الوسائل الجزء (14) الباب 88 من أبواب النكاح العبيد الحديث (4).

(2) الوسائل الجزء (12) الباب (3) من أبواب عقد البيع الحديث (1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 478

لان الحاكم من الشارع ليس غارا (1) فالظاهر علم المشترى ببطلان قضاء المخالف (2)

______________________________

الزمان نظير بيع الحيوانات في السوق في زماننا هذا يكون من أشخاص مختلفة و ربما لا يكون البائع في يوم في السوق بايعا فيه بعد ذلك اليوم، فلا يمكن الظفر به خصوصا إذا كان ذلك بعد مدة طويلة قد انجبت فيها الأمة المبتاعة من مشتريها أولادا.

(1) أقول لا يمكن الالتزام بان الحاكم البائع المنصوب من قبل الشارع ليس بغار فإنه لا يعتبر في جريان قاعدة الغرور الخديعة و على الغار بان ما يدفعه الى الغير ليس بماله بل مال الغير، و لذا قالوا في مسألة من قدم طعام الغير للآخر ليأكله ان المالك إذا رجع الى الأكل فيرجع الأكل الى مقدمه للغرور، و لم يفصلوا بين ما كان مقدمه عالما بالحال أو مشتبها بان اعتقد ان الطعام له بل صرح بعضهم بالتعميم و عليه فالمشتري من القاضي في رواية زريق مغرور، غاية الأمر ليس على الحاكم غرم بان يعطى الغرامة من كيسه بل له الإعطاء من بيت المال، لما دل على ان خطاء القضاة في بيت مال المسلمين، و هذا على تقدير

القول برجوع المشترى الى البائع الفضولي في سائر المقامات.

(2) فيه منع ظاهر، فان ما ذكر في الرواية من رجوع المشترى الى مالك المعيشة فيما صرفه في إصلاحها، و دفع النوائب عنها قرينة على جهل المشترى ببطلان البيع و لو كان عالما بفساده لكان وضع يده على المعيشة المزبورة غصبا، و لم يكن له حق في الرجوع الى مالكها بالمال المصروف في إصلاحها، لأنه ليس لعرق الظالم حق.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 479

و يؤيده قاعدة نفى الضرر (1)

______________________________

و الحاصل ان الصحيح في الجواب عن الحدائق ما تقدم من ان غاية الأمر دلالة الروايتين على عدم ضمان البائع بالسكوت و الإطلاق في مقام البيان فيرفع اليد عن هذا الإطلاق بما تقدم.

(1) يعني يؤيد قرار الضمان على البائع بالإضافة إلى المنافع المستوفاة أيضا قاعدة نفى الضرر فان عدم ضمان البائع غرامة المشترى في تلك المنافع ضرر على المشترى و مجرد وصول العوض أى المنافع إلى المشتري لا يوجب ارتفاع عنوان الضرر عن عدم ضمان البائع نعم وصول العوض أى المنافع مع عدم غرور المشترى ينافي صدق الضرر.

و بهذا يظهر ضعف ما ذكر في الرياض من انه لا اعتبار لقاعدة الغرور فيما لا ينطبق على موردها، قاعدة نفى الضرر كما في المقام فان مع وصول عوض الغرامة إلى المشتري باستيفائه منفعة العين، لا ينطبق على غرامته عنوان الضرر.

أقول- قد ذكرنا فيما تقدم عدم جريان قاعدة نفى الضرر في المقام فلا نعيد و على تقدير جريانها تكون دليلا على قرار الضمان على البائع الفضولي، فلا وجه لذكرها تأييدا.

ثم انه (ره) ذكر لقرار الضمان على البائع في المقام، الإجماع و يظهر هذا من ملاحظة ما ذكروه في

نظير المقام، و هو رجوع آكل الطعام الى من قدمه إليه ليأكله و الاخبار الواردة في موارد متفرقة، كالواردة في ضمان شاهد الزور، و اما قاعدة الإتلاف فلا تكون مقتضاها قرار الضمان على البائع، لأن مورد قاعدة الإتلاف ما إذا كان المباشر كالالة بحيث يستند الإتلاف إلى السبب، كما إذا وضع في قرب متاع الغير نارا بحيث يضرب الريح العاصف النار على المتاع، و كذا إذا وضع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 480

..........

______________________________

السمن المنجمد في إناء مثقوب في الشمس، فاذابته بإصابتها، فإن إتلاف السمن يسند الى واضعه في الشمس، و تحسب أصابتها وسيلة لإتلافه و مثل ذلك ما إذا اعطى مال الغير بيد المجنون و الطفل الغير المميز فإن الإتلاف يستند الى الدافع و فيما نحن فيه لا يكون المشترى كالالة في إتلاف البائع و لو كان المتلف هو البائع دون المشترى، فلا يجوز رجوع المالك الى المشتري أصلا، كما هو مفاد قاعدة من أتلف، و القول باعتبار قوة السبب على المباشر فيه ما لا يخفى، فإنه لا دليل على اعتبارها ما لم يكن السبب مما ذكر من إسناد الإتلاف اليه، و كون المباشر كالالة كما في المكره بالفتح، فان الضمان على المكره بالكسر فيما لو أكره الآخر على إتلاف مال الغير.

أقول قد تقدم الكلام في دلالة الاخبار كما تقدم عدم جريان قاعدة نفى الضرر في المقام، و اما الإجماع الظاهر في مسألة من قدم طعام الغير إلى الأكل الجاهل بحال الطعام، فهو مسبوق بالسيرة العقلائية التي هي العمدة في ضمان التلف في اليد، و الإتلاف، و مقتضى تلك السيرة الالتزام بقرار الضمان على البائع في المقام و لكن بالإضافة إلى

المنافع التي قدمها البائع إلى المشتري بأن كان البائع مستوليا على تلك المنافع كسكنى الدار و قابلية الحيوان للركوب سواء استوفاها المشتري أم لا.

و اما مثل الثمرة المتجددة على الشجرة مما تكون المنافع من الأعيان المتجددة في العين فلا يجرى فيها السيرة المزبورة حيث ان هذه المنافع لم تكن في يد البائع ليكون دفعه العين إلى المشتري الجاهل بالحال تقديما لتلك المنافع اليه مجانا، بل لا يجوز للمالك الرجوع في تلك المنافع إلى البائع لعدم إتلاف البائع و عدم وضع يده عليها أصلا، فيتعين للمالك الرجوع فيها إلى المشتري

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 481

فيشبه المكره في عدم القصد (1)

______________________________

لإتلافه إياها كما في فرض الاستيفاء، أو وضع يده عليها كما في فرض عدم الاستيفاء.

و الحاصل سيرة العقلاء جارية على قرار الضمان فيما إذا كان الشخص المستولي على مال الغير مقدما ذلك المال الى آخر، أو الى مالكه، لإتلافه مجانا مع جهل المتلف بالحال، و اما في غير ذلك، فلا موجب لقرار الضمان على الغار، و من هنا ذكروا انه لو دخل دار الغير فأكل فيها طعاما ثم ظهران الطعام كان ملك الأكل و قد غصبه صاحب الدار، فلا ضمان على صاحب الدار بخلاف ما لو دخل داره فقدم اليه الغاصب ذلك الطعام فيكون الغاصب ضامنا.

ثم انه لا وجه لدعوى ان قرار الضمان على البائع في المقام، و على من قدم الطعام الى الجاهل بحاله، مختص بصورة علم البائع أو المقدم، حيث ان مقتضى السيرة المشار إليها عدم الفرق بين علمها، و جهلهما.

فتحصل من جميع ما ذكرنا ان المنافع التي كانت في يد البائع يكون قرار الضمان عليه سواء استوفاها المشتري أم

لا و بلا فرق بين جهل البائع بالحال و عدمه.

(1) لا يخفى ان المكره (بالفتح) على إتلاف مال الغير قاصد لإتلافه، فإنه لا يمكن الفرق بين المكره على المعاملة، و المكره على الفعل الخارجي، كالإتلاف و قد تقدم من المصنف (ره) ان المكره على المعاملة قاصد لها فكيف لا يكون المكره على الفعل الخارجي قاصدا له. بل لا يبعد الالتزام بان الضمان في مورد الإكراه على إتلاف مال الغير على المكره (بالفتح) حيث انه المتلف للمال، غاية الأمر ان جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 482

يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين (1)

______________________________

ذلك الإتلاف مقتضى الاضطرار و رعاية التزاحم، و لا يمكن نفى الضمان عن المكره (بالفتح) و إثباته للمكره (بالكسر) بحديث الرفع، فان الحديث المزبور لا يثبت حكما، و انما يرفع حكما يكون ثبوته مقتضى الخطابات الأولية مع الامتنان في رفع و لا امتنان في نفى الضمان عن المكره (بالفتح) حيث انه مساوق لذهاب مال المالك هدرا.

(1) ذكر (ره) ان المشترى يرجع الى البائع الفضولي بالزائد على الثمن المسمى لقرار ضمان تلك الزيادة عليه بمقتضى قاعدة الغرور، مثلا إذا كانت قيمة العين التالفة عشرين، و الثمن المسمى في عقد الفضولي العشرة و قد أخذ المالك العشرين من المشترى، فيرجع المشترى الى البائع بالعشرة الزائدة.

لا يقال- لا موجب لرجوعه إلى البائع بتلك الزيادة لإقدامه على ضمان العين التالفة غاية الأمر كان اقدام للمشتري على ضمانها بالثمن المسمى، و إذا لم يصح الضمان بالثمن المسمى يكون الضمان بالبدل الواقعي، كما هو الحال في جميع موارد فساد البيع، و مع اقدامه على الضمان لا يكون غرور، و الا كان قرار ضمان مقدار الثمن

المسمى ايضا على البائع.

فإنه يقال نعم المشترى مقدم على ضمان بإزاء الثمن المسمى و إذا لم يصح له هذا الضمان يكون ضمانها بالبدل الواقعي أي قيمتها السوقية فيصح للمالك الرجوع الى المشتري بتلك القيمة، و لكن رجوع المالك الى المشتري ليس لاقدام المشترى على ضمان العين بالقيمة السوقية، بل لان الشارع جعل اقدامه على الضمان بالثمن المسمى مع فساد العقد موجبا لضمان العين بها، و بما ان فساد البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 483

فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه أولى (1)

______________________________

في المقام ناش عن غرور البائع و كذبه في دعوى الملكية، يكون غرامة المشتري بالإضافة إلى الزائد على الثمن المسمى ناشئا عن غرور البائع، و لذا لو كان البائع صادقا في دعواه كان عليه تلف العشرة فقط دون الزائد.

و الى ذلك يشير (ره) بقوله، و الضمان المسبب عن هذا الإقدام، أي الضمان بالبدل الواقعي المسبب عن إقدام المشترى على الضمان المعاملي يكون لأجل فساد العقد و العقد مسبب عن غرور البائع، فيكون المترتب على فساد العقد، و هو ضمان العشرة الزائدة مستقرا على البائع الغار، أضف الى ذلك انه ليس الموجب لضمان المشترى العين التالفة بقيمتها السوقية في فرض فساد العقد هو اقدامه على ضمانها بالثمن المسمى ليتوهم عدم اجتماع هذا الاقدام مع الغرور بل سبب ضمان المشترى العين بتلك القيمة هو مقتضى وضع يده على مال الغير من غير ايتمان مالكي أو شرعي، و هذا السبب للضمان لا ينافي الغرور.

أقول لا يبتني الإشكال على كون الموجب لضمان المشتري، إقدامه على ضمان العين، ليجاب عنه بان الموجب له ليس هو الاقدام، بل وضع يده على مال الغير بلا ايتمان، بل

الاشكال هو ان الغرور مقتضاه قرار الضمان على البائع و إقدام المشتري مقتضاه عدم هذا القرار فلا يجتمعان حتى لو قيل بان الموجب لضمان المشترى هو وضع يده على مال الغير بلا ايتمان.

(1) اما جريان قاعدة الغرور فلما مر من كون المشترى مغرورا بالإضافة إلى العشرة الزائدة على الثمن و اما كونه اولى من رجوع المشترى ببدل المنافع المستوفاة فلان استيفاء تلك المنافع مع كونه نحو وصول العوض إلى المشتري لا يمنع عن رجوعه إلى البائع و يجرى ضمان زيادة القيمة السوقية في مورد تلف العين، و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 484

و لو تجددت بعده (1).

و الظاهر ان حكمه حكم المجموع (2).

و ان كان مما لا يقسط عليه الثمن (3).

______________________________

لا يكون معه اى وصول للعوض إلى المشتري فيكون رجوعه بغرامة المنافع إلى البائع مقتضيا لرجوعه إليه بغرامة العين بالفحوى.

(1) يحتمل كون الأولوية باعتبار أن إقدام المشترى على ضمان العين بالثمن المسمى في قوة إقدامه على ضمانها بقيمتها السوقية زمان العقد، حيث يكون الاشتراء بالثمن المسمى باعتقاد كونه مساويا للقيمة السوقية، و اما زيادة القيمة السوقية بعد ذلك الزمان فلا يتوهم الاقدام بالإضافة إليها كما لا يخفى.

(2) الظاهر ان تلف الجزء يكون نظير تلف المجموع فيما إذا كان الجزء مما يقسط عليه الثمن كما في بيع المن من الحنطة و اما ما لا يقسط عليه الثمن فحكمه حكم الوصف حيث يعد المبيع مع تلف ذلك الجزء معيوبا و يكون في الوصف قرار الضمان مع الغرور على البائع، لأن كلا من البائع و المشترى ضامن للوصف بضمان اليد، و يكون غروره موجبا لقراره على البائع، من غير أن يكون من المشترى اقدام

على ضمان الوصف بمقدار من الثمن كما لا يخفى.

(3) مراده أن الأوصاف التي لها دخل في صحة المبيع في مقابل كونه معيبا، فيقسط عليها الثمن، فيثبت لها حكم الاجزاء، و اما الأوصاف التي لا يكون لها دخل في صحة المبيع كوصف الخياطة فلا يقسط عليها الثمن، و يرجع المشترى في غرامة تلفها إلى البائع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 485

انما هو إذا كان البيع المذكور صحيحا من غير جهة كون البائع (1)

______________________________

أقول- لا يقسط الثمن حتى بالإضافة إلى الأوصاف التي لها دخل في صحة الشي ء، و لذا ذكر المصنف (ره) كغيره ان الأرش في مورد خيار العيب لا يكون جزء الثمن، بل هي غرامة تثبت على البائع بمطالبة المشترى و لا يقسط الثمن بالإضافة الى اجزاء المبيع أي اجزائه الخارجية، بأن يكون بعض الثمن بإزاء يد الحيوان، و بعضه بإزاء رجله و رأسه الى غير ذلك، بل يقسط على اجزائه المشاعة نعم لو كان المبيع مجموع من المتعدد بنظر العرف كالمن من الحنطة أو مصراعي الباب ينحل الثمن بالإضافة إلى أجزائه الخارجية أيضا كما مر.

(1) و حاصله انه لو كان البيع فاسدا من جهة كون بايعه غير مالك و من جهة أخرى أيضا كما إذا كان المبيع عينا غائبة لم توصف حال العقد بوصف رافع للجهالة، و فرض ان المشترى وضع يده عليها بعد البيع، و تلفت بيده فرجع المالك بها عليه، فان المشتري لا يرجع الى البائع بشي ء من الغرامات، لأنها لم تكن مسببة عن غرور البائع، و كذبه في دعواه مالكية العين، بل لو فرض صدقه في دعواه كانت تلك الغرامات على المشترى، غاية الأمر على تقدير صدقه يكون المستحق

لتلك الغرامات هو البائع، و على تقدير كذبه يكون هو المالك، فتكون الغرامات المزبورة من قبيل مساوي الثمن الذي تقدم عدم رجوع المشترى به الى البائع.

لا يقال- لازم ما ذكر من قاعدة الغرور عدم ضمان المشترى منافع المبيع و لو كان فساد البيع من غير جهة كون البائع فضوليا لأن البائع مقدم تلك المنافع إلى المشتري مجانا، لوقوع الثمن بإزاء المبيع، لا المنافع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 486

فان قلت كلا من البائع و المشترى (1) و يمكن ان يكون نظير ذلك ضمان المال على طريقة الجمهور (2)

______________________________

فإنه يقال نعم لا يقع الثمن بإزاء المنافع الا ان المعتبر في قاعدة الغرور جهل المقدم عليه بحال المال، و المفروض علم المشترى ببطلان تقديم المنافع لان تقديمها يتبع البيع الفاسد، بل لو فرض جهله بفساده لما كان الجهل بحكم الشرع موجبا للغرور من البائع كما لا يخفى.

(1) الاشكال هو ان كلا من البائع الفضول و المشترى باعتبار جريان يدهما على العين ضامن للمالك، و لذا يجوز له الرجوع الى اى منهما و يبقى في البين وجه رجوع البائع إلى المشتري فيما إذا رجع المالك الى البائع، حيث أن تلف المال بيد المشترى لا يصلح لكونه موجبا لذلك.

نعم لو أتلف المشتري العين فيمكن القول برجوع البائع إليه فيما إذا دفع البدل الى المالك، باعتبار ان إتلاف المشتري العين كما أنه إتلافها على المالك كذلك إتلاف للغرامة المزبورة على البائع.

(2) حيث ان ضمان الدين على مذهب الخاصة عبارة عن نقل الضامن الدين عن ذمة المديون الى ذمته بحيث لا يجوز للدائن بعده مطالبة المديون بذلك الدين بل يتعين عليه الرجوع الى الضامن، غاية الأمر لو وفى

الضامن بالدين يكون له الرجوع الى المديون، و على ذلك فلا يكون اشتغال ذمم متعددة للمالك الدائن.

و هذا بخلاف الضمان على مذهب الجمهور حيث ان الضمان عندهم عبارة عن ضم ذمة إلى ذمة المديون، بان كان المشغول للمالك الدائن ذمة المديون.

و بالضمان يشتغل له ذمة الضامن ايضا، و لكن تملك الدائن ما على الذمتين على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 487

[تعاقب الأيدي بمال الغير]

ضمان عهدة العوضين (1)

______________________________

البدل، و يلزم على ما عليه الجمهور جواز رجوع المالك الى كل من المديون و الضامن.

(1) المراد أن يضمن أحد عن المشترى للبائع، بأنه إذا ظهر بطلان البيع بكون الثمن ملك الغير، فعليه مع تلف المبيع بيد المشترى، بدل ذلك المبيع، و هذا هو المراد بضمان عهدة المبيع للبائع، أو يضمن أحد عن البائع للمشتري، بأنه إذا ظهر فساد البيع بكون المبيع ملك الغير فعليه مع تلف الثمن في يد البائع عوض ذلك الثمن، و هذا هو المراد بضمان عهدة الثمن للمشتري، و يكون في ضمان عهدة المبيع كل من المشترى و الضامن المزبور ضامنا للبائع، فله مع تلف المبيع بيد المشترى، الرجوع الى كل منهما، كما يكون في صورة ضمان عهدة الثمن للمشتري الرجوع الى البائع و الضامن المزبور.

أقول الضمان في الأعيان المضمونة هو ان يضمن أحد للمالك تلف العين التي يأخذها الآخر بيد ضمان كمن ضمن للمالك تلف العين المستعارة التي يأخذها المستعير مع الضمان كما في عارية الذهب و الفضة، و على ذلك فيجوز للمالك الرجوع مع تلف العين الى الضامن ايضا و لا يخفى ان هذا الضمان و ما تقدم من ضمان عهدة المبيع أو الثمن من قبيل ضمان العين الخارجية، لا من

قبيل ضمان الدين لينتقل الدين إلى ذمة الضامن، فللمالك الرجوع في الموردين الى الضامن و الى من تلف المال بيده، اما الرجوع الى من تلف المال بيده فلضمان اليد و اما الرجوع الى الضامن فإنه مقتضى وجوب الوفاء لعقد الضمان، و لكن ظاهر كلام الأصحاب لا يساعد على رجوع المالك الى من تلف المال بيده بل ما دامت باقية، فله الرجوع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 488

و ضمان الاثنين لواحد (1)

______________________________

الى من بيده العين، و مع تلفها أو عدم إمكان أخذها عمن بيده يرجع الى الضامن.

(1) ينبغي فرض ضمان الاثنين لواحد على سبيل الاستقلال فيما إذا كان كل منهما ضامنا في زمان واحد ليكون شمول ما دل على مشروعية الضمان بالإضافة إليهما على حد سواء، و الا فلا بد من الحكم ببطلان الثاني، لأن مع الضمان أو لا ينتقل المال إلى ذمة الضامن، فلا يبقى للدائن مال بذمة المديون ليضمنه الآخر و المتحصل ان كلا من المتعددين يصح ان يضمن للمالك فيجوز له الرجوع الى اى منهم، و لكن إذا رجع الى واحد منهم سقط حقه عن الباقين حيث انه ليس له الا مال واحد و قد تسلمه بأخذ بدله فيكون الرجوع الى الآخرين بلا موجب و اما تنزيل هذا الضمان على الواجب الكفائي و انه كما يجب فيه الفعل على كل من المكلفين ما دام لم يحصل طبيعي الفعل، كذلك ثبوت البدل على عهدة كل من المتعددين ما دام لم يدفع البدل الى المالك فلا يخلو عن المناقشة فإن لازمه ان يتعين البدل بالجميع فيما إذا كان أداء الجميع دفعة واحدة اللهم الا ان يقال المملوك للمستحق طبيعي البدل المقيد

بالوحدة لا طبيعي البدل و مع أخذ البدل من المتعددين يكون ملك المستحق بالإضافة إلى الأموال المأخوذة من الكلي في المعين فيختار فردا واحدا و عليه رد الباقي الى أربابه.

و الحاصل المتصور من ضمان الأشخاص المتعددة أنحاء ثلاثة:

الأول- ان يكون ضمان كل واحد من الأشخاص مشروطا بعدم أداء الآخرين البدل نظير ما يذكر في الواجب الكفائي من وجوب طبيعي الفعل على كل واحد من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 489

..........

______________________________

المكلفين ما لم يحصل ذلك الطبيعي في الخارج من الآخرين و لا يلزم ما أشرنا إليه من استحقاق المالك جميع ما دفع اليه بعنوان البدل فيما إذا كان الدفع من الكل دفعة واحدة.

الثاني- ان يكون الضامن الأول مديونا بالبدل بان يثبت البدل بذمته و يكون الثاني ضامنا لأدائه بمعنى انه لو لم يؤد الضامن الأول البدل، يثبت المال بذمته فعليه أدائه و هكذا و لازم ذلك عدم تخيير المالك في الرجوع الى كل واحد منهم، بل له الرجوع الى الثاني مع عدم تمكنه على الاستيفاء من الأول أضف الى ذلك ان دليل الضمان في كل من الأشخاص هي قاعدة اليد و لا يمكن ان يختلف مفادها بالإضافة إلى الضامنين.

الثالث- ان يقال ضمان المال ليس على كل واحد واحد من المتعددين بل يثبت البدل الواحد على الكلى الصالح في انطباقه على كل واحد من المتعددين و بتعبير آخر كما يمكن كون الجامع بين المتعددين مالكا للمال كما في ملك الزكاة لطبيعى الفقير و سهم السادات لطبيعى الهاشمي الفقير فيصح لكل واحد من الافراد أخذ ذلك السهم كذلك يمكن ان يثبت ملك المال للشخص على عهدة الجامع بين المتعددين فيصح لذلك الشخص أخذ ذلك

المال من أى من المتعددين.

و لكن مفاد قاعدة على اليد ضمان كل من وضع يده على مال الغير لا ضمان الجامع بينهم فالأظهر في المقام هو النحو الأول فتدبر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 490

و اما حال بعضهم بالنسبة إلى البعض (1).

______________________________

(1) ما ذكر قبل ذلك، كان حال الأشخاص المتعاقبة أيديهم على العين بالإضافة إلى المالك في انه إذا ادى اليه بدل تلك العين أحدهم يسقط البدل عن ذمة الباقين اى لا يكون للمالك حق في الرجوع إليهم، و اما حال بعضهم بالإضافة إلى الآخرين منهم في جواز رجوع مؤدى البدل الى غيره فحاصل الكلام فيه انه إذا كان المؤدى هو الذي تلف العين بيده فمع عدم كونه مغرورا كما هو الفرض لا يرجع الى غيره و إذا لم يكن تلفها بيده، فله ان يرجع الى كل من تسلم العين منه و لو بالواسطة الى ان يستقر الضمان على من تلف العين بيده.

و ذكر (ره) في وجه ذلك ان من وضع يده على العين ابتداء يكون ضمانه العين قبل ضمان من تسلمها منه كما هو مقتضى ضمان اليد فتكون العين بيد السابق موصوفة بوصف و هو كون العين ذات بدل و إذا تسلم الثاني العين من السابق يكون ضامنا بتلك العين مع أوصافها التي منها الوصف الحادث فيها بيد السابق و مرجع ضمان العين و وصفها المزبور هو ضمان تلك العين أى المبدل و الوصف اى بدلها الثابت بذمة السابق على سبيل البدل و التخيير، حيث لا يمكن ان يكون اللاحق ضامنا للعين فقط، دون وصفها اى البدل الثابت بذمة السابق و الا لخرج البدل الذي يثبت بذمة اللاحق عن كونه بدلا

للعين المزبورة حيث يجب ان يكون الثابت بذمة الآخر بدلا عن العين و أوصافها.

و المتحصل ان ما يدفعه اللاحق تدارك للعين الموصوفة أي التي استقر تداركها بذمة السابق بخلاف ما يدفعه السابق، فإنه تدارك لنفس العين معينا، إذ لم يثبت بدلها بذمة أحد قبل أخذه، ليكون ضامنا لذلك البدل ايضا بنحو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 491

..........

______________________________

ما ذكر.

ثم إذا أدى اللاحق البدل الى المالك سقط تدارك السابق لان ضمان اللاحق العين و بدلها الذي كان بذمة السابق تخييري بأن كان ضمان العين للمالك و ضمان بدلها للسابق و لا يجوز للسابق مطالبة اللاحق بالبدل قبل أدائه إلى المالك لان ضمان اللاحق بذلك البدل للسابق من باب الغرامة لا الدين لذلك السابق و يكون حال الضامن الأول مع الثاني حال الضامن مع المضمون عنه في عقد الضمان، في انه كما لا يجوز للضامن قبل أداء المال إلى الدائن مطالبة المضمون عنه كذلك لا يجوز للضامن الأول في المقام قبل أدائه البدل الى المالك مطالبة الضامن اللاحق.

أقول لا يصلح ما ذكر (ره) وجها لرجوع السابق الى اللاحق، اما أولا فلان الأوصاف المضمونة هي التي يكون لها دخل في مالية العين و ثبوت البدل لها بذمة السابق لا يوجب زيادة ماليتها أو نقصها.

و ثانيا فلان ضمان الأوصاف باعتبار ان وضع اليد على العين وضع لليد على الأوصاف و اللاحق في المقام لا يضع يده على البدل الثابت بذمة السابق ليكون ضامنا له.

و ثالثا فلانه على تقدير وضع يده على البدل المزبور فاللازم ان يكون ضامنا بذلك البدل للمالك للعين و الوصف و لا موجب لضمان اللاحق لأحد شخصين، بأحد أمرين.

و رابعا فلانه لا موجب

لتقدم ضمان السابق على اللاحق فان ضمان العين بمعنى ثبوت البدل على العهدة يحصل بتلفها و قبل التلف لا يثبت البدل لا على ذمة السابق و لا على ذمة اللاحق و مع تلفها يثبت البدل على عهدة كل منهما في زمان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 492

و ربما يقال (1)

______________________________

واحد.

اللهم الا ان يقال ان زمان ثبوت البدل بالذمة هو زمان الاستيلاء على العين غاية الأمر يكون استقرار ذلك البدل مشروطا بتلف العين بنحو الشرط المتأخر و على ذلك فيكون ضمان اللاحق بمعنى ثبوت البدل بذمته بعد ضمان السابق و لكن اعتبار التلف بنحو الشرط المتأخر غير ظاهر من أدلة الضمان.

(1) القائل صاحب الجواهر و حاصل ما ذكره (ره) ان رجوع من لم يتلف العين بيده الى من تلفت بيده باعتبار أن البدل ثابت بذمة من تلف العين بيده فقط غاية الأمر يجوز للمالك إلزام السابق بأداء ما يملكه بذمة من تلف العين بيده و إلزامه بذلك مقتضى وضع يده على ملك الغير عدوانا.

ثم ان السابق بأدائه البدل الى المالك يملك ما للمالك بذمة اللاحق بالمعاوضة القهرية أى المعاوضة التي لا توقف على الإنشاء و القصد.

و أورد المصنف (ره) على هذا الوجه بأمور الأول- ان موجب الضمان على السابق و هو حديث على اليد و دلالته على الضمان عليهما على حد سواء فان كان الضمان على اللاحق بمعنى ثبوت البدل على عهدته يكون كذلك في السابق أيضا.

الثاني- ان الفرق بين الخطاب بالأداء و الخطاب الذمي غير واضح فان ثبوت البدل بالذمة (و هو الحكم الوضعي) يكون يتبع التكليف بالأداء.

الثالث- ان الفرق بين السابق و اللاحق بثبوت البدل على اللاحق و عدم

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 493

..........

______________________________

ثبوته على السابق خلاف الإجماع فإن إجراء أحكام الدين على ما بذمة السابق أيضا من تقديمه على الوصايا و ضربه مع الغرماء و جواز مصالحة المالك مع السابق على ما بذمته متسالم عليه عندهم.

الرابع- ان تملك السابق البدل على اللاحق بلا موجب لعدم وقوع المعاوضة الاختيارية مع المالك و لا دليل على المعاوضة القهرية و بتعبير آخر أداء السابق ما على اللاحق الى المالك نظير أداء شخص دين الآخر في ان المؤدى لا يملك على المديون غاية الأمر أداء دين الغير في سائر المقامات مستحب، و في المقام واجب على السابق.

و الخامس- ان لازم ما ذكر عدم جواز رجوع السابق بعد أداء البدل الأعلى خصوص من تلف العين بيده لا الى كل من تسلمها منه و ان لم تتلف بيده حيث ان البدل الذي ملكه السابق بالمعاوضة القهرية ثابت بذمة من تلف العين بيده دون الآخرين.

أقول الصحيح في وجه استقرار الضمان على من تلف المال بيده ما ذكرنا سابقا من أن دفع الضامن البدل الى المالك معاوضة قهرية بين ذلك البدل و العين التالفة حيث ان عمدة الدليل على الضمان في موارد ضمان اليد هي السيرة الدارجة بين العقلاء و مقتضاها حصول المعاوضة المزبورة بالدفع و لذا لا يكون للمالك بعد تسليم البدل طلب بقايا العين و عليه ففي مورد تعاقب الأيدي على العين و تلفها يجوز لدافع البدل مطالبة ذلك البدل من كل من تسليم العين منه و لو بالواسطة الى ان يستقر الضمان على من تلف العين بيده باعتبار وضع كل منهم يده على تلك العين و لكن لا يجوز له الرجوع الى سابقه لان

السابق قد دفع تلك العين اليه قبل ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 494

غرم للمالك بدل الحيلولة (1)

______________________________

فلا يكون لضمان السابق موجب و ربما يقال كما عن بعض الأجلاء العظام ان المبادلة القهرية أمر لا أساس له عند العقلاء و انما ذكرها بعض المتأخرين و لعل احتمالها قد نشأ من تعبير الأصحاب عن الغرامة بالبدل حيث لا يعقل كون المعدوم حال عدمه ملكا لصاحبه أو ملك الغارم.

و فيه انه قد تقدم في توضيح الكشف الحكمي في اجازة المالك إمكان كون شي ء في زمان ملكا لواحد و في ذلك الزمان بعينه ملكا لاخر مع تعدد زمان الاعتبار و عليه فقبل دفع الضامن الأول البدل يعتبر التالف ملكا للمالك في زمان طريان التلف عليه و بعد دفعه البدل يعتبر ذلك التالف في ذلك الان ملكا للضامن و المصحح لذلك الاعتبار ترتب الأثر عليه، من ملك الضامن بقايا التالف و رجوعه الى الضامن الثاني.

و يشهد لذلك ملاحظة فسخ البائع البيع بالخيار المشروط له مع تلف المبيع في يد المشتري فإنه قبل الفسخ يكون المبيع زمان طريان التلف عليه ملك المشترى و بعد الفسخ يعتبر ذلك المبيع في ذلك الان ملك البائع و لذا يرجع اليه ببدله كما لا يخفى.

(1) يعني إذا لم يمكن انتزاع العين ممن تكون بيده يغرم من رجع اليه المالك، بدل الحيلولة.

أقول قد ذكرنا سابقا انه لا أساس لبدل الحيلولة، بل ان كانت العين بحيث تعد تالفة فللمالك الرجوع الى الضامن بالبدل، و الا فعليه الصبر ليتمكن الضامن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 495

نعم ليس للمالك أخذ مؤنة الاسترداد (1)

______________________________

أو هو على استرداد العين غاية الأمر يكون

له عوض المنافع الفائتة، كما تقدم، كما انه بعد أخذ المالك البدل للعين لا يستحقها فيما إذا اتفق إمكان استردادها مستقبلا لحصول المبادلة قبل ذلك.

(1) لا يبعد ان يكون للمالك ذلك فيما إذا لم تكن الأجرة المزبورة زائدة على اجرة المثل، لا مع زيادتها، لان العين له، فلا يجوز للآخرين التصرف فيها و لو بالاسترداد المزبور، و عمل المالك محترم فيستحق الأجرة عليه، نعم إذا كانت الأجرة زائدة على أجرة المثل فلا تتعين تلك الزيادة على الضامن فإنه مقتضى حديث نفى الضرر و لا يعارض بضرر المالك فان عدم استحقاق المالك تلك الزيادة من قبيل عدم النفع و لا يكون ضررا عليه.

و بهذا يظهر الحال فيما إذا لم يتمكن على الاسترداد غير المالك و طلب من الضامن الزائد على الأجرة المتعارفة فان في الفرض مقتضى حديث نفى الضرر عدم وجوب الاستجابة لتلك الزيادة.

و ظهر ايضا انه لو تمكن الضامن على استرداد العين من غير صرف المال و طلب المالك أجرة المثل ليباشر باستردادها يكون وجوب القبول مقتضى حرمة التصرف في مال الغير بلا اذن مالكه، و احترام عمل ذلك المالك و اللّه سبحانه هو العالم.

ثم انه بقي في المقام أمر و هو انه لو ابرء المالك أحد الأشخاص المتعاقبة أيديهم على المال التالف فهل يسقط حق المالك بمطالبة البدل عنه فقط أو لا يبقى له بعد ذلك حق بان يطالب البدل عن السائرين الأظهر هو الثاني، لأن المال بدل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 496

[بيع ملكه مع ملك غيره بصفقة]
اشارة

الظاهر ان حكمه حكم بيع ما يقبل (1) لظهور الإجماع (2) مضافا الى صحيحة الصفار (3)

______________________________

واحد و ذلك البدل ثابت على كل من الأشخاص المتعددة بحيث

يصح له مطالبة اى منهم بذلك البدل و لا يبعد ان يكون جواز المطالبة من حقوق المالك، بحيث له ان يسقطه عن أحد مع إبقاء البدل بذمته كما يشهد بذلك جواز تأجيل الدين بالاشتراط، فبالجملة للمالك ان يسقط حق مطالبته عن أحد مع بقاء المال على عهدته، و لكن إذا أسقط المال عن عهدته، فهو مساوق لاستيفاء ذلك البدل، و قد تقدم ان مع استيفاء البدل من أحدهم يسقط البدل عن عهدة الآخرين، و انه لا يبقى له دين على عهدة الآخرين كما لا يخفى.

(1) وجه الظهور عدم احتمال الفرق بين ما إذا باع ملكه مع غيره بصفقة واحدة و بين ما إذا باع ما يقبل الملك مع مالا يقبله بثمن واحد في صفقة واحدة.

(2) تعليل للحكم بالصفحة بالإضافة الى ما يقبل الملك فيما إذا باعه مع ما لا يقبله.

(3) يعنى مضافا الى عدم احتمال الفرق بين المسألتين يدل على الحكم في المقام صحيحة الصفار «1» فان قوله عليه السّلام فيها و وجب الشراء فيما يملك وارد فيما إذا باع مملوكه

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12 الباب (2) من أبواب أحكام العقد البيع الحديث (1) ص 252

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 497

نعم لو لا النص و الإجماع (1)

______________________________

مع غيره بصفقة واحدة كما لا يخفى.

(1) يعنى لو لم يكن في البين صحيحة الصفار و الإجماع على الصحة في المسألة الاتية مع ملاحظة عدم الفرق بين المسألتين في الحكم، لأمكن المناقشة في صحة البيع بالإضافة إلى ملك البائع بما يأتي في المسألة الاتية من ان مع اجراء البيع على المجموع بثمن واحد، لا يكون تبعيضه و الحكم بصحته بالإضافة إلى ملك البائع، مقتضى إطلاق

دليل الإمضاء حيث أن نقل بعض المثمن لا يكون مقصودا إلا في ضمن نقل المجموع بمجموع الثمن.

أقول التبعيض و الحكم بالصحة بالإضافة إلى ملك البائع أو ما يقبل الملك لا يحتاج إلى الإجماع، أو النص، بل- انحلال البيع بالإضافة الى أجزاء المبيع يعني أجزائه المشاعة على الإطلاق، و أجزائه الخارجية فيما إذا كان بنظر العرف من بيع المجموع من الشيئين كما ذكرنا سابقا- مقتضاه دخول كل من البيوع الانحلالية في دليل الإمضاء على الاستقلال كما في انحلال الموضوع في سائر الخطابات بالإضافة إلى أفراد ذلك الموضوع، و هذا بناء على عدم تمام بيع الفضولي بإجازة المالك.

و اما بناء على تمامه بها، فلا ينبغي الريب في صحته بالإضافة إلى ملك الآخر أيضا مع أجازته، و بالإضافة إلى ملك البائع مع عدمها غاية الأمر مع صحة البيع في بعض ما جرى عليه العقد فقط يثبت للمتبايعين مع جهلهما بان بعض ما جرى عليه البيع ملك الغير أو لا يقبل الملك، خيار تبعض الصفقة الذي مرجعه الى خيار تخلف الشرط على ما يأتي في بحث الخيارات إنشاء اللّه تعالى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 498

بما سيجي ء في بيع ما يملك و ما لا يملك (1) فإنه كما لو تبين بعض المبيع غير مملوك (2) مقيد في بعض الكلمات بما إذا لم يتولد (3)

______________________________

و نظير جهل البائع ما لو كان بيعه بدعوى وكالته في المال الآخر و أنكرها مالكه فإنه يثبت في الفرض للبائع أيضا خيار تبعض الصفقة و إذا كان البائع أو المشتري عالما بالحال فلا مجال لثبوت الخيار له و لعل كلام الغنية الذي نفى الخيار للبائع يراد به صورة علمه بالحال و كلام

الشيخ (ره) في الخلاف الذي قوي ثبوته له ناظر إلى صورة جهله بالحال.

و اما صحيحة الصفار فان كان المراد بالوجوب فيها اللزوم فمقتضاها عدم ثبوت الخيار لا للبائع و لا المشترى حيث ذكر فيها (وجب الشراء من المالك) و هو غير وجوب الشراء على المالك و لكن الظاهر و لا أقل من الاحتمال بان المراد هو ثبوت البيع فلا ينافي كونه خياريا.

(1) بالبناء للمفعول أى بيع ما يقبل الملك مع ما لا يقبل الملك.

(2) بان كان البائع معتقدا بأن المبيع بتمامه ملكه، ثم ظهر خلاف اعتقاده و ان بعضه مملوك الغير، فان مع رد ذلك الغير البيع في ماله، يصح البيع بالإضافة إلى ملك البائع.

أقول لا يحتمل الفرق بين المقام و ظهور بعض المبيع ملك الغير بل ظهوره ملك الغير من فروض المسألة فلا وجه للاستشهاد للحكم بالصحة في المسألة بالصحة في ذلك الفرض.

(3) كما إذا باع دينارين و درهمين، بدينار و درهم، فإنه يكون صحة هذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 499

..........

______________________________

البيع، و عدم لزوم الربا، باعتبار وقوع كل جنس بإزاء مخالفه، فيكون بيع الدينارين بدرهم، و بيع الدرهمين بدينار، و هذا مستفاد من بعض الروايات الواردة في الفرار من الربا، و إذا ظهر في المثال كون الدينار المنضم الى الدرهم ملك الغير تكون المعاملة بالإضافة إلى الدرهم ربوية، حيث يقع بإزائه أزيد من الدرهم الواحد.

لا يقال مقتضى وقوع كل جنس بإزاء مخالفه لتصحيح المعاملة، صحة بيع الدينارين بالدرهم و بطلان بيع الدرهمين بالدينار، و لا يلزم من ذلك ربا.

فإنه يقال انحلال المبادلة إلى مبادلتين كما ذكر لم يكن من قصد المتعاملين بل بالتعبد المستفاد من بعض الروايات، و لذا

تصح المبادلة فيما إذا قصد مبادلة المجموع بالمجموع و على ذلك فلو تم البيع بالإضافة إلى مجموع العوضين يكون مقتضى تلك الرواية وقوع كل جنس بإزاء مخالفة، فلا ربا، و اما مع فساد البيع في بعض العوضين و لو بظهور كونه ملك الغير، فلا موجب للقول بوقوع الجنس المملوك لبائعه بإزاء مخالفه، فان الوقوع كذلك اما بقصد المتعاقدين، أو بالتعبد، و المفروض انتفاء الأول، و ورود التعبد في صورة صحة البيع في الضميمة.

و ربما يقال ان ضم مال الغير للفرار من الربا غير مفيد حتى مع اجازة مالك تلك الضميمة. و كذا في مسألة بيع العبد الآبق، و ذلك فان كلا من المالكين يكون بائعا بالإضافة إلى ماله فقط و مكلفا بالوفاء ببيعه، فيكون البائع مع كون الضميمة ملك الغير بايعا ماله بجنسه مع الزيادة، مثلا إذا باع دينار غيره منضما الى درهمه بخمسة عشر درهما، و فرض ان الدينار يساوى عشرة دراهم فيكون بيع درهمه بالأزيد من الدرهم، كما يكون بيع الآخر ديناره بالأزيد من عشرة دراهم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 500

[تقسيط الثمن على المالين]

و طريق معرفة حصة كل منهما من الثمن (1)

______________________________

أقول قد ذكرنا أن ظاهر الروايات الواردة في الفرار من الربا، وقوع درهم واحد بإزاء درهمه، و الباقي و هي أربعة عشر بإزاء الدينار، فلا ربا مع التعبد بالانحلال بهذا النحو و لم يذكر في تلك الروايات الا اعتبار الضميمة، لا اعتبار كونها ملك البائع أيضا.

نعم ناقش صاحب الجواهر (ره) في استحقاق مالك الدرهم درهما و مالك الدينار أربعة عشر درهما، و لكن لا لاعتبار ملك البائع الضميمة بل مناقشته مع الالتزام بصحة البيع، و ايضا لا وجه لاعتبار ملك

الضميمة في مسألة بيع العبد الآبق فإنه و ان ذكر في بعض الروايات ان الضميمة باعتبار أنه لو لم يظفر المشترى بالآبق يكون قد وصل إليه بإزاء ثمنه تلك الضميمة، الا ان المراد ان لا يخرج تمام الثمن عن ملكه بلا عوض أصلا، و لا يقتضي ذلك اعتبار كون الضميمة ملك بايع العبد و تملكها منه.

(1) ذكر (ره) في تعيين حصة البائع من الثمن مع اجازة المالك و عدمها، ان يقوم كل من مال البائع و المال الآخر منفردا، و يجمع قيمتها، و يلاحظ نسبة قيمة كل الى ذلك المجموع فيؤخذ من الثمن المسمى بتلك النسبة مثلا إذا كانت القيمة لمال البائع أربعة دراهم و القيمة السوقية للمال الآخر ثمانية، يصير مجموعهما اثنى عشر درهما فتكون قيمة ما للبائع ثلث المجموع، و لو فرض ان الثمن المسمى ستة دراهم فيستحق البائع منه الثلث، يعنى درهمين، و يجرى هذا حتى فيما إذا كان للهيئة الاجتماعية دخل في زيادة القيمة السوقية كمصراعي الباب، و الى هذا النحو من التقسيط يشير ما في الإرشاد من انه يقسط المسمى على القيمتين أى على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 501

و لعله ايضا مرجع ما في الشرائع و القواعد (1)

______________________________

القيمة السوقية لمال البائع و القيمة السوقية للمال الآخر فإن تقسيط الثمن المسمى عليهما لا يكون الا بما ذكر.

(1) ذكر في الشرائع و القواعد و اللمعة في تعيين حصة البائع من الثمن، انه يقومان معا، ثم يقوم أحدهما و لعل المراد بذلك ايضا ما تقدم من تقوم كل من المالين منفردا ثم جمع القيمتين و تعيين نسبة أحدهما إلى المجموع و الأخذ من الثمن المسمى بتلك النسبة.

و يؤيد

كون المراد ما ذكر تفسير جامع المقاصد عبارة الإرشاد بما في الكتب المزبورة و لكن للمناقشة في ذلك مجال واسع فان ظاهرها تقويم المالين معا ثم تقويم أحدهما منفردا و تعيين النسبة بين قيمة أحدهما منفردا و قيمة كليهما معا، و الأخذ من الثمن المسمى بتلك النسبة، مثلا إذا كان المبيع مصراعي الباب و قوم المصراعان معا بعشرة دراهم و قوم أحد المصراعين بدرهمين تكون النسبة بين قيمة أحدهما منفردا و قيمة كليهما معا الخمس، و لو فرض الثمن المسمى خمسة دراهم فيرجع المشترى الى البائع بخمس الثمن، اى بدرهم واحد و يبقى للبائع أربعة دراهم بإزاء مصراع واحد و الوجه في ظهور عبارة الكتب في ذلك ان المذكور فيها تقويم أحدهما بعد تقويم المالين و هذا لا يكون إلا إذا كان تقويم المالين بتقويمهما معا.

و هذا بخلاف الطريق السابق فإنه عليه يكون للبائع نصف المسمى اى درهمان و نصف و يرجع المشترى بنصفه الآخر لأن النسبة على الطريق المزبور بين قيمة أحدهما و مجموع القيمتين هو النصف.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 502

فان الالتزام هنا بالنسبة المذكورة يوجب الجمع (1) فان قلت ان المشترى إذا بذل (2)

______________________________

(1) و لكن لا يلزم الجمع بين العوض و المعوض على التقسيط الذي ذكره (ره) بل بناء عليه يرجع المشترى بنصف الثمانية باعتبار ان قيمة كل من الجارية و أمها على الانفراد عشرة فيصير مجموع قيمتها عشرين و النسبة بين قيمة إحداهما أي العشرة و المجموع هو النصف، و لكن ينبغي أن يعد هذا الفرض على تقدير اتفاقه اشكالا ايضا على التقسيط الذي ذكره (ره) و استظهره من عبارة الإرشاد و غيره حيث لا وجه

لاستحقاق البائع أربعة دراهم مع كون ملكه مساويا لتمام الثمن المسمى.

(2) و حاصله ان المتعين في طريق تقسيط المسمى هو ما ذكر في الشرائع و القواعد و اللمعة، و لكن ينبغي أن يكون المراد بأحدهما في قولهم (يقومان جميعا ثم يقوم أحدهما) هو مال البائع و انه إذا قوم المالان ثم قوم مال البائع منفردا و عين النسبة بينهما يكون البائع مستحقا من المسمى بتلك النسبة كما إذا قوم الباب بمصراعيه بعشرة دراهم و قوم مال البائع بدرهمين و النسبة بين الدرهمين و العشرة هي الخمس فيستحق البائع درهما في فرض كون المسمى خمسة دراهم و الوجه في تعيين التقسيط بهذا النحو هو جريان البيع على المالين مع الهيئة الاجتماعية و ما تم بيعه هو مال البائع منفردا.

و على ذلك يستحق البائع في مثال الأمة و أمها تمام الثمانية لأنه لا قيمة للهيئة الاجتماعية و لا يلزم من استحقاق الثمانية الجمع بين العوض و المعوض هذا.

و لكن ما ذكر غير صحيح، و ان البائع في بيع مصراعي الباب، يستحق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 503

[و لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار]
اشارة

و لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار (1)

______________________________

نصف الثمن المسمى و الوجه في ذلك ان الهيئة الاجتماعية من قبيل الأوصاف، و الأوصاف لا تقع بإزائها الثمن ليقسط عليها كتقسيطه على المالين و هذا في الضمان المعاوضي و اما في ضمان اليد فالأوصاف و منها الهيئة الاجتماعية تدخل في الضمان و يكون تلف الوصف في يد الغاصب كتلف نفس العين مضمونا عليه.

أقول- بالتأمل في جميع ما تقدم يظهر انه يعتبر في تقسيط الثمن على المالين تقويمهما حال بيعهما اجتماعا ثم تقويم ملك البائع منفردا

في فرض عدم اجازة مالك الآخر البيع في ماله و ان البائع يستحق من الثمن المسمى بتلك النسبة كما انه يقوم مال البائع بلحاظ بيعه منضما الى المال الآخر في فرض اجازة مالك المال الآخر، فإن عدم ضمان الهيئة الاجتماعية كسائر الأوصاف بضمان معاوضي، ليس مقتضاه تقويم كل من المالين منفردا مع دخالة الهيئة الاجتماعية في زيادة الثمن كما لا يخفى.

(1) و حاصله لو فرض اشتراك الاثنين أو الأزيد في عين بنحو الإشاعة كما إذا كانت الدار مشتركة بينهما بالمناصفة و باع أحدهما نصفها فان علم إرادة البائع بيع حصته شريكه أو الإشاعة بين الحصتين فلا كلام، و اما إذا لم يقصد الا مدلول قوله بعت نصف تلك الدار بكذا و فرض قبول المشترى ذلك المدلول، فهل ينتقل إلى المشتري تمام حصة البائع من تلك الدار أو يكون المبيع نصف كل من حصتي البائع و شريكه، فيكون البيع المزبور نافذا بالإضافة الى نصف حصة البائع، و فضوليا بالإضافة الى نصف حصة شريكه، احتمالان.

و يقتضي الأول ظهور النصف و انصرافه في مقام التصرف الى ما ينفذ فيه تصرف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 504

..........

______________________________

البائع و لكن هذا الظهور معارض بظهور النصف في نفسه في الإشاعة بين الحصتين كما انه معارض بظهور بيع البائع في كونه بالأصالة.

و بالجملة ان البيع بالإضافة الى نصف حصة البائع محرز، و اما بالإضافة إلى نصفها الآخر أو نصف حصة شريكه فمقتضى المعارضة المزبورة عدم إحراز شي ء منهما.

و بهذا يفترق المقام من قول البائع بعت غانما حيث ان الغانم بمعنى العبد، من الكلي الطبيعي الصادق على كل من عبد البائع و عبد غيره، و يحمل على عبد البائع

بمقتضى وقوعه مقام التصرف، و ظهور الهيئة في قوله بعت غانما في الأصالة من غير ظهور معارض، و هذا بخلاف ما إذا قال بعت نصف الدار المفروض كونها مشتركة بين الاثنين بنحو الإشاعة، فإن ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين مانع عن الحمل على خصوص حصة البائع.

ثم إذا كان البائع المزبور وكيلا عن شريكه أو وليا عليه فهل يكون الحكم كما في صورة كونه أجنبيا أم لا الصحيح ان يقال إذا كان المعارض لظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين في الصورة السابقة، هو ظهور النصف بقرينة مقام التصرف في النصف المختص للبائع كما هو الأظهر، فلا معارضة في صورتي الوكالة و الولاية بل يؤخذ بظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين، لان الموجب لظهور النصف في خصوص حصة البائع، عدم نفوذ تصرفه في غير تلك الحصة، و مع الوكالة أو الولاية، يكون تصرفه نافذا في حصته و حصة شريكه على السواء.

و على ذلك فمع عدم تعيين احدى الحصتين بخصوصها كما، هو المفروض يحمل المبيع على الإشاعة بينهما.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 505

و ما ذكره الشهيد الثاني (ره) من عدم قصد الفضولي (1)

______________________________

و اما ظهور البيع في كونه بالأصالة فهذا لا يعارض ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين بل ظهور النصف، يكون حاكما على ظهور البيع في الأصالة، فإن ظهور البيع في الأصالة من قبيل الظهور الإطلاقي للفعل و بمقدمات الحكمة و لذا لو قيد البيع بكونه عن الغير أو للغير فلا يكون له ظهور في الأصالة و ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين أيضا ظهور إطلاقي و لا يكون له ظهور في الإشاعة بينهما فيما إذا قيد تلك النصف بسهمه أو سهم

شريكه، الا ان ظهور المتعلق و لو كان إطلاقيا يكون حاكما على ظهور الفعل حيث ان المتعلق بالإضافة إلى الفعل من قبيل المقيد بالإضافة إلى المطلق.

و بهذا يظهر انه لو لم يكن في الصورة الأولى ظهور النصف و انصرافه إلى حصة البائع بقرينة مقام التصرف، لكان ظهور البيع في الأصالة محكوما بظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين.

و الحاصل ان مع عدم وكالة البائع أو ولايته لا يحمل النصف على الإشاعة بين الحصتين بل يكون إنشاء البيع مجملا بالإضافة الى بعض المبيع بخلاف صورتي الوكالة و الولاية فإنه يحمل فيهما النصف على الإشاعة و اليه يشير قوله (ره) (فالأقوى فيهما الاشتراك).

(1) و حاصله أنه بناء على كلام الشهيد الثاني من عدم قصد الفضولي مدلول اللفظ يكون النصف محمولا على خصوص حصة البائع فيما إذا كان أجنبيا و يحمل على الإشاعة بين الحصتين على تقدير كونه وكيلا أو وليا على شريكه و ذلك فإن أصالة القصد في كل متكلم و متصرف و منه البائع يكون معينة للمراد من النصف في قوله (بعت نصف الدار) و ان المبيع خصوص حصته بخلاف صورة الوكالة أو الولاية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 506

الا ان يمنع ظهور النصف إلا في النصف المشاع (1)

______________________________

فإن الأخذ فيهما بظاهر النصف يعني الإشاعة بين الحصتين لا ينافي أصالة القصد حيث ان البائع لكونه وكيلا أو وليا يقصد البيع لا محالة.

(1) و حاصله انه يمكن منع ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين بان يقال غاية ظهوره الإشاعة في مجموع العين لا في كل من الحصتين فيكون مقتضى قوله (بعت نصف الدار بكذا) حتى في صورة وكالته أو ولايته هو بيع خصوص حصته

و كما كان في قوله (بعت غانما) مقتضى الأصالة، بيع عبده كذلك في قوله (بعت نصف الدار).

و لذا ذكروا في مسألة ما إذا وهبت الزوجة نصف مهرها لزوجها، ثم طلقها الزوج قبل الدخول بها، انه يستحق الزوج بالطلاق، النصف الباقي، و لو كان النصف ظاهرا في الإشاعة بين الحصتين، لكان للزوج بعد الطلاق، نصف النصف الباقي، و قيمة نصف الموهوب.

(لا يقال) لا شهادة في الفرع على كون النصف المضاف الى العين ظاهرا في الإشاعة في مجموع تلك العين، لا في الإشاعة بين الحصتين، و ذلك فان استحقاق الزوج النصف الباقي من المهر باعتبار ان حقه الأول هو نصف النصف الباقي، و قيمة نصف النصف الموهوب، و لكن يجوز في القيميات مع التمكن على المثل دفعه و حيث ان النصف الباقي على ملك الزوجة، مثل النصف الموهوب فلا تعتبر قيمة الموهوب، نظير ما ذكروا في باب القرض انه لو أقرض قيميا، فللمقترض دفع العين التي اقترضها باعتبار أن مع دفعها لا تعتبر القيمة.

(فإنه يقال) نعم يمكن ان يكون ما ذكر وجها لاستحقاق الزوج تمام المهر في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 507

..........

______________________________

الفرض المزبور الا ان ظاهر كلماتهم فيه، لا يساعد على هذا الوجه، بل ظاهرهم ان استحقاق الزوج تمام المهر، باعتبار صدق نصف المهر على النصف الباقي، و انه لا فرق بين النصف المضاف الى العين، و بين سائر الكلي الطبيعي المحمول على الفرد المملوك.

و على ذلك يكون حكمهم باستحقاق الزوج النصف الباقي من المهر بالطلاق قبل الدخول باعتبار صدق النصف عليه، منافيا لما يذكر في المقام من ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين و لكنه يحمل على خصوص حصة البائع بقرينة

مقام التصرف.

و أيضا ينافي ما يذكر في المقام ما ذكروه في باب الصلح من انه لو كانت العين بيد أحد و ادعاها اثنان بسبب موجب للشركة بين المدعيين كما إذا قالا انهما ورثاها من أبيهما و فرض إقرار ذي اليد لأحدهما بنصفها و لم يعترف للآخر بنصفها الآخر ثم بعد ذلك صالح المقر له مع المقر في النصف الذي اعترف له بألف دينار، فإنهم ذكروا صحة الصلح و نفوذه في ربع الدار و اما في ربعها الآخر فتمام الصلح موقوف على إجازة المدعي الآخر.

و وجه المنافاة ان النصف الذي وقع مورد الصلح بألف دينار يصدق على كل من نصفها الذي يدعيه المصالح و على النصف الذي يدعيه الآخر، و على النصف من الحصتين و مقتضى وقوعه في مقام المصالحة و التمليك حمله على النصف الذي ملكه باعتراف ذي اليد، و لذا لو صالح المقر له ذلك مع شخص آخر قبل اعتراف ذي اليد، نفذ الصلح في نصفه المختص.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 508

[الإقرار بالصحة للغير]

و لذا اختار سيد مشايخنا (قدس سرهم) اختصاصه بالمقر له (1) و على كل حال فلا إشكال في ان لفظ (2)

______________________________

(1) يعنى حيث ان ما ذكروه في مسألة المصالحة من نفوذها في ربع المال ينافي ظاهرهم من حمل النصف في مقام التصرف على خصوص حصة المتصرف اختار بحر العلوم (ره) ان النصف في مسألة المصالحة أيضا يحمل على خصوص حصة المقر له فتكون المصالحة نافذة في تمام حصة المقر له و هي نصف العين.

و ايضا فصل في المسالك و قال لو أجريت المصالحة على نصف المقر له أو على نصف العين فتحمل على الحصة الواقعية للمقر له لان

مقتضى الإضافة في الأول و مقتضى الظهور في مقام التصرف في الثاني، هو الحمل على حصة المتصرف.

و اما إذا أجريت على النصف المعترف به فتحمل على الإشاعة بين الحصتين فتكون نفوذ معا بتمامها محتاجا إلى إجازة صاحبه و لكن يرد على المسالك ان ما ذكر ليس تفصيلا في مسألة المصالحة بل اختيار لقول المشهور القائلين بالحمل على الإشاعة بين الحصتين، لان المفروض في كلماتهم اجراء المصالحة على النصف المعترف به فراجع.

(2) يعنى يحمل النصف المضاف الى العين في مقام الإقرار على الإشاعة بين الحصتين، بلا خلاف نعم مع القرينة على ارادة المقر، حصته أو حصة غيره، فلا كلام، و لهذا أفتوا فيما إذا كانت العين بيد اثنين و كانت يد كل منهما عليها بالمناصفة و اعترف أحدهما لثالث بثلثها و أنكره صاحبه، بأن ما بيد المعترف من نصف العين يكون بينه و بين الثالث المزبور على حد سواء، كما ان ما بيد الآخر من نصف الدار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 509

..........

______________________________

يكون الزائد على حصته و هو سدس العين محسوبا على المعترف و الثالث على حد سواء.

لا يقال- هذا الفتوى غير مناسب لحمل الاعتراف لثالث على الإشاعة بين الحصتين، فان مقتضى حملة عليها ان يكون ثلث ما بيد المعترف الذي هو سدس العين و ثلث ما بيد الآخر و هو سدسها أيضا لذلك الثالث، و حيث ان صاحب المعترف ينكر الاعتراف، فقد تلف سدس العين على ذلك الثالث، و يبقى له السدس الذي بيد المعترف.

(فإنه يقال) ما بيد المنكر من نصف العين ليس عين ماله، بل مقدار حصته بزعم المقر و زائد على ذلك المقدار، بثلث و لو كان مال المنكر

متعينا بما بيده كما إذا كان داران إحداهما بيد زيد و الأخرى بيد عمرو و اعترف زيد لثالث بنصف كل من الدارين ففي هذه الصورة باعتبار تعين مال عمرو بما بيده، يكون النصف الآخر مما بيده تالفا على الثالث فقط للإنكار.

و الحاصل ما بيد المعترف في المثال المتقدم، مقدار حصته مع زيادة لا انه حصته بل حصة ذلك الثالث و المعترف مقدار بلا تعيين خارجي لهما و على ذلك فما يحصل من العين بيد المعترف نسبته اليه و الى الثالث على حد سواء، كما ان ما بيد المنكر زائدا على حصته، و هو سدس العين، نسبته أيضا الى المعترف و الثالث على حد سواء، و نتيجة ذلك هو الحكم بالمناصفة في التالف و ما بيد المعترف حتى مع حمل الاعتراف على الإشاعة بين الحصتين.

نعم لو قيل بإمكان تعلق الغصب بالمشاع، و بجواز تقسيم أحد الشريكين مع الغاصب في إفراز حصته لأمكن القول بان سدس العين المفروض كونها بيد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 510

نعم يمكن ان يقال ان التلف في هذا المقام (1)

______________________________

المنكر يحسب تالفا على الثالث فقط بدعوى ان وضع كل منهما يده على نصف العين بمنزلة تعيين كل منهما حصته بما بيده، فلا مال للمعترف بيد المنكر ليحسب تالفا عليه و على الثالث معا و لكن تعلق الغصب بالمشاع و ان كان ممكنا الا انه لا يصح الافراز مع الغاصب بل لا بد من كونه برضاء الشركاء.

و يتفرع على ذلك أى على تعلق الغصب بالمشاع و عدم صحة الإفراز مع الغاصب، انه لو كانت الدار لاثنين على الإشاعة و كانا ساكنين فيها و اخرج الظالم أحدهما و سكن مكانه،

فيلزم على الشريك الساكن نصف اجرة المثل في نصف الدار لصاحبه الذي أخرجه الظالم لأن حصة الشريك الساكن لا يتعين في النصف الذي يسكن باعتبار عدم صحة الإفراز مع الغاصب، نعم يكون ما على الظالم ايضا من أجرة المثل له و لشريكه بالمناصفة.

(1) يعني يمكن ان يقال عدم جواز الافراز مع الغاصب، لا يلازم عدم الإفراز في المقام، بل في المقام يكون الزائد في يد المنكر محسوبا على المقر له، و ذلك لان إنكاره موجب لجواز وضع يده على نصف المال الزائد على حصته بزعم المقر، حسابا لذلك الزائد على المقر له.

و نظير المقام مسألة الإقرار بالنسب فان مقتضى إنكار الوارث الآخر ان يضع يده على الزائد على حصته حسابا على من لم يقر بنسبه فلا يكون ما بيد المقر مشتركا بينه و بين المقر له على حد سواء.

و لكن لا يخفى ان مقتضى نفوذ الإقرار على المقر ان يترتب على ما بيده من المال اثر الواقع و المفروض ان ما بيده بحسب إقراره ملك له و للمقر له على حد سواء كما ان الموجود بيد المنكر يكون الزائد منه على حصته مشتركا بينه و بين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 511

..........

______________________________

المقر له كذلك.

أقول لا ينبغي الريب في ان النصف أو نحوه عند إضافته إلى عين لا يكون ظاهرا في الإشاعة بين الحصتين كما تقدم في تقرير مسألة الطلاق و إذا ملك زيد و عمرو دارا بالمناصفة فأي جزء يفرض من الدار فهو و ان كان مشتركا بينهما بالمناصفة الا ان حصة كل منهما لا ينتصف بينهما بالمناصفة و لذا لا يكون عند ما يقال نصف تلك الدار في مقام البيع

و الإقرار ظاهرا في الإشاعة بين الحصتين بل النصف أو نحوه بالإضافة إلى الحصتين من قبيل الكلي في المعين و المراد بالإشاعة فيه عدم تعيين النصف في جهة العين بكونه طرفها الشرقي أو الغربي بل أى جزء يفرض من العين يقع مورد الحكم بمقدار النصف و اما حساب ذلك المقدار على اى من الحصتين أو عليهما فلا بد من القرينة عليه، و مقتضى القرينة في مقام التصرف حمله على حصة المتصرف فقط حيث ان مقتضى الإطلاق أي مقدمات الحكمة في ذلك المقام وقوع التصرف لنفسه لا عن الآخر بالولاية أو فضولا فان الوقوع عن الأخر كذلك يحتاج الى التقييد و القصد فيما إذا كان المال الذي يتصرف فيه كليا في الذمة، أو كليا في المعين، و المفروض في المسألة، ان البائع لم يقصد من قوله بعت نصف الدار بكذا، الا ما يكون ظاهرا منه عند تمام الإطلاق.

و لا يبعد ان يكون الأمر كذلك في مسألة استحقاق الزوج تمام المهر مع الطلاق قبل الدخول و بعد هبة الزوجة نصف مهرها له، حيث ان مقتضى خروج النصف من ملك الزوجة إلى ملك زوجها بالطلاق قبل الدخول استحقاق تمام المهر.

و ما تقدم من المصنف (ره) من ان ظهور المتعلق حاكم على ظهور الفعل بمعنى انه لا تتم مقدمات الإطلاق في ناحية الفعل المقتضى لصدور الفعل عن الفاعل بالأصالة مع ظهور المتعلق في الإشاعة بين الحصتين، ففيه أولا ان المتعلق كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 512

و اما مسألة الإقرار بالنسب (1)

______________________________

ذكرنا لا ظهور له في الإشاعة بين الحصتين.

و ثانيا لا يكون ظهور المتعلق بيانا في كل مقام بل ربما يكون ظهور الفعل، بيانا لإطلاق

المتعلق، نظير قوله لا تضرب أحدا فإن النهي عن الضرب الظاهر في المولم، قرينة على تقييد المتعلق بالاحياء، و قد ذكرنا (ره) في بحث الاستصحاب ان النهى عن النقص قرينة على اختصاص المراد من اليقين و الشك بموارد الشك في الرافع.

هذا كله في مقام التصرف و نحوه و اما في مقام الإقرار، فليس في البين ما يوجب تعيين المقر به بخصوص حصة المقر، بل الاخبار عن حصة من العين بأنها للغير، مقتضاه ان الحصة المزبورة تخرج عن تمام العين فينفذ من الإقرار بمقدار الإقرار على النفس و لا ينفذ ما يكون إقرارا على الغير.

(1) و مما ذكرنا في مسألة اعتراف أحد الشريكين بثلث العين للآخر يظهر حال إقرار أحد الوارثين بالنسب للثالث في ان ما يكون بيد الوارث المنكر لا يحسب تالفا على ذلك الثالث فقط بل يكون ما بيد المقر لهما و ما بيد المنكر تالفا عليهما على حد سواء.

نعم في البين روايات «1» و ربما يستظهر منها ان التالف بالإنكار لا يحسب على المقر بالنسب للثالث و لكنها لضعفها غير قابلة للاعتماد عليها و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور فيها ما لا يخفى لان نقل أصحاب الحديث تلك الروايات في كتبهم لا يدل على عملهم بها كما يمكن ان يكون عمل البعض من غيرهم لاعتقادهم

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (26) الحديث (5- 6)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 513

[بيع ما يقبل الملك مع ما لا يقبله]

و دعوى انصرافه إلى صورة (1)

______________________________

موافقة مضمونها للقاعدة حيث تقدم دعوى ان مقتضاها حساب التالف بالإنكار على المقر له فقط.

(1) حاصل الدعوى ان المراد بما لا يملك في قوله عليه السّلام و لا يجوز بيع ما لا يملك بعض القرية

المفروضة في السؤال و البعض المزبور كان بيعه من بيع مال الغير و بتعبير آخر لا يتصور في قسم الأراضي ما لا يكون قابلا للملك شرعا فإن الأراضي الموقوفة أو المفتوحة عنوة أو الميتة كلها مملوكة حتى مع عدم جواز بيعها و قوله عليه السّلام و وجب الشراء من البائع فيما يملك ناظر الى حكم مورد السؤال الذي فرض فيه كون بعض المبيع غير مملوك للبائع بل مملوك للآخرين فالتعدي إلى حكم المقام يحتاج الى عدم احتمال الفرق في الحكم بين المسئلتين و لا مجال لمنع المصنف (ره) و التزامه بإطلاق الصحيحة و شمولها للمقام كما لا يخفى.

نعم خطاب حل البيع و صحته يعم المقام حيث ان البيع بالإضافة الى ما يقبل الملك داخل في ذلك الخطاب.

و لكن ربما يناقش في صحة البيع بالإضافة الى ما يقبل الملك ايضا بوجهين:

أحدهما- ان ما قصد بيعه هو لمجموع بإزاء مجموع الثمن و بيع ما يقبل الملك بإزاء بعض الثمن غير مقصود مستقلا و انما المقصود بيعه في ضمن بيع المجموع.

و هذه المناقشة ضعيفة جدا لما ذكرنا سابقا من ان البيع الواقع على المجموع في أمثال المقام ينحل بالإضافة الى اجزاء الصفقة غاية الأمر يكون تمام البيع بالإضافة الى كل من جزئي الصفقة شرطا في بيع جزئها الآخر و لذا يثبت في صورة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 514

..........

______________________________

الجهل بالحال خيار تبعض الصفقة.

و بهذا يظهر ان قياس بطلان البيع بالإضافة إلى مجموع الصفقة ببطلان الشرط بلا وجه فان فساد الشرط ايضا كما سيأتي إنشاء اللّه تعالى في محله لا يوجب فساد البيع و ان البيع لا ينحل بالإضافة إلى شرطه بخلاف اجزاء المبيع كما

ذكرنا.

و ثانيهما انه و ان ينحل البيع المتعلق بالمجموع الى بيع اجزائه الا ان دليل حل البيع و لزومه لا يمكن ان يعم ما يقبل الملك لان بيع ذلك الجزء بإزاء بعض الثمن غرري حيث لا يعلم حال البيع مقدار الثمن الواقع بإزائه.

و الحاصل لو أمكن التعدي من صحيحة الصفار بدعوى عدم احتمال الفرق بين المسئلتين فهو و الا لزم الحكم ببطلان البيع بالإضافة الى ما يقبل الملك ايضا.

و الجواب انه لا يعتبر العلم بمقدار الثمن في البيوع الانحلالية بل يكفي في خروج البيع عن كونه غرريا معلومية مجموع الثمن الواقع بإزاء مجموع المبيع بلا فرق بين صورة بطلان البيع بالإضافة الى بعض البيوع الانحلالية و عدمه و بلا فرق بين جهل المتبايعين أو أحدهما ببطلان بعض تلك البيوع و عدمه لان العلم بالبطلان و عدم الإمضاء شرعا لا يمنع من قصد مبادلة المجموع بالمجموع و لو كان المعلومية في البيوع الانحلالية معتبرة لزم الحكم ببطلان البيع في غالب موارد الانحلال لجهل المشترى بل البائع غالبا بمقدار الثمن في كل واحد من تلك البيوع الانحلالية حال إنشاء البيع المتعلق بالمجموع في مقابل المجموع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 515

مع انه لو تم ما ذكر (1)

______________________________

و قد يقال انه لا يكون الغرر حال البيع موجبا لفساده فيما إذا ارتفع حال التسليم و في المقام يرتفع الغرر عن الثمن بتقويم ما يقبل الملك و ما لا يقبله و ملاحظة النسبة بينهما.

و فيه انه لا يمكن الالتزام بذلك فان ظاهر النهى عن بيع الغرر ان البيع فيما إذا كان في إنشائه متصفا بكونه غررا فهو محكوم بالفساد و لذا لا يمكن الالتزام فيما إذا باع

صبرة مجهول المقدار ثم يكال قبل التسليم الى المشترى.

و ما يقال من ان الغرر غير الجهل بالمقدار و في المقام ليس في البيع غرر بل مقدار الثمن مجهول و الدليل على كون الجهالة في الثمن أو في المثمن موجبة لبطلان البيع هو الإجماع و من الظاهر انه ليس في المسألة إجماع لذهاب جل الأصحاب إلى صحة البيع بالإضافة الى ما يقبل الملك.

و فيه ان كان المراد بعدم الغرر في البيع معلومية مجموع الثمن بإزاء الصفقة الجارية عليها البيع فهو و ان كان صحيحا الا انه كما الغرر منتف كذلك الجهالة في ذلك الثمن أيضا منتفية و اما الجهالة في البيوع المتعددة المنحلة و الغرر فيها لا يضر بالبيع لا في المقام و لا في غيره فلا وجه لدعوى ان الغرر غير الجهالة كما لا يخفى.

(1) يعنى لو تم ان المشترى مع علمه بالحال لا يمكن ان يقصد شراء تمام الصفقة بإزاء مجموع الثمن لزم الالتزام بان قصده في الحقيقة تعلق بشراء ما يملك بإزاء تمام ذلك الثمن لان مع اقدامه على ضمان الصفقة بإزاء تمام الثمن مع علمه بان بعض الصفقة لا يدخل في هذا الضمان في الحقيقة اقدام على ضمان ما يدخل في هذا الضمان بإزائه كما صرح بذلك الشهيد (ره) في حواشي القواعد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 516

بل جزم بعض هنا بوجوب تقويمهما (1).

______________________________

و ما ذكر (ره) في تلك الحواشي يناسب ما ذكروا في بيع مال الغير من العالم بالحال من انه لا يرجع بالثمن لانه سلط البائع على ذلك الثمن مجانا فإنه على ذلك يكون المشترى العالم بالحال في المقام مسلطا للبائع على تمام الثمن اما في مقابل

المملوك فقط أو بعضه في مقابل ما يقبل الملك و بعضه مجانا.

(1) و هذا هو الصحيح فإنه في مورد بيع ما لا يقبل الملك بعنوانه كما إذا بيع الخمر بعنوانه فلا بد في تقويمه من تقويمه خمرا و اما إذا بيع بعنوان ما يقبل الملك كعنوان الخل مثلا فلا بد من تقويمه خلا و هذا مقتضى بذل الثمن و جعله في المبادلة بإزائه كما لا يخفى.

هذا كله فيما إذا كان ما لا يقبل الملك شرعا مالا عرفا و اما إذا لم يكن مالا عرفا كما إذا باع الشاة مع الوزغ صفقة بثمن فلا يمكن تقسيط الثمن على الشاة و الوزغ لعدم قيمة للوزغ عرفا و الأمر يدور بين ان يكون تمام الثمن بإزاء الشاة فهذا خلاف مقصود المتعاقدين و بين ان يكون البيع فاسدا حتى بالإضافة إلى الشاة و هذا هو المتعين باعتبار عدم طريق إلى معرفة الثمن بل لكون أصل البيع غرريا لان عنوان البيع لا يحصل بالإضافة إلى الوزغ حتى بنظر العرف و بالإضافة إلى الشاة غرري إلى هنا انتهى الجزء الثاني من مباحث البيع بقلم مؤلفه أقل العباد جواد بن على عفى عنهما و يتلوه الجزء الثالث إنشاء اللّه تعالى اللهم أنفع به إخواني أرباب الفضل و عشاق العلم و اجعله ذخر اليوم فقري و فاقتي آمين يا رب العالمين.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.